(229)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في جامع سيئون، وادي حضرموت، 29 رجب الأصب 1439هـ بعنوان: وجوب انتباه أذهان المؤمنين لمقصد الحياة بالتزود بحسن العمل
الخطبة الأولى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمدُ لله مُكَوِّرِ النَّهارِ في اللَّيلِ، والليلِ في النَّهار، وجاعِلِ اللَّيلَ والنهار خِلْفَةً لِمنْ أرادَ أنْ يذَّكَّرَ أو أرادَ شُكوراً، مراحِل تَمُرُّ بِهم الأعْمار، وأشهدُ أنْ لَّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، الملكُ الحقُّ الواحِدُ العَلِيُّ القَهَّار، الُمحْسِنُ المُتَفَضِّلُ الُمنْعِمُ الكريمُ الغفَّار، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقُرَّة أعْينُنِا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُهُ ورسولُه، وصَفْوَتُهُ المنتقاة مِنْ بني نِزَار، اللهُمَّ أدِمِ صلوَاتِكَ على عبدِكَ الُمختارِ سيِّدنا محمد، وعلى آلهِ الأطْهارِ، وأصحابهِ الأخيار، ومَن سارَ على سبيلِهم على مَمَرِّ الدُّهورِ والأعْصار، وعلى آبائهِ وإخوانِهِ مِن الأنبياءِ والمُرسلِينَ معادِنِ الأنْوَار، وعلى آلهم وصحبهِم والملائكةِ المقربين، وجميعِ عبادِكَ الصَّالِحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.
أما بعدُ، عبادَ الله: فإنِّي أوصيكُم وإيَّايَ بِتقوى الله، تَقْوى الله التي لا يَقبلُ غيْرَها، ولا يرحمُ إلا أهْلَها، ولا يُثِيبُ إلا علَيها.
أيُّها المؤمنون: تُوَدِّعُ أمَّةُ النَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم شَهرَ رَجَبِ الأصَب، ليُفْضِيَ بِهِمُ الوُصولُ إلى شَعْبان، وكذلِكَ تَتوالى بِهِمُ الأيَّامُ والليالي ليَقْطَعوا مَراحِلَ العُمرِ الفاني، لِيَصِلَ كلٌّّ منهم إلى محطَّةِ لقاءِ الرَّحمن، التي يظفرُ عِنْدها مَن كانَ لها ذاكِراً فيما مضى مِن عُمرهِ وأيامِ دَهْرِه، ويشْتَدُّ الخُسْرانُ على مَن مرَّت بهِ تِلْكُمُ الليالي والأيَّام والأسابيع والأشْهُر: ناسِيَاً غافِلاً عن المصيرِ الحَتْمِي العظيمِ الذي يؤولُ إلَيْه.
وليسَ يُصادِفُ أمْراً أكْبَرَ مِن ذلكَ المآل في كُلِّ ما يتعرَّضُ له في هذهِ الحياة؛ إنَّها حياةُ الزَّوالُ لجميعِ الصِّغارِ والكبار، ولجميعِ الأُمراءِ والمأْمورين، ولجَميعِ الأغْنياءِ والفُقَراءِ، إنَّها حيَاةُ الزَّوالِ، حيَاةُ الفناء، حياةُ الانْتِهاء.
ولَكِنْ خُلِقَتْ كما خُلِقَ الموتُ بعْدَها لِيَختِبرَنا الخالِقُ الُمنْشِئُ أيُّنا أحْسَنُ عملاً، وإنَّما يكونُ أحسَنُ عملاً مَنِ انْطَوى باطِنُهُ مِنَ الصِّفاتِ على ما هو أحْسَن، ومَن تَحلَّى قلْبُهُ بما هوَ أحْسَن؛ فعلى قدْرِ ذلِكَ يَحْسُنُ مِنْهُ العَمل، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، وإذا صدر العَملُ مِنَ القَلْبِ الُمتَحلِّي بالصِّفاتِ الحسَنةِ كان حسَناً، والنيةُ فيه حسَنة، والمقصودُ فيه حَسن، و((إنِّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)).
ما أكثرَ ما تَذْهلُ أذهانُ أكْثرِ المسْلِمين عن هذهِ المعاني المهِمَّة في القِيَامِ بالعمَلِ وإحْسَانهِ، المُرْتَبِط بِحُسْنِ الباطِن، وحُسْنِ القَلْبِ والطَّوِيَّة، وصِدْقِ الإخلاصِ والنِّية، ما أكثر ما تَشْرُد أذْهانُهم عن ذلك؛ اغتِراراً بِزُخْرُفِ الحياةِ وملاذِّها ومظاهِرِها، وما يدورُ على الأذهانِ فيها مِن الكلمات، ومِن التَّصْوِيرات، ومِن الأفكارِ الغَرِيباتِ المخْتِلفات، ومِن بُروزِ الرَّغبات، وبُروزِ الهِوَايات الُمخْتلِفاتِ للناس تؤثِّر.
وهي عواملُ تؤثِّرُ على هذا الإنسانِ وذِهْنهِ؛ فقد يغيبُ ذِهْنُهُ عن مُهِمَّتهِ التي خُلِقَ مِن أجْلها، وأنَّ أحْسَننا عملاً مَن كانَ أصْدقنا إخْلاصاً لِوَجْهِ الكَبيرِ المتعال، الذي إليه المرْجِعُ والمآل، وبيدِهِ الحُكْمُ في يومِ الأهْوال، وهو الذي يُدْخِلُ مَن شاءَ جنَّتهُ ومَن شاءَ نارَهُ، ورتَّبَ ذلك على ما كان صادِراً مِنْهُم أيَّامَ حياةِ الانْتقالِ، أيَّامَ حياةِ الزَّوال، أيَّام المحَطَّةِ القصِيرَةِ التي يتَوقَّفُونَ فيها؛ يتوقفُ فيها أحدُهم مِن حينِ أنْ يَخْرُجَ مِن بِطنِ أمُّهِ إلى ساعةِ أنْ تَصِلَ روحهُ إلى حُلْقُومِهِ.
هذهِ المحطَّة في قِصَرِها يبدأُ المراحلُ الأولى منها بِصِبَاً وصِغَر، ثمَّ تأتي مرحلةُ التَّكليف، وبعدَ ذلكَ لا تطولُ ذلِكَ الطُّول؛ فهي محطةٌ قصيرةٌ تَمُرُّ على الإنسانِ في أعمارِهِ التي يقْضيها، ولقدْ قَضى دْهَراً طويلاً في عَالَمِ الرُّوح، وقبْلَ أنْ تتكوَّن روحُهُ لم يكن لهُ جسدٌ ولا روح، {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}.
أيها المؤمنون: كم شِهَدَ هذا الِمنْبَر، وهذا المسْجِد، وبُلْدانُنا، وأوْطانُنا، كم شَهِدَت مِن وُجوهٍ وأقوامٍ تَلْتَها وجوهٌ أخْرى وأقوامٌ أُخَر، وتَلْتَها وجوهٌ أخْرى وأقوامٌ أُخَر، ويأتي كُلُّ جيلٍ بعدَ الجيلِ الأول كأنَّهُ لا يَزُول!، كأنّهُ لا ينتقِل!، كأنَّهُ لا يتحوَّل!، يغيبُ عَنِ الأذْهانِ مقصودُ الخَلْقِ والوُجود، ومُهمِّتُهم بعدَ الانْتقالِ مِن العُمرِ المحدودِ إلى برْزَخٍ إلى يومِ يُبْعثَون، وماذا بعد البَعْثِ أيُّها المؤمنون؟!؛ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين}.
أنْ يَغِيبَ عنِ الأذْهانِ فُرصةُ ما أُتِيحَ لنا مِن الزَّمان، ويَخْرُج رَجَب ويَدْخُل شعبان في ذلك الغَيْبَةُ للذِّهْن، غيْبَةُ الذِّهْنِ عن إدراكِ المهِمَّة، عن إدراكِ حُسْنِ العَمل المُتَّصِلِ بصفاءِ السَّرِيرَة، المُتَّصِل بِنَقاءِ القَلْبِ عن إرادَةِ غيْرِ وجهِ الرَّبِّ جلَّ جلالُهُ، يُحدِثُ لنا هذا الغَيَابُ عنْ ذِهْنِنا لهذهِ الحقيقةِ انطلاقاتٍ على غيْرِ بصيرَةِ، وتتطوَّرُ وتتراكمُ؛ حتَّى تَصِلَ إلى أنْ يَسْفِكَ بعضُنا دماءَ بعْض، وأنْ يَضُرَّ بعضُنا ببعْضٍ، وأنْ يُعادِيَ بعْضُنا بعضاً، وأنْ يَتَطاولُ بَعْضُنا على بَعْضٍ، وأنْ يْكرَهَ بَعْضُنا بعضاً، وأن يبْغَضَ بعضُنا بعضَاً، لماذا؟، وعلى أيِّ أسَاس؟!.
إنَّكَ بِحُكمِ إسلامِكَ وإيمانِكَ تحملُ الهُدى للبريَّة، وتتمنَّى هدايةَ جميع الخَلْق، وتجعلَ المؤمنينَ إخوانَك، فما هذا الانحرافُ في الفِكرِ الُمتطوِّر؟!؛ المتطوِّر إلى حُروب!، المتطوِّر إلى أنواعٍ مِن المُعاداة!، المتطوِّر إلى أنْ يَضيقَ المسْكَنُ بأهْلِهِ، إلى أنْ يُعادِيَ الجارُ جارَهُ، والقريبُ قريبَهُ، ما هذا؟!، ومِن أيِّ شيءٍ ناشِئ؟!؛ إنَّها الغَفلةُ عن حقيقةِ ما خُلِقْنا لأجلِهِ، وعَنْ إحسانِ أعْمالِنا ابتغاءَ وجهِ ربِّنا جلَّ جلالُه، {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ}؛ يُؤمِن بلقاءِ الله والمرجِع إليه {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
تودِّعُ الأمَّةُ شهرَ رجب، ومَن تذَكَّرَ في رجب إسراءَ ومِعْراجِ نبيِّنا محمَّد صلى الله وسلَّم، ومَن تذَكَّرَ حَمْلَ أمِّه به، ومَنْ تذَكَّرَ حَمْلَ اللهِ إيَّانا في سفينةِ نوحٍ عليهِ السَّلام، ونحنُ في أصْلابِ الآباءِ الذين كانوا في سفينةِ نوحٍ؛ الذين جميعُ مَن على ظَهْرِ الكُرَةِ الأرضيَّة اليوم مِن بني آدَم مِن ذُرِّيةِ هؤلاءِ الثَّمانينَ الذينَ كانوا معَ نوحٍ عليهِ السلام، في تلكَ السَّفينةِ التي جرَت بِعَيْنِ اللهِ ورِعايتِهِ سِتَّةَ أشْهُرٍ في الماءِ حتى رَسَت على الجُودي.
تاريخٌ مِن تاريخِ الإنسان ما أسْرَعَ ما يَتَناساه، وكأنَّهُ على ظهرِ هذهِ الأرضِ بِيَدهِ التَّقديمُ والتأخيرُ، يَغْتَرُّ هذا في صِباهُ، ويَغترُّ هذا في شَبابِهِ، ويَغترُّ هذا في دائرتِهِ، ويَغترُّ هذا في بيتهِ، ويَغترُّ هذا في قبيلتِهِ، ويغترُّ هذا في مالِهِ، ويغترُّ هذا بِنُفوذِ كلمَتهِ، ويغترُّ هذا بمكانتِهِ في مُجتمعِهِ، ويغترُّ هذا بوظيفتِهِ، ويغترُّ هذا بعقلِهِ وفِكْرتِهِ، وكلُّ ذلك غرورٌ زورٌ لا حقَّ لهم أنْ يغترُّوا بهِ لَوْ عَقَلوا أنهم مِن النُّطفِ خُلِقوا، وإلى الجِيَفِ يعودون، إنَّها الغَفلةُ وشرودُ الذِّهنِ عن إدراكِ الحقيقة.
أيُّها المؤمنونَ باللهِ جلَّ جلالُهُ: وما يَرْحُل يومٌ ولا يرْحلُ شهرٌ، ولا يرحلُ أسْبُوعٌ إلا وكانَ شاهِداً لقومٍ وشاهِداً على آخرين؛ كان شاهداً بالحسناتِ لمن فعلَها، وكانَ شاهِداً بالسِّيئاتِ على مَن ارتكبَها.
أيها المؤمنون بالله: الزَّمانُ شاهِد، والمكانُ الذي تعملُ فيهِ العمَل شاهِد؛ قال اللهُ عنِ الأرضِ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}، والملائكةُ شُهودٌ، والصُّحُفُ شُهود، والتَّصويرُ الرَّبَّاني لأحوالِكَ وعَرضهُ عليكَ في القيامةِ شَاهد، وأعضاؤكَ عليكَ شهود: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ }.
فما هي نتيجةُ مَن خَسِرَ الدُّنيا والآخِرة؟، نتيجةُ مَن اغْتَرَّ بشيءٍ في الحياةِ الدُّنيا؛ تَحدَّى أمرَ الله، تركَ الأمْر، فعلَ المُحرَّم، ارتكبَ ما نهاهُ جبَّارُ السَّماءِ والأرْضِ، ما هيَ النتيجةُ بعدَ ذلِك؟، يقولُ سُبحانَهُ وتعالى: {فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ }، ألا إنَّهُ ليسَ لكَ إلا هذا العُمر القصير فأحسِن فيهِ التفكير، على بَصِيرَة، تتبصَّرُ بها مِن وحيِ ربِّك، ومِن بلاغِ نبيِّكَ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّم.
ولقَدْ كَرِهَ اللهُ لنا: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةُ السُّؤال، وإضاعةُ المال، كما جاءَ في صحيحِ مُسلِم عن نبيِّنا المصطفى محمَّد؛ فإنَّهُ إهْدارُ طاقَةُ العُمرِ والمدَّةِ الموْهُوبة لنا في غيرِ ما ينبغي لنا، وقد كَرِهَ اللهُ تباركَ وتعالى مِنَّا ذلك لضررِهِ علينا، فأحْسِن الاشتغالَ في الأيَّامِ والليالي أيُّها المؤمن بِحُسْنِ التَّفْكيرِ فيما تُحْسِنُ بهِ العَمَل، وتَقصِدُ بِهِ وجْهَ اللهِ عزَّ وَجَل.
نوَّرَ اللهُ قلوبَنا بأنوارِ الإيمان، ورفَعنا فيهِ إلى مراتِبِ الإحْسانِ، وجَعلَنا مِن أهلِ الصِّدق معهُ في السِّرِّ والإعْلان، وباركَ اللهُ لنا في خاتِمَةِ رجَب وما بَقِيَ مِن ساعاتِه، وباركَ لنا في شعْبان، وبلَّغنا رمضان، وأعَاننا على الصِّيامِ والقِيَام، وحَفِظنا مِن الآثام، وجَعلنا ممَّن يصومُهُ إيماناً واحتِساباً، ويقومُهُ إيماناً واحتِساباً، ويُدْرِكُ مِن اللهِ أجْراً جَزِيلاً وثواباً، وخيْراً ورِفْعةً تدومُ لهُ أبداً سرْمَداً في حياتِهِ غداً، برحمتِهِ إنه أرحمُ الراحمين.
واللهُ يقولُ وقولُهُ الحقُّ المبينُ: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
أعوذُ باللَّهِ مِنَ الشيطَانِ الرَّجيم، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العَظيم، ونفَعنا بما فيهِ مِنَ الآياتِ والذِّكرِ الحَكيم، وثبَّتَنا على الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، وأجارَنا مِنْ خِزْيهِ وعَذابِه الأليم.
أقولُ قَوْلِي هذا، وأستغفرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكم، ولوالدِينا ولجميعِ الُمسلِمين، فاستغفرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثانية:
الحمْدُ للهِ حًمْدَاً يُوقِظُ اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ لِتتهيَّأ وتستَعِدَّ إلى ما إليهِ تؤُوب، وأشهدُ أنْ لَّا إلَهَ إلا اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، علَّامُ الغُيُوب، وأشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعْيُنِنا ونُورَ قُلُوبنِا مُحمَّداً عَبْدُهُ ورسولُهُ، وحبيبُهُ المحْبُوب، اللهمَّ أدِمِ صلوَاتِكَ على عبدِكَ الُمصطفى سيِّدِنا محمَّد، وعلى آله وصحْبهِ ومَن سارَ في درْبِهِ، وآبائِهِ مِن أنبيائِكَ ورُسُلِكَ وآلهم وصحبهِم، وملائكتِكَ المقرَّبين، وعلينا مَعَهُم وفيهِم برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمين.
أمَّا بعدُ عبادَ الله: فإنِّي أوصيكُم وإيَّاي بِتقْوَى الله، واعْلَموا أنَّ مَن اتَّقى اللهَ عاشَ قوِيَّاً وسارَ في بلادِ الله آمِناً
ومنْ ضيَّعَ التَّقوى وأهملَ أمْرها * * * تغشَّتْهُ في العُقْبَى فنونُ النَّدَامَةِ
ألا إنَّ الأيَّامَ والأسابِيعَ والأشْهُرَ تُغيِّبُ مِن على ظهرِ الأرضِ وُجُوهاً كثيرةً لَتِحلَّ في بَطنِ الأرضِ بعدَ أنْ كانت على ظهْرِها، ولتَعُودَنَّ جميعُ تلْكَ الوجُوهِ في يومٍِ تَعْنُو فيِه الوجوهُ للْحيِّ القيُّوم، يومَ {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}، وَوَاللهِ إنَّهُ عَسِر على كُلِّ مَن نَسِيَ العَلِيَّ الأكْبَر، على كُلِّ مَن تساهَلَ بالذُّنوبِ والمعاصي والمُنْكر، على كُلِّ مَن غَفِلَ عن تَنْزيلِ الله وَوَحْيِهِ، وعن رسولِهِ ونبيِّهِ صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ.
ولقَدْ حدَّثنا كثيراً كما جاءنا في الصَّحِيحَيْنِ وغيرهِما مِن كُتُبِ السُّنَّة عما شاهدَ ليْلةَ الإسراءِ المِعْراج، وحدَّثنا كثيراً عن نتائجِ أعمالِنا وأقوالِنا، ووَضْعِهَا في الميزانِ، ونتائجها يومَ يجمعُ اللهُ الأوليَّنَ والآخِرِين.
أيَّها المؤمِنُونَ بالله جلَّ جلالُه: ألا إنَّ الكيِّسَ مَن دانَ نفسَهُ؛ حاسَبَها، يخرجُ رجَب: أفي بيتكَ موجبٌ للغضبِ وأنتَ غافِل، وأنتَ ذاهِل؟؛ إنكَ لا تذْهلُ عن غداءٍ ولا عَشاء، ولكن تذهلُ عن غِيبَةٍ لَعِبَتْ ببيتِكَ في كُلِّ ليلةٍ، واشتركتَ فيها مع زوجتِكَ وابنتِكَ ومع ولَدِك، لَمْ تَتْركوا فيها جاراً ولا رَحِماً إلا اغْتَبْتُمُوهُم، إنَّكَ تغْفلُ عن مناظِر سيِّئةِ مفتُوحَة في عدَدٍ مِن الأجْهزَةِ وسطَ دارِكَ؛ بعضُها في الجيُوبِ وبعضها محمُولٌ بالأيْدي وبعضها ثابتٌ في الغُرَفِ، يُعْرضُ فيها ما لا ينبغي وما لا يليقُ بينكَ وبين ربِّكَ، ويَخرُج رجَب وأنتَ على هذا الحال!، ويدخُل شعبانُ وأنتَ على هذا الحال؟!، متى تستعِد؟، متى تتذكَّر لم خُلِقت؟، متى تَتَهيَّأ للقاءِ الحقِّ جلَّ جلالُهُ وتعالى في عُلاه، أو أُلْقِيَ في ذِهنكَ أنهُ لا شيءَ عليكَ في هذهِ الانحداراتِ وهذه التَّأخُّرات والتَّخَلُّفات، ولا مسئوليَّةَ ولا حِسابَ، والنَّص يُخاطبُكَ مِن قِبَلِ الجبَّار: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، والنَّصُّ يقولُ لكَ: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }، والنَّصُّ يقولُ لكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}، أمَا سمعتَ كلامَ ربِّك؟!، فمنِ الَّذي أعفاكَ عنِ المسئوليَّةِ وعنِ المُحاسَبةِ، ((الكَيِّسُ مَن دانَ نفسَهُ وعمِلَ لما بعدَ الموت، والأحْمَقُ العاجِز مَن أتبعَ نفسَهُ هواها وتمنَّى على الله الأماني)).
يقولُ تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى *وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، ألا وإنَّ في شعبان عرضٌ خاصٌ على الرحمنِ لأعمالِنَا، وبذلكَ صحَّ الحديثُ عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وكان يُكثِرُ الصَّومَ في شهرِ شعبان وسُئِل؛ فقالَ: ((إنَّهُ شَهْرٌ يَغْفَلُ عنهُ النَّاسُ بينَ رَجَبَ ورمضان، وإنَّهُ تُعرَضُ فيه الأعمالُ على الله، وأحِبُّ أنْ يُعرضَ عَمَلي وأنا صَائِم))، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّم.
إنه يُباعِدُنا عنِ الغفلةِ في أشْهُرِنا، يقولُ ربَّما تَنبَّهَ نفوسُ بعضُ المؤمنينَ وقلوبهِم إلى احترامِ رجب، والقيامِ بواجبٍ للهِ فيه، واسْتَعدَّ لرمضان وغفِلَ في شعبان ((يغفلُ عنهُ النَّاس، بين رجَبٍ ورمضان، تُعْرَضُ فيه الأعمالُ على الله)).
ألا أيُّها المعْروضُ عملُهُ على جبَّارِ السَّمواتِ والأرض أحْسِن توديعَ رجب؛ بَقِيَت معكَ ساعاتٌ منه، لا تُبقِ في بيتِكَ ما يُغضِبُ الرَّب، ولا تجعل لكَ استرسالاً في صفةٍ أو مُعْتاداً مِن قولٍ لا يَرضى عنهُ ربُّ العرْشِ العظيمِ؛ فإنَّ مَرْجِعَكَ إليهِ، وخالِف هوى نفسِك، وأقِم الأمْرَ كما ينبغي، وكُنْ نافِعاً لعبادِ الله تأتيكَ المنافعُ مِن كلُّ جانِب، مُخلِصاً في نفعِكَ لِخَلْقِ اللهِ لوَجْهِ ربِّك وربِّهم جلَّ جلالهُ وتعالى في عُلاه؛ فخَيْرهُم وأحبُّهم إلى اللهِ أنفَعُهُم للعبادِ وأنفَعُهُم للنِّاسِ، وعلى ذلكَ جاءتْنا أسَاسَاتُ الشَّريعَةُ المطهَّرةِ على يَدِ خيْرِ النَّاس صلَّى الله عليهِ وسلَّم.
اللهُمَّ امْلأ قُلُوبَنا بالإيمانِ واليقينِ، وارزقنا الاستِعدادَ مِن هذهِ الدَّارِ لِحُسْنِ المآبِ في البرزخِ ويومِ الدِّينِ، ولِتُحِلَّنا في دارِ الكرامَةِ معَ عبادِكَ الُمتَّقين، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
وأكْثِروا الصَّلاةَ والسَّلامَ على المصْطَفى مُحمَّد؛ الذي أنْزلَ اللهُ عليهِ في شعبانَ قولهُ تَعْظيماً لشأنِهِ وتفخِيماً، مُبتدأً بنفسِهِ، ومُثَنِّياً بالملائكةِ، ومُئَيِّهاً بالمؤمنينَ تعميماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
ألا وإنَّهُ لا يُصَلِّي عليهِ مؤمنٌ واحِدةً إلا صلَّى اللهُ عليهِ بها عشْراً، وإنَّ أوْلى الناسِ بهِ يومَ القيامةِ أكثرُهُم عليهِ صلاة.
اللهُمَّ أدِم صلواتِكَ على عبْدِكَ المصطفى سيِّدِنا محمَّد، وعلى الخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدهِ المختار، وصاحبِهِ وأنيسِهِ في الغَارِ، مُؤازِرِ رسُولِ الله في حالَيِ السِّعَةِ والضِّيق، خَلِيفةِ رسولِ الله سيِّدِنا أبي بكرٍ الصِّديق، وعلى النَّاطقِ بالصَّوابِ، حليفِ المِحْرابِ، مَن نشر العَدْلَ في الآفاقِ واشْتَهرَ أميرِ المؤمنينَ سيَّدِنا عُمَر بنِ الخطَّاب، وعلى مَنِ اسْتَحْيَت مِنهُ ملائِكةُ الرَّحمنِ، مُحيِيِ الليالي بِتلاوةِ القُرآنِ، أميرِ المؤمنينَ ذي النُّورَينِ سيِّدِنا عُثمانَ بن عفَّان، وعلى أخِ النَّبيِّ المُصْطفى وابنِ عمِّه، ووليِّه وبابِ مَدِينَةِ عِلْمِهِ، إمَامِ أهلِ المشارِقِ والمغارِبِ أميرِ المؤمنينَ سيِّدِنا علي بن أبي طالب، وعلى الحَسَنِ والحُسين سيّدَي شبابِ أهْلِ الجنَّةِ في الجنَّة، ورَيْحانتَي نَبيِّك بِنَصِّ السُّنَّة، وعلى أمِّهما الحَوْراءِ فاطِمةَ البَتُولِ الزَّهْراء، وعلى خَدِيجةِ الكُبرى، وعائِشةَ الرِّضى، وأمهات المؤمنين، والحَمْزة والعبَّاس، وسائرِ أهْلِ بيتِ نَبِيِّكَ الذين طهَّرْتَهُم مِن الدَّنَسِ والأرْجَاسِ، وعلى أهلِ بيعةِ العَقَبة، وأهْلِ بَدرٍ، وأهْلِ أُحُدٍ، وأهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوانِ، وعلى سَائِرِ الصَّحْبِ الأكرَمِينَ، ومَن تَبِعَهُم بإحْسانٍ إلى يومِ الدِّين، وعَليْنا مَعَهُم وفيهِم بِرَحْمتِك يا أرْحمَ الرَّاحمين.
اللهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وانصُرِ المسْلمِين، اللهم أيْقِظ قلوبَ الأمةِ مِن رقادها، ومِن سِنَتِها، ومِن نومِها، ومِن غفلاتها، وارزقهم اللهم حُسْنَ النَّظرِ فيما يُرضيك، اللهم تَشَفَّى فيهم أعداؤهم بضربِ بعضهِم بعضاً، وإيذاء بعضاً فحوِّل أحوالهم إلى أحسنِ الأحْوال، وادفع عنَّا البلايا والآفاتِ والأهْوال، يا حيُّ يا قيُّومُ يا كبيرُ يا مُتَعال، اللهم أخْرِج مِن قلوبِنا كُلَّ قاطعٍ يقطُعنا عن حُسْنِ النظرِ فيما يُرضيك، وهيِّئنا لمُلاقاتِك وأنتَ راضٍ عنَّا معَ خواصِّ مَن يخافُكَ ويتَّقيك، اللهم اكشفِ البلاء عن يمَنِنا وشامِنا وشرْقِنا وغرْبِنا، وانظر إلى الأمَّة نظرةً تُزِيلُ العَنَاء عنَّا، وتُدْني الُمنى مِنَّا، وكلَّ الهَنا نُعْطَاهُ في كلِّ حينٍ يا أقدرَ القادِرين، يا ربَّ العالمين.
واجعل قلوبَنا مُنيبة، مُقبِلَة بالكُلِّيَةِ عليك، مُستعدةً للقائِك، وارزقنا إيثارَ ما يُرضيكَ في جميعِ نِيَّاتِنا ومقاصدِنا وأقوالِنا وأفعالِنا، ولا تُسَلِّط علينا أنْفسَنا ولا أهواءنا، ولا تُسَلِّط علينا شياطين إنسٍ ولا شياطينَ جِنٍّ، واجعلنا في حِصْنِكَ الحَصِين، وحِرْزِكَ المتين، وِمن عبادِكَ الذين ليسَ للشيطانِ عليهم سُلطان، بِقُدرتكَ يا أقدرَ القادرين.
اللهم اغْفِر لنا ولآبائنا وأمَّهاتنا ومشائخِنا وذوي الحقوقِ علينا، والمتقدِّمينَ في مساجدِنا وديارِنا وبلدانِنا مِن أهلِ لا إلهَ إلَّا الله، واجمعنا وإيَّاهُم في زُمْرَةِ حبيبكَ محمَّدٍ، على حَوْضهِ المورود، وتحتَ ظلِّ لوائهِ المعْقود، وفي جنَّاتِ الكرامةِ والخُلود، برحمتكَ يا بَرُّ يا وَدود، يا إلهُ يا معبود، يا صَمَدُ يا مقصود، يا أرحم الرَّاحمين.
اللهم وأدِم لنا الأمْنَ والطُّمأنينةَ والاستقرارَ في أوطانِنا وديارِنا وبلدانِنا وادفعِ السُّوءَ عنَّا، واجعلنا مِن فاعلي الخيْرِ والمسارعينَ إليهِ ابتغاءَ وجهكَ الكريم، العامرينَ لأعمارِهم بخيرِ ما يُرضيكَ عنهم، يا وليَّ التوفيق، يا حيُّ يا قيوُّم، يا رحمنُ يا الله.
اللهُمَّ أعزَّ الإسْلامَ وانصُرِ المسْلمِين، وأذِلَّ الشِّركَ والمُشْرِكين، وأعْلِ كَلِمةَ المؤمنين، ودَمِّر أعْداءَ الدِّين، واجمع شَمْلَ الُمسْلمين، واختِم لنا بأكمَلِ الحُسْنى وأنتَ راضٍ عنَّا.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، ونَسْألُكَ لنا ولِلأمَّةِ مِنْ خَيْرِ ما سألكَ مِنهُ عَبدُكَ ونبيُّك سيِّدُنا محمَّد، ونعوذُ بِكَ مِن شرِّ ما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيِّدُنا محمَّد، وأنتَ المستعانُ وعليكَ البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاثٍ، ونهى عن ثلاث:
{إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ}، فاذكرُوا اللهَ العظيمَ يذكُرْكُم، واشكرُوه على نِعَمِه يَزدْكم، ولذِكرُ اللهِ أكبر.
30 رَجب 1440