(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 22 رجب الأصب 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: حقيقة العزة وطريق اكتسابها بمقتضى الإيمان ودلالة التنزيل.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، مُشرِق النورِ المبين، وجامعِ القلوبِ لمَن سبقت لهم السعادةُ على الوِجهة إليه، والذلةِ بين يديه، فلا والله ما عزَّ أحدٌ في الأرض والسماء إلا بِذلَّته لربِّ الأرضِ والسماء. إلا بخُضوعه لربِّ الأرض والسماء، إلا باستكانتِه لربِّ الأرض والسماء جل جلاله. وأعلى مَن نال ذلك حبيبُ الحق، المصطفى محمد، لذلك استحقَّ العزةَ الكبرى في جميعِ الخلائق وورِثَها عنه المؤمنون (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)، والعلم بحقائق هذه العزة، التي غايتُها (أحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم بعده أبدا)، والنظرُ إلى وجه الله الكريم، ودوامٌ وبقاءٌ واستمرارٌ وخلودٌ في نعيم (فلا يبأسوا أبدا)، في حياة (فلا يموتوا أبدا)، في صحةٍ فلا يمرضُوا أبدا، في شبابٍ فلا يهرَموا أبدا. وعطايا أبَى اللهُ أن تحيطَ بها نفسٌ مِن أهل الأرض والسماء، (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وهو القائل جل جلاله، كما رواه عنه نبيُّه المصطفى محمد، في حديثه القدسي (أعددتُ لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر).
حقائقُ هذه العزة يا أهل الجمع - أعزَّكم اللهُ بطاعتِه، وأعزَّكم اللهُ بالقربِ منه، وأعزكم اللهُ بالصلةِ برسوله، وأعزكم الله بحسنِ الخواتيم عند الممات، وأعزكم الله بمرافقةِ حبيبِه في دار الكرامة، اللهم آمين- حقائق هذه العزة، لا تُدركُها العقولُ القاصرة، وهي كلُّ عقلٍ لم يستنِر بأنوارِ الوحي والتنزيل، ولو صنع ما صنع، في عالمِ الأسلحة، في عالم الزراعة، في عالم الهندسة، في عالم الفضاء، لو صنع ما صنع، إذا لم يستنِر بأنوار الوحي والتنزيل، فهو القاصر، القاصر علما، القاصر ذوقا، القاصر إدراكا، القاصر وعياً، أتحسبون أنَّ مَن علم شيئاً مِن شؤون هذه المواد الكونية، فقد علم؟ قال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)، فهم في ميزان ربِّك لا يعلمون، أفيكونون عندك يعلمون؟ وأنت المؤمن به، استحي على نفسك، هؤلاء لا يعلمون. ما دام انحصر علمُهم في ظاهرٍ مِن الحياة الدنيا فهم لا يعلمون، يقول جل جلاله لنبيِّه (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ)، محصورين في هذا، (ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ)، فأي مبلغٍ هذا، في فانٍ مُنتهٍ زائلٍ عما قريب؟
أيها المؤمنون بالله: حقائقُ العزة شرفٌ وفخرٌ مؤبَّد، حقائقُ العزة قربٌ مِن الواحد الأحد، حقائق العزة مرافقةٌ للنبي محمد، مَن حُرِمها فهو الذليل، مَن حُرِمها فهو الحقير، مَن حُرِمها فهو الساقط المُهان، ولو كان يُدعى في أيام الدنيا بالرئيس، ولو كان يُدعى في أيام الدنيا بالفيلسوف، ولو كان يُدعى في أيام الدنيا بالعبقري، ولو كان يُدعى في أيام الدنيا بالخبير، هو الحقير، هو المُهان والعياذ بالله، (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء).
ولذا نادى بعض العارفين قائلاً "ما أعزتِ العبادُ أنفسَها بمثلِ طاعة الله، ولا أهانت أنفسَها بمثلِ معصيةِ الله"، لا عزَّ لك مثل ذلَّتك للرب، وخضوعِك لأوامره ولنواهيه، تجتنب النواهي، تُسابِق إلى حُسنِ أداء الأوامر لأنها أوامر عظيم. لأنها أوامر قادر، لأنها أوامر قهار، لأنها أوامر عليم، لأنها أوامر رحيم، لأنها أوامر مَن هو على كل شيء قدير، وأحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، ولا يملكُ هذا الوصفَ سواه، ليس هذا الوصفُ لسواه، كائناً من كان، أبداً، له وحده، ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
فإذا جاء الأمرُ منه، فالأمرُ كبير، والأمرُ خطير، وإذا جاء النهيُ منه كذلك. حقائق يجبُ أن ندركَها لا نساوَم عليها، لا تلعب علينا فيها الأنفس والأهواء ولا شياطين الإنس والجن، ولا الحضارات ولا الزخارف ولا الدعايات ولا الصناعات ولا غيرها، هذه حقائق دوام، هذه حقائق خلود، ليس لشانِ المتاع الفاني أن يلاعبَنا فيها ولا يضحك علينا أو يخادعَنا. مقتضى الإيمان، حرِّروا عقلَ هذا الإنسان إلى هذه المستويات الرفيعة، في تلك المستويات الرفيعة، لا يجد أصنافُ الخلق مِن حواليه أحسنَ لهم منه، ولو كانوا يحاربونه، فيحاربهم من أجل الله، ويقاتلونه، فيقاتلهم مِن أجل الله، فلن يجدوا أحسنَ مِن قتالِ هذا الإنسان الذي قاتلَهم مِن أجل ربه، فإنه مِن أجل عالمِ الغيب يرعى حُرماتٍ فرضها عليه هذا الإله، لا يمكن أن تُرعى بقوانين ولا بأنظمة ولا بشيء عند طغيان هذا الإنسان. لكن هذا المؤمن هو الذي يرعى هذه الحرمات ويرعى هذه الحدود، فلن يجدَ أصنافُ الخلق أحسنَ مقابلة ولا مُعايشة ولا مصالحة ولا محاربة إن حاربوا، مِن هذا المؤمن الصادق المُعَز بعزِّ الله جل جلاله وتعالى في علاه. ولو فقهوا حقائقَ هذه الشريعة وهذا الدين لعَلموا أنه لا يوجد في الكون كله بكل معنى أحسن لعيشِ الإنسان واستقرار الإنسان مِن منهج الرحمن، ونظام الرحمن وشريعةِ سيد الأكوان، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومَن سار في دربه.
أيها المؤمنون: حقائق هذه العزة العظمى، التي يكتسبُها المؤمنُ على قدرِ إيمانه، على قدرِ خضوعه للرب، مترجَماً في طاعتهِ للحبيبِ المقرب، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) جل جلاله وتعالى في علاه، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)، أترون أوضح من هذا الخطاب؟ فما هناك مشكلة للمسلمين في الشرق والغرب، إلا أنهم لم ينفِّذوا، لم يطبِّقوا، لم يتيقَّنوا، لم يُحسِنوا الأداءَ أمام هذا الخطاب الواضح، ولو أحسنُوا القيامَ به وأداءه لكان العزُّ مخيِّما على كل واحد منهم، ولا أجد على ظهر الأرض بإيماني ومعتقدي وما علمتُ مِن وحيِ ربي وبلاغِ نبيِّي، لا أجد على ظهر الأرض أعزَّ من القلوب التي صدقت مع الله وأخلصَت لوجهه الكريم، وتذلَّلت لعظمتِه فتنقَّت عن شوائبِها ومعايبِها ومثالبِها، وعاشت بين الناس بروحانية الصدقِ مع الخلاق، هؤلاء هم الأعز، ظاهراً وباطناً. على ظهر الأرض، في بطن الأرض، في البرزخ، وفي يوم القيامة، وكان يقول أهل المعرفة: "كفاك مِن نصرِ الله لك لو وجدتَ مَن يعاديك عاملا بمعصيته"، يعصي اللهَ تبارك وتعالى فهذا خزي، وهذا ذلة أمامك، حقائق يجب أن تأخذَ مكانَها مِن عقولنا وأفهامِنا وأذهانِنا ووعيِنا، لنطلبَ حقائقَ العزِّ بالخضوع لهذا الإله تعالى في علاه، والذين أدركوا النصيبَ والحظَّ من هذا، تطيب لهم سجدةٌ في ظلمات الليالي حيث لا يراهم إلا هو، فكم لك مِن مثلِها؟ ليلة، ليلتين، ثلاث، أسبوع، شهر، خمسة أشهر، سنة، ما قمت بهذه السجدة، تتلذَّذ بها في خلوةٍ بينك وبينه، لأنك لم تعتزّ بعد بعزةِ طاعته، ولو اعتززت بحقيقةِ الطاعة لطلبتَ هذا، ولم تصبر عن هذا، ولطاب لك لذةُ المناجاة، وحلاوةُ الرحمة، وبردُ العفو، مِن الكريم الغفور، سبحانه وتعالى. اللهم أذقنا لذةَ مناجاتِك وبردَ عفوك وحلاوةَ رحمتك، ولا تُهِنّا بحرمان ذلك، يا الله، أعزّنا بالصدقِ معك، أعزَّنا بالإقبالِ عليك، لا تسلِّط علينا شياطين إنس ولا جن، ولا أنظمة ولا دول ولا شعوب ولا أحزاب ولا هيئات لنكونَ عبادًا خُلَّصاً لك، أنت الرب الذي تستحق العبادة، وتستحق الخضوع، اللهم أعزَّنا بذلك، يا مَن صنتَ وجوهَنا عن السجود إلا لك، صُن قلوبَنا عن السجود إلا لك، صُن وجهاتِنا عن السجود إلا لك، صُن مقاصدَنا عن السجود إلا لك، يا رب العالمين.
ولقد خاطب اللهُ الحبيبَ الأمين وقال (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ). فالساجدون هم أحبابُ الرحمن وأحباب حبيبه، ولا يوجد مُتقلَّبا إلا بينهم، وتقلُّبه بينهم مرئيًا رؤية خاصة، مِن قِبل العزيزِ الرحيم، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)، العزيز، صاحب العزة (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا).
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الذِي يَراكَ حِينَ تقُوم ) فما أعظمَ قيامَ محمد، (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا)، (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)، معاني العزة عند الرب، يراك هذا العزيز الرحيم حين تقوم، ويرى تقلُّبَك في الساجدين، فإذا تقلب بين الساجدين، وكل ساجد مقتدي بمحمد، وهو صاحب الإمامة في حقائق السجود، سجدت روحُه قبل أن يُخلق ساجدٌ من الكائنات، صلوات ربي وسلامه عليه. ولما اجتمع أكابر آل السجود، وأعاظم أهل السجود الأنبياء والرسل، في ليلة شريفة في بيت المقدس، وقاموا بالتذلل والسجود للملك المعبود، كان النبي محمد الإمام، وآدم مأموم، ونوح مأموم، وإدريس مأموم، وإبراهيم الخليل مأموم، وجبريل مأموم، وعيسى روح الله مأموم، والإمام زين الوجود، محمد، مَن به شُرِّفتم، من به كُرِّمتم من به عُزِّزتم، فلا تضيع سرَّ علاقتنا بهذا الجناب الأشرف يارب، وشرِّفنا بدوام الاتصالِ به الدنيا وآخرة، ثم كل ساجد من أمته مقتدٍ به، (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فهو سيد كلِّ ساجد، فهو بتعاليمِه وإرشاداته ونورانيَّاته، حاضرٌ مع الساجدين. وهو متقلِّب بين الساجدين صلوات ربي وسلامه عليه، والعزيز الرحيم يرى تقلَّبه بين الساجدين فيُعزَّهم ويرحمَهم، ويرتقون مراقي العزة، وينالون النصيبَ مِن الرحمةِ على قدرِ تحقُّقهم بحقائق السجود الذي لما سئل العارف بالله عن هل للقلب سجود؟ قال: له سجودٌ لا يرفع عنه صاحبُه أبدا، إذا قد سجد القلب لا يقوى على الرفع، بل يزدادُ معرفة ويزدادُ سرَّ سجود، ويزداد حقيقةَ سجود، فهو يمشي وهو ساجد القلب، ويتكلم وهو ساجد القلب، يأكل وهو ساجد القلب، ويشرب وهو ساجد القلب للرب جل جلاله.
كان الإمام الشعراني في مصر يقول: أجالس أهلي وأجلس بينهم على الحالة التي أدخل فيها في الصلاة. مِن سرِّ سجود قلبه، قلبه ساجد للرب، جل جلاله. قالوا عن سيد الساجدين (كان يذكر اللهَ على كل أحيانه)، صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد ذلكم، العلائق والمجامع في الحياة الدنيا، على قدرِ صلتِها بسرِّ السجود وسيد الساجدين ومنهاجِه وسُنته تكون عزيزة وتكون كريمة، ورفيعة القدر، وأكثر العلائق القائمة على ظهر الأرض والمجامع والمجالس، لا تفيد أصحابَها إلا حسرةً وندامةً يوم القيامة، (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)، (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا)، لماذا تتبرأ مِن أصدقائك هؤلاء؟ كنت تعتزُّ بهم في الدنيا، قال أضلَّني عن الذكر، أي الذكر؟ الوحي الذي نزل على محمد، هذا السر، هذه العزة، هذه الكرامة هذا الشرف، (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا)، وحذَّرنا الحقُّ تبارك وتعالى مِن أن نستسلمَ لدواعي الغفلة، حتى نهجرَ وحيَه وتنزيلَه، (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، وأخبرنا بحكمه أنك تعيش في أي زمن فإنَّ الجبار سيجعل مِن حطبِ النار، مِن العايشين معك على ظهر الأرض أعداداً كبيرة، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)، كفى بربك هادٍ يهدي من يشاء، اللهم اهدنا فيمن هديت، وهو ناصرهم في الدنيا والآخرة (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
فيا ليت أن قلوبًا وعقولًا لأصنافٍ ممن على ظهر الأرض اليوم، مغترِّين بشهواتِهم أو مغترِّين بقوَّاتهم المادية أو العسكرية أو الفكرية أو التكنولوجية، يا ليتهم يعُون حقيقةً يُنقذون بها مِن هونٍ مؤبد، مِن ذلِّ دائم، من اسوِداد وجوه (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )، يا ليتَهم ينقذون أنفسَهم من هذا، ولكن هل على الرسل وعلى مَن آمن بهم فاتبعَهم وأدرك سرَّ الحياة إلا أن يبلغ؟ فبلِّغوا وحيَ الله وشرع الله، وأمر الله، ولن تبلِّغوا إلا وأنتم واثقون موقنون مؤمنون مصدقون متفانُون في أنه الحق، تحملون شعار تحدث عنه ربعي بن عامر، وهو لسان حال الصحابة وخيار التابعين، وخيار تابعي التابعين، من الفقهاء من الزهاد من العُبَّاد من الدعاة الأخيار كلهم، هذا لسان حالهم عبَّر عنه ربعي بن عامر "الله ابتعثنا"، تعرف أين المصدر؟ تعرف أين الإرسال والمنطلق من أين؟ الله ابتعثنا.
أنت يا أيها الحاضر في ذا المحضر، لو فقهتَ حقيقةَ المهمةِ الكبيرة ورابطتَك بصاحبِ الطلعةِ المنيرة، والوحي الذي نزل عليه تكون مُبتعَثًا من قبل رب السماوات والأرض إلى نفسك إلى أهلك إلى أصحابك إلى أصدقائك إلى مسارك في الحياة إلى مَن لقيتَ مِن كل أسود وأبيض، وأحمر وأصفر وعربي وعجمي وصغير وكبير وبعثتُ إلى الخلق عامة، (بلغوا عني ولو آية، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب)، الله ابتعثنا..
هذا الابتعاثُ الإلهي كم أهملناه؟ كم تناسيناه؟ كم قصَّرنا في حقه؟ تُبتَعث مِن قِبل ربِّ العرش فَتقصِّر في حقِّ هذه البعثة حتى في أعضائك تهملها وتخالفه، وتخرج عن منهجه، وتخرج عن شريعتِه، وأسرتك ما قمت بحق الله فيها في البلاغ، وهذا الابتعاث، وأصدقاءك، ذا تحابيه على عقوق أبيه وذا تحابيه على عقوق أمه، وذا تحابيه على قطيعة أرحامه، وهذا تحابيه على أن يجعل أموالَه في الربا، وتسكت، ما عندك مهمة؟ ما عندك ابتعاث؟ ما عندك بلاغ؟
"الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد". الله، اللهم حققنا وإياهم بحقائق العبودية لك، والعبودة برحمتك يا أرحم الراحمين.
يارب.. أهل مجمعِنا ومن يسمعُنا حققهم بحقائق العبودية لك، يا الله، وأذِقنا وإياهم لذةَ العبادة، وحلاوة العبادة ولذة المناجاة يا الله. ومَن كان فاقدُها منهم في ما مضى في عمرِه، افتحها عليه في باقِي العمر، يا الله، ونعوذُ بنورِ وجهِك أن يموتَ أحدهم ما ذاقَ لذةَ مناجاتِك، نعوذ بك يا الله، ونستجيرُك يا الله، فغوثًا مِن غوثك، ودركاً مِن دركِك، ترحم به هذه القلوب فتذيقها لذةَ مناجاتك قبل خروجها من الدنيا، يا الله.
هذه من العطايا التي بُعث بها خاتم الرسالة، الذي به شُرِّفتم، صاحب الإسراء والمعراج، وابتثَّت في قلوب أصحابه، فيقول لأحدهم (سل ما تشاء)، يقول "رسول الله كنا في الجاهلية وشر، فأنقذنا الله بك، فاليوم أعبد ربي، في سنتك ومتابع لك وأرى وجهك، وأجلس معك، ماذا أريد؟" عجب النبي من هذا الذوق، (فسل ولابد أن تسأل)، شاور نفسك، رجع، فقال: يا رسول الله، لو سألت ما سألت مِن شؤون الدنيا فسألت الله لي وأعطاني إياه ثم يتركني وأتركه، فلا أسأل شيئاً من الدنيا، قال: فما تسأل؟ أسألك مرافقتَك في الجنة، هذا منطق واعي، هذا منطق ذائق، هذا منطق مؤمن موقن، أسألك مرافقتك في الجنة، نظرت العينان إلى الوجه وهو يصدق في الطلب، قال (فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجود). اتصل بسرِّ الخضوع للرب، اتصل بالسجود فإني سيد الساجدين والقُرب مني على قدر تحقُّقك بالسجود، (أعنِّي على نفسك بكثرة السجود). هكذا صح لنا في الحديث، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
قال سيدنا أنس بن مالك: أسألك الشفاعة يوم القيامة يا رسول الله، يقول لأنس إني فاعل إن شاء الله، اقل: أين أجدك؟ اطلبني عند الميزان، قال فإن لم أجدك؟ فاطلبني على الحوض، فقال إن لم أجدك؟ قال فاطلبني على الصراط، فإني لا أخطئ هذه المواضع الثلاثة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. تأملتم كيف الخطاب بين أنس وبين حضرة النبوة والرسالة، خدمَه عشرَ سنين فحكى كريمَ خلقه، فما قال لي في شيء فعلتَه لِم فعلت؟ ولا في شيء تركته لِم تركته؟ قال وإذا عاتبني بعض أهله في شيء قال لهم: قدَّرَ اللهُ وما شاء فعل. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) صلوات ربي وسلامه عليه.
وبمحبتِك له وما أودعتَ قلبَه من محبتك، افتح على قلوبنا وأرواحنا ذوقَ لذة مناجاتك مادُمنا في الدنيا، لا تحرمنا ذلك، ومَن قد أعطيتَه ممن يسمعُنا من قد أعطيته مِن ذلك فزِده، وضاعِف له مادام في هذه الحياة، فهي اللذائذ التي لا تُنال بنكاح ولا برئاسة ولا بمأكول ولا بمشروب، ولا بمركوب ولا بجميع مُتعِ الدنيا مِن أولها إلى آخرها لذائذ أعلى وأغلى يذوقها من يذوقها مِن خُلَّص عباد ربكم على ظهر الأرض ثم يعدُّهم للنظر إلى وجهه الكريم، فيا ربنا أكرِمنا ويا ربنا لا تُهنَّا، وياربنا لا تحرِمنا، لا تحرمنا خيرَ ما عندك لشرِّ ما عندنا يا الله.
وبذا عظُم شان المجامع، التي تعقد على الذكر مهما أخلصَ أصحابُها لوجهِ هذا الإله جل جلاله، وتتنادى إليها الملائكة، مِن صنفِ الملأ الأعلى، يقولون هلموا إلى بُغيتِكم، هلموا إلى طَلِبتكم، فما أحسنَ مجالسَ الذكر التي عقدت من أجل الله، وإذا سخر الله لك مجمعًا عقدَه أصفياء، وعقده أتقياء فاغنم الفرصة، فإنها محلاتُ نظرِ الله تبارك وتعالى، حتى إذا قال الله لملائكتِه: أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم، فقال ملَك إلا فلان عبد خطاء ما جاء للذكر، إنما جاء لحاجة، قال رب العرش وله قد غفرتُ، (وله قد غفرتُ هم القوم لا يشقى بهم جليسهُم)، هكذا حدثنا النبي، هكذا حدثنا الصادق، هكذا حدثنا خير الخلائق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وهو المُوحى إليه (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، وما أعظم الذين يريدون وجهه، لو لم يتعرف إليهم، ما انبعثت منهم الرغبة في ابتغاء وجهِه وإرادة وجهه جل جلاله، (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).
أما الذين جعل مستواهم معرفةَ المال أرادوا المال، معرفة السمعة، ارادوا السمعة. معرفة الشهرة أرادوا الشهرة وصاروا عبيدها، يطلبونها بأي حيلة، معرفة الرئاسة والإمارة والحكم، صاروا عبيدها، وطلبوها بأي وسيلة، لكن مَن أرادهم له، وتعرّف إليهم، (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ)، قال هؤلاء محلُّ نظري فاجعل نظرَك عليهم، كن مع هؤلاء، (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). كل قلبٍ غافل عن ذكر الله فالهوى متسلِّط عليه بقدرِ الغفلة، فكيف يكون أمره؟ (فُرُطًا)، ضائعًا مهملًا، لا نتيجةَ له، لا غايةَ له، لا عاقبة له. تعظُم هذه المجامع إذا عقدت له ومن أجله، وأصحابها يريدون وجهه.
وبذلك نجد ما جاءنا في هذه الآيات، مجامع جماعة يدعون ربهم بالغداة والعشي، يقول الله، سيد خلقه وإمام أهل الأرض والسماء اجلس معهم، (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ). يقول ابن كثير لما نزلت هذه الآية، خرج يبحث عنهم فوجد جماعة من فقراء الصحابة، آخر المسجد جلس معهم، وقال الحمد لله الذي أراني في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم. (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ)، رفع شان هذه المجامع، جل جلاله وتعالى في علاه. كذلك ما يعقد من مجامع العلم، مجامع الخير، ومن مجامع هذه الزيارات، التي تسمعون عنها التي يُراد بها وجه الله، ويذكر فيها الله، ويُتواصى فيها بالحق والصبر، منها مجامع شعب النبي هود المقبلة علينا بلغنا الله إياها في عوافٍ كوامل ونظر منه للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، في جميع الجهات، يدفع به الآفات، يكشف به الغمات والظلمات، يهدي به القلوبَ الزائغات، ينوِّر به العقول المظلمات، يثبِّت به الأقدامَ خيرَ الثبات على ما يحب في الظواهر والخفيات، هذا سؤالنا منك يا مجيب الدعوات، يا ذا العرش يا رفيعَ الدرجات، يا من يعطي ولا يبالي يا مولى الموالي، يا ربنا يا ربَّ كل شيء ومليكَه، فاستجب دعاءنا، ولبِّ نداءنا، واغفر أخطاءنا، وتحمل تبعاتنا، وأجلِ ظلماتنا، وادفع الآفات عنا يا الله، يا الله، يا الله.
مَن اجتمعَ لإرادةِ غيرِك فهذا الجمع يطلبونك، ويريدون وجهَك، ويسألونك ما عندك، اللهم فبحقِّ المُخلصين ممَّن هو حاضر، ومن مضى ومن يأتي اقبل الجميع وأدخل الناقص في الكامل، وصاحب الأغراض غيرك في من أخلص لوجهك، وائذن بتطهير القلوب، عن إرادة غيرك يارب العالمين يا الله، يا الله، يا الله.
وقد كان يقول بعض أهل العلم لو فرضنا ميتًا، أذن اللهُ له أن يعود إلى الحياة الدنيا ويعمل، ما آثر شيئا على مجالس العلم والذكر بعد أن يرى الحقيقة في البرزخ، قال لو رجع فلن يعمرَ عمرَه إلا بهذه المجالس، ووراء هذه المجالس، وكانوا يذكِّرون النفوس بحقائق النصوص، بما يُستأنس به مِن رؤيا صالحة وغيرها، ويذكرون امرأةً في بعض قرى المسلمين، حرصت على مجامع العلم والخير واسمها مسكينة، وتوفيت فيراها بعض صلحاء البلد، في حلَّة من حلل الجنة تتبختر تمشي فيناديها من ورائها يا مسكينة، التفتت، تقول هيهات ذهبت المسكنة وجاء الغِنى الأكبر، في الدنيا تسمُّوني مسكينة مسكينة، الآن قد أعزَّني ربي، بمُلك كبير، كيف حالك؟ لا تسل عمن أبيحت له الجنة بحذافيرها، بِم بلغتِ هذا؟ قالت بمجالس العلم والذكر التي كنت أحرص عليها في الدنيا. فالحمد لله على مجامع الخير، الله يكثِّرها فينا، ويوصلنا بسرها ونورها وحقيقتها وبركتها.
تنصرفون من المجمع ما كلكم سواء، وفيكم من يظفر، وفيكم مَن يُنظر، وفيكم مَن يُطهَّر، وفيكم مَن يدنى، وفيكم من يُصفَّى، وفيكم وفيكم، والله لا يحرم أحد، الله ينظر إلينا، يا واحد يا أحد، وفِّر حظنا مِن نظرِك، من عنايتك، مِن رضاك، مِن عفوِك، من عطفِك، من لطفِك، من رأفتِك، من رحمتِك، من حنانِك، من حنانِ روح نبيك، من الصدق معك، من الوجهة إليك، من الذلة بين يديك، ارزقنا الذلة بين يديك، من نحن ومن نكون، وما هذه الكائنات، لولاك يا الله.
والله لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينةً علينا ** وثبّت الأقدامَ إن لاقينا
إنَّ الألى قد بغَوا علينا ** وإن أرادوا فتنةً أبينَا
أبينا أبينا أبينا، وأردناك، وقصدناك، وتوجَّهنا إليك، فيا رحيم ارحم، ويا كريم أكرم، يا كريم أكرم، يا كريم أكرم. ونوِّر لنا كلَّ مظلِم، وكُن لنا في كلِّ مهم، ولا تجعل لنا همًّا سواك يا الله، ونلحُّ عليك في تحقيقِ الطلب وإجابتِه، ونقول: أجب يا الله، وحقِّق المرادَ يا الله، يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله، يا مَن ليس لنا غيرُه إله، نقول لك يا الله، على ما فينا ما لنا غيرك نقول لك يا الله، مَن غيرك نناجيه؟ مَن غيرك نناديه؟ باب مَن نقصد؟ ياربنا نرتمي على مَن؟ نذهب إلى مَن؟ نأوي إلى مَن؟ نسأل مَن؟ ندعو مَن؟ لا ترمِنا إلى مَن لا ينفعُنا ولا يضرنا، لا ترمِنا إلى مخلوقٍ مثلنا يا الله يا الله. قصدناك وما لنا براحٌ عن بابك، يا الله
لم أزل بالباب واقف ** فارحمن ربي وقوفي
وبوادي الفضل عاكف ** فأدم ربي عكوفي
ولحسن الظن ألازم ** فهو خلي وحليفي
وأنيسي وجليسي ** طول ليلي ونهاري
يا الله، يا الله، إنسهم وجنّهم صغارهم وكبارهم ذكورهم وإناثهم ممن حضر ومن يسمع، انظر إليهم، انظر إليهم، انظر إليهم، انظر إليهم، انظر إليهم، ياربي انظر إليهم، ياربي انظر إليهم، يا ربي انظر إليهم، يا ربي انظر إليهم، وطهِّرهم في عافية، وصفِّهم في عافية، واعفُ عنهم، وتجاوَز عنهم، بدِّل سيئاتِنا وسيئاتِهم إلى حسنات، تحمَّل عنا جميعَ التَّبعات، واحفَظنا في ما يبقى إلى المَمات، حتى نلقاك على خير الحالات، نلقاك وأنت راضٍ عنا، نحب لقاءَك وأنت تحبُّ لقاءنا، يا الله.
لا أكرمَ مِن هذا الذي وقفنا على بابِه، ولا أجودَ مِن هذا الذي لُذنا بأعتابه، فما لكم غيره فإليه توجهوا، ولسرّ الخضوع له تنبَّهوا، وظنُّوا به ما شئتم. وظُنُّوا به ما شئتم! وظُّنوا به ما شئتم! (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، وأنا معه ما ذكرني وتحرَّكت بي شفتاه)، ما هذه النعمة؟ مَن تذكرون؟ من تذكرون؟ أتستشعرون؟ وأذِن لنا بذلك.. له الحمد، لك الحمد، لك الحمد، أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسنِ عبادتك، يا الله. ما أحلاها لكن قُلها بكليّتك يا الله، أي اسم هذا؟ اسم ربي وربّك، اسم رب العرش، اسم رب محمد، اسم رب المصطفى، اسم رب إبراهيم، اسم رب إسماعيل وإسحاق، اسم رب يعقوب، اسم رب يوسف، اسم رب آدم، اسم رب جبرائيل، الله، يا ما أعجبه مِن اسم، يا ما أعظمَه مِن اسم، ما تشرَّف قلبَك ولا عقلك ولا فكرك بمثل هذا الاسم، من جميع الأسماء الله ما أعجب هذا الاسم! الله يُحلَّيك بحلية النورانية، مِن أسرار أسمائه وصفاته، اللهم آمين يارب، اللهم آمين يارب، اللهم آمين يارب، يا الله.
ومهما نازل الناس في العالم، وتوجهوا وجهات وتفرقوا فرقاً فاحفظ هذه القلوب أن لا تقصد إلا أنت يارب، احفظها أن تقصدَ غيرك، سلِّمها، يا الله، وثبِّت كلاًّ منهم على ذلك، حتى يتم الاجتماع هنالك، يا ملك الممالك، مع سيدِ كلِّ سالكٍ وناسِك، يا الله، وإذا سجد في المقام المحمود فقرِّبنا منه، وأسمِعنا حمدَه إياك، وأسمِعنا نداءك إياه، إذا قلت له عبدي حبيبي (ارفع رأسك، ارفع رأسك)، فلو لم يكن مِن جزائك للمحبوبين إلا سماعَ مَن أردتَ منهم هذا الخطاب لحبيبِك في ذلك الموقف لكفاهم ذلك نعيماً كبيراً. (ارفع رأسك، وسل تُعط، وقل يُسمع لقولك، واشفع تشفَّع)، الحق يقول لحبيبِه، الحق يقول لخيرِ خلقِه، (ارفع رأسك، وقل يُسمع لقولك، سَل تعط، واشفع تشفع)، شفِّعه في مجمعنا، وشفِّعه يوم جمعنا، شفِّعه في مجمعنا الآن، وشفِّعه يومَ جمعِنا هناك، شفِّعه في مجمعِنا الآن، وشفِّعه في مجمعِنا هناك يا الله، بسرِّ قولك فاشفع تشفّع اقبل فينا شفاعة المشفَّع، ذي القدر الأرفع، والجاه الأوسع يا أكرم مَن يسمع، يا الله.
الليلة هذه على ظهر الأرض، ارتفعت أصواتٌ كثيرة، لكن لا يوجد أعز مِن صوت يا الله، أصوات كثيرة في العالم مرتفعة، لكن هذا أعزُّها إذا كنتَ من أهله، يا الله، إليك اللَّجاء، وأنت الملاذ، وأنت المغيث، وبيدِك الأمر، وإليك المرجع، ولا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك، نقول لك لِما علِمنا وما لم نعلم من شؤوننا وشؤون الأمة، في الدنيا والبرزخ والآخرة نقول لك يا الله، وأنت أعلم، وأنت أرحم، وأنت أكرم، نحن نقول لك يا الله، وأنت أعلم، وأنت أرحم، وأنت أكرم، وما معنا في جهلِنا، وعجزِنا وضعفنا، وخطئنا، واعترافِنا، بما كان منا، إلا أن نقولَ لك يا الله، ونحسبُ أن نداءك يكفي، ومِن كل بلاءٍ يشفي، يا الله، برحمتِك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين، أصلح شؤونَ المسلمين أجمعين، اختم لنا أجمعين بأكمل حسنى، وأنت راض عنا.
نسألك لنا ولهم والأمة مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
22 رَجب 1437