(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 10 شوال 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: إشراق النور الرباني ومجاليه وأوعيته.
الحمد لله على ما أشرق لنا مِن أنوار الدلالة عليه، وأسباب التقرُّب منه سبحانه وتعالى والوصول إليه، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم المنان الكريم، أرسل إلينا الحبيبَ العظيم، الهادي إلى الصراط المستقيم، فانتشرت خيراتُه وعمَّت بركاته، وعظُمت في البريّة أياديه المباركة، وسببيّتَه في إفضالِ فيوضاتِ الله على عباده، أدمِ الصلوات والتسليمات منك على عبدِك المقرَّب سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأهلِ حسنِ محبته واقترابه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك، وآلهم وصحبهم وملائكتك المقربين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ولما أشرقت أنوارُ ربكم جلاله، وجعل مجاليَها كتبًا منزلة، ورُسلا من لدنهُ مرسَلة، ختمهم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، قامت لذلكم أوعيةٌ تتلقى فيوضاتِ ذلك النور، الذي يغمرُ في البطون والظهور، ولكن مستقرَّهُ القلوب التي تودَع أنوار المعرفة بالله الخاصة والمحبة الخالصة لله ومن الله جل جلاله، شاهد يقول الحق فيه في كتابه ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) فضل الله الذي أمرنا أن نفرح به، إذا رأينا أثرَ قومٍ يحبهم ويحبونه، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). هذا الفضل المتصل بذاكم الفضل العظيم نفسه، الذي قال الله عنه لما ذكر بعثةَ نبيه محمد عليه الصلاة والسلام (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) لم يظهروا في زمنه بعد، ولم يكونوا في ذلك الوقت، وسيلحقون بهم من بعد، (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) منتظَر لحوقُهم بهم، (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
كان هذا الفضل العظيم الرباني، فما قام في تلك الذوات التي أشار الحق تعالى إليها، أشار فيها بأسرار المحبة وأسرار التذلُّل للمؤمنين مِن ذلَّتهم للذي آمنوا به، فعرفوا قدرَ المؤمنين فتذلَّلوا فاستحقوا العزةَ بالله تبارك وتعالى، فأعزَّهم فجاءتهم العزةُ من الله (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)، هذه الحقيقة، فليس لهم طلبُ العزة من هذه الميادين، ولا من هذه الأبواب ولا مِن هذه الحقائق، ويطلبون العزةَ بمظاهر أو بأموال أو بمسمَّيات، أو بدعايات، أو بتجارات، أو بسلطات على ظهر الأرض أو بصور أو بمظاهر، إلى غير ذلك، فأنى يدركون العزة!؟ وهي حرامٌ على مَن لم يتصل بالله ويتذلل للحق تذلُّلا يظهر في ذلَّته في هذا الوجود حتى في مشيتِه على الأرض، (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)، أولئك هم الأبرار الذي كان يتكلم بعضُ أهل القرون الأولى عن مظهرهم في سرِّ برِّهم، فقال "لا يؤذون شيئا ولا يتأذى منهم شيء حتى الذرّ"، حتى الذر لا يتأذى مِن أحدٍ منهم، لحُسنِ خُلقهم، لرسوخ الأدب مع الله تعالى في قلوبهم، فصاروا لا يعرفون ضر الناس، أبرار، يعرف منهم البر، ولا يُرى منهم الضر وهم بعد التحقق بحقيقة الإسلام، في قول خير الأنام: (المسلم مَن سلم المسلمون مِن لسانِه ويدِه)، والتحقق بحقيقة الإيمان في قوله (المؤمن مَن أمنَه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم)، (ولا يؤمن أحدُكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، (ولا يؤمن أحدُكم حتى يكونَ هواه تبعاً لما جئت به).
وتحقُّقهم بحقائق الإحسان، في معاني أن تعبد اللهَ كأنك تراه، فقل لي بعد هذا هيبة مَن تزلزل قلوبَهم؟ إذا كانوا يعبدونه كأنهم يرونه، هيبة مَن في العالم؟ هيبة أي سلطة؟ أي قوة؟ أي حزب في الوجود يزلزل قلوبَ هؤلاء؟ كأنهم يرونَ العليَّ الأعلى، فمَن تراهم يهابون سواه؟ ولذا قال سبحانه وتعالى في مقامِ تبليغِهم وقيامهم بالأمر، (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)، ونعم الحسيب كافيهم. وقد قال لسيدهم (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ)، فالقوم تنتزع مِن قلوبهم آثارُ الخوف من غير الله، والخشية لغير الله تعالى،على ذاكم الوجه الشريف الأعلى، الذي يستقيمون به على منهجِ إيثار الله على ما سواه، وتقديم أمرِه على كلِّ أمر، وتقديم حُكمِه على كل حكم، وتقديم شرعِه ومنهاجِه على كل نظرية، على كل تصور، على كل قانون، على كل دولة، على كل الشعوب، يقدِّمون أمرَه وحكمَه جل جلاله وتعالى في علاه، (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)، وعلاماتهم كما ذكر ربُّكم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ). اللهم اجعلنا منهم وألحِقنا بهم، وأدخِلنا فيهم يا ربَّ العالمين.
تلكم الذوات التي هي محلُّ فضل الله، يقوم عليها شؤونُ القوالب الأخرى التي تكون ظروفًا لفيوضات الفضل الرباني، مِن مثل موسم رمضان، ومِن مثلِ مجامع الخير، ومِن مثل موسمِ الحج المُقبل علينا، ومن مثل شؤون الأخلاق والصفات التي تسري منهم إلى واقع في الأسر، وواقع في المجتمعات، وواقع في الشوارع، وواقع حتى في الأسواق، وواقع حيثما حلُّوا وحيثما نزلوا، لقوة صلتِهم بالعلي الأعلى جل جلاله، فحيثما مضى أحدُهم أو تكلم أو خاطب أو نزل أو سافر أو أقام، فهو في محل خلافةٍ عن ربِّ الأرض والسماء في هذه الأرض فصارت الأرض كرسيّاً لخلافتهم عن الله تبارك وتعالى، أي الفرصة موهوبة لهم ما داموا في عُمرٍ التكليف هذا مشرَّفين بالأوامر والنواهي، يحسنونَ الائتمار بأمرِ الله، والامتثال لأمر الله، في قلوبهم وأعضائهم وفي ما يصدر منهم، فيقوم على الائتمار بأمر الله والانتهاء عما زجر الله أسرُهم، وتقوم مجتمعاتُهم وحركتُهم في هذه الحياة، فينبسط نورُ الله تبارك وتعالى، ويشرق مِن تلك القلوب إلى تلك الأعضاء، إلى تلك الدور، إلى تلك المنازل، إلى تلك الأسر، إلى تلك المعاملات، ويحيون في دوائر قربٍ مِن الحق جل جلاله يصبُّ عليهم صيِّبَ إفضاله وإمداده، وكلما جاءهم موسم تجدد لهم شان، في الصلة بالرحمن وفي قوة الاستلام، قوة الأخذ فيما بعد ذلك.
فالذي قُبِل في مثل موسم رمضان، الآن خرج رمضان إذا حضر مثل ذا المجمع، حضره بحال أوسع مما كان يحضر قبل رمضان، وبتلقِّي أقوى، وبإنابة إلى الحق أوفر، وبحسنِ استلامٍ لفائضاتِ الملك العلام جل جلاله، وهكذا مهمة الليالي والأيام فينا، هذه دواعي الرقي، كثير ما سمعنا عن قاصري النظر من خلق الله على ظهر الأرض، التنمية والتطوير وما إلى ذلك ويدعون إليه بوسائل فإذا مشيت معهم حصلت من أوله إلى آخره يرجع إلى مادة، وهل يوجد تطور وراء هذا ولا وقفنا؟ تطور فرعون لما شبع، وتطور قارون لما شبع، فهل كانت لهم من عاقبة؟ فهل كانت لهم من نتائج حسنة؟ أين التنمية وأين التطور الذي دعا إليه الحق؟ الذي دعا إليه المصطفى؟ الذي دعا إليه الأنبياء والرسل، هذا النمو وهذا التطور، وهذا الاعتلاء الدائم الباقي الذي يرتقون به في السجدات، ويرتقون به في الركوعات، ويرتقون به في مجالس الخيرات، ويرتقون به عند التذكر والتذكير، ويرتقون به عندما يواصلون أرحام، ويرتقون فيه عندما يبرون والدين، ويرتقون فيه عندما يصلحون بين متخاصمين، ويرتقون به عند غضِّ النظرِ عما لا يحل، وعما لا ينبغي، يحمون عيونَهم أن تنظرَ بعين الاحتقار لشيء مِن خلقِ الله، أو لأحد من المسلمين والمؤمنين، يحمون عيونَهم أن تتبَّع العورات، أو أن تنظر إلى المحرمات، ويحمون آذانهم، وبذلك يدوم رقيُّهم ويدوم اعتلاؤهم ويدركون أسرار المعاملة مع الرب جل جلاله وتعالى في علاه، وحينئذ يجدون نتائجَ الأعمال، هم دائمي التغيير لِما بأنفسهم لِما هو أرقى، فتتغير أحوالُهم وأحوالٌ مِن حواليهم على حسب ما اقتضتِ الإرادةُ الإلهية، والحكمةُ الربانية في تسيير الأمور والشؤون، فإنه لم يخرج منها شيء ولا فلتة خاطر ولا لفتة ناظر مِن يدِ الله تبارك وتعالى، الذي (ما مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) جل جلاله وتعالى في علاه، وهذا مشهد يحتاج أن نتقوى فيه بواسطة الصيام، نتقوى فيه بواسطة القيام، نتقوى فيه بواسطة الذكر والتلاوة للقرآن مشهد لما عبّر عنه النبي هود يخاطب أهلَ الجحود ويخاطب أهل الكبرياء والاغترار بالقوة التي قالوا عنها في عصرهم (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) هل يوجد استكبار بحق؟ الاستكبار بحق الاعتزاز بالطاعة، الاعتزاز بالعبودية لله سبحانه وتعالى، هؤلاء استكبروا بغير الحق (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، وأما من اعتز بطاعة الله يكبر ويعلو أمره وشانه، وهكذا جاءت الاستكبار بالوهم وبالخيال وبغير الله وهو ضلال وباطل والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وهذا الاستكبار الذي يتصل بالحق رأسُه الذلة لله جل جلاله وتعالى في علاه، فما يكون يطلق عليه هذا اللفظ، لأنها هذا اللفظ إذا أطلق انصرف اول ما ينصرف إلى أنواع الاستكبار بغير الحق، وهو أن يرى مخلوق نفسه فوق مخلوق آخر، على غير هدى وعلى غير بصيرة والعياذ بالله جل جلاله وتعالى في علاه، ممقوتة عند الله تعالى، أما بهذا المعنى فإنَّ صاحبَه استكبر عن أن يذلَّه الشيطان، عن أن تستنزله الأوهام والخيالات، عن أن تأسرَه الدنيا، تكبَّر على الدنيا، وتكبر على شهواتها وآفاتها بماذا؟ بالذلة لله، وطلب ما عند الله، فكان الفرق كبير، وأما هؤلاء فيستكبرون في الأرض بغير الحق (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)، بلى مثواهم هناك، ومأواهم إلى هناك، ويرون أثرَ هذا الاستكبار إلى أين يوصلهم، يقول جل جلاله (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)، وهذا الكبر المذموم، يقول عنه صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ ذرة من كبر). أعاذنا الله وطهَّر الله قلوبنا من ذلك، يارب اجعل لنا مِن أثر قبولِ الصيام أثراً في قلوبنا تتطهر به، عن كل ما لا تحب من الأوصاف، اللهم واجعل لنا من الأثر القبول للصيام وللقيام فرجا لنا وللمسلمين، وصلاحا لأحوالنا وأحوال المؤمنين.
تأتي هذه الظروف التي تحلُّ فيها معاني الصلات والفضل الرباني، وإشراقات ذلك النور المتجدِّد إشراقه، إذا ضُربت الأمثال لهذا النور الذي ينبسط في القلوب والذي مركزه محمد المحبوب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فإنما لتقريب المعاني، وإلا والله لا يشابهه نورُ شمس ولا نور قمر ولا نور نجوم ولا نور كهرباء، ولا غيرها من الأنوار، هذا نورُ اتصال بذي الجلال، هذا نورُ وجاهة في يوم المآل، هذا نورُ دوام وأبد في معاني عوال، ومِنن غوال، لا تخطر على بال، فما يمكن قياسُه بشيء ولكن على سبيل التقريب تنزَّل الحقُّ سبحانه لعباده وضرب لهم الأمثلة فيما يشاهدون ويحسون حتى ينتقلوا إلى ما ليس بمحسوس وما لا يدخل تحت هذه الدوائر، ويقول (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)، اللهم اهدنا لنورِك، واجعلنا من أهل نورك برحمتك يا أرحم الراحمين.
بعد إشراق هذا النور وعجائبه يجب أن ترتقوا في مهماتكم ووجهاتكم، وهمَّتِكم إلى الحق تبارك وتعالى، طلبًا لهذا الرضى، قال سيدنا الكليم (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)، ويقول سيد المرسلين "إن لم يكن بك علي غضبٌ فلا أبالي ولكن عافيتَك هي أوسع لي"، ويقول (لك العتبى حتى ترضى، لك العتبى حتى ترضى)، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطِك والنار. القلوب التي أشرق فيها سنَا هذا النور، كيف تُخرجها من بين ملايين على ظهر الأرض، محرومين من هذا النور، وفيهم المتكبر، وفيهم المتعفرج، وفيهم الضال، وفيهم الظالم، وفيهم الذي يرى نفسه فوق أهل الأرض، ومن خيار أهل الأرض أو هو وقومه وما إلى ذلك، ولو تأملت حقائقَ مصيرهم ومآلهم، وهي قريبة، والكثير منهم ينتهون واحد بعد الثاني في الأمد القريب ويزولون، ولو رأيت مصيرهم إلى غضب دائم ونار موقدة لا تُطاق، لرثيتَهم في حالهم هذا.
وهذه القلوب جمعكم الله ومن معكم من قلوب أهل الخير في الشرق والغرب تؤمنون به وتوحدونه وتصدِّقون وتوقنون بما أنزل على نبيه، وأنه الحق وأنه الهدى، وتطلبون المكانة عنده وتطلبون القوة في هذه الحقائق، التي خاطب بها النبي هود قومه أهل الجحود استكبروا في الأرض بغير الحق (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، والجواب في اتصال القلوب بالرب (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ )، إذا كان خلقهم انتهت المسألة، أثرهم عدم فإيش يقولون قوة ما قوة؟ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ) ذهبت تلك الدولة بما فيها، قال الله (لا يُنصَرُونَ)، هل يوجد أحد من الدول بعدهم دول الظلم والكفر يجي ينصرهم؟ قل دولة ثانية ثالثة، أو رابعة أو السابعة والثامنة وجات بعدهم مئات الدول الظالمة، الفاسقة لا أحد ينصرهم؟ (لا يُنصَرُونَ) ذولاك، ولا ذولاك ينصرونهم، ولا ينصر بعضهم بعضا، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، فين النصرة؟ دوِّر للنصرة في العاقبة، دوِّر لنصرة الأبد.. ما تحصِّلها مع أحد، لا مِن أهل الجيش ولا من أهل القوة.
اليوم كم عقليات تعيش معنا على ظهر الأرض يرون أن النصرة في امتلاكِ أسلحةِ الدمار الشامل كما سموها دمار، ويغارُون أن يشاركهم أحد فيها، والله ما هي نصرة، ولا عاقبتها نصرة، وستذهب ويذهبون ويدرك الكلُّ بالبصائر والعيون، حقائقَ مَن يقول للشيء كن فيكون، في قوله (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ* يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، والعياذ بالله تبارك وتعالى، وقائلهم يقول: (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)، (مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ* بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) كما قال جل جلاله وتعالى في علاه، (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، يقول إن الخيال أن بعضهم يملك لبعض شيء، ويقول نرتب أنفسنا لذلك فيغترُّون بالأسباب التي وضعَها الخلاق في أرضنا هذه، يغترُّون بهذه الأسباب ويقول ذي علائق وذي قوى وهذا كذا كذا وهذه ترتيب مستقبلي، وهذا مرحلة وهذا صلح حالك معه في فترة، وهذا بعدين .. يعملون مثل هكذا، فيظنون أن هذا الوهم حقيقة، ويظنون إنه بيدوم معهم، حتى إذا جاؤوا في القيامة يقول سبحانه (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، هذا الوهم اللي كنتم تظنون بعضكم يملك لبعض شيء ويرتب شيء ويستنصر بأحد، ويتقوى بغيره، ذهب الوهم واليوم الحقيقة بارزة للعباد ، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)، (وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا* يوْمَئِذٍ لّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا* وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)، إبليس وأكبر عاتي طاغي معه من بني آدم الموجودين على ظهر الأرض اليوم، عيوننا هذه ستراهم مِن أذلِّ خلق الله، من أحقر خلق الله، العاتي الطاغي هذا اليوم، الموجود على ظهر الأرض، هو الذي يموت على ذلك فيُحشر من أذلِّ خلق الله، يلهث يصيح، يريد نصيراً فلا ينصره أحد، (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)، خاب مَن حمل الظلم، عظِّموا نورَ الله الذي وصلكم بواسطة كتُبه وبواسطة خاتمِ رسله، خُصِّصتم به أنتم معشرَ الأمة، دون الأمم غيركم
فحمدًا لرب خصنا بمحمد.. فاجعلنا يارب على درب حبيبك محمد، وارزقنا الثبات على منهاج حبيبك محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
سمعتم عن القرون الأولى منكم معشر الأمة، كان أشهر بعد رمضان يتوجهون إلى الله بقبول رمضان، فهم يودعونه أشهر نصف العام، والنصف الثاني يستقبلونه ويسألون الله يبلغهم رمضان، والآن قد مضى علينا رمضان وكمُلت العدة والحمد لله ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعله عائداً وعلى الأمة بخيرات كثيرة، وعافية وعفو وتوفيق وصلاح لأحوالنا وأحوال المسلمين، في المشارق والمغارب، يا مجيب يا منيل الرغايب، يا دافع البلايا والآفات والمصائب والنوائب يا حي يا قيوم، يا أكرم الأكرمين. عدنا إلى ذاك البرنامج في اجتماعاتنا، إن شاء الله يجعلها مقبولة لديه، ويجعلها سلسلة متَّصلة يدوم فيها رقيُّنا ويدوم فيها النماء والتنمية الكبرى لأذواقنا ولأخلاقنا ولمشاربِنا ولوجهاتِنا ولنياتِنا ولآدابِنا وأسرار صلتنا بهذا المولى جل جلاله، ولن تجدَ أعزَّ لك من الاتصال بالله العزيز، ومَن كان يريد العزة (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، لا إله إلا هو. ولا يعزُّ إلا من أطاعه، فإنه لا يذلُّ من واليت، ولا يعز من عاديت جل جلاله وتعالى في علاه. وإن شاء الله نرى أثر الفوائد والموائد الرمضانية في أيام شوال وما بعد شوال، ونُقبل على الله بصدقِ الاقبال.
يا من جمعتَنا على الوِجهة إليك اجعلنا في المقبولين لديك، وأبواب الفضل افتحها لنا، وأبواب الجود افتحها لنا، وأبواب الرحمة افتحها لنا، واجعلنا من المترقِّين دائما، في الليالي والأيام، في درجات القُرب منك يا ذا الجلال والإكرام، وتلقِّي الفضل والإنعام في كل خاص وفي كل عام، يا مَن بيده أمرُ الأنام: المُلك ملكُك، والأرضُ أرضُك، والسماوات سماواتك، والكواكب كواكبك، والخلق عبيدكـ، ومحمدٌ نبيك وصفوتك، فصلِّ عليه وعلى آله وصحبه وأنبيائك ورسلك، وفرِّج كروبَ المسلمين وادفع البلاء عن المؤمنين، واجعلنا وجميعَ الحاضرين ممَّن تمتلئ قلوبهم بأنوارِ الصدق وأنوار الوجهة إليك، وأنوار الأدب معك، واجعل لنا من سرِّ الإيمان ما يزداد في كل آن، يا من يزيد المؤمنين إذا تليت عليهم آياته إيمانا زدنا إيمانا، يا من قال عن أهل الهدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)، اهدنا وزِدنا هدى واربطنا بنبيِّ الهدى في ما خفيَ وفي ما بدا، يا حي يا قيوم، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وتظهر الثمار والنتائج شيء فشيء، ووقت ووقت، فيا فوز المقبلين الذين أشرق عليهم سنا هذا النور، والويل لمن أعرض عن الله، والويل لمن أدبر وتولى، أنعشوا أوامر الله، بالائتمار بها، والانتهاء عن نواهي الله في دياركم ومنازلكم وفي خاصةِ أنفسكم وفي من حواليكم، وتعاونوا على ذلك، وتعاونوا على رحمة بعضكم البعض، ثم أبشروا، ثم أبشروا، بعدها. كله قائم بهذه الأشياء صادقاً مخلصاً لوجه ربه، يبشر ثم يبشر بشارة لا يقدر عليها أحد من أهل الشرق ولا من أهل الغرب، يبشرها به إلا ما نزل من الوحي على لسان محمد عليه الصلاة والسلام، (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا* وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا). تحققوا بحقائق الإيمان والفضل الكبير قدامكم وأمامكم بوعدِ لا يتخلف عن قادر لا يعجز، عن محيط بالأشياء، جل جلاله، عن مقتدر حكيم، عن عليم بحقائق الأمور الله يكتب لنا ولكم هذه البشارات ويحققها لنا، والمقبلون منكم والمتوجهون بالصدق والإخلاص على هذا المنهاج في تقوى الله كلهم كلهم في شرق الأرض وغربها، أسباب دفع البلايا وأسباب نزول الخير وأسباب رفع الشر عن الأمة، وأسباب تحويل الأحوال لأحسنها، وقدر ذكرنا الحق بحوادث حدثت لنا في الشرق والغرب وبلاد العرب، كان يشير صلى الله عليه وسلم إلى بعض الحوادث التي تحدث فيها ويقول للعرب من شر قد اقترب، ولكن ينال الشر هذا، بقدر الغفلة عن الله وعن رسوله خذ لك نصيبك منه، وبقدر الذكر لله ورسوله، خذ لك حصن تحصن، ولو في أشد أيام الفتنة، ولو جاء الخبيث الدجال وملك الأرض وأنت على اتصال أبشر، أبشر واطمئن لا يضرك لا دجال ولا غيره، واللي قبل الدجال الحوادث والفتن على قدر اتصالك لا تضرك، لكن على قدر غفلتك، على قدر إهمالك، على قدر انقطاعك عن سلسلة هذا النور تنهشك من هنا ومن هنا، وقد قال فيها صلى الله عليه وسلم (من استشرف لها استشرفت له)، استشرفت لها تمسكك خذ لك نصيبك من فتنة بمقدار على قدر ما تفتتن، والعياذ بالله تعالى ويا مثبت ثبتنا،
فيارب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على خير ملة
ونتوجه إليك بالجمع أن تنظر إلينا ومَن يسمعنا نظرة تغمر بها القلوب بنورِ هذا اليقين الخالص التام، يا ذا الجلال والإكرام، بما به تتحقق لنا منك البشارات، في الدنيا والآخرة، ونصرك العزيز المؤزر يارب الدنيا ويارب الآخرة يا الله، فرجا ليمننا فرجا لشامنا فرجا لشرقنا، فرجا لغربنا، يا كاشف الكروب، يا دافع الخطوب إليك نتوب وعليك نعوّل في دفع البلايا والمرهوب، وفي نيلِ المنى والمطلوب، فياربنا القدير الذي أحاطت قدرتُه بكل شيء، صل على المصطفى محمد وآله وصحبه وفرِّج كروبنا، وادفع البلايا عنا وأرِنا زيادة، من لطفك الظاهر والخفي في أمورنا وأحوالنا، وشؤون أحبابنا والمسلمين في يمننا، في عدنِنا، في حضرموتنا، في شرقنا في غربنا في جميع شامنا، في جميع أقطار المسلمين عربهم وعجمهم، وفي المسلمين حيثما كانوا، في جميع أقطار الأرض، يارب أرِنا من عندك رأفةً من رأفتك، ورحمةً من رحمتك، وجودًا تجود به ومنةً بها تمن ترد بها كيد الكافر والشرير في نحرهم، اللهم لا تبلغهم مراد فينا ولا في ديارنا، ولا في أهلينا ولا في أولادنا يا حي يا قيوم، انظر إلى الحاضرين وانظر إلى السامعين، نظرة من عندك تُدخلهم بها في دائرة الحبيب الأمين، على دربِه نحيا وعليه نموت، وعلى محبتك ومحبته نحيا وعليها نموت. على الصدق معك نحيا وعليه نموت ونحشر معه في يومٍ قلتَ فيه (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)، فاجعلنا منهم، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين. كم من عبد كان في غفلته أو ذنبه، وقف بين يديك ساعة صادف انسياب رحمة، فانقلب حالُه، وصلحت أحوالُه، واعتلى مقامُه وعظم منالُه، فيا حي يا قيوم ارحم عبيدًا لك وقفوا ببابك، لاذُوا أعتابك توسَّلوا باحبابك سألوك رحمتك، إلهنا لا تُخرجنا عن ركب السعداء، ولا تبعدنا عن أهل الهدى في ما خفي وفي ما بدا، واجعلنا معهم هنا وغدا واكفنا شرورَ جميعِ العِداء، يا الله، هذه النفوس ائتِها تقواها، وزكّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، نعم الإله الذي يبسط يدَه بالعطايا، بل قال نبيك عنك: تبسط يدك بالليل ليتوبَ مسيء النهار، وتبسط يدَك بالنهار ليتوب مسيءُ الليل، فمن مثلك يارب؟ ومن ذا يُدانيك في جودك يارب، وها نحن بين يديك والحالُ لا يخفى عليك، فأسعِدنا بالسعادة الكبرى، وتولَّنا في الدنيا والأخرى. لا انصرفَ منا أحدٌ ولا ممن يسمعٌنا إلا وقد تنوَّر قلبُه بنُور معرفة ونور ملاطفة، من حضرتك العليّة، نذوقُ به ذواقًا في سرِّ الاقبال عليك، مِن سرِّ اقبالك بوجهك على من أحببتَ مِن عبادك أهل محبتك وودادك يا الله، يا الله. من يبيت الليلة على ظهرَ الأرض، وأنت مقبل بوجهك عليه فله السعادة والهناء أدخلنا فيهم، أدخلنا في دوائرهم، اجعلنا منهم ياربنا أقبِل بوجهك الكريم علينا، يا ربنا يا إلهنا أقبِل بوجهك الكريم علينا، يا ربنا يا إلهنا يا مالكَنا أقبل بوجهك الكريم علينا، يا ربنا يا إلهَنا يا مالكَنا يا من بيدِه أمرُنا أقبل بوجهك الكريم علينا، يا ربنا يا إلهنا يا مالكنا يا مَن بيده أمرُنا يا من هو أرحم بنا من أنفسنا أقبِل بوجهك الكريم علينا، يا الله، اجعل الكلَّ منا ومنهم مقبولا، وبعطائك الواسع الجزيل مرتقياً درجات طويلات مع مَن ارتضيت مِن عبادك، ممن وهبتَهم منًا جزيلا. يا الله، هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان ومهما اصطفيت أحدا من عبادك للقيامِ بالأمر وإنفاذ العقد والوفاء بالعهد على الوجه الأتمِّ فبحقِّك عليك اجعلنا في أهل ذاك العطاء، وفي أهل ذاك الصدق معك في الظاهر والخفاء، يا مجيبَ دعوةِ الداعين، ويا مَن لا يخيِّب رجاءَ الراجين، أنت حسبنا ونعم الوكيل، فاصرِف عنا كلَّ سوء احاط به علمك، وهب لنا كل خير أحاط به علمك في الدين والدنيا والبرزخ والآخرة، يا الله.
وأنتم السعداء بنداء هذا الإله تعالى في علاه، فما أعجب أن تنادوه ويأذن لكم ويسمعكم ويقبل عليكم، وأنتم تقولون يا الله، يا الله، كلمة ما قلت أعظم منها، ولا قلت أحسن منها، ولا قلت أشرف منها، ولا قلت أجل منها، ولا قلت أفضل منها، أتدري تناجي من؟ او تدعو من؟ أو تطلب من؟ أو تذكر اسم من؟ يا عبدَه، هنيئا لك إذا كان عندك، هنيئًا لك إذا قبلَك، هنيئا لك إذا ارتضاك، هنيئا لك إن أقبل بوجهِه الكريم عليك، يا الله، يا الله، اسعَد مع السعداء، ونادِ الإلهَ قل يا الله، وأنت معظِّم وأنت مبجِّل، وأنت خاشع وأنت خاضع، وأنت متذلِّل لجلاله يعزك بعزِّه قل يا الله. لعله يقبلك، لعله يواصلك، لعله يكرمك، لعله يعفو عنك، لعله يسامحك، لك الحمد يارب، كم من إنس وكم من جن تمنُّ عليهم فتحوِّلهم إلى خير الأحوال، يا إلهنا جد علينا، يا إلهنا انظر إلينا، ونسألك لنا والجمع ومن حضر معنا من المشايخ وأهل الخير وأهل النور ومن يسمعُنا من هنا وهناك، أثبِتنا وإياهم في ديوان هذا الحبيب وأهل التقريب وزِد كلاً منهم مما تقسمه له من الخيرات، على يده وعلى يد أصحابه وعلى يد أهله وأولاده وعلى يد تلامذته وعلى يد من اتصل به انشر الخير لنا ولهم، وافر الهبات والعطيات لنا ولهم، يا خير قابل يا مُنجز المسائل، يا كريم يا كافل، يا رحيم يا أكرم مواصل يارب الأرض والسماء، يا من بيده الأمر كلُّه دعوناك كما أمرتَنا فاستجب لنا كما وعدتنا، إنك لا تخلف الميعاد، برحمتك يا أرحم الراحمين، صل وسلِّم على المصطفى وآله وصحبه ومن سار في دربه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
10 شوّال 1437