(230)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى، ليلة الجمعة 19 ذي القعدة 1441هـ بعنوان:
نحو حقيقة النور والعقل والهدى والمستقبل الأعظم
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ لله الذي خَلَقَ العبادَ في ظُلْمَةٍ ثُمَّ بَثَّ عليهم مِن نُورِه؛ فمَن أصابَه مِن ذلك النورِ شيءٌ اهتدَى. اللهم اهدِنا فيمَن هَديت، لا إله إلا أنتَ سبحانك..
وقد جَمَعَ ذَرَّات جميعِ الموجودين في زمانِنَا مِن بني آدم ومَن قبلَهم ومَن يأتي بعدَهم إلى النَّفخِ في الصُّورِ، جمعَ ذرَّاتِهم أجمع، ثم قبضَ قبضةً وقال: (هؤلاء إلى الجنةِ ولا أبالي). وقبضَ قبضةً وقال: (هؤلاء إلى النارِ ولا أبالي). فَيَا ربِّ اجعلنا مِن أهلِ جنَّتِك.
ومِن رحمتِه ورأفتِه أنزلَ الكتبِ وأرسلَ الرُّسُلَ بالأنوارِ الساطعة لتَتنوَّرَ القلوبُ والعقولُ ويسلمُوا مِن شَرِّ مهاوي هذه الحياةِ وإضلالِ المُضِلِّ فيها الذي قال عَنَّا وعن جميعِ بني آدم في شأنِ ما فَضَّلَ اللهُ آدمَ عليه السلام فَشَقَّ عليه ذلك وثَقُلَ أن يَتفَضَّلَ عليه؛ مخلوقٌ ظهر مِن بعده في عالمِ الخَلق وقال: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} وقال: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} وقال: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} قال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ..} -اللهم اجعلنا مِن عبادِك الذين ليس للشيطانِ عليهم سلطان- {..إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}
بعد إيقانِنا بهذا الخبرِ مِن اللهِ الأكبرِ ما قيمةُ حديثِهم في الشرقِ والغربِ عن المستقبلِ وضمانِ المستقبل؟! وعن الأجسادِ وصحَّتها؟ وعن المُرَتَّبَات؟ وعن السُّلُطات على ظهرِ الأرض؟!
المستقبل أكبرُ من ذلك وأخطرُ من ذلك! إنَّهم يلعبون، إنهم يضحكون على أنفسِهم وعلى مَن تبعَهم، يضحكون على أنفسِهم وعلى مَن صَدَّقَهم، يضحكون على أنفسِهم وعلى مَن وَثِقَ بهم، وليسوا محلَّ الثقة..! هل محلُّ الثقةِ مَن يتبارَى على أسلحةِ الدمار؟! هل هذا محلُّ الثقة!؟
يوجدُ من يؤجِّجُ نيرانَ الحربِ بين عبادِ الله تبارك وتعالى ليصلَ إلى غرض.. هل هذا محلُّ الثقة؟!
هل محلُّ الثقة مَن يرمي بأطنان البُرِّ في البحارِ لئلَّا ينقصَ سعرُه ويَقِلُّ، يهتم بمصلحة اقتصادِه وناس يموتون من الجوع على ظهرِ الأرض! هل هؤلاء محلُّ الثقة!؟
محلُّ الثقة النبيُّ "محمد"، محلُّ الثقة مَن ائتمنَهم خالقُ الوجود {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} افتح سَمعَ قلبِك على بلاغِهم، على أنبائهم، على أخبارِهم، على ما جاءوا به إليك مِن قِبَلِ الحقِّ جَلَّ جلاله وتعالى في علاه. ورسولُنا يأمرُه الله يقول لنا: {إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} "لكم منه" مَصدري ومَرجعي منه جئت، أنا مِن عندِ ربِّكم {إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}. جَلَّ جلاله وتعالى في علاه.
ويعيش الناسُ ما بين أنواعِ الأوهام والخيالات متردِّدين؛ هذا مُستعبَدٌ لأهواء، وهذا لشَهوات، وهذا للسلطات.. وكلُّهم في الفانياتِ الحقيراتِ الزائلات، ليس فيهم مَن يَعقِل.. مَن أوتيَ هذا السمع والبصر بالتركيب الربَّانِي العظيم ونُفِخ فيه مِن هذه الروح ثم لم يَعقِل أنه جاء مِن عندِ عظيمٍ لا يمكنُ أن يخلقَ الخلقَ عبثا.. مَهَّدَ له الأرضَ تمهيدا {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا}
فقل لي مَن اغترَّيت بهم مِن اللاعبين أو المصارعين أو المسؤولين.. هل هم مهَّدوا لك شيئاً مِن هذه الأرض؟ هل مهَّدوا لك قطعةً مِن قِطَعِها؟ هل هم مهَّدوا لك دولةً مِن دُولِها؟!
هم قبلَ قليل كانوا نُطَفاً ومُضَغاً! يا هذا مَن الذي مهَّدَ لك الأرض!؟ {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} ومَنِ الذي رتَّبَ للإنسانِ النومَ ؟ للبشرية أجمعين؟ وفي أوقات، ومحتاجين إليه، وكلُّهم على هذا القانون.. تقدَّمَ الإنسان وما تغيَّر شيء، تتطورَ الإنسانُ وما تغيَّر شيء؛ أساسيات هم خاضعين لها.. مِن أين جاءت؟ مَن وضعَها؟ ما هذا التَّعَامي!؟
إنهم كمثل النَّعَامَات إذا خافت ممَّن يجري وراءها ويطلبها دَسَّت رأسَها وسط غارٍ مِن الغيران فما تشوف أحد فتظن أن لا أحد يراها !! {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} يتعامون ويتغافلون عن ماذا؟!
خَلْقُك يشهد، إيجادُك يشهد أنَّ لك إلهاً واحداً أحداً خلقكَ مِن عدم؛ أنَّه لا يمكنُ لهذه العَظَمَة وهذا الترتيب في الوجود أن يخلقَك عبثاً ولا لعباً ولا هزوءً { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
اللهمَّ اجعلنا مِن أولي الألبابِ المتذكِّرين بذِكراك يا ربَّ الأرباب، القائمين بالأسبابِ عُبوديةً، الذين لا يغترُّون بالأسباب ، ويعتمدون عليك ويستَندون إليك، ويعلمون أنَّ إقامةَ السببِ شرعٌ مِن شَرعِك يقومون به امتثالاً؛ وهم والسببُ وإقامتُه صُنْعك، وخَلقُك، وقُدرتُك، وإرادتُك، وتدبيرُك، وتسييرُك، وتسخيرُك، وتصويرُك {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.
قال سيدُنا النبيُّ هود في بلاغ الرسالة على ظهر الأرض للمغترِّين بالأسباب المعتمدين عليها المستندين لها –كحال الكفار في زماننا- {ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ} { فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
ما مِن دابة؛ ولو رئيس، أو ضابط مخابرات، ولو أركان حرب؟ {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} مِن الحشرةِ الصغيرة إلى الفيلِ الكبير، إلى الطيور بين الأرض والسماء {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ * أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} إلى الإنس، إلى الجن، إلى الملائكة {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} ولا بعوضة ولا ذبابة تتحركُ إلا بأمره، إلا بإرادته، ولا تمدُّ جناحَيها إلا بأمرِه ولا تقبض إلا بأمرِه جَلَّ جلاله {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
يقول جَلَّ جلاله وتعالى في علاه: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم..} خلقناهم وكونَّاهم ونتصرَّف فيهم ونُمِيتهم ثم نعيدُهم إلينا {..مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} يُجمَعُ الكل..
هذا المستقبلُ الكبيرُ الذي مَن لم يُفَكِّر فيه ليس بعاقل، مَن لم يُفَكِّر فيه ليس بمثقَّف، مَن لم يفكِّر فيه ما هو متقدِّم ولا هو متطوِّر على الحقيقة، أمَّا أن تلعبُوا بالألفاظ.. العب، وسَمِّ نفسَك ما تُسَمِّي.. ثم من تكون؟ قلت أنا مَلِك، أنا رئيس وزراء.. !!
كلام فارغ.. أنت فلان بن فلان في محلَّك ووظيفتك معروفة، ما تنفع، تقدُّم.. تطور.. ترفُّع.. علم.. ما ينفع، أين الحقيقة؟
أين أنت؟ أين أنت واضعٌ قدمَك؟ تَبَع مَن؟ هل عرفتَ مَن خلقك؟ مَن أجهلُ منك وأنتَ لا تعرف صانعَك الذي كوَّنك! أنت تخرج عن دائرة العقل الإنساني والأدب الإنساني!
مَن تنكَّر لِمَن ربَّاه أو أدَّبه أو علَّمه وهو مثله مخلوق، ثم قال إنه لا يعرفه!! أنت قليل أدب، ما فيك عقل! واحد يربِّيك ويُعطيك.. ثم تقول لا أعرفه!
خلقكَ وخلقَ الذي ربَّاك هذاك، وخلقَ الذي وظَّفك هذاك، وخلقَ الذي تعبَ معك.. هو خلقَكم كلَّكم وأنت لا تعرفه!! عندك عقل؟ مِن أين ذا العقل الذي عندك!؟ أنت مِن أجهل خلقِ الله، أنت مِن أبعدِ خلقِ الله عن حقيقةِ العقل، ما استعملتَ عقلَك الذي آتاكَ الله سبحانه وتعالى على وجهِه وعلى طريقتِه التي يُستعمَل بها العقل فيُنتجُ الإدراك {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}
وهذا النداءُ ستسمعونَه من الملايين الملايين من بني آدم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} سيُسمَع هذا النداء والله، لا مِن مليون ولا مِن مليونين؛ ملايين فيهم رؤساء فيهم زعماء، فيهم مفكِّرون، وكانوا يقولون لهم عباقرة! سنسمعُه منهم، هذا خبرُ حقِّ وصدقٍ لا مِريةَ فيه ولا رَيب، الثقةُ به عند قلبِ المؤمن أعظمُ مِن ثقتي أنَّ هذه يدي، هل أشكُّ أنَّ هذه يدي؟ أنا لا أشك، سنسمع أصنافاً مِن هؤلاء يقولون {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} لكنَّ الفرصةَ قد انتهت {فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ} وأين الفوزُ وإحرازُ المستقبل؟ قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وإن شيء يُخاف منه من الأجهزة والمراقبات يقول جل جلاله وتعالى في علاه: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} مَن أعلَمُ بالمخلوقِ من خالقه؟ هو أعلم بالمخلوق من نفسِه؛ فما أحدٌ أعلم من الله {قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} جلَّ جلاله.
فاللهُ الأعلم أرسل محمداً الأكرم بالهدى الأقوم. والله ينوِّرنا بهذا النور، وينقذ إخوانَنا الذين غشيَتهم الظلمات.
والحال كما سمعتُم في كلامِ إخواننا؛ عندهم أصلُ الإسلام والإيمان.. يتنكَّرون له وهو الأصل، ويفتتنون، ويضحكون على الذي يصلي، ويقول إنه ما يصلي! بينما ناس كفار ما أسلموا، بمجرد الإنسانية فيهم والفطرة يقول هذا مسلم عنده دين يأمر بالصلاة ويهيء له مكاناً للصلاة!
ركبنا بعض الطائرات تبع بلدان عربية مسلمة.. الطائرة تبع بلد عربي مسلم، نسأل وقت الصلاة يقول لا صلاة هنا؟! كيف لا صلاة! قالوا لا صلاة هنا!! إذا عندك أمرٌ من الشركة فعندي أمرٌ مِن ربِّ السماء، وقمنا نصلي!
وركبنا في طائرة لدولة كافرة.. شركة من دولة كافرة، خمس صلوات صليناها وسط الطائرة! لأنا مَشينا مِن كالفورنيا إلى لندن؛ صادَفنا ظهر وعصر صلَّيناه في الطائرة، مغرب وعشاء صلَّيناه في الطائرة، الفجر صلَّيناه في الطائرة.. الموظفين هناك والمضيفين حق الطائرة في محلِّ إعداد الأماكن حقهم لمَّا أقبلنا قلنا بأنا سنصلي رفعوا أوعيتهم، وصلينا جماعة في ذلك المكان!
وذاك يقول لك لا صلاة! وهو مسلم عربي!!
ما الذي أصاب قلبَه؟! ما الذي أصاب عقلَه؟! ما الذي أصاب فكرَه؟! تربية مَن ذا؟ تأثُّر مَن؟! مسكين منحط ورافع شامخ برأسه! هو منحط ساقط هابط -والعياذ بالله تعالى-
ذاك في كفره عَظَّم شعيرة الله.. بمجرد ما يشوفنا نحن مقبلين يهيئوا المكان يبعدون لنا ونجي نصلي في ذا المكان!
ما الحاصل في الأمة؟ يعني يكون مسلم أسوأ مِن كافر في تفكيره! أسوأ مِن كافر في شعورِه بالدين الذي يدينُ اللهَ هو به! ذاك شعوره أحسن بالدين منه هو!! يقولها بلسانه "لا إله إلا الله" وما درى بحقيقتها! وما درَى بمعناها!
فيَا رب ارحم ذا القلوب التي اغترَّت والتي انحرفَت عن سبيلِ الحق وحقِّقها بحقائق "لا إلهَ إلا الله"
إنَّ الهُدَى هُدَاك وآياتك ** نُوُرٌ تَهدِي بِهَا مَن تَشَاءُ
وفي هذه اليومين جاءنا أحد إخوانكم مِن إيطاليا وبشَّرنا بإسلامِ أمِّه قال أمه أسلمت هناك، وعسى الباقين وأصحاب البلدان الأخرى إن شاء الله، ينظر اللهُ إلى أبيه بعد أمِّه ويهديهم إلى الإسلام. وينظر الله إلى بقيَّة الآباء والأمهات لمَن أسلم مِن إخواننا فيهديهم إلى الحق قبلَ الفوات قبل الممات، قبلَ الخروج مِن هذا العمرِ القصير الذي يترتَّب عليه السعادةُ والشقاوة.. سعادةُ الأبد، ما هو سعادةُ السنوات ولا أيام ولا.. سعادة الأبد، ولا سعادة قرن ولا قرنين..
سعادة الأبد تترتَّب على: الإيمانِ والعمل الصالح. وشقاوة الأبد ترتب على: الكفر والعمل السيئ. في العمرِ القصير هذا، فما أخطرَ هذا العمرَ القصيرَ مع قِصَرِه!
الله يرزقنا اغتنامَه، ويبارك في مجامِعنا، ويبارك في مجالِسنا، ويجمع قلوبَنا عليه، ويرزقنا حسنَ الإصغاءِ لندائه الذي بعثَ به أحبَّ الخلقِ إليه وأكرمهم عليه. اللهم ربَّنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمانِ أن آمنوا بربِّكم فآمنا، ربنا فاغفِر لنا ذنوبَنا وكفِّر عنَّا سيئاتنا وتوفَّنا مع الأبرار، ربَّنا وآتنا ما وعدتَنا على رسلك ولا تُخزِنا يوم القيامة، إنك لا تخلفُ الميعاد.
يا الله .. يا الله .. يا الله
وتَشِعُّ الأنوارُ إلى مختلفِ الديار في جميعِ الأقطار.. يا الله
وتَهدي كثيراً مِن العصاة والغافلين مِن المسلمين وكثيراً مِن الكفار، أنقِذهم يا مولانا مِن النار، ومن الظلمات والأغدار، إلى جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، ومستقبلِ السعادةِ الأبديِّ بالدخولِ في الرَّكبِ المُحَمَّدِيّ يا الله، حتى لا نُخزَى {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} فاجعلنا جميعا "مَعَهُ" يا الله، مَن هو حاضر ومَن يسمعنا ومَن في ديارِهم اجعلنا وإياهم "مَعَهُ" ذلك اليوم يا الله، اجعلنا ممَّن أردتَهم وعَنَيْتَهُم بهذه الآية {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} فتَحتَ الأدراجِ الواسعاتِ لهذا المِيم والعينِ والهاء اجعلنا فيها، ومِن خواصِّ أهليها
"مَعَهُ" يا الله ، "مَعَهُ" يا الله ، "مَعَهُ" يا الله
يا ربَّ العرش: وما كانَ لقلبِ الواحد مِنَّا أو لجوارحِه مِن اكتسابِ ذنبٍ يُوجِب حرمانَه ذلك فإنَّا نسألكَ التوبة عليه، ونسألكَ تخليصَه من شَرِّ ذلك الذنب وانحلالَه وانفكاكَه عنه، وأن لا تخيِّبَ رجاءَنا في أن نجتمعَ جميعا ""مَعَهُ" يا الله يا الله .. يا الله
إنك عنيتَ قوماً سبقَت لهم منكَ سابقةُ السعادةِ فقلت عنهم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} فنسألكَ مُفتقرِين مضطرِّين منكسرِين راجِين خائفين -وقد دعاك قبلَنا الأنبياءُ خاشعينَ رغَباً ورهباً- اللهم إنَّا ندعوكَ أن تجعلَنا منهم وفيهم ومعهم، وممَّن أردتَهم وسبقَت لهم منك سابقةُ السعادة يا عالمَ الغَيبِ والشهادةِ بحبيبِك سيِّدِ السَّادَة.. يا الله .. يا الله
ومَن في ديارِنا، وآبائنا وأمهاتِنا، وقراباتِنا وجيرانِنا، وطُلَّابِنا وأصحابِنا، ومَن والانا فيك، يا سامعَ الدعاء، يا ربَّ الأرضِ والسماء، يا مَن له الفصلُ يوم القضاء، يا مَن له الحكمُ يوم اللقاء، يا مَن له المُلْكُ يومَ يُنفَخُ في الصُّور، يا عزيزُ يا غفور، يا بَرُّ يا شكور، يا الله اكفِهم شَرَّ كلِّ قاطعٍ يقطعُهم عن هذا العطاءِ المَوفور، والجودِ الواسعِ يا عَلِيُّ يا كبير، يا سميعُ يا بصير، يا عليمُ يا قدير، يا لطيفُ، يا خبير، يا الله.
مطلبٌ عظيمٌ للمستقبلِ العظيمِ نطلبُه من العظيم، ولولا ما علَّمنا هو على لسانِ رسولِه مِن عظمةِ جودِه ما تجرأنا نسأل، ولا قدَرنا نطلبُ هذا الطلب؛ فله الحمد وله المِنَّة، وإليه نتوجَّه وبحبيبه نتوسَّل وأهل دائرة. وما عاد بقي أحد إذا قلنا "وأهل دائرته"؛ الأنبياء دخلوا، والملائكة دخلوا، والصِّدِّيقِين دخلوا، والمُقَرَّبِين دخلوا، والقرآن دخل، والسنَّة دخلت، وكلُّ المعارفِ والمعرفةِ والصدقِ كلها دخلَت في "دائرته".
نسألكَ به وبأهلِ دائرته أن تجعلَنا في أهلِ مرافقتِه، وأن تُسعِدَنا بمصاحبته، وأن تجعلنا مِن جلسائه في دارِ الكرامة وأنت راضٍ عنَّا. كل عين شَرِّفها برؤيةِ وجهه، كل عينٍ من أعينِ الحاضرين والسامعين شَرِّفها برؤيةِ وجهِه في الدنيا قبلَ الآخرة وعند الموتِ يا رب، وفي البرازخ يا رب، وكل عيوننا ترى وجهِه في يوم قال فيه، هو قال: (الويلُ لمَن لا يراني يومَ القيامة يا عائشة)، فلا تجعل في ديارِنا أحدا ممَّن لا يراه، واجعلنا جميعا نراه، وندخل في رفقاه، برحمتِك يا سامعَ الدعاء.
يا مَن لا يُخَيِّبُ الرجاء، يا مُرسِلَ الأنبياء، يا مُنزِلَ الكتب، يا ربُّ يا رب، بأهل حضرتِك انظر إلينا، وأوصِلنا إليك، وقرِّبنا إليك زُلفى، واجعلنا ممن سبقَت لهم منك سوابقُ السعادة الكبرى برحمتِك يا أرحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين.
20 ذو القِعدة 1441