(536)
(228)
(574)
(311)
محاضرة للحبيب عمر في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 27 ذو الحجة 1434 هـ بعنوان: زمر أهل الجنة وسيماهم واجتماعاتهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على تدفُّق سيول الكرم الرباني والفيض الإحساني والجود الإمتناني الرحماني، بواسطة صاحب الشرف العدناني، مَن به نبلغ غاياتِ الأماني، ذاكم حبيب الله وصفوته، وذاكم مختاره من بريّته، ذاكم الأمجد وذاكم الأوحد وذاكم الأسعد، ذاكم محمد وذاكم أحمد.. يا رب صل عليه وعلى آله وصحبه وجميع المنسوبين إليه، وأحكِم نسبتَنا إليه بأجسامنا وأرواحنا ونياتنا ومقاصدنا في سر تبعية لخير البرية، يكون بها الهوى تبعاً لما جاء به، فتسري سرايات الأعمال التي أحببتَها وشرعتَها على يديه في كل عضو من أعضائنا، وتتنزه أعضاؤنا عن المخالفة، وتتنزه أعضاؤنا عن المباعدة، وتتنزه أعضاؤنا عن المعصية، وتتنزه أعضاؤنا عن الخطايا، وتتنزه أعضاؤنا عن الخروج عن مسلكه وعن سنته، فتتصل به أرواحنا وقلوبنا وينال السرُ اتصال أجسامنا.
اللهم أدِمنا بك وبه متصلين، وعليك به مقبلين، في كل شان وحال وحين، وعندك به مقبولين يارب العالمين ويا أكرم الأكرمين.
إن جامعكم اليوم، جامعكم الليلة، جامعكم في هذه الساعة والأماكن، هو جامع الأولين والآخرين (لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ)، هو الحي القيوم جل جلاله، وهنا يجمع ليقضي سبحانه وتعالى بمقتضى الاجتماع هنا في يوم المجمع في يوم جمعِ الأولين والآخرين، قال تعالى ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)، وقال جل جلاله (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)، ومعنى زُمر: جماعات جماعات.
ومعنى جماعات: سر اجتماعات جمعتهم في الدنيا على الوجهة إلى هذا الرب والخضوع لهذا الإله والوفاء بعهده والقيام بأمره والتحابب فيه والتنفيذ والتطبيق لما بعث به الهادي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، جمعتهم في الدنيا زمراً فهم إلى الجنة زمرا (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ)، ولِمَ يرسل خزنةُ الجنة السلامَ على هؤلاء؟ يبدؤونهم بالسلام، مع أنهم الوافدين..؟ مسابقةً من الملائكة لتعظيم ما عظّم الله وتكريم ما كرّم الله والاحتفاظ بالخصوصية التي يختصها الله بها من يشاء، فسابقُوا إلى أهل حضرة الله يسلّمون عليهم، (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
والفريق الآخر كذلك ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ) فلابد في هذا العالم من اجتماعات، ولها سمات، لها معاني، لها حقائق، لها قوالب، لها أكسية، لها برُد، لها خِلع، لها مجاري.. هذه وهذه، لتتكون بذلك في يوم الجمع زُمر أهل الجنة وزُمر أهل النار.
لابد من مجالس في هذا العالم، يجتمع عليها من يجتمع، على نقاء على تُقى، على صفا على وفاء على أدب على تعظيم للرب، على خشوع على خضوع على صدقٍ في محاولة التنزُّه عما يُنازع العبدَ في الخضوع لربه جل جلاله، والتقدس عن كل ما يحرِفه ويصرفه عن خضوعه لهذا المولى وأدبه مع هذا المولى واجتماعه على هذا المولى جل وعلا، في تبعية لإمامٍ هو إمام الأئمة.
وإن رسولَ الله من غير مرية...... إمامٌ على الإطلاق في كل حضرةِ
وجيه لدى الرحمن في كل موطن.... وصدرُ صدور العارفين الأئمةِ
فشكراً للرحمن على مجلس إمامُه محمد، وعلى موكب إمامُه محمد، وعلى تدفُّق من الفيض بابُه محمد، وسببه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن حكيم، ذاكم المقدم العظيم، ذاكم المكرَّم الكريم، ذاكم أكرم الخلق على الله، ذاكم واسع القدر والجاه، ياربنا اربطنا به ربطا لا ينحل أبدا.
ومجالس فيها نوره وفيها سره وفيها نظره وفيها سُنته وفيها ذكره وفيها الصلاة عليه، إن لم تكن هي زمر أهل الجنة فأين الزمر؟ من أين تُكوَّن الزمر هناك؟ من أين من غير هذا من أين تكون؟ (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)
ومجالس في الدنيا على اتباع الهوى، على الإيذاء، على الإضرار بالناس، على عدم المبالاة بأمر الله أمام أغراض النفوس وأمام مراداتها وأمام الطمع في المال أو المراكز أو السُلطة أو غير ذلك من الشؤون التافهات، واجتماعات على المعصية وعلى المجون وعلى الخِلاعة وعلى القَطيعة وعلى الإيذاء لعباد الله تعالى، منها تتكون زمر أهل النار، بها تتكون ، ومن هناك تتكون الزمر، من تلك المجالس التي في هذه الدنيا.. كانوا اجتمعوا فيها على القطيعة، على الإيذاء، على المخالفة لشرع الله، على الاستهانة بأمر الله سبحانه وتعالى، تتكون منها زمر أهل النار ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) أي جماعات جماعات، لِمَ؟ لأنهم كانوا كذلك في الدنيا، فما أعجب أن تكون الآخرة بطولها ثمرات من ثمرات الدنيا بِقِصرها، ولكن الذين ما عرفوا ولا أدركوا ولا ذاقوا قِصَر الدنيا فاغترُّوا بها، فاتَهم طول الآخرة في النعيم، فاتهم بقاء الآخرة في التكريم، فاتهم دوام الآخرة في رضوان العلي الكريم جل جلاله وتعالى في علاه، فاتهم الفوز ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور )
والذين أدركوا قِصرها وتذوّقوا ذلك، صارت ما لا تغرّهم ولا تضرّهم، ولا تقطعهم، قطعوها قبل أن تقطعهم وأهانوها قبل أن تهينهم، ورفضوها قبل أن ترفضهم، فبذلك هم الأعزّة والله وحدهم هم الأعزّة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وما سوى ذلك والله ثم والله أيمان بعدد خلق الله، أنه وهمٌ وخيالٌ لا شيء تحته، تصوّر ما شئت من غير ذلك، من غير العز بالخضوع لله والأدب معه والتبعية لمحمد، تصوّر ما شئت، من كل ما يجري في هذه الحياة وخالق الحياة وخالقي وخالقك، وهمٌ وخيال وسراب لا شيء تحته! أتوقن أم لا توقن؟ وحذار أن لا توقن فتُهان، حذار أن لا توقن فتؤول إلى الذل وتؤول إلى الندامة، هذا هو اليقين (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)
فعلى ماذا يُتسابق؟ وإلى ماذا يُتشوّف؟ ومن ذا الذي يلعب برغبات وإرادات وتطلعات المؤمنين في غير ما رغّبهم الحق ورسوله؟ من ذا الذي يغشهم ويخدعهم؟ ثم يرتضون به موجهاً لإراداتهم، لرغباتهم، لمطامعهم، لآمالهم، وهو عدوّهم (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، كما سمعتم في قول ربكم جل جلاله وتعالى في علاه (لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا) كل الذين يفرُّون عن نصرته، في أنفسهم في أولادهم في أسرهم في أي زمان كان، ما هم وحدهم الذين هربوا يوم الخندق، وتسللوا بالمسلمين ورأوا أنه لا أحد يراهم ذهبوا، ولا في بعض الغزوات الأخرى، كل من تنكَّر لدعوة هذا النبي ولأخلاقه ولتعاليمه، في نفسه في أسرته، واستبدل بها ما يُضادها ويخالفها من سِيَر أعدائه فهو من المتسللين لواذا، (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا) أهل هواية النت بالانحراف، هواية النت بتتبّع السقائط، بتتبّع المهابط، بتتبّع السوء، هؤلاء يتخفّوا يروح إلى هناك لا يريد ذاك يشوفه، ولا والده يدري به (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا) قال الله تعالى الأمر جد وليس عبث ولا هزوء ولا لعب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
وقد رأوا آثار الفتن وآثار العذاب تحت حقيقة ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فلا يطلب الحل من غير الرجوع على قدم الصدق والخضوع، والأدب والخشوع، للحي القدّوس جل جلاله وتعالى في علاه، وتعظيم أمر الله بإقامة هذه الشريعة.. وبهذا تُختم الأعوام وبهذا تؤخذ بركة الأعمار، وبهذا ينبسط فكر الموفق ليقيم الأمر كما يحبه من خلق، جل جلاله، على اتباع هذا الحبيب الأصدق صلوات ربي وسلامه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
فأحسنوا خاتمة العام، أيام وينقضي ويذهب عنا والأعوام تُدنينا من لقاء بارينا، والأعوام تطوى بها لنا صحائف نقابل بها ترجع إلينا (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ) الذي قال لك ذا الكلام ما هي مخابرات الدولة الفلانية ولا غيرها، ولا مجلس الأمن الفلاني ولا سواه، جبار السماوات والأرض، (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) في قلبك رهبة من سواه، وهو لا تعدّ كلامه شيء؟ ولا تحفل به ولا تهتز به، (وَكُلَّ إِنسَانٍ) تعرف معنى وكل إنسان؟؟ (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً* وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) وفي بعض القراءات (أَمَّرْنَا مُتْرَفِيْهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، أتعرف ما يدمّر القرى؟ هو هذا، الذي يدمّر القرى، لا شيء، ما تعرف إلا أسلحة الدمار، هذه هي، والله لا تستخدم ذيك إلا طبقاً لهذه، وبحسب هذه، لأن رب ذي وتيك هو الذي يتحكم فيها، فلا يمكن أن تنطلق تلك ولا أن تُستعمل حتى يقوم هذا (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا)، هذا هو.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) صدق ربنا الإله العظيم جل جلاله وصدّقنا بما قال، وصدّقنا بما أرسل به خاتم الإرسال، سيد من أكرمهم بالإنزال، ذاكم سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآل، وعلى جميع من اتبعه وجعلنا الله وإياكم منهم، فجردوا عزائمكم، فالأمة تحتاج أن تطلب من باريها سبحانه وتعالى، الفرج وكشف الشدة بهذه الرجعات، بهذه الإنابات، بهذه الخشيات، بهذا الصدق مع بارئ الأرض والسماوات.
بارك الله في مجمعنا وجعلنا من أهل زمر جنته يوم اللقاء، إذا سيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا، فاجعلنا في تلك الزمر يا من فطر، يا من أكرمنا بالحبيب الأطهر، يا مَن جعلنا في أمة خير البشر، ندعوك وأنت المدّخر، فاجعلنا في من يُساق إلى الجنة في كريم تلك الزّمر، ورفيع تلك الزّمر، وشريف تلك الزّمر، إلى خير مقر، وأشرف مُستقرّ، في دار الكرامة والنظر، آمين يا الله، من حضر ومن يسمع لا تخلِّف منهم احداً عن تلك الغاية ولا عن تلك النهاية، يا من بيده الأمر كله، تُطلب فتعطي وتُدعى فتجيب وتُنادى فتستجيب، فلك الحمد يا قريب يا سميع يا مجيب، قد توجهنا إليك بالحبيب وأهل حضرتك من كل منيب، اللهم فلا تجعل أحداً منا يخيب واجعلنا جميعاً في أهل ذاك الموكب المهيب، المبارك إلى دار الكرامة، في زمرة المظلل بالغمامة آمين.
والعام يُختم بخير يارب، والسنة تذهب عنا يا مولانا ونحن على خير الأحوال، مختومةً لنا بخير ما تختم سنوات المحبوبين من عبادك، لا تُبقِي لنا فيها ذنباً ولا سيئة إلا محوتها، لا يبقى في الصحائف من أوزارنا القبيحة شيء، ولا من خطايانا التي تسوّد الوجوه يوم القيامة شيء، يارب كل شيء، بقدرتك على كل شيء، اغفر لنا كل شيء، وأصلِح لنا كل شيء، ولا تسألنا عن شيء ولا تعذّبنا على شيء، يارب كل شيء، يارب كل شيء، بقدرتك على كل شيء، اغفر لنا كل شيء، وأصلح لنا كل شيء، ولا تسألنا عن شيء، ولا تعذبنا على شيء يا الله، يا الله، يا الله، فإنه ليس فينا من يطيق عذابك، لطفك بالأمة، يا كاشف الغُمّة يا جالي الظلمة لا تجعل أحداً منا سبباً لنزول البلاء، ولا سبباً لترادف الآفات والسوء برحمتك يا أرحم الراحمين.
قد جاء بعضهم إلى محمد بن مقاتل في وقت شدة جاءت على الناس، وأمراض نزلت بهم وقال أنت إمامنا ادع الله لنا، التفت إليه قال يكفي أن لا أكون سبب هلاككم، أنا يكفي لا أكون سبب هلاك يكفيني هذا، ليتني لا أكون سبب هلاككم، وذهب، والرجل يلح على ربه ويدعوه.. فرأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي جاء إليه فقال له إن الله رفع الشدة عنكم وأذهبها بدعاء محمد بن مقاتل، وذاك الذي يرى نفسه أنه سبب للهلاك هو المقبول دعاؤه وهو الذي بسببه رفع الله عنهم البلاء.
فيارب هذه النماذج ما تغيب في الأمة ولا تُفقد في الأمة، فببركاتهم اكشف الغُمة وأجلِ الظلمة وادفع النقمة وأرنا في عامنا المقبل ما يسر القلوب، وما تدفع به جميع الخطوب، وثبّتنا على ما تحب منّا وتولّنا بما أنت أهله في الحسّ والمعنى يا أرحم الراحمين، سمعتم ما ورد في الأثر ( إذا قال العبد يا أرحم الراحمين ثلاثاً ناداه ملكٌ إن أرحم الراحمين أقبل عليك فسَلْ ) فنادوا هذا الإله خير مسؤول، وأكرم مأمول، متوجهين بسيدنا الرسول وقولوا يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، أصلح شؤوننا والمسلمين، فرج عنا والمسلمين، والطف بنا والمسلمين، في ما تجري به المقادير، وكن لنا عوناً ونصير يا الله..
يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، فرج على المسلمين.
27 ذو الحِجّة 1434