(536)
(228)
(574)
(311)
محاضرة مكتوبة بعنوان: نعمة الهداية وبعض معاني تمام النعمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله.. المُنعِم المتفضِّل المنان الذي أوقَفنا على أبوابه، وأكرمَنا باللياذ بأعتابه، فضلا مِنه ومنَّة، وجوداً ورحمة، ذلكم هو الرحمن الرحيم، ذلكم هو الملك الكريم، ذلكم هو الخالق لكل شيء، ذلكم هو الذي ختم الرسالاتِ بمحمد، ختم النبوات بسيدنا محمد، وجعل القمةَ في كل فضل عبدَه المصطفى محمد؛ ذلكم الله ربُّكم خالق كل شيء لا إله إلا هو، هداكم للإسلام والإيمان، وجمعكم في مجامع دعا إليها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، وأشاد بها، وذكر فضائلها، وأخبر أن لها شأنا وشأوًا وقدراً عند رب العرش العظيم، وفي الملأ الأعلى، فاجتمعتم على قدم أهل السنة والجماعة، في اتباعٍ واقتداءٍ واهتداءٍ بنبيِّ الهدى وورثته، أهل الصدق والإخلاص لله في ما خفي وفي ما بدا..
فالحمد لله على هذه المنن، ونسأله أن يتمَّ النعمةَ علينا وعليكم، نعمته علينا بالإسلام، حتى تظهر فينا حقائقه، ويحيى الواحد منا، في ليله ونهاره، في أيامه وأسابيعه وأشهره وسنواته، وقد سلم المسلمون من لسانه ويده.
ومَن سلم المسلمون مِن لسانه ويده، سلم غيرُ المسلمين بالضرورة، فإنه إذا راعى هذه الحرمة من أجل الله، رسخ قدمه في التقوى، ومن رسخ قدمُه في التقوى فلا يحمل للخلق إلا الهداية، ولا يحمل للخلق إلا الخير، فإذا قام بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، كان ما يفعله عين الرحمة وعين الخير وعين الهدى وعين الشفقة وعين الحرص على عباد الله، جل جلاله وتعالى في علاه.
وهكذا، نجد معاني الرحمة، والنُّصرة، لأهلينا لأنفسنا لأولادنا، تقتضي زجراً عن موجب الهلاك، تقتضي كبحاً لجماح التعدي على الحدود، لذا جاء في عناوين الشريعة المطهرة ( ولاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)، العدوان على الظالمين كفٌّ لهم عن الظلم هو نصرٌ لهم بما قال صلى الله عليه وآله وسلم ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، قال "أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالماً؟" قال (كفه عن الظلم فذلك نصره).
بهذا المعنى السامي، جاءت الشريعة الغراء.
وإذا تحققنا بحقائق الإسلام، وتمت علينا النعمة بالإسلام، استسلمت منا كلُّ جارحة بقوة استسلام القلب، ثم يزداد استسلامُ القلب لله ويتبعه استسلام الجوارح، فنعيش بأعين تغضُّ عن محارم الله، وتبكي من خشية الله، وتسهر في سبيل الله؛ وهذه الأعين التي لا تبكي في القيامة، وبقية العيون باكية، قال صلى الله عليه وسلم:( كل عين باكية يوم القيامة إلا عيناً بكت من خشية الله، وعيناً سهرت في سبيل الله، وعيناً غضّت عن محارم الله ) عما حرم الله جل جلاله وتعالى في علاه.
تسري حقيقة الإسلام بتمام نعمة الإسلام، كذلك نعمة الإيمان، كذلك نعمة التعرُّض لرحمة الله تعالى، والحضور في مجالس الذكر، لتمام هذه النعمة انبساط طويل عريض، في لِين قلبك ولِين جلدك، (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله)، كما قال جل جلاله في كتابه القرآن (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) اللهم اهدنا في من هديت.
حُدِّثتم عن نعمة الهداية هذه، التي تمت لنا على يد محمد، إن كان الرب يقول (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) فهادينا خير هاد، وأكرم هاد، وأحسن هاد؛ ولقد صدق الصدّيق، وكان يعرفه بعض البادية، وهو يمشي في الطريق مع النبي في الهجرة، يقول "يا أبابكر من هذا معك" يقول (هادٍ يهديني الطريق)، ويظنه البادية أنه استأجر واحد دليل يدله على هذه الطريق الحسية يرويه إياها إلى أن يصل إلى مقصده، ومقصد الصدّيق الطريق إلى الله.. هادٍ يهديني الطريق، ونعم الهادي هاديك يا صدّيق، وبذلك ارتقيتَ المراقي العلا وكنت خيرَ رفيق لأعلى رفيق، صلوات ربي وسلامه عليه، شهد الله لك بالصحبة في كتابه (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ)..لصاحبه.. من يفك هذه الصحبة؟ (لِصَاحِبِهِ).. سبحان الله.
وبذلك جاءت الميزة، يقول علماؤنا: من أنكر صحبة صحابي من الصحابة فسق، إلا الصّدّيق من أنكر صحبته كفر! لأن الله نصَّ على صحبته في القرآن جل جلاله وتعالى في علاه. نالها بصدقه، وتمام النعمة عليه بالإسلام والإيمان، نعمة المحبة تمّت على أبي بكر، لما تمت نعمة المحبة هانَ عليه أن يترك الدكان الأول ثم الثاني ثم الثالث وستة دكاكين بمكة تقفلت ، تقفلت، ثم يأخذ مابقي من المال ويحمله يخرج به في الهجرة، يقول صلى الله عليه وسلم (أنفق ماله عليّ قبل الفتح) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهكذا، حتى أنزل الله ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى* وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى* إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى)، يعني مُحِب، مُحِب، أحبَّ الله، فقصد الله، ( إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى*وَلَسَوْفَ يَرْضَى)، ولما تعرّض لمظهرٍ من علامة الصدق، وأثرِ الإكمال للاختبار من الحق تعالى، فمرت عليه بعض الأيام بالمدينة، لم يجد من الثياب ما يكفيه، وحتى تخلل بالعباء، وربط بعض ثوبه بالشوك، وأوحى الله إلى رسوله (قل لعبدنا ذا الذي زججنا به في حبنا من بابك، كلِّمه، قل هل أنت راضٍ عنا في فقرك هذا؟) أقبل الصدّيق يقول أجبريل يقول ( قال الله هل أنت راض عنه في فقرك هذا؟) قال "رسول الله أعلى ربي أسخط؟ أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض!!"، فأنزل الله (وَلَسَوْفَ يَرْضَى)، نحن نُرضيك، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
فيا أهل هذه النعم، للهداية ونعمتها تمامٌ بلا غاية، بلا نهاية، بلا وقوف، بلا حد، بلا انقطاع، بلا انقضاء، أبدا سرمدا! إذا فتح لك باب الهداية، ووسَّع عطاياك من الهداية فهو يهديك ليلاً نهاراً، سراً وإجهاراً، بصراً سمعاً، نيةً قلباً، قصداً خاطراً، حركةً سكوناً، قياماً قعوداً، أخذاً عطاءً، رفضاً قبولاً، يهديك.. يهديك في كل ما تريد، يهديك في كل ما تحب وتوالي، حتى لا تحب إلا ما يحب، ولا توالي إلا من يوالي، يهديك.. يهديك حتى تتفقد نفسك، بأداء الحقوق بنفسك، فيكون لك من نفسك واعظ، تدري ماذا عليك، فيما يتعلق بهذا الجانب أو هذا الجانب أو هذا الجانب، جانب أبوين، أو جانب أرحام، أو جانب أقارب، أو جانب شيوخ، أو جانب جيران، أو جانب أهل بلد، أو جانب أهل زمان، فيما يتعلق بصباحك ومسائك.. إذا فتح لك باب الهداية، فباب الهداية متسع، ولا تزال تُهدى، ولا يزال يكشف لك عن معايبك ليخلِّصك هنا، وليطهرك وليهيئك لمقابلته، حتى لا تأتي لحظة الوفاة إلا وأنت مُصفّى، وأنت مطهَّر بتطهيره تعالى، بتوفيقه تعالى، جل جلاله وتعالى في علاه
ومهما اتسع حظُّك من الهداية، فالهادي أوسع، جل جلاله (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) ( ويهديهم إليـه ) تعرف معنى إليه؟ قال (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)، يهديهم إليه، قال ربك: أهديهم إلي، تهديهم إلى أين؟ قال: إليّ (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) فيفتح لهم باب المعرفة ويتنزَّل عليهم ويتعرَّف إليهم، ولا يزالون يتسعون فيها، اتساع بعد اتساع، ويرتفعون فيها ارتفاع بعد ارتفاع بلا انقطاع، ( ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء)
يا أهل هذه النِّعم والمنن، أحسِنوا طلب الزيادة من الذي يَهَب ويزيد، وهو الحميد المجيد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، وانطرِحوا بين يديه، اقصدوه، إن كنا أذنبنا فهل لنا مِن غيره حتى نلجأ إليه؟ ومن يداوي من الذنوب؟ لابد لنا من العكوف على بابه، لابد لنا من اللياذ بأعتابه، لابد لنا من التوجه بأحبابه، لابد لنا من قصده، فإنَّ أمرَنا بيده وحده! وإن هرب عبدُه فأين يهرب؟ أين سيذهب؟ أرض.. سماء .. إنسي.. جني.. أين سيذهب؟ (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)، (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) تكلمت أو ما تكلمت، لهذا صحِّح وجهتَك إليه، في ميزان الهداية، لا تُظهر خلاف ما تُبطن، لا تتظاهر أمام هذا بوجه وأمام ذاك بوجه ثاني، ما تفعل أشياء وهذا ما تريد يطلع عليها وهذا ما تريد يدرى بها، إلى متى يستوي سريرتك وعلانيتك؟ وهذه أول خطوة في طريق المعرفة! استواء السريرة والعلانية، أما تكون السريرة خيرًا من العلانية.. اللهم اجعل سرائرنا خيراً من علانيتنا واجعل علانيتنا صالحة
يقول أهل المسلك من أهل التصوّف: "لا يكون الصوفي صوفي، بل قال بعضهم: لا يكون المريد مُريداً حتى لو طيف بجميع ما في باطنه على طبق في السوق ما استحيا من ظهور شيء منه!" أي حياءً باعثُه شهود الخطأ والزلل والتقصير؛ باطنه صافي! يقول " لو تملَّك زمام الأمور، لو مُلك زمام الأمور لكان مقتضى ما في باطنه أن يصلح كل أحد ويصلح جميع الشؤون كلها؛ لا يفرِّق بين من أحبه ومن أبغضه! ومن أحسن إليه ومن أساء إليه، لو ملك زمام الأمر بيصلّح، بيقوّمها، على أكمل الصفاء والوفاء هذا الصافي! هذا الصوفي! الذي عرف كيف يعامل الله ، فلو جعل الأمر إليه لكن بمقتضى عبوديته ومقتضى منتهى ما خوطب به، أن يصلِح الكل في كل شئونهم، وجميع أحوالهم، لكن هذا الأمر ليس له، وهو موكولٌ لمن أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، تدبيره خيرٌ من خير تدبير، سبحانه وتعالى.. حتى قال في هذا سيدنا علي: "لو كُشف الغطاء ما اخترتم إلا الواقع" لأن المملكة جارية تحت إرادة الملك.. ومن أحسن تدبيراً من هذا الملك؟ جل جلاله..
فالعاقل ينظر إلى ما عنده من إرادات ومن قدرات، ومن أنوار جاءته من الله ورسوله، فينفِّذ الإرادة والقدرة المعطاة والمؤتاة من الله بهذه النورانية عبداً خاضعاً خاشعاً متواضعاً مغتنماً للعمر صارفاً له، وله السعادة! ولا يتمنى تقديم ما أخر الله ولا تأخير ما قدم الله، بل هو مستسلم خاضع مستكين ومع ذلك هو باذل الجهد في ما شرع له، كما شرع، يطلب ويرغب ويحرص على أقرب الطرق وأيسرها، ( ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه) ( إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق)، فبالرفق والحكمة ينفّذ ما أوتي من قوات وقدرات بنورانية الوحي ودلالة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، مستضيئاً مستدلاً على ذلك بهدي مَن أخذ عن هذا الرسول من صحابة وآل بيت طاهر وسلسلة سند إلى من يكون في زمنهم من الشيوخ أرباب الرسوخ، قدماً على قدم، بجدٍ أوزعِ، فالقدم على القدم واليد بالي..
فبالحق فلنأخذ علوم طريقهم، يداً بيدٍ حتى مقام النبوةِ..
قالوا لبعض الصالحين في سيئون، يوجد واحد عنده مرض مستعصي، وهو متعب من مرضه، فلقيه في الطريق، فوضع يده عليه، ودعا له. فشفاه الله في الحال ومشى. فقالوا له: ما شاء الله، بسرعة استجاب الله دعاك، وشفاه في الحال!؟ قال: قبل ما ضع يدي كنت في الرؤيا مع الحبيب وكانت اليد في يد الحبيب، من هناك الخير، اليد كانت تصافح تلك اليد، فانا حطيتها عليه خرجت من بيتي وأنا حديث عهد بالارتباط باليد، فهذا الخبر! فما نفث على مريض إلا شفاه الله،
يداً بيد حتى مقام النبوةِ.. فأنعم بتلك الأيادي
يدُ الله من فوق الأيادي الوفية، وفوا..
ومن تأخر أمثالنا فما له إلا أن يتشبَّث بأذيال أهل الوفاء، ولا يرضى بالانقطاع عنهم، حتى يأتي إكرام الله ومنُّه ويقع الحشر معهم، (أنت مع من أحببت) كما في الحديث: يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال (المرء مع من أحب)، وعلامة ذلك أننا لا نقر أنفسنا على مخالفتهم، ولا نرضى بها! ولا نركن إليها ولا نستلذها ولا نتهاون بها، بل نعترف بخروجنا عن دربهم ومخالفتنا لمنهجهم ولكن بمرارة، مرارة في ذلك، بعدم إقرار، بِذِلّة، بعزيمة صادقة أن نتشبث بالاقتداء والاهتداء بما استطعنا، هذا الذي تُدعَون إليه وتُكلَّفون به، وحده فقط، وهو ميسور لمن وفقه الله تبارك وتعالى، وهو مرقى إذا قمتم به غيرُكم يزج بكم إلى الميدان، أما إذا دخلتم الميدان فهناك شان، باب لكنه كما قالوا:
باب ما يدخله واحد سوى واحد باذل الروح *** أو مشمر ذبح نفسه مع كل مذبوح
وانطرح في حمى ليلى مع كل مطروح *** وشاهد البيت والأركان والسر واللوح
والبصيرة تجلت وانعزل كل مقبوح..
صار كل مقبوح بعيد، قبيح الخواطر بعيد، قبيح النظرات بعيد، قبيح النيات بعيد، قبيح الإرادة بعيد، قبيح القول بعيد، قبيح الفعل بعيد، لا يوجد قبح.. وانعزل كل مقبوح!
وأصبح البحر يسعى له بلا آله ولا لوح*** غير بالسر الذي قد قال به نافخ الروح
وإذا به في ميدان قوم، يقول الله عنهم (بي يسمع، بي يبصر، بي يبطش، بي ينطق) الله الله الله.. الله الله الله.. شفت نوع المدد للقوم هؤلاء والمرجعية حقهم وين هي؟ الله يزج بنا إلى هذا الميدان، ندخل مع أهل ذاك الشأن، وندخل يوم وعد الله معهم جناناً تربُها مسك وجوهر
الحمد لله الذي أحضرنا، ونسأله تمام النعمة علينا في الهداية، تمام النعمة علينا في الذكر، الذي نجتمع عليه، ذكر الله وذكر رسوله، وله كؤوسٌ بها طربت أرواح المقبولين، والموصولين، وذاقوا لها مذاقاً رائقاً راقياً تطهرت به منهم الأعضاء، فما صاروا يستلذون ما تتلذذ به النفس بحكم الطبيعة، بل يصيروا إذا جرى منهم بتقصيرٍ في الحلال يصير عيباً عليهم ونقصاً عندهم.
قال بعض الأولياء اليمن الكبار عندنا كان في زمن الفقيه المقدم، غفل مرة عن النية الصالحة واستحضارها في تقبيل زوجته، فحُط عن مقامه إلى سنة، أدب! كيف يصدر منك هذا بلا نية؟ كيف وأنت من قد أشهدك وقد أوردك، وقد أسعدك تصلح هكذا؟ لماذا تتحرك بلا نية!؟
وهكذا رأينا في هذا الوادي من يربي الأولاد، سمعوا صوت تحت البيت قام واحد من الأولاد، يشرف من النافذة، وبقية الأسرة جالسين قال "تعال يا ولدي قمت بأي نية؟ لماذا أشرفت؟ بمجرد ما سمعت الصوت وقع الفضول فيني وجريت، إيش كان عندك من نية؟ مجرد فضول أو لك غرض؟ خطوات خطوتها في الصحيفة عندك مكتوبة، بإيش القصد فيها؟" يا الله.. وصلّح له أبوه درس، يعلمونهم النية في المباحات وهم أطفال!
هم أقوام غذوا بالمحبة من صغرهم*** وعاشوا في مخافة وغابوا في فِكرهم
ويسعد كل من كان في عمره، نظرهم..
نريد الحبل يتصل بالحبل، ويمنّ الله بالوصل ويدخلنا في دوائر أهل الفضل، ويقع حشر مع خاتم الرسل، يقع حشر مع خاتم الرسل، يارب أكرمنا بذلك.
نادوا الكريم، نادوا الرحيم، إن اقتضت ذنوبنا حَجباً عن ذاك المقام فبحق صاحبه مُنّ علينا وتفضل، أدخِلنا مع من تُدخلهم في ذلك المقام الرفيع، لا تحشرنا إلا مع الشفيع، لا تحشرنا إلا مع حبيبك ذي الجمال البديع، لا تحشرنا إلا مع صاحب الجاه الوسيع بجاهه الوسيع، يا كريم يا بديع، يا قريب يا سميع، يا من يُلهم الدعاء ويحقِّق الإجابة، فكان من فضلِه الدعاء ومن فضله الإجابة. أنت صاحب الفضل، يا صاحب الفضل العظيم، أكرِم جميع الحاضرين والسامعين بالحشرِ مع سيد المرسلين، في زمرة سيد المرسلين ووالديهم وأهليهم ومولوديهم .. آمين، يارب العالمين، ويا أكرم الأكرمين.
يا من يُنعَم عليه بالطلب والرغب إلى الرب، بالأمور الكبار، تطلب من رب الأرباب جل جلاله ويحضر محاضر الطلب لها، راعِ هذه النعمة، راعِ هذه النعمة، لا تتدنى لأسباب الانقطاع ولا لأسباب الحجاب بعد ذلك، وتحلَّ بحلية الأدب الله يكسوك ثوبها، اكسهم من ثياب الأدب يارب وإيانا، حتى نحسنَ الأدب معك في خلواتنا وجلواتنا، سرنا وجهرنا، ليلنا ونهارنا، يارب أنا وهم وديعة عندك يا حافظ الودائع احفظ علينا الإسلام، احفظ علينا الإيمان، احفظ علينا الهداية، احفظ علينا نورَ الذكر وسر الذكر، وأمِتنا ذاكرين شاكرين..
ربي أحينا شاكرين، وتوفنا مسلمين، نبعث من الآمنين، في زمرة السابقين.
بجاه طه الرسول، جد ربنا بالقبول ، وهب لنا كل سول، رب استجب لي آمين.
عطاك ربي جزيل، وكل فعلك جميل، وفيك أملنا طويل، فجد على الطامعين
يارب ضاق الخناق، من فعل ما لا يطاق، فامنن بفك الغلاق، لمن بذنبه رهين
واغفر لكل الذنوب، واغفر لكل الذنوب، واغفر لكل الذنوب، يا الله، واغفر لكل الذنوب يا اللـه، كل الذنوب اغفرها يا الله سرها وجهرها صغيرها وكبيرها، قديمها وجديدها، أولها وآخرها اغفر يا غفار يا الله.. واغفر لكل الذنوب واغفر لكل الذنوب، انظر إلى هذه القلوب وطهِّرها من جميع الذنوب، انظر إلى هذه الأبصار وطهرها من جميع الذنوب، انظر إلى هذه الأسماع وطهرها من جميع الذنوب، والأيدي والأرجل والفروج والبطون طهِّرها من جميع الذنوب.. واغفر لكل الذنوب، واغفر لكل الذنوب
كيف نقابلك بذنب واحد لم تغفره لنا؟ واخجلتاه! وأنت أستر بنا من خلقك فاغفر لنا يا غفار، اغفر لنا يا غفار، استرنا يا ستار..
واغفر لكل الذنوب، واستر لكل العيوب، واكشف لكل الكروب، واكفِ أذى المؤذين.
واختم بأحسن ختام، إذا دنا الانصرام، واختم بأحسن ختام، بأحسن ختام، بأحسن ختام، والروح تشهد خير الأنام، بأحسن ختام، والروح تنظر جمال الهادي إلى دار السلام، بأحسن ختام، وعندنا أكرم إمام، بأحسن ختام، واختم بأحسن ختام، إذا دنا الانصرام، وحان حين الحمام، وزاد رشح الجبين، يا الله.
وقل يا الله، حٌق لك أن تقول يا الله، ومتى تُخلص معه وتقول يا الله؟ متى تصدق اللجاء إليه وتقول يا الله؟ ولأي غرض تنطرح بين يديه وتقول يا الله؟ ألا تدري أنه يسمعك؟ ألا تدري أنه ينظرك؟ ألا تدري أنه محيطٌ بك؟ أما تدري أنه أقربُ إليك من حبل الوريد؟ انطرح بين يديه، وقل يا اللـه، اسعد بقولك يا الله، اهنأ بقولك يا الله، تروّح بقولك يا الله، طِب بقول يا الله، وأنِب إلى الله.
يا الله، مغفرة شاملة، وستراً كاملاً، وعطاءً جزلاً، وجوداً وفضلاً، ورابطةً بحبيبك محمد لا تنحل أبدا، ورابطةً بحبيبك محمد لا تنحلُّ أبدا، شرّف هذه العيون بنظرِ وجهه الشريف، في مقام التشريف، وأنت راض عنا، وهو راض عنا.. يا الله، يا الله، مطالب كبيرة ما لها إلا الله، فقل يا الله، بكليَّتك قل يا الله، يا خير سميع، يا قريب يا سريع، يا ذا الجود الوسيع، يا بديع السماوات والأرض، يا صاحب الحكم في يوم العرض، ارأف بنا إذا وقفنا بين يديك، وارحمنا ساعةَ العرض عليك، يا الله، اجعلها ساعة السعادة، ونيلَ الحسنى وزيادة، وينادي المنادي لكلٍ منا سعد فلان بن فلان سعادةً لا يشقى بعدها أبدا آمين يا الله، آمين يا الله، آمين يا الله، وقولوا لهذا الإله آمين، آمين، آمين..
أنتم أمّنتم وأمّن معكم غيركم، وفيهم ضنائن على الله لا يردُّ دعاهم، آمين يا الله، اقبلنا بهم يا الله، استجب لنا الدعاء أجمعين يا الله، اجعلها ليلة عطاء منك يشمل صغيرنا وكبيرنا يا الله، ندخل بها دوائر حبيبنا يا الله، في لطف وعافية.
وفرّج كروب المسلمين، ادفع البلاء عن أهل سوريا وأهل الشام واليمن، في الشرق والغرب يا كاشف الكروب يا دافع الخطوب، ونظرة لقلوب المسلمين تصلحها، لا تعرضها لإغواء شيطان ولا إلى ما يلقيه شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، احرس ساحات المسلمين من شر ذاك القول، من شر ذاك الزور، من شر ذاك الغرور، يارب طهر ساحات قلوب المسلمين، وأقبل بها إليك، أقبل بها عليك وعلى رسولك المصطفى تصغي إليه وتستمع، وتهتدي وتنتفع، وترتقي وترتفع، وتُحفظ من الآفات ولا تسلط عليهم يا مولانا فاجرا ولا كافرا، أصلح شئونهم باطناً وظاهراً يارب العالمين.. ويا أرحم الراحمين،
نسألك لنا ولهم وللأمة أجمعين من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
والحمد لله رب العالمين.
04 ربيع الثاني 1434