(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 8 ربيع الثاني 1438هـ ضمن سلسلة إرشادات السلوك بعنوان: المرسلون وأقرب النَّاس إليهم صوت الحق الذي لا يُعلى عليه
الحمد لله الذي أكرَمنا بأنوارِ الوحي والتَّنزيل الأعلى، ومنَّ علينا بخيرِه الذي لا يزالُ يتوالى، اللهم لك الحمدُ يا مَن جعلتَنا من أمة حبيبك خير الأنام، ومحوتَ به عنَّا وعن كلِّ مَن استجاب لدعوته الظَّلام، وهيَّأت لهم السَّعادةَ في الدُّنيا والبرزخ ويومَ القيام، وجعلتَ مأواهم دار السَّلام، فحقِّقنا اللهم بحقائقِ الاستجابةِ لهذا الإمام، حبيبك المصطفى إمام كلِّ إمامٍ في كلِّ خير على الإطلاق.
وإنَّ رسولَ الله مِن غير ريبةٍ ** إمامٌ على الإطلاق في كلِّ حضرة
وجيهٌ لدى الرَّحمن في كل موطن ** وصدرُ صدور العارفين الأئمة
واملأ قلوبَنا بمحبَّتك ومحبَّته، حتى لا يُزاحمَها شيءٌ من الكائنات وما فيها بجميع مظاهرِها وصورِها، فإنك تفتنُ مَن شئت من أهل القلوب التي تصلح لمعرفتك فيُفتنون بالكائنات ومصنوعاتك وخلقك فيُحجَبون عنك فيخسرون الدُّنيا والآخرة، فنسألك أن تجعل قلوبَنا مِن القلوب التي ارتضيتَها لك ولم تكِلها إلى غيرك، ولم تُسلِّط عليها العوائقَ ولا الحجب ولا الحواجز ولا دواعي السُّوء بجميع أصنافها برحمتك يا أرحم الرَّاحمين، حتى يطيبَ لنا حالُ الاستجابة ولذَّةُ الإجابة لداعيك ومُناديك، ونترقَّى في مراقي القرب منكَ، والفهمِ عنك، والمحبة لك في محبَّةٍ منك، والرِّضا عنكَ في رضا منكَ برحمتك يا أرحم الرَّاحمين، يا أرحم الرَّاحمين، يا أرحم الرَّاحمين.
أمام هذا النِّداء العالي الصَّادر مِن حضرة الحق والبارِز بلسان محمدٍ الأصدق ﷺ، الذي نابَ عنه أهلُ النُّبوة في نبُوَّاتهم، وأهل الولاية في ولاياتهم، ولا قام صادقٌ بالدَّعوة إلى الله بالصِّدق قبل بروزه ولا بعد بروزه إلا وهو في سرِّ الاتصال به والمحبَّة له، وقد أخذ الله الميثاقَ على رؤوس أهل الدَّعوة إليه من النَّبيين والمرسلين أن يُؤمنوا بمحمد الأمين وأن يُبشِّروا به ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) [آل عمران: ٨١]، وهذا أخذُ الله الميثاق على النَّبيين ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) ففاز وقَرُب مِن النَّبيين مَن آمن به ونصرَه على قدرِ إيمانه ونصرتِه له.
إلهنا، هذه قلوبُنا بين يديكَ وفِّر حظَّها من الإيمان بك وبهذا النَّبي، ووفِّر حظَّنا من النُّصرة له بأقوالنا، بأفعالنا، بمقاصدنا، بنيَّاتنا، بوجهاتنا.. يا الله، فإنَّ الدُّنيا تدعونا لنُصـرتِها، وإنَّ الشَّيطان يدعونا لنُصـرته، وإنَّ جنودَه من الإنس والجنِّ يدعونا لنُصـرتِهم بمختلف الوسائل والتَّلبيس والتَّدليس والكذب والخداع والنِّفاق، وإنَّ الأهواءَ تدعونا لنُصـرتها، وإنَّ أربابَ الأغراض والمطامع الفانية يدعونا لنُصرتهم، فحرِّرنا من كلِّ ذلك واجعلنا أنصارَك في نُصرةِ هذا النَّبي الذي قلت لأنبيائك ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) ، ولمَّا كان هذا الشأن رفيعَ القدر عند الرَّحمن مكوِّنَ الأكوان ( قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ) أي عهدي وميثاقي، يقول لرؤساء الخلق، أفضل الخلق، أشرف الخلق وهم النَّبيون ( قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) فما أعظم هذا المقامَ وهذا الشأن لمحمد عند الرَّحمن جلَّ جلاله، وما أخطر الخروجَ عن دربِه، وعن حُبِّه، وعن قُربه، ما أخطر ذلك!
( فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [آل عمران: ٨٢]، وكم يعيشُ في نعيم الإيمان والنُّصرة له مِن أقوام في الأزمنة المختلفة، وفي زمانكم مَن يحيا هذه الحياة الطَّيبة، ويذوق تلك الكؤوس الهنيئة، من الإيمان والنُّصرة لخير البريَّة فيقرُب من النَّبيين ويقرُب من المرسلين، هذا أعلى ما يوجد في حياة كلِّ مكلَّف مِن عظمته.
اللهم بالأمين المأمون لا تجعل متولِّياً عن هذا الخير وعن الإيمان والنُّصرة في بيوتنا أحداً، ولا في جوارنا أحداً، ولا في طلابنا وأصحابنا أحداً يا الله، حتى تأذنَ بحشرِنا جميعاً مع هذا النَّبي ( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا
أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [التحريم: ٨]، ونحن نقول لربِّنا ما يقوله هؤلاء:
رَبَّنَاأَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
كلُّ مَن دخل ومعه أيُّ مستوى في نور الإيمان فأتمِم له نورَه ويخرج أقوى، كلُّ مَن دخل وعنده أيُّ نورٍ من نور النُّصرة لك ولرسولك أتمِم له نوره ويخرج أقوى، واغفر لنا، مَن جاء منَّا وعنده في صحيفته الصَّغائر، ومَن حضر معنا وفي صحيفته الكبائر، ومَن حضر معنا وفي صحيفته الصِّفات الذَّميمة، اللهم اغفر لنا يا خير غافر إنك قادر، إنك على كلِّ شيء قدير، يا الله. حتى يحسُنَ منا المسير، ونلحق بالرَّكب المبارك النَّوير فنُحشَر معهم يوم المصير ( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) وبُشـراهم بقوله: معَهُ، وطابوا بمَعَهُ، وحَلَت أحوالهم بمَعَهُ، وذاقوا اللَّذة بمَعَهُ.
وأنتم تُذَكَّرون بأمثال هؤلاء، رَكبُ النَّبيين، وأقرب النَّاس من النَّبيين يوم القيامة مَن اعتنَوا بمناهج النَّبيين، وإرث النَّبيين، ودلُّوا النَّاس على ما بُعِث به الرُّسل، من العلماء العاملين الصَّادقين.. اللهم احشرنا معهم، ومن المجاهدين في سبيل الله الذين بذلُوا أرواحَهم مخلصين لوجه ربِّهم ينصرون الله ورسوله.
قال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم: « أقرب الناس من المرسلين يوم القيامة العلماء والشهداء، أما العلماء فدلُّوا الناسَ على ما بُعث به الرُّسل، وأما الشُّهداء فماتوا على ما بُعث به الرُّسل» فهم أقرب الناس من الرُّسل في ذلك اليوم، فاجعلنا منهم يا رب، وفيهم يا رب، قريباً من الأنبياء والمرسلين، وقريباً من سيِّد الأنبياء والمرسلين، آمين، وأهلنا كلَّهم، وأولادنا كلَّهم، ذوي الحقوق علينا كلَّهم، يا الله، يا الله.
لو رأيتم يومَ الحشر ومَن مع النَّبيين ومَن يُبعد عنه، وما الفرق بين هؤلاء وهؤلاء ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )[الحديد: ١٣ – ١5]، هذه النِّهاية الكبيرة!
وكم من الذين عاشوا في نفاق.. الأولياء عندهم، الصُّلحاء عندهم، النَّاصحون عندهم، المخلصون عندهم، الصَّادقون عندهم، ولكن عاشوا على النِّفاق! تغرُّهم الأماني، يرتابون، تغرُّهم الحياةُ الدُّنيا، يغرُّهم الغرور إبليس وجنده، يَقبلون وساوسهم، يَقبلون إلقاءاتهم التي يُلقونها إليهم، فإذا جاؤوا في القيامة قالوا: نحن وإياكم في مكان واحد كنا! في بلد واحد! في زمان واحد! التقينا في مجامع كثير مرَّة! ( يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ) ، معنا ما صدقتم، معنا ما أخلصتم، معنا ما قَبلتم، معنا ما أقبلتم، معنا ما استقبلتم، معنا وتلعبون مِن داخل، معنا وتلوكون ألسنتَكم، وتلعبون بأذيالكم، فتنتُم أنفسكم، وتربَّصتم وارتبتم، تشكَّكتم!
النور ساطع، باهر ظاهر، ما أيقنتم! ما صَدَقتم! ارتبتم وغرَّتكم الأماني.. نحن مثل غيرنا، إيش فيهم زايد علينا! كلُّنا سوا، وغرَّتكم الأماني، وغرَّكم بالله الغرور، تلبيس وتدليس منه، صدَّقتموه! فاليوم لا يؤخذ منكم فدية! ما عاد شي مقابل ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا
مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الزمر: ٤٧] ولكن لا شيء! ولا يُقبل منهم ذلك لو جاؤوا به، ما يملكون شيء، لكن لو ملكوا وجاؤوا بالأرض بما فيها ما قُبل منهم، ما تُقبِّل منهم، والعياذ بالله تبارك وتعالى، ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[المائدة: ٣٦ – ٣٧]، أجِرنا اللهم من ذلك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
وإذا كان الهالك مَن يبيعُ دينَه بدُنياه، فأهلك الهالكين من يبيع دينه بدُنيا غيره! هؤلاء الفسقة من شان دنياهم يبيع دينه! من شانهم ومن شان أغراضهم، يُغرونه بأي مطمع ويبيع دينه من شان دنياهم هم، نعوذ بالله من غضبِ الله.
وهكذا نُبِّه الأكياس والأخيار أن لا تُزيغَهم الأنفس ولا الشياطين عن المسلك القويم بإنكار الفضل لأهل الفضل والقدر لأهل القدر، حتى لو كانوا ذوي قدر وذوي فضل، بل على قدر فضلهم يعرفون الفضل لأهليه، ولما خطر خاطر على الإمام علي بن محمد مولى الدويلة أخو الإمام السَّقاف مجرَّد خاطر نُبِّه له ليتزع منه، حتى يعيش على الصفا وعلى قلب ما فيه إلا ما يُحبُّه ربُّ العرش، خطر خاطر يقول: بماذا تقدَّم علي أخي عبد الرحمن !؟ شيوخي هم شيوخُه، وعلمُنا مِن علمه، وأضيافي أكثر من أضيافه، بماذا يتقدَّم علي؟
وكان هذا زيغ، وكان هذا انحراف باطني ما يحبُّه الله، طهَّره الله منه في ليلته، وإذا بملَك يقِف على رأسه، تعال أروِّيك أخاك عبد الرَّحمن؟ قال: نعم. قال: شوف. أراه الإمام السَّقاف وإذا به سطور من نور من على رأسه إلى قدمه، سطر: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسطر: ( قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ * الله الصَّمَدُ )[الإخلاص: ١ – ٢]، قال له الملك: شوف، إذا كان معك مثل هذا تكلَّم، فقال: أستغفر الله، وأناب إلى ربه وسلِم من العثرة، وسلِم من السَّقطة، وسلِم من الهوية أن يهوى. وهكذا شؤون مَن يحبُّ الحقُّ سبحانه وتعالى تطهيرَهم.
وصنف من النَّاس كلَّما وقعوا في هذه الظُّلم زادت ظلمهم ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ) [المائدة: ٤١]، اللهم طهِّر قلوبَنا، وانظر إلينا يا عالم غيوبنا، واكفنا شرَّ جميع عيوبنا، يا الله.
وفيهم من ذُكِّرتم من أهل هذه الأوصاف من مثل صاحب الذكرى في هذه الليلة التي كان في مثلها وفاته عليه رحمة الله ورضوانه الحبيب محمد بن عبد الله الهدَّار، يقول: خرجت من مسجد الجامع ليلة، وإذا واحد من السُّفهاء على الباب يسبُّه ويشتمه ويتكلَّم عليه، قال: قلت له: جزاك الله خير، ورجع إلى البيت، ولما رجعت إلى البيت كمَّلت مسامحته من قلبي تمام، وندمت إني أخَّرت تكميل المسامحة من عند الجامع إلى ما وصلت البيت! قال: وددت أنَّ هذا التطهير في نفس الوقت وهو قائم أعطيته المسامحة التَّامة، قال: قال أنا فقط قابلته وصبرت عما قال وقلت له: جزاك الله خير، ومشيت. ولما وصلت البيت صفَّيت قلبي عنه تماماً بالمسامحة الكاملة، وندمت لما أخرت المسامحة من عند باب الجامع إلى أن وصلت البيت!
تعرف الرِّجال؟ تعرف المعاملة مع ذي الجلال؟ تعرف سرَّ التربية؟ تعرف سرَّ الأدب؟ تعرف سرَّ قصد الرَّب؟
كنت مع الحبيب عبد القادر يوم جلس وذكر الحبيب محمد، فقال:
ومجاهد فيهم عظيم الموقعِ
يمشي وراءه الشباب فيقولون: ما نقدر. أذكار جم، قيام جم، صلاة جم، قراءة جم، يتعبون به، فيروحون ما يقدرون، وهو في أمراضه، حتى قال لي في ذكر همته يوم من الأيام قال: ولو أبقى الله لي صحتي التي كانت معي في الشباب ما بحتاج حد منكم في هذا الرِّباط! وبأقوم بأموره وشؤونه كلها، لكن الأمراض، وفي أيام الأمراض ما يلحقون به لا شباب ولا غير الشباب! في قيامه وإقباله وصدقه وأدبه، إرث ورثه عن الكرام.
ذكر شيخه الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى عليه رحمة الله تعالى، وذكر شيخه الحبيب عبد الله بن عمر الشاطري، ثم أشار إلى إرثه له في القيام بشأن هذه الدَّعوة دلالة النَّاس على ما بُعث به الرُّسل، قال:
ولنا انتفاعٌ بالإمام الشَّاطري ** والشَّاطري خليفة الأجدادِ
لكنني لم أستجِزه لهيبةٍ ** ملكت عليَّ مشاعري وفؤادِ
والشَّيخ كان مجلَّلاً بمهابة ** هي خلعةُ التقوى على الأفرادِ
وصحبتُ وارثَ سرِّه مَن قد ** غدا مثلاً له في السَّير بالمرصادِ
أعني محمداً بن عبد الله ** هدَّاراً بصدق الوعد والإيعادِ
مَن لم يخَف في الله لومة لائمٍ ** راجَت تجارتُه بدون كسادِ
هذه البضاعة الغالية! في أول الشُّيوعية لما جاءت ومسكوه وحبسوه، كلَّما وقفوا في مكان السِّيارة فرش رداءه ليصلِّي، وإذا جاء وقت الصَّلاة، قال: صلُّوا، وهم متنكِّرين للدِّين من أصله، واحد منهم قاله: ثوبي نجس، قاله: شوف الرِّداء حقي هذا البس الرِّداء وصل معنا.
ووصلوه إلى السِّجن في المكلا، فدخل إلى السجن وحوَّل السِّجن إلى رباط، أول السجن دعوة وعلم وذكر: اللهم يا عظيم السُّلطان.. وجماعات تُقام وسط السِّجن، أيام سخَّر الله له داخل السِّجن من يقوم بمصالحه ويخدمه تعجَّب فيه حتى خرج من السِّجن.
ولما جاء الأمر بخروجه، قال المساجين: يا حبيب، كيف بتخرج من السِّجن وبتخلينا يا حبيب؟ حوَّلتنا من السِّجن إلى عالم ثاني الآن، خرج. وكان يقول للوالد: عسى يكون سجني ذا فداء لكم وجنَّبكم ربي الشَّر، قال: ما نادى به إلا عاد بيجوا من بعدي بيصلِّحوا أشياء.
سافر، وتابعوه بعد سفره وجدوه قد خرج من الحدود أيام تشطير اليمن وتقسيمه وقد خرج إلى البيضاء، وسلَّمه الله من شرهم، وتابعوه وجاؤوا إلى البيضاء وأقاموا في البيضاء 15 يوم، وكان من آخر من خرج، وكان النَّاس يقولون له أحسن تخرج ويقول: لا نفر من الزَّحف. فكان آخر مَن خرج بعد ذلك، وكشف الله الغمَّة ورجع وقامت الأمور بفضل الله تبارك وتعالى.
وهكذا، جاء من بعده دور الخطف ودور السَّحل وإلى غير ذلك من الأمور التي قضاها الله ومضَت ومشَت، ولكن قواعد الذين حملوا هذه الحركات في الحياة انهدَّت، وقواعد هؤلاء قويت! قواعد هؤلاء توطَّدت! قواعد الذين خطفوهم والذين سحلُوهم والذين سجنُوهم والذين شرَّدوهم قويت، وهي قويَّة اليوم في بلادنا وفي العالم، لم؟
لأنَّ بلادنا والعالم مملكة لواحد اسمه: الله، اسمه: الله، يا جاهل بعظمةِ الله اسمه: الله، ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [آل عمران: ٢٦]، ولا العز إلا بتقوى الله سبحانه وطاعته.
وكان الحبيب محمد يحكي عن شيخه الحبيب عبد الله الشَّاطري يقول: لو كان في مصلحة الدَّعوة إلى الله ومصلحة هذه الملَّة والدِّين بَريُ لحمه ما تردَّد أن يبريَ لحمَه! بيبري لحمه للدِّين وللدَّعوة إلى الله، وورثَه في هذه الخصلة، وورثَه في هذا المعنى. عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وأحسنوا دلالةَ النَّاس على ما بُعث به الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم، في خضوع، في خشوع، في إنابة إلى الرَّب جلَّ جلاله. والكل منهم
بكَّاء ليلته سجَّاد خلوته ** من خوف مالكه يستعذب التعبا
له اشتغالٌ بحفظ السِّر عن دخلٍ ** ليث النِّزال إذا ما عارك الرُّقبا
تلقاه في الجود كالطَّائي وأحنفِهم ** في الحِلم قد فاق قُسَّا حيثما خطبا
قال: إذا جئنا إلى تريم وأردنا وقتنا يتبارك نجي إلى عند والدك، وفي اليوم الواحد نحضر مع والدك في تريم 17 مجلس! قال: وإذا كنَّا معهما لا يفوتنا شهود جنازة، ولا حضور مجلس ذكر، ولا شيء من المناسبات في البلد، وتمضي كلها في بركة وقت، وفي صدق مع الله تبارك وتعالى، في زهد، في قناعة، في رضا، في جِد، في اجتهاد، عليهم رضوان ربي جلَّ جلاله.
يقول: في تلك السِّنين يقول لي والدك: إنا نطعم هذا اللَّحم مِن العيد إلى العيد، طول السَّنة ما يتيسَّر لهم اللحم، وما يلتفتون إليه، قال: وأنا أخرج في أيام رمضان وعندنا قدر صغير ومعه هذا الكانون الذي فيه الجمر نضع فيه الرُّز وماء وملح، وأتركه فوق الجمر وأخرج إلى الرُّوحة عند الحبيب عبد الله، نكمِّل الرُّوحة ونصلي المغرب نحن وإياه وصلاة التسبيح، ونرجع بعد صلاة التَّسبيح نحصِّل هذا نجح وكمل تماماً، حقه الخصار والإدام ليمة يقطع الليمة ويحطها يفصها على الرُّز ويأكلها، كل ليلة من رمضان هذا عشاه! كان يقول للأهل عنده قال: والله، طعم هذاك لا زال في فمي أحسن من اللي تحطونه من السُّفر حقكم كلها، قال: المطاعم اللي تجيبوها الآن هذاك الطَّعم عندي ألذ وإلى الآن أحسُّ طعمَه في لساني! عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
ومضوا على قصد السَّبيل إلى العُلا ** قدماً على قدمٍ بجدٍ أوزع
وإذا ربي ما بخِل عليك إنت تبغى نماذج تطبيق آياته وشريعته وسرِّ الاتصال به في القرن الأول أو الثاني أو الثالث إلى قرنك هذا قُدَّامك! انظر كيف طبَّقوا! كيف عملوا؟ كيف قاموا؟ قُدَّام عينك! وعادك تلتفت إلى التلابيس والوساوس من إبليس! وتذهب يمنة ويسرة، من أجل الدُّنيا تطلع وتنزل، وتروح وتجي، وتُعادي ذا، وتبغض ذا، وتتكلَّم على ذا، وتسب ذا!
يا هذا، أين عظمة الخالق في قلبك؟ أين عظمة الرُّجوع إليه؟ أين الاستعداد لذلك؟
اغنم فوزَك بالايمان، اغنم فوزَك بنصرة سيِّد الأكوان، جعلنا الله وإياكم جميعاً من أنصاره، يا ربَّ الحاضرين والسَّامعين أثبتهم عندك في أنصار هذا الأمين، آمين يا رب العالمين، في ثبات إلى الممات، يا مجيب الدَّعوات، كلنا نُحشر مع خير البريَّات.
يا الله، شرِّف عيونَنا يوم الميقات بنظر ذلك الجمال، جمال حبيبك المصطفى سيد الكائنات، يامكوِّن الكائنات، دلَّنا بحبيبك عليك، ولا تفتنَّا بشيء من الأكوان، يا الله..
وأنتم سعداء بنداء الله، وبرجاء الله، وبدعاء الله، وباللجوء إلى الله، وباللياذ بالله، فأنعِم بالله، يا الله، لا تخيِّب أحداً منا، وارضَ بفضلك عنا، وحقِّقنا بحقائق الإيمان والنُّصرة، وادفع عنا كلَّ تكاسلٍ وفترة، وارزقنا كمالَ الاستقامة على المنهاج القويم والصِّراط المستقيم، يا الله، وأيقِظ بذلك قلوباً في المشارق والمغارب، وانشر راية الحق والدِّين القويم .. يا الله.
هذه البقعة التي أنتم فيها، وتشهدون مثل كلام إخوانكم هؤلاء أكرمه الله بالإسلام ومن خمس عشرة سنة اعتنى بالمسلمين الجدد، إيش من مؤسسات تعتني بهم في بلاد المسلمين؟ إيش من دول تعتني بهم؟ إيش من هيئات تعتني بهم؟ لا وزارات ولا دول ولا شعوب إلا ما ندر من الأفراد الذين يوفقهم الله تعالى، وهم الذين جعل الله لهم حصةً حتى في ركن من أركان الإسلام في الزَّكاة جعل لهم حصة فيها (المؤلفة قلوبهم)، ولكن مع ذلك أموال المسلمين يا في ألعاب، يا في ميسر وقمار، يا في ربا! مصروفة في هذا، يا مفاخرات ومباهات يركِّزون لهم عمائر طويلة عريضة كبيرة مزخرفة، بتكاليف كبيرة، ولا هم حول دعوة إلى الإسلام، ولا حقوق الذين أسلموا، وما إلى ذلك!
ومع هذا كله يقول لكم: المسلمون يزدادون ويدخلوا الإسلام، وحملات ونشرات في الإعلام، مقابلها ما اعتنت لا دول المسلمين ولا شعوبهم إلا الأقل الأندر بشيء من القنوات واستخدام هذه الوسائل للتعريف بحقيقة الإسلام على وجهه الصَّافي، بلا غرض ولا مرض، بلا مراد من المرادات، ما قاموا بحق هذا، والتشويه الإعلامي كثير.. ومع ذلك يسلموا الناس! لم؟
لأنَّ الجمال أصيل في النَّبي الجليل خير دليل، وفي ما جاء به من الوحي والتَّنزيل، مهما تكلَّم المتكلمون عنه فهو جمال أصيل ما يتغطَّى! ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [التوبة: ٣٣]، ما جاء من عند أمم متَّحدة جاء من عند الرَّب ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) وليجتمع الذين انتدبتهم الصُّغرى والكبرى في العالم ونرى كل منقطع عن هذا الرَّسول مدى حسرته الشَّديدة، بل سنوات عديدة وفي الأرض هذه ينمحي ذكرهم وأثرهم، لكن هذا مبتعَث من فوق، هذا مُبتعَث من عند ربِّ العرش، هذا مبتعث من عند الخالق المبدئ الفاطر، هذا محمد بن عبد الله، هذا أبو الزَّهراء البتول، هذا ابن آمنة، صلوات ربي وسلامه عليه، جامع المحامد والكمالات الإنسانية، محبوب الحضرة القدوسية صلوات ربي وسلامه عليه، الله يربطنا به ربط لا ينحل.
في هذه البقعة مرَّت عليها فترات وفيها كلام وشعارات وأصوات تهتز بها الأرض ومسيرات كما يسمونها ، في هذه البلاد ،وتُوهِم إنه ما عاد يقوم شيء من هذا أبداً! واليوم يقوم بخير ما قام ويتوافد الوافدون من هنا وهناك، ويبشِّرونكم بأنَّ الإسلام قائم ومنتصر، من أين هذا؟ كيف هذا؟
وإذا كان هذا النموذج الذي عشناه في حياتنا هذه، فكم نماذج من حين بداية بعثته ﷺ؟ وقد تحدَّث المشركون في مكة أن يستأصلوه نهائياً، ولا عاد يبقى أثر ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الأنفال: ٣٠]، ما تمكَّنوا في مكة، وخرج من عندهم وقد أكملوا الخطة ونفَّذوها فلا خطط ولا تنفيذات تفيد، أكملوا الخطة ونفَّذوها إلى الوصول إلى عند داره، وعشرة من شبابهم بسيوف حادة مسمومة، بعثتهم قوة الدَّولة الكافرة وأحاطوا بالبيت وهو وسط البيت! وصلتم إلى هذه المرحلة.. خلاص .. ما آخر شيء؟ يخرج ولا تضربوه، يخرج ولا تروه! فضلاً عن أن تقتلوه، كمَّلتوا الخطة حقكم؟ شوفوا الخطة حقَّنا! إيش الخطة؟ اهرب يا محمد! ماشي هروب، اخرج من البيت! لا تخفى ما تتخفى! لا، اقعدمحلَّك وسط البيت، ويحيطون بك، وإذا جاء الوقت قلنا لك اخرج اخرج، خرج وهم تحت البيت، خرج مطمئن، خرج آمن، هو يعلم القرار ويعلم أنَّ هؤلاء العشرة بسيوف مسمومة حادة ويريدون ضربته ضربة رجل واحد، فتح الباب آمناً، مطمئناً، واثقاً، نظر إليهم، وإذا لحظة أرسل عليهم النوم في عيونهم، نومة، نومة أبسط الأشياء انتهى كيدهم كله، كمَّلت الخطة حقهم روَّحت، ناموا ورؤوسهم على نحورهم وخرج ﷺ، ينظر إليهم ويتعجَّب فيهم، ما هرب، ولا جرى، وقال فرصة نيام روِّح، حمل التُّراب ويقرأ: ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) [يس: ٩]، فوق هذا تراب وفوق رأس هذا تراب دار عليهم كلهم، لو ما هناك صلة بالقوة الكبرى ليه تعرِّض نفسك تبغاهم يقوموا ذا الحين يمسكوك! شل نفسك وروح! أبداً دار عليهم واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة، كل واحد فوق رأسة تراب، يُريهم العزَّة لمن؟ الكرامة لمن؟ خرج يمشي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ودخل وسط الغار ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا )[التوبة: ٤٠]، يا رب كن لنا كما كنت له، وأعِد علينا عوائد تلك المعية بالمزية، يا مجيب الدَّعوات، يا قاضي الحاجات.
ومضى، وتابعوه للمدينة، والمدينة وتخطيط ومع اليهود بني قريظة وقالوا أنتم من كذا ونحن من كذا، ودفعة وحدة ونقتل محمد ونستأصله ولا نخليه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) [الأحزاب: ٩ – ١٠] ورجعوا والخطة فشلت وراحوا، وكم خطة بعد خطة! في أيام الصِّديق، في أيام الفاروق، وخطط هنا وهنا وهنا وهناك.
إلى هذا النموذج الذي قدام عيوننا في بقعة من بقاع اليمن من حضرموت هذه وحدها شفناها بعيوننا، وقال المغترون وكتبوا بالخط العريض على حزبهم: لا صوت يعلو فوق صوت الحزب. كذبوا والله، هذا الصوت العالي، هذا صوت عالي، يساويه شيء من حزبهم من أوله إلى آخره؟ من حين قام إلى أن ينتهوا كلهم، ما يساوي هذا الصوت!
هذا الصوت متَّصل بمحمد، ألا قل صوت الذين خطفتوهم، وصوت الذين عذبتوهم، وصوت الذين شرَّدتوهم، وصوت الذين سحلتموهم هو القائم! هو المدوِّي في العالم اليوم، ما هو صوتكم! ومن أصواتكم وخفوتها حرَّقوا صُور المفكرين حقكم الذين أقاموا هذا النظام وسط موسكو نفسها! لكن صور الذين خطفتوهم محترمة! صور الذين آذيتوهم وحبستوهم مكرَّمة بين النَّاس! وصور قادتكم هي التي تحطمت فصوت مَن الباقي؟ ماشي صوت فوق ربكم جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
هذا النموذج ومثله يعمُّ العالم، وتأتي فترات لمثل بعثة الإمام المهدي أو نزول سيدنا عيسى بن مريم إلى أن ينقضي الأجل لكن بخطة من الله عزَّ وجل، هي التي تمشي وحدها، وحدها، وحدها، هي التي تمشي! كل خطة مخالفة لها تروح، قال: ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الأنفال: ٣٠]، ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ) [الطارق: ١٥ – ١٦]، ( فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً ) [مريم: ٨٤]، فالله يكفينا شرَّ الأشرار والكفار والفجار ويجعلنا للنبي من خواص الأنصار.
يا رب، اجعلنا جميعاً في أنصار المختار في السِّر والإجهار، ظاهر وباطن، يا رب، مَن تقاعسَ منهم عن نصرته في نفسه أو في أسرته أو في شيء من عاداته أبدِل هذا التَّقاعسَ بهمة قعساء، وصِدق معك يقوم به يا رب، من الحاضرين والسامعين ليكونوا من أنصار الأمين المأمون عبدك المصطفى، جامع أسرارك والدَّال عليك، اللهم اجعلنا في أنصاره، مقتفين لآثاره ظاهراً وباطناً برحمتك، والحمد لله ربِّ العالمين.
09 ربيع الثاني 1438