(536)
(228)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
أحيى اللهُ في قلوبنا وفي الأمةِ حقائقَ الإيمان واليقين والمحبة، وأدخلَنا إلى ربوع أولئكم الأحبة، أهل القُربة، الذين اعتلَت لهم الرُّتبة لدى الرب سبحانه وتعالى، فكانوا سبباً لكشفِ الكُربة في الدنيا وفي الآخرة، وكانوا أهلَ الوجوه الناضرة، التي هي إلى ربها ناظرة، فماذا حصَّل غيرُهم بأصنافهم المختلفة؟ وأنواعهم المتباينة؟ ماذا حصَّلوا وإلى ماذا ينتهون؟
إن النظر في أمر المصير الأكبر، وفي أمر النهاية العظمى، وفي أمر العواقب الكبرى هو شأن مَن ميّز وعَقل عن الله خطابَه، وعَقل عن النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بلاغه، أما المغترون في الحياة القصيرة، أما المغترون بالدنيا الفانية، أما الذين لا يعتبرون إلا ما يكون في هذه الحياة القليلة، فأولئك الذين خُدعوا، وانخدعوا، وأولئك الذين أضاعوا أنفسهم وضاعوا، أولئك الذين نسوا الله فأنساهم فأنفسهم ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) اللهم اجعلنا منهم وأدخلنا فيهم.
ومَن أصحاب الجنة؟ رأسهم النبي محمد، ومن يدخل تحت دائرته، ويستظل بظل لواء الحمد الذي يحمله، وكل من لم يستظل بظلِّ هذا اللواء فليس من أهل الجنة، ولا يدخل الجنة إلا مَن استظل بظل لواء الحمد الذي يحمله النبي محمد، ودخل تحت تلك الدائرة، جعلنا الله وإياكم فيها ومع أهليها، قال صلى الله عليه وسلم: (آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة) ونوح وإدريس وهود وصالح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وإسماعيل وسيدنا إبراهيم عليه السلام وذريته، وساداتنا داود وأيوب ويوسف وهارون وموسى وعيسى كلهم تحت لوائه، هنا العظَمة التي يجب أن ندركَها، من لم يدرك هذا ولم يؤمن به خاسر، وإن سمّوه ملِكا، وإن سموه رئيس كبير، وإن سموه في الصحف، وإن سمّوه في الإنترنت، وإن سموه ما سموه، خاسر (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
اللهم اجعلنا منهم، انظروها دلائل من الحق جل جلاله واضحة يبينها لكم، لترتقوا ولترتفعوا، ترتفعوا من هذا الحضيض، الذي يتنافسون عليه، يتنازعون عليه، يتقاتلون عليه، وقد صدق الإمام الشافعي وهو يعبر عما عقل قلبُه عن خطاب ربه ونبيه، فصارت النظرة إلى الدنيا وما فيها من زهرة وزخرف ورئاسة وحكم ومتاع، يحدّث عنها فيقول:
ومن يذق الدنيا فإني طعمتُها ** وسيق إليَّ عذبُها وعذابُها
وبعد هذه النظرة الفاحصة العميقة بالنور القوي الساطع، إلى ماذا توصّلت؟ النتيجة
فلم أرها إلا غرورا وباطلاً ** كما لاحَ في ظهر الفلاة سرابُها
وما هي إلا جيفة مستحيلةٌ، جيفة قد أنتنت، قد أنتنت، قد انتشر قبيح ريحها
وما هي إلا جيفة مستحيلة ** عليها كلابٌ همُّهن اجتذابها
فما نصيحتك؟
فإن تجتنبها عشت سِلْماً لأهلها** وإن تجتذِبها جاذبتك كلابُها
إن ترِد لك نهشة من ذا الكلب والثاني ادخل، وجاذِبهم وسيجاذبونك، وإن تُرِد السلامة في الدنيا والآخرة فوراء النبي محمد، مع النبي محمد، فتعلَّق به، وأحِبَّه، وتمسَّك بسنته، واذكره كثيرا، وصلِّ عليه كثيرا، قل يارب أريد معه في الدنيا والبرزخ والآخرة، لا تفرِّق بيني وبينه ولا تقطعني عنه.. هناك الخير، هناك الشرف، هناك الكرامة.
اعتلجَ في قلوب الصحابة لوعةُ المحبة، وإرادة المرافقة، فما سكَّن لوعتهم إلا وعدُ الرحمن لهم بمعيَّة محمد وأهل دائرته، ونزول قوله تعالى ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا*ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) يا صاحبَ الفضل، والفضل منك بفضلك جمعتَنا فأدخِلنا في أهل ذلك الفضل، وأعطِنا هذا الفضل المخصوص في هذه الآية.. ربي وفي الآية خصائص، لمُختصِّين من كل خالص، ممن استخلصتَهم لنفسك فنسألك أزهى ما فيها، وأبهى ما فيها، وأعجب ما فيها، وأعظم ما فيها، وأرحبَ ما فيها، من أسرار ذلك الفضل في خصائص تلك المعيَّة، فأكرِمنا يارب بذلك، فإنّا وإخواننا هؤلاء، إنساً وجناً إنما جئنا نطلبك، إنما جئنا نرقب خيرَك، ولولا الإيمان بك منك لنا فضلاً ومنَّة، ولولا توفيقك إيانا ما أحضرتنا، الكريم الذي لا يفعل شيئاً عبثا، إذا أحضر الخلقَ بين يديه فلماذا؟ الكريم من خلقِه إذا أحضر الخلقَ أكرمهم بما عنده، وأعطاهم مما يقدر عليه، لكنه الخالق أكرم الأكرمين..
جمعتَنا فأدخِلنا في دائرة هذا الفضل يا الله، وما بقي في القلوب من عوائق الدخول إلى دائرة هذا الفضل فأزِح تلك العوائق بنظرة من عندك، يارب العرش، يا مجيب الدعوات، يا راحم المنكسرين، يا مُقيل عثرة العاثرين، على بابك وقفنا، وبأعتابك لُذنا، وبأحبابك وسيد أحبابك توجهنا وتوسلنا.. فجُد يا جواد، وبلِّغ المراد وفوق المراد، وأصلح لنا ولهم الشان في الدنيا والبرزخ ويوم التناد.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، وإذا أردتَ بعبادك فتنةً فاقبِضنا إليك غير مفتونين، يا الله، ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )
كل ما مُنِّيَت به نفوس خلْقِك من أنواع المتع تزول وتنتهي، لكن ما رغَّبتنا فيه من نعيم جنتك يدوم، فلا تحرمنا الدائم بالزائل، ولا تقطعنا عن الباقي بالفاني، يا باقي والبقاء له، ولا يبقَ شيء إلا بإبقائه، نسألك أن تُنعِم علينا بنعيم الجنة الباقي بإبقائك، وبالنّعيم الأعلى الباقي ببقائك وهو رضوانك، (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)، نعيم الجنة باقي بإبقاء الله، لكن رضى الله باقي ببقاء الله، فأنعِم علينا بذلك.
يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى
يا الله رضى يا الله رضى يا الله بتوبة والقبول
نسألك أن نرى آثارَ رضاك عنّا في العالم، في صلاح أحوال المسلمين، وجمعِ شمل المسلمين، بنزول الرحمة بالمسلمين، في حصول اللطف في ما تجري به الأقدار بين المسلمين، يارب العالمين، كل ذي قلب متعلق بالرب يريد وجهه ويقصده ويعمل على ذلك بما استطاع باتباع سُنة هذا النبي، فملطوفٌ به ومحبوٌّ خير الله وألطافه في عواصف الشدائد الموجودة في الوجود، مهما عظمت ومهما كبرت.
والله ما خَوْفُنا إلا على قلب انقطع، ما خَوْفُنا إلا على من غرَّه الطمع في الحقير، فنسي الكبير، ما خَوْفُنا إلا على مَن أدبر عن ربه، ما خَوْفُنا إلا على من اختار معصيةَ خالقه، فلا يُغنيه شيء، ولا ينفعه شيء، ولا يبقى له من مظاهرَ أخذت عقلَه ولُبَّه شيء، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) فاقصِد هذا الوجه، واعمل لهذا الوجه، حتى يبقى لك ما عملت، يبقى لك ما فعلت، (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، لا إله إلا هو.
اللهم يا باقي تفرَّد بالبقاء، ارحمنا في الحياة، وارحمنا عند الوفاة، وارحمنا في البرازخ، وارحمنا يوم النفخ في الصور، وارحمنا عند العرض عليك، وارحمنا عند الميزان، وارحمنا عند الصراط، وارحمنا إذا تطايَرت الصحف والكتب، وصحيفة كل واحدٍ منا بينها وفيها تأتيه إما أمامه بيمينه يأخذها، وإما من وراء ظهره بشماله يستلمها ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ)، انظروا فضل ربي وجوده، السيئات قد محاها، والحسنات أثبتها، (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) أنا كنت على يقين، لا أشك في لقاء الرب، وإذا مسّني عض جوع وإلا مرض وإلا شيء ما ارتميت في أحضان كفار ولا فجار ولا أشرار، ونفَّذت مرادهم (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) كان عندي ميزان، أنا موقن بأني راجع إلى الرب فحسبت حسابي ما دمت في تلك الحياة القصيرة، (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي) أيقنت أني ملاق حسابيه، قال الحق أنا أحدّثكم عن أهل هذا المصير، (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) الرّضى الذي فاض من قلبه للنعيم الكبير في العيشة، كأنه تحول العيشة نفسها، وصف العيشة بأنها راضية، العايش هو الراضي مو العيشة، قال العيشة نفسها راضية، الرضى فاض حتى غمر العيشة بنفسها (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) حيث لا ظلم، لا فقر، لا جوع، لا زلازل، لا مشاكل، لا انقلابات، لا ثورات، لا صياحات، لا ضولات، (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا*إِلاَّ قِيلا سَلامًا سَلامًا) نِعم النّعيم ( فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ) لا تعب في تحصيلها، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا) مدة كم؟ بلا حساب، مدة كم؟ مليون سنة؟ ما تساوي شيء عند هذا، مليونين، 3 مليون، مدة العمر ذا كله 15 سنة بعد البلوغ 20 سنة 40 سنة، لخبطة كلها فيها تمنعنا هذا؟ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) هي تلك المدة القصيرة اللي خفتموني فيها واتقيتموني وقدَّمتم أمري وأمر رسولي على أهوائكم وأفكاركم وأفكار المُبلبِلين في الشرق والغرب وقلتم الله ورسوله.
لا نؤثر شيئاً على الله ورسوله (لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا) يا أصحاب الأفكار المختلفة، مهما حاولتم إغواءنا وإغراءنا وخداعَنا في شيء يتعلق بأجسادنا أو بمعاشنا أو بمآكلنا أو باقتصادياتنا أو بغيرها، بأمرٍ تدعونا فيه إلى مخالفة الله ورسوله، لن نؤثركم على محمد وعلى الربِّ الذي أرسله، لن نؤثركم على محمد وعلى مُصطفِيه ومرسلِه، لن نؤثركم على محمد وعلى مُجتبيه ومُفضِّله، كما قال السحرة لفرعون ( لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) على يد موسى (وَالَّذِي فَطَرَنَا) لن نؤثرَكم على مَن خلقنا، لن نؤثركم على مَن أوجدنا، هل أوجدتمونا؟ لا عيوننا منكم ولا آذاننا منكم ولا قلوبنا منكم، فكيف تحولُون بيننا وبين من وهبنا إياها؟ هو صاحب المُلك وأنتم معتدون، معتدون في دعوتكم لنا، أن نخالف منهاجه بأي حق؟ ( لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) إن تروا في أيديكم شيئاً من القرارات كما تسمونها وغيرها، فإنما تقضون أجزاء في هذه الحياة الدنيا تحت قهرٍ من القهار، وقد كانت النهاية في القوم الذين ثبتوا، وقالوا لفرعون أصلاً كانت مملكتُك في بالنا عظيمة، وكنا نتمنى قربَك وأجرك، وقلنا لك (أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ)، قُلْتَ (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، لكننا الآن انكشفت الستارة وظهرت الأمَارة، واستنارت منا البواطن وعرفنا حق الأمائن فلا نتبع الخائن، الآن مُلكُك في نظرنا قصير، وقضاؤك في نظرنا حقير، لا نشتاق قُربَك ولا نحب الدنوّ منك، إنا آمنا بربنا، (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) نحن أدركنا الحقيقة الآن (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
يارب هيّئ أرواحَ الأمة وقلوبَها في الشرق وفي الغرب لتدركَ أن اللهَ خيرٌ وأبقى، ونَخلُص من هذه المصائب، نَخلُص من هذه البلايا، ضعُف إدراكُهم أن اللهَ خيرٌ وأبقى أوقعَهم في ما أوقعهم فيه، وإن ظهروا بمظهر دين الله سبحانه وتعالى، لكن آثروا غيرَ الله، لبّوا نفوسَهم، وفيهم من لُبِّست الأمور عليه.. والله ينقذهم، والله يتوب على الجميع ويهديهم، لكن لله حِكَم في تسيير الأمور،( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)، (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) وتأتي حوادث وفيها شأن من شئون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الجيش الذي في البيداء (يُخسف بأولهم وآخرهم)، قالوا "يا رسول الله كيف يُخسف بأولهم وآخرهم؟" قال (يُخسف بأولهم وآخرهم ويُحشرون على نيتهم)، الحشر على النيات، وأما بعض أشياء تعمّ هنا وهنا وهناك، واللطف حاصل إن شاء الله بكل مُقبل وكل باب للخير.
وكل من عرف أن حلَّ الإشكالات في الدنيا والآخرة بيدِ رب الدنيا والآخرة، مالك الدنيا والآخرة، خالق الدنيا والآخرة، وهو واحد أحد، ما أحب أحدا كما أحب محمدا، وإذا أردنا استعطافَه عظَّمنا محمد، وإذا أردنا لطفَه ذكرنا محمد، وإذا أردنا كرمَه ونصرتَه مجَّدنا محمد، واتبعناه ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) قد عرفنا من أين الباب، عرَّفنا هو هذا الباب (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) قل لهم،كلِّمهم يا حبيبي، قل لا تذهبوا بعقولكم في الميدان ذا والميدان، تعالوا الطريق معروفة وقريبة، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) خلاص، وهو أنكم موصولين بحضرة الربوبية (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) إن الله لا يحب الكافرين فلا تحبوهم، إن الله لا يحب الكافرين فلا تطيعوهم، (قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) إنما يختار من يختار من الصالحين، (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وذكر لنا قصة حنَّة وأم مريم امرأة عمران ومريم، والكرامات التي وقعت لها وأنعِم وأكرِم بهم ما أعظمها، ولكن إذا ذكرنا زينب ورقية وأم كلثوم، من صُلب محمد خرجنَ عرفنا العظمة، وعرفنا المكانة الكبرى، وعرفنا أسرار ( فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
فالحمد لله على هذه النعمة، الحمد لله على هذه المنّة، في ذاكم المسلك الحميد الرشيد، ما تدخله طغيان النفوس والأهواء ليتحول لأجل المصالح الدنيوية، ولا لأجل السلطات ولا بالتحامل على ذا ولا على ذاك، إن مسلك أهل الحق والهدى ما يعرفون فيه بُغض مؤمن، ما يعرفون فيه سبَّ مؤمن حي أو ميت، يعظِّمون الأنبياء ويحبّون آل الأنبياء كلهم عامة، وآل محمد خاصة، ويحبون أصحاب الأنبياء كلهم عامة وأصحاب محمد خاصة، ويحبون الأمم المؤمنة كلهم عامة وأمة محمد خاصة، لماذا؟ لأن ربهم رتَّب هذا، سبحانه وتعالى، وهم عبيد لله تبارك وتعالى، فلذا لا تجد عندهم التحامل، ولا تجد عندهم البغضاء، ولا تجد عندهم الشحناء، ولا طريق إلا طريقهم ولا يفوز في الآخرة إلا فريقهم.. الله يُلحِقنا بهم.
ويبارك في الجموع المتوجهة إلى زيارة المصطفى وإلى زيارة البيت الحرام، وإلى الوقوف بعرفة، حيث يأتون ويجتمعون كلهم تحت دعوة الأمين المأمون، هو الذي علمهم وهو الذي دعاهم، صلوات ربي وسلامه عليه، وكلهم يقصدون الحق سبحانه وتعالى، وله يعبدون وله يوحِّدون بكل لغات العالم وسط عرفة لَجاء إلى الله، بكل لغات العالم لجاء إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تختلف عليه اللغات ولا تشتبه عليه الأصوات ويسمع كل أحد ويجيب ويتفضل ويُفيض، وأهل كرامة الوفادة بالأرواح من حيث كانوا، كان يذكرها سيدي أحمد الرفاعي
"في حالة البعد" الجسدي الشخصي المادي "
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ** تقبّل التُّربَ عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح" شبح مع الروح كان المسألة لها حكمها الزائد ومكانها الواحد" وهذه دولة الأشباح قد حضرت" فكان ما كان بينه وبين سيد الأكوان صلوات ربي وسلامه عليه.
وقال الإمام الحداد:
إلى مسجد المختار ثم لروضة ** بها من جنان الخلد خير المصائرِ
وسط هذه الروضة، يعني منتهى هذه الروضة إلى أعلى درجات الجنة، روضة من رياض الجنة لكن في الفردوس الأعلى فوق "من جنان الخلد خير المصائر.
إلى حجرة الهادي البشير وقبره ** وثمّ تقرّ العين من كل زائرِ
وقفنا وسلّمنا على خير مرسلٍ** وخير نبي ما له مِن مُناظرِ
فردَّ علينا وهو حيٌ وحاضر ** فشُرِّف من حيٍّ كريم وحاضرِ
يارب صل عليه، يارب سلم عليه، أزكى التسليم وعلى آله وصحبه وأهل قربه وأنبيائك ورسلك ومن سار في دربهم وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
والله يعيد علينا عوائدَ كلِّ زائر، وبركات كل طائف، وكل واقف، وكل عاكف، وكل راكع وكل ساجد وكل قائم، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، واجعلها مجامع مذكورة في العالم الأعلى بخير ما تذكر به الصالحين من عبادك، أهل ودادك يا أكرم الأكرمين، وإن في الأرض مجالس يغبط أهلَها أهلُ السماء، ويؤذَن لمن يُؤذَن من أهل السماء بالحضور معهم، ويحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، لِمَ؟ لأن العقد فيها مباشِر بالجناب الأشرف، بمحمد حبيب الله، هوعقد ألويتها وأقامها فبذلك غبط أهل السماء أهل الأرض، لأنها تحت رعاية سيد أهل الأرض وسيد أهل السماء، ذاكم الأسمى من اسمه محمد، شرَّف الله عيونكم بنظره، ورؤيته في الدنيا والبرزخ والآخرة.
سمعتم الشاعر، كان يقول في شعره "لعلي أن أرى قبره وأموت بعدها" عسى أشاهد قبره وأموت مكاني، كفاية إذا أدركت من هذه الدنيا وقع نظري على قبره مُحباً معظماً كفاني هذا من الدنيا، وسمعتم أخاكم يقول "جئت فإذا حصلت الرؤية للجناب الشريف أنا مستعد للموت" لأني حصلت المراد من الحياة، حصلت المقصود مِن خلقي وإيجادي، اتصالي بإسعادي وإمدادي.
يا رب صل على خير العباد، واملأ قلوبنا بالإيمان واليقين ولا تحرم هذه العيون رؤيتَه في الدنيا قبل الآخرة، وأسألك بأسمائك وصفاتك وآياتك وقرآنك والوحي الذي أنزلته عليه وقلبه المملوء بالأنوار التي لا يحيط بها غيرك، عند الموت أن تجمعهم به، عند موت كل واحد منهم أن تمكِّنه من رؤية ذلك الجمال الأشرف، فتحسُن له الخاتمة ويطيب له السفر والارتحال إلى المراتب العوال، آمين يا الله..
أحرجُ الساعات التي تمر بكم، أخطرُ الساعات التي تمر بكم ساعة الغرغرة، هناك إذا وُصل ما بينكم وبينه فقد أدركتم سعادة الأبد، اللهم اربطنا بمحمد ربطاً لا ينحل أبدا، واجعلنا به من أسعدِ السعداء هنا وغدا برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، تُب علينا وعلى الحاضرين والسامعين ومن يواليهم فيك والمؤمنين والمؤمنات توبةً نصوحا، من ذنوب قلوبهم وذنوب عيونهم وذنوب أسماعهم وذنوب ألسنتهم وذنوب فروجهم وذنوب بطونهم وذنوب أيديهم وذنوب أرجلهم، نستغفرك ونتوب إليك فتُب علينا واغفر لنا يا خير الغافرين يا الله، لوكان إكرامه إياك بالتوبة منه بأن تبكي سنوات لكان ثمنه قليلاً عند أن يتوب عليك، كيف وقد وعدنا في لحظات أن يتوب إذا نظر إلينا بعين الرحمة، جل جلاله وتعالى في علاه.
إلهنا تبنا إليك فتُب علينا، اقبل توباتِنا، اغفر حوباتِنا، تجاوز عن سيئاتنا، واغفر لنا جميع خطيئاتنا.. يا الله، شرِّف قلوبهم بندائك، وشرِّف ألسنتهم بندائك، وشرِّف ذواتهم بقبولك لهم يا الله، تشرّفوا وقولوا يا الله، بالقلوب قولوا يا الله، وبالأرواح والأسرار قولوا يا الله، وبالألسن قولوا يا الله، وتوجهوا إلى الله، ما لكم غيرُ الله، ولا يُسعدكم غيرُ الله، ولا ينقذكم غيرُ الله، ولا ينوركم غيرُ الله، ولا يطهركم غيرُ الله، ولا يرحمكم غيرُ الله، ولا يتولاكم غيرُ الله، ولا يكون لكم عونٌ غيرُ الله، ولا يسعدكم غير الله، ولا يعطيكم كتبكم بأيمانكم غيرُ الله، ولا يرجّح موازينكم في القيامة غير الله، ولا يثبّت أقدامَكم على الصراط غير الله، ولا يجمعكم في لواء الحمد غيرُ الله، ولا يوردكم على الحوض المورود غيرُ الله، ولا يصلح أسركم وأولادكم غير الله، ولا يثبّت قلوبكم غير الله، ولا يُحسن خواتيمكم غير الله، فقولوا يا الله، يا الله.
يا الله، أذنتَ لنا أن ندعوك، وأذنتَ لنا أن نرجوك، وأذنت لنا أن نطلبك، وأذنت لنا أن نسألك، لك الحمد على كل هذا فأتمم النعمةَ علينا واجمعهم في صفِّ حبيبك أجمعين، ثبّتهم في باقي أعمارهم، لا تخذلهم إلى السيئات ولا إلى المعاصي ولا إلى الذنوب ولا إلى المخالفات لا في الخلوات ولا في الجلوات يارب، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات يا رب صُنهم يارب احفظهم، يارب نستودعك ما آتيتَهم من الخير، فكُن لنا ولهم حافظا يا خير مستودَع، يارب ثبات طول الحياة، يارب ثبات عند الوفاة، يارب مرافقة لحبيبك في زمرة أصفياه.
يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى
يا الله رضى يا الله رضى يا الله بتوبة والقبول
يبيت كلٌّ منا وأنت راضٍ عنه يا الله، رضىً لا سخط بعده يا الله.. تشرّف وقل يا الله، خذ الكرامة وقل يا الله، فارحمنا وإياهم يوم الوقوف بين يديك، وساعةَ العرض عليك، ارحمنا في تلك الساعة يارب، إذا نادى المنادي ليقم فلان بن فلان للعرضِ على الله، ووقف كل واحدٍ منهم ارحمهم يارب، ارأف بهم يارب، الطف بهم يارب، لقِّنهم حجتَهم يارب، لا تجعل المنادي ينادي على أحد منهم إلا بسعِد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها يارب.. آمين يا الله، يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
الرجاء فيك يعظُم يا أعظَم، ولولا جودُك والكرم ما استطعنا أن نسألك، ولا أن نطلبك..
ولو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه ** مِن فيضِ فضلك ما ألهمتني الطلبا
فأتمم نعمتَك علينا بمحمد وأهل حضرته من أنبيائك وآله وأصحابه وأهل قربهم أجمعين، وأدخِلنا في حماهم واسقنا من حميّاهم، وأسعدنا بنظر محيّاهم وأصلح شؤون المسلمين في المشارق والمغارب وادفع المصائب والنوائب واختم لنا بلا إله إلا الله، متحققين بحقائقها وأنت راض عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اجعل آخرَ كلام كل واحد منهم من الدنيا لا إله إلا الله، وأدخِله قبره ممتلئاً بأنوار وأُنس وخير لا إله إلا الله، واحشره يوم القيامة آمناً في زمرة خواص كمَّل أهل لا إله إلا الله، متحققين بحقائقها وأنت راضٍ عنا في خير ولطف وعافية..
والحمد لله رب العالمين.
23 ذو القِعدة 1434