(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 10 صفر الخير 1440هـ ضمن سلسة إرشادات السلوك، بعنوان: لذة نداء الحق لعباده وعجائب نعمة الاستجابة.
الحمدُ لله وليِّ الحَمدِ وأهلِ الشُّكر، لا إلهَ إلا هو عالمُ السِّرِّ والجَهر، بيدِه جميعُ الأمر، وإليه مَرْجِع الأولِ والآخِر مِن غيِر ما شَكٍّ ولا إنكارٍ لمناكِر، آمنَّا باللهِ الذي خلق، آمنَّا باللهِ الذي رزق، آمنَّا بالله الذي أوْجَد، آمنَّا باللهِ الذي اصطفَى محمَّد، آمنَّا بالله الذي هَيَّأ سبيلَ الرَّشَد لكلِّ مُقْبلٍ عليه مُستمعٍ لندائه على ألْسُنِ رُسلِه وأنبيائه، الـمُمْتَد ذلك النداءُ إلى قلوبِ مَن استجابَ للرُّسل والأنبياء، والظاهر على أقوالهِم وأفعالهِم وأحوالهِم أسرارُ ذلك النداءِ إلى الهدى، مُنْطَوِين في المنادِي الأكبرِ محبوبِ الله الأعظمِ الأفخر، سيد البَشر محمدِ بنِ عبدِالله، الذي قال أولوا الألباب كما ذكرَ عنهم ربَّ الأربابِ في نصِّ الكتاب: {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا..}آل عمران193.
ويا واهبَ أولِي الألبابِ حقائقَ ذلك الإيمان، نحن على أبوابِك نسألكَ أن تَهَب قلوبَنا ذلك الإيمان، فهَب لنا الإيمانَ، وزِدنا إيماناً في كلِّ آن، وفي كلِّ لحظةٍ وأوَان، وفي كلِّ حركةٍ وسكون، وفي كلِّ قَولٍ وفِعل، وفي كلِّ لحظةٍ مِن لحظاتِ الأعمارِ القَصيرة، التي مَن وفَّقْتَه لاغتنامِها صارَت كبيرة، وصارَت عظيمة، وصارَت طويلة، وصارت جليلَة.
وهي أعمارٌ قصيرة تَمُرُّ بالكُل، ولكن الفَرق فيها مِن حيثُ سلوك السُّبُل، ومِن حيثُ الاتّصافِ بالأوصافِ التي ينظرُ إليها عالمُ الظاهرِ والخَاف، ملكُ الملوك، ربُّ العالمين، الذي بَيَّنَ لنا هذه الحقائق خيرَ التَّبْيين، على ألْسُنِ النَّبِيين والمرسلين، الذين خُتِموا بالأمِين، حبيبِ الله وصفوتِه مِن العالمين، سيد المرسلين وخاتم النبيين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ الميامِين، رؤوسِ هذه الأمة، رأس هذه الأمةِ في الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ والمعرفة، والإجابةِ والاستجابةِ والبَذلِ والتَّضحيَةِ والصِّدقِ والإخلاصِ وكريمِ الصِّفات، رأسُ هذه الأمةِ المجيبُون الأوَّلون آلُه وصحابتُه الأكرمُون، رَزقنَا اللهُ حسنَ متابعتِهم، وحشَرنا جميعاً في زُمرتِهم.. آمين.
فإنَّ الخلائقَ تَتشعَّبُ بهم الأهواءُ والآراءُ والنَّظراتُ، متأثِّرِين بالتأثُّراتِ المختلفاتِ بما يدورُ بينهم، وأكثرُه مِن وحيِ الأنفُسِ والأهواءِ وشياطينِ الإنسِ والجن، {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }الأنعام116-117، اللهم اهدِنا فيمَن هدَيتَ.
يا قائلاً: ((يا عبادِي، كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه، فاستَهدُوني أهدِكُم))، نستَهديكَ يا الله، نسألكَ الهدايةَ يا الله، زِدنا هدايةً يا الله، ارفَعنا في مَراتبِ الهدايةِ يا الله، أنت القائل في كتابك: { وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}التغابن11، فنضعُ بين يديكَ قلوبَنا وقلوبَ الحاضرِين والسَّامعِين، يا مُقلِّب القلوبِ اهدِها.. اهدِها.. اهدِها.
{ وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ }، وإذا اهتدَى القلبُ طَعِم ذوقَ الهِداية، وإذا طَعِم ذوقَ الهداية عَشِقَها، وإذا عشقَها جَدَّ في طلبِها والازديادِ منها {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17، فرق بين أن يقول: ازدادُوا هدىً، أو: زادَ عندَهم الهُدى، لكن يقول: {زَادَهُمْ} هو، وإذا هو يزيد فمَن هو؟ هو الحميد المجيد، المبدئُ المعيدُ، الفعَّالُ لما يريدُ، {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }البروج13-16، هذا بعظمتِه يزيدُك إذا اهتدَيت، هو الذي يزيدُك {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }، اللهم اجعَلنا مِن الذين اهتَدوا وزِدنا هُدىً، وزِدنا هُدىً يا هادِي المهتَدين، بالحبيبِ الأمين، اهدِنا بِهُداك، اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت.. يا ربَّنا يا الله.
ومَن هديتَ ممَّن على ظهرِ الأرضِ مِن المكلَّفِين مِن الإنسِ والجِنِّ إلى شهادةِ أن لَّا إلهَ إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله، اللهمَّ فزِدهُم هدىً.. اللهمَّ فَزِدهم هدىً.. اللهمَّ فَزِدهُم هدىً، إن منهم مُتَنَكِّبِين عن سواءِ الطريق، إنَّ منهم مُلْتَوِين إلى الخروجِ عن خيرِ فريق، إنَّ منهم مَن لم يعرفْ ذوقَ طيبِ الرَّحيق، إنَّ مَن تغلبُه نفسُه وشهواتُه وأهواؤه، إنَّ منهم مَن يتأثرُ بوحيِ شياطينِ الإنسِ والجنِّ بعضهم إلى بعضٍ زُخرُف القَولِ غُروراً. فأنقِذهم.. أنقِذهم.. أنقِذهم، خَلِّصْهُم، طَهِّرهم، افتح سَمْعَ قُلوبِهم لنِدائك الأعذبِ الطيِّبِ الأعلى، على لسانِ رسولِك الأحسنِ الأجملِ الأحلى.
{رَبَّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ }، ومَن قد هديتَهم مِن هذه الأمة لإيثارِك وللوِجْهَة إليك، وفيهم المُتعثِّرون بكَثيرٍ مِن العَوائقِ والقَواطِع، وبكَثيرٍ مِن الشَّوَاغِل، وبكثيرٍ مما يعترضُهم مِن المحْبِطَات، اللهمَّ خُذْ بأيديهِم.. اللهم خُذْ بأيدِيهم.. اللهم خُذْ بأيدِيهم، فلا الشيطانُ يُغِويهِم، ولا الشهواتُ والأهواءُ تَلْوِيهم وتُطغِيهم، يا الله.. يا الله.
وفيهم ممَّن تَنَبَّه وتوجَّه، وفيهم ممَّن أكرمتَه بالتَّوَجُّه والتَّنَبُّه بعد إسلامِه وفورَ إسلامِه، وأخَذَ يبحثُ عن سبيلِ الوصولِ إليك، ويتَطَلَّعُ إلى شريفِ القُربِ مِن حضرتِك، ونَيْلِ المراتبِ العُلى مِن رضوانِك، وسُنَّتُك أن تفعلَ بمَن هذا وصفُه أن تَدُلَّه على واصلٍ مُوصِل، وأن تُبَيِّنَ له وتُوَضِّحَ وتُفَصِّل، وأن تَتَفَضَّلَ عليه وتَتَطَوَّلَ بما أنتَ له أهْل.
اللهُمَّ فاكشِف عنهم الحِجابَ، اللهم فافتَح لهم الأبواب، اللهُمَّ فاربُطهم بعالي الجنَاب، اللهمَّ أدِرْ على قُلوبِهم وأرواحِهم وأسرارِهم حالي الشراب، مِن كؤوسِ: الفَهْم، والوَعْي، والعِلم، والطاعة، والمعرفة، والمحبة، والرضوان، والشهود، يا بَرُّ يا وَدُود، يا حقُّ يا معبُود، يا مَن بالكرمِ يجوُد، بِزَينِ الوُجود، وأربابِ الشهود، جُدْ يا كريم، وارحمنَا وإياهم يا رحيم، وأوصِلنا إليك.. وأوصِلنا إليك.. وأوصِلنا إليك.
يا كريماً لم يبخلْ فأرسلَ الرُّسلَ واحداً تلوَ الآخر، مِن آدمَ إلى الحبيبِ الأفضَل، ثم جعلتَ لهذا الرسولِ مَن يُبَلِّغ عنه بأمرِك وبإذنِكَ يا مَن تَطَوَّل، لِتُنْقِذَ مَن شِئْتَ من البَرِيَّة في شرقِ الأرضِ وغربِها إلى مَنهجٍ هو في الحقيقةِ عندك أتَمُّ وأكملُ وأقومُ وأمثلُ وأفضلُ، اللهم أتِمَّ النعمةَ علينا وعليهم يا الله.
كَثُرَت دعواتُ الأهواءِ والشهواتِ والغُرورِ لهم فاستجابُوا ووصلُوا إلى الأحزابِ المتقاطعةِ، ووصلُوا إلى الفئاتِ المتناحِرة، ووصلُوا إلى تعظيمِ الدنيا وإيثارِها على الآخِرَة، ووصلُوا إلى تَحَكُّمِ الأهواء، ووصلُوا إلى عبادةِ الشَّهوات، ووصلُوا إلى تَبَعِيَّة بعضِهم بعضٍ في غِواية، وفي بُعدٍ عن سبيلِ الهداية، اللهمَّ فحوِّل الأحوالَ بالجُودِ والإفضال، ليَصِلُوا إليك.. لِيُقْبِلُوا بالكُلِّيَة علَيك، يا باعثَ محمداً بالهدايةِ انشُر لنا أنوارَ الهدايةِ يا الله، المضطرُّون إليها أعدادٌ أنت أعلمُ بهِم مِن خلقِك مِن الإنسِ والجِنِّ.
وقد أرَيْتَنا مِن أفرادِهم مَن وَرَدَ إلى هنا أو هناك، واستفادَ مِن كلامِ أهلِ الشامِ أو أهلِ اليمنِ أو أهلِ الغربِ أو أهلِ المشرقِ أو أهلِ أفريقيا أو غيرهم ممن بَثَثْتَ فيهم نورَ الإيمان، وإنا نُلِحُّ عليك يا هادي يا عالم الخافي والبادِي، يا مُرسلَ الحبيبِ بالحقِّ الواضح، يا أكرمَ وهَّاب وفاتِح، أن تكثرَ لنا خيراتِك في الهدايات، وأن تَبْسُطَ لنا بِساطَ العِنايات، ومَن حَضَر والسامعين فخُصَّهُم بشريفِ هذه النَّفحات، ربطاً بخيرِ البريَّات، واستقامةً على الاقتداءِ به في المقاصدِ والنِّيَات، والأقوالِ والأفعالِ والحركاتِ والسَّكَنَات، يا الله.. يا الله.. يا الله.
كُنَّا في أوائلِ الليلةِ الماضيةِ بأجسادِنا وأرواحِنا في دارِ حبيبِك المصطفى صلى الله عليه وسلم في مدينتِه المشرَّفَة، وها نحن ليلتَنا هذه في دارِ هذا المصطفَى، نَتَشَوَّف ما بَثَّ وما أعطَى، وما بلَّغَ وما أرسلتَه به، وما خَلَّفَهُ فينا بأسرار عِنايتك به، حتى وصل طَرِيَّاً عذْباً لكلِّ قلبٍ مُقْبِل، وكل رُوحٍ مُصَفَّى مُصْقَل، وكلُّ سِرٍّ مُتَوَجِّه مُنَوَّرِ مُطَهَّر، اللهمَّ لك الحمدُ فأتمِم علينا النِّعمة يا وهَّاب، يا وهَّاب شرِّفنا بِكَشفِ الحجابِ عن سَميرِ حضرةِ قاب، في مقامِ الاقتِراب.
إنه خطابٌ ومعاني لا تعرفُها الحضاراتُ المادِّيةُ في شرقِ الأرضِ وغربِها لا الحاضرةِ ولا الماضيات، ولكن تعرفُها حضاراتُ أهلِ النبوَّةِ والرسالةِ ومَن أصغَى إليهم، فاجعَل هذه القلوبَ مُصْغِيَة، وللنِّداءِ مُلَبِّيَة، وفي مراقِي الصِّدقِ مُتَرَقِّيَة، يا مُقلِّبَ القلوبِ والأبصارِ بمُحمَّدٍ دعونا إليك، وبمحمدٍ دعونَاك يا الله.. يا الله، كلُّ قلبٍ من الحاضرِين والسامعين افتَح له فتحَة، وامنَحه مِنْحَة، وأذنْ يا مولانا بإصلاحِه، وأذنْ يا مولانا بالإقبالِ عليك منه وبِنَجَاحِه، واكتُب له كريمَ فلاحِه، يا مقلِّبَ القُلوبِ والأبصارِ ثبِّت قلوبَنا على دينِك.. يا الله.
أنت القائل: { يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء }النور35، وأنت المخاطِب لنا، والمنادِي لنا، والداعِي لنا، ومُوَجِّهِ الخطاب إلينا قائلاً على لسانِ أصدقِ خلقِك وأحبِّهم إليك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، خطابٌ مخصوصٌ يَعُمُّ بالتَّبَعِيَّةِ الجِنَّ معنا، ولكن خُصَّ به الناسُ أولاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، أنت أيها الحاضر منهم، أنت أيها السامع منهم.. منهم، توجَّه خطابُه إليهِم، أنت منهم؟ خاطبَك، خاطبَكَ على لسانِ حبيبِه، خاطبَكَ في قرآنه، خاطبَك في فصيحِ بيانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ}، هو خاطبَك أنتَ.. أما تسمع؟! واللهِ لو سَمِعتَ لشَمَّرْت، ولو سَمِعتَ لأطَعْت، ولو سَمِعتَ لانتبَه قلبُك وقُمْت، اللهُ خاطبكَ.. اللهُ خاطبكَ على لسانِ حبيبِه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ واعْتَصَمُوا به}، اللهم اجعلنا منهم.
ماذا يحصل لهم؟!، يُصَلِّحُون لك مُرَتَّب؟!، وإلا يَرْكُزُوكَ في وظيفة؟!، وإلا يعطُوك سيارة؟!، وإلا وزارة؟!، { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ .. }، ضاعتِ الدنيا كلُّها، ما تساوي شيئا! { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ}، وبعد ذلك: {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }، إمامُه محمدٌ، وكواكبُه الأنبياءُ والمرسلُون، ونجومُه الصحابةُ والآلُ والصِّدِّيقُون، {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }.
سَمِعنا يا ربِّ وأطَعنا، واجَعلنا ممَّن استجابَ ولبَّى النِّداء، وصدقَ معكَ يا ربَّ الأرباب، فَطَوَيْت له الطريق، وأزَحْتَ عنه التَّعْوِيق، وألحقتَه بخيرِ فريق، وأوصلتَه إلى أعلى رفيق، وسقيتَهُ مِن أحلى رَفِيق، يا وليَّ التَّوفيق، يا بَرُّ يا رحيمُ يا شفيقُ يا رفيقُ، يا الله.. يا الله، انفَعنا بجَمعِنا، وانفَعنا بما أسمعتَنا، وانفَعنا بِطَرْقِ بابِك مِن الصادقين والمخلِصين في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، مِن الوافدِين إلى الحرمَين أو القاطنِين بالشرقِ أو بالغربِ أو بالجنوبِ أو بالشمالِ مِن هذه الأرضِ، وما اتَّصلوا بهِ مِن أسرارِ أرواحِ أهلِ البرازخِ وأهلِ السمَواتِ العُلى.
وبِهم جميعاً نتوجَّه إليك ارحمنا، وانظُر إلينا، واهدِنا، وثَبِّت أقدامَنا، يا ربِّ لا نُخدعُ لشيءٍ مِن دعواتِ السُّوءِ والغُرورِ والزُّورِ والكذبِ والآفاتِ.. يا الله، لَعِبَت بكثيرٍ مِن شبابِنا وشابَّاتِنا، ورجالِنا ونِسائنا، حتى صارُوا كأنَّهم غيرُ مسلمِين لك! وكأنهم غيرُ مؤمِنين بِك! فيا مُنقِذ أنقِذ، ويا مُغِيث أغِث، وأسرِع بالغِياثِ لأمةِ هذا الحبيب.
قد كانَ في ليالِيه أيامَ كان في الدنيا يبكِي إليكَ كلَّ ليلة، وتدمعُ لك عَيناه، وإنِ استرحَمناكَ.. استَرحمناكَ بتلكَ العَين، ودُموعِها وبُكائها وسُؤالها، إنها أكرمُ عينٍ عليكَ، فَبِهِ ارحَم أمَّتَه، ووفِّر نصيبَ أهلِ زمنِنا مِن رأفتِكَ به، ومِن رحمتِك به، ومِن تَفَضُّلِك به، ومِن جُودِك بجاهِه، يا الله.
وعجِّل يَا رب، قلوبٌ حاضرة معنا أمامَها قواطعُ تأخذُ بها يَمْنَةً ويَسْرَة، لا تستقيمُ على ما تحب، اللهمَّ خُذ بأيدِيها، اللهمَّ زَحْزِح عنها قَواطِعَها، اللهُمَّ أبعِد عنها ظُلماتِها، يا ربِّ حوِّل حالهم إلى حالٍ حَسَن، يستقيمُونَ به على أقومِ سَنَن، في حُسْنِ اتباعِ الهادِي الَّذِي أتانا بالسُّنَن، جَدِّ الحسينِ والحسَن، في ما بقيَ مِن أعمارِهم القَصيرةِ حتى يغنمُوا ما فيها مِن دُرَرٍ عظيمةِ الثَّمَن، يا عالمَ السِّرِّ والعَلَن، بآياتِك وأسمائك وصفاتِك وذاتِك انظُر إلى هذه القُلوب، واهدِها إليكَ صراطاً مستقيماً، يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا أرحمَ الراحمين.
واجزِ عنا الحبيبَ أبَابكر المشهور الذي نابَ في مجالسَ مَضَت في مثل هذا الموطن خيرَ الجزاء، وزِدهُ مِن العُلى، وزِدهُ مِن خيرِك الأعلى، وجودِك الذي به يَتَمَلَّى خواصُ الخاصَّة مِن خَيرِ الملأ،
اللهُمَّ وكَثِّر الداعين والأدلة ** المرشدين لسلوك الملة
وكن لهم واكلأ وصُنْهم وأطِل** أعمارهم واردع بهم كل مضل
آمين آمين إلهي فاستجِب ** واسمَع وقل لي هاكَ عبدِي ما تُحب
بحرمةِ الذاتِ وجاهِ الذِّكْر ** وسرِّ طهَ مصطفاكَ الطُّهْر
يا الله.. يا الله.
ومَن فقَدنا مِن رجالٍ ونساءٍ مِن الصالحين ارفَع لهم الدرجاتِ عندَك، واجمَعنا بهم في أعلى الجنةِ يا الله، وما أذِنْتَ به مِن ظهورِ الخَير فبارِك لنا فيه وللأمَّةِ في شَرقِ الأرضِ وغربِها، لأحياها وموتاها، لصغارِها وكبارِها، واجعَل منه سيولاً تسيلُ إلى قلوبِ مَن لم يؤمنُوا فيؤمنون، ومَن لم يسلمُوا فيُسلمُون، يا الله.. يا الله.. يا الله..، بمحمدٍ نَوِّر هذه القلوب، طَهِّرها تطهيرا، وارفَعنا يا مولانا في مراتبِ القُربِ منك والدُّنُوِّ إليك يا خيرَ من مُدَّتْ إليه يَدُ.
أنت شَرَّفْتَ هذه الأيدِي، والأيدي هذه قد نَسِيَتْكَ كثيراً، واجْتَرَأت عليكَ كثيراً، وخالَفَتْك كثيراً، وامْتَدَّت إلى ما لا ترضَى كثيراً، ولو عاملتَنا بشيءٍ مِن سيئاتِنا ما قدَرنا أن نرفعَها إليك، لكنَّك جمعتَنا في جمعٍ فيه أيادِي طاهرة لم تَعصِكَ طرفةَ عَين، نصبتَها في التَّضرُّع إليك، مُقْتَدِيةً بالإمامِ الأعظم، فرفَعنا أيديَنا مع تلك الأيدي، فلم تحرِمْها لما سلفَ منها أن تتَّصلَ بهذه الأيدي، فلكَ الحمد.. ولو شِئتَ خذلَتها فامتدَّت إلى حَقير، وامتدَّت إلى كافِر، وامتدَّت إلى فاجِر، وامتدَّت إلى خاسِر، وامتدَّت إلى غافِل، لكنَّك صُنْتَها وحرستَها، ثم أكرمتَها وشرَّفتَها، وعزَّزْتَها بالامتِدادِ إليك.
وقد مددتُ يَديَ بالذُّلِّ مُبتهلاً ** إليكَ يا خيرَ مَن مُدَّت إليهِ يدُ
فلا تردَّنَّها يا ربِّ خائبةً ** فبحرُ جودِك يروِي كلَّ مَن يَرِدُ
لَبِسْتُ ثوبَ الرجاءِ والناسُ قد رقدُوا ** وبتُّ أشكُو إلى مولاي ما أجدُ
وقلت يا أملي في كلِّ نائبةٍ ** ومَن عليه لكشفِ الضُّر أعتمدُ
أشكُو إليك أموراً أنت تعلمُها ** مالي على حملِها صبرٌ ولا جَلَدُ
وقد مددتُ يدِي بالذُّلِّ مفتقراً.. مفتقراً.. مفتقراً، منكسراً، مضطراً، معترفاً، وقد مددت يدي بالذل مفتقراً إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تَردَّنَّها يا ربِّ خائبةً ** فبحرُ جودِك يَروي كلَّ مَن يردُ
اسقِ منه قلوبَ الحاضرين وقلوبَ السامعين، ومَن في ديارِهم ومَن اتَّصلَ بهم يا أكرمَ الأكرمين، يا أرحمَ الراحمين.
وقد سُئلَ لكم العظيمُ، وقد سُئلَ لكم المولى الكريمُ جل جلاله، فتوجَّهُوا بالصدقِ إليه، وتذلَّلُوا بين يدَيه، ونادُوه مُخبتِين، مُنيبِين، خاضِعين، خاشِعين، مُعترفِين، مُتذلِّلين، مُفتَقرِين، مُنكسرِين، مُضطرِّين، وقولُوا له: يا الله، فهذا اسمُ ربِّكم، وهو يحبُّ المنادِين له، والملحِّين عليه، أذِنَ لكم ويسمعُكم، أنتم على قُرْبٍ مِن إجابتِه لكلِّ صادقٍ منكم، يا ربِّ عُمَّنا بالقبولِ عندك بإجابةِ دعواتِنا، يا ربَّنا.. يا ربَّنا .. يا ربَّنا، يا الله، قولوا له: يا الله، نادُوه، اسألُوه، اطلبُوه، توجَّهُوا إليه، اخضعُوا بين يدَيه، تذلَّلُوا لعظمتِه، ارجُوه، اصدقُوا معه.
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ..}النمل62، عَلِمْتَ ما حَلَّ بساحاتِ قلوبِنا مِن سوءٍ، وما حَلَّ بأوطانِنا والمسلمين مِن سوء، فاكشفِ السوء، {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَّكَّرُونَ}، { جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }الإسراء81، فَنَكِّسْ بوجاهةِ يدِ حبيبِك محمد كل صنمٍ في ساحة قلوب الحاضرين والسامعين { جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً * وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ .. }، اللهم اجعلنا منهم، آمين.. آمين {..وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً *قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً * وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً * وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } .
الحمد لله، مِن الفَضلِ الكبيرِ على محمدٍ امتدادُ هذه الخيوط، وهذه الأنْهُر، وهذه الأبْحُر، وهذه الخيراتِ إلى ساحتِكم وإلى ساعتِكم، وإلى الأمَّة، { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }، ونحن تحت مَضَلَّةِ الفضل الكبير، {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }الإسراء88.
الحمد لله على نعمتِه، آمنَّا بك، وبحبيبِك محمد، اربُطنا به ربطاً لا انحلالَ له أبداً، واجعَلنا به مِن أسعدِ السعداء، هنا وغداً، يا الله.. يا الله.. يا الله.
لقد آنَ فجرُ العدلِ ينشقُّ فجره وقد حانَ ليل الجورِ يَنْزَاحُ حَالِكُه
أتِمَّ النِّعمَ علينا، كُن لنا بما أنت أهلُه يا مولانا..
لِـمَ جمعتَهم؟ ولم أحضرتَهم؟ ولم وفَّقتَهم، وأجريتَ بك منهم ندائك ودعائك لماذا يا رب؟، أنت تفعل هذا لأي شيء؟، وأنت الغنيُّ عنا، بمشيئتِك جمعتَنا على الهُدى، ولو شئتَ ما اجتمع منا أحد، كم مِن شياطينِ الإنسِ والجنِّ حدَّثُوا نفسَهم مِن قبل هذا بسنين أن لا يقومَ جمعٌ للأمةِ كمثل هذا فأبَيْتَ إلا أن تُظْهِرَه، لك الحمد، فأتمِم علينا النعمة، في مقعدِ الصدق اجمعنا، تحت لواءِ الحمدِ اجمعنا، على الحوضِ المورودِ اجمعنا، في دارِ الكرامة اجمَعنا، وفي ساحةِ النَّظَر إلى وجهِك الكريمِ اجمَعنا، يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.
أحبابَنا: ما نقدرُ بشيءٍ مِن الثمنِ نشتَري هذه الساعات، ولا نجِيبها مِن عند أحد، إلا جودُ الواحد الأحد، والواسطةُ حبيبُه وصفوتُه صلى الله عليه وسلم، وحبالُه الموصِلةُ إليه ورثتُه وحاملي سره، فجزاهم الله عنا وعنكم خير الجزاء.
يا رب أتمم علينا النعمة وادفع كلَّ نِقْمَة، يا الله، أريتَنا هذا الخيرَ فأرِنا انتشارَه في الأمةِ في شرقِ الأمة وغربِها في يمَنِها وشامِها.. يا الله.. يا الله.. قُلْهَا بصدق ترى عجائبَ فيها، وربما شَرِبْتَ كأساً مِن معانيها: يا الله، ما أغلاها مِن كلمةٍ وما أحلاها.. يا الله، أنت تقول يا الله؟!، بضعفِك وعجزِك وذنوبِك؟!، قال: نادني باسمِي وسأجيبُك، يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.
صَداهَا اليوم عند العرش، وصَداها غداً في ظلِّ العرش، وصدَاها في الفردَوسِ الأعلى، يا الله.. يا الله، والله ما نَطَقَت لسانُك بكلمةٍ أعلى منها، ولا أعظمَ ولا أحلى منها.. يا الله، شرَّفْتَ بها ألسنَتَنا شَرِّف بها قلوبَنا، وشرِّف بها أرواحَنا، وشرِّف بها أسرارَنا، وشرِّف بها كلَّ ذرةٍ مِن جزئيَّاتِنا وكُلِّيتنا تناديك وتدعوك وترجوك وتخافك وتقول: يا الله.
قَبِلَنا الله وإياكم، نفعنا الله وإياكم، الحمد لله على بُسُطِه الوَسيعة، وغيوثه المَريعَة، وخيراتِه الجامعة، أتم النِّعم علينا، وكن لنا بما أنت أهله، وحيث ما كنا، وأينما كنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.
09 صفَر 1440