(536)
(228)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 19 ربيع الثاني 1445هـ، بعنوان:
ميزان الفلاح والسعادة بالإيمان والعمل الصالح وسر خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا
الحمد لله {الذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، نشهدُ أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، مالك الملك، يُؤتِي الملك من يشاء وينزعُ الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء ويُذلُّ من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، يُولج الليل في النهار ويُولج النهار في الليل، ويُخرِج الحيّ من الميت ويُخرج الميت من الحيّ، ويُحيي الأرض بعد موتها وكذلك تُخرجون.
لا إله إلا هو، نشهدُ أنهُ أرسل الرسل والنبيين بالحق والهدى، وختمهم بسيِّدهم محمد المجتبى المُقتدى، صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه السُّعداء، وعلى من والاهم في الله وبهم اقتدى، وعلى جميع أولئك الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المُقرَّبين، وعلى جميعِ عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
أما بعد:
فالفوز والسعادة على الحقيقة لجميع هؤلاء المُكلَّفين من الخليقة: في أن يكون أحدهُم {أَحْسَنُ عَمَلًا}. ولن يكون أحسن عملا إلَّا: مَن كان أقوى إيمانًا، وأصفى باطنًا وضميرًا وقلبًا. ومن كان أقوى إيمانًا وأصفى ضميرًا وقلباً كان أحسن عملاً في كُلِّ قولٍ يقوله، وفي كل نظرةٍ ينظرها، وفي كل سماع يسمعه، وفي كل أكل يأكله، وفي كل شراب يشربه، وفي كل لباس يلبسه، وفي كل خطواتٍ يخطوها، وفي كل معاملةٍ يُعامل بها صغيرًا وكبيرًا، ذكرًا وأنثى، مُحِبَّا ومُبغِضًا، مُؤمنًا وكافرًا، كافرًا مسالمًا أو كافرًا ذِمِّيَّا، أو كافرًا مُعاهَدًا، أو كافِرًا مؤمَّنًا، أو كافرًا حربيًا مُعتديًا غاصبًا ظالمًا.
رسم الرحمن له حُسن العمل في معاملة كُلٍّ من هؤلاء؛ بما يليق في تلك المُقابلة وتلك المُعاملة، فمن وُفِّقَ لحُسنِ العمل الذي لا يصدر إلا عن قوة الإيمان، وسلامة الباطن من الأدران: فهو الأعظم فوزًا، ورِبحًا، ومغنمًا، وتجارةً، وحيازةً لخير الدنيا، مع قِصَرِ أيامها ولياليها وقِصَر عمرها وقِصَر مُدَّتها -مع ذلك كله- فإنه يُغتنَم فيها: ما يُوجِبُ الفوز الأكبر، والحظّ الأوفر، وسعادة الأبد؛ من خلال ما ذكرنا من الإيمان والعمل الصالح ليس غير ذلكم.
فلا يضحك عليكم إبليس ولا أنفسكم ولا أهواؤكم ولا شياطين الإنس والجن؛ أنكم تفوزون أو تسعدون أو تترقّون حقيقة رُقِيّ بذا أو بذا أو بذا.. لا والله؛ الإيمان والعمل الصالح وحده يتمُّ به الفوز {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}، {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}، و: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..} وكرَّر الله هذا في الآيات واحدًا بعد الآخر {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}
أمَّا المظاهر الحِسّيَّة التي يكون بها الاختبار.. ولا يكمُنُ فيها حقائق السعادة ولا الشقاوة، ولا الطُّمانينة ولا القلق والأمراض النفسية، وهي مظاهر العيش والمادّة والأمن الحسيِّ وتوفر الوسائل والأسباب؛ هذه أمور جانبية لا تتعلَّق بذات الإنسان وباطن الإنسان وجوهر الإنسان؛ تتعلَّق بخارجهِ، تتعلَّق بخارج ذاته، هذه تكون كلٌّ منها.. رَخَاءهَا وشِدَّتها، صالحها وفاسدها، حسنها وسيَّئها -كلٌّ من ذلك- قد يكون نِعمةً أو سبب نعمة ونعمٍ كبيرة، فقرًا أو غِنى، صحةً أو مرض، توفرًا للوسائل أو انعدام.. -كُلٌّ منه- قد يكون نعمة للذي نازلَهُ أو حلَّ به، وقد يكون نقمة تُوقِعه في أنواعٍ من الخبائث والبلايا، ويزدادُ بها قلبُه ضيقًا، وباطنُه همًّا، ويتنقل من مرض نفسي إلى مرض نفسي، وحبوب بعد حبوب.. ولا مخرج من تلك الكروب؛ لأنه ليس له قلبٌ مطمئن. وهل تطمئنُّ القلوب بغير الإيمان وذكر الذي تؤمنُ به؟! {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
فنُنَادِي الذين عاشوا مُدَّةً مِن أعمارهم؛ مِن أيام تمييزهم وشبابهم.. حتى مرَّت لهم السُّنُون مُغترُّون بأن في شيئًا من حضارات الكافرين في زمانهم سعادةً أو خيرًا أو هناءً أو راحةً أو طمأنينة.. نقول لهم: عَجَبًا لكم يا مِن تصاممتم عن خطابٍ مِن مُكَوِّن السماوات والأرضَ! عجبًا لكم يا مَن جهلتم قدر أكرم مخلوقٍ فهو سيِّدُ أهل السماء والأرض، وهو الشفيعُ يوم العرضَ! عجبًا لكم يا من صدَّقتُم كذّابين كثُر الكذب في أقوالهم وفي أعمالهم وفي حياتهم! عجبًا لكم يا مَن ألهاكم زُخُرُف القول الغُرور، وهو وحيُ إبليس وجماعته من شياطين الجن والإنس.. أعداء النبيين! {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}!
ثُمَّ عجبًا وعجبًا وعجبًا لكم! إذ عَدِمتُم أنوار طُمأنينةِ ما بين أيديكم، وفي بعض بيوتكم، وفي مساجدكم، وفي مدنكم.. من الذكر ومجالس الذكر وطُمأنينة القلوب به! كيف ضيّعتم ذلك؟ كيف فوَّتُّم ذلك؟ كيف خسرتم ذلك؟ وهذا خسرانٌ كبير! {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ}. ما لكم فقدتم هذه الطُّمأنينة التي لا يمكن أن تُحصَّل بمُلك أحدٍ في الشرق ولا في الغرب! ولا بأسلحة الدمار الشامل، التي ما زالوا بها يُهدِّدون! وما زالوا بها يُزمجِرون! وعاقبتها وعاقبتهم الهُون!
والمنصور محمد الأمين المأمون، جعلنا الله في رَكْبِهِ، جعلنا الله في حِزبه، جعلنا الله في دَرْبِهِ، جعلنا الله في فريقه، جعلنا الله في زُمرته، أدخَلَنا الله في دائرته، أحيانا الله وأماتنا على حُبه ونُصرته حتى يحشرنا في زُمرته، اللهم آمين.. اللهم آمين.. اللهم آمين، ولا نبغي به بديل من العالمين، في الأولين والآخرين، فوالله ما أحببنا مَن أحببنا منهم إلا لأجل إلهه ولأجله، إلا لأجل ربِّه الذي أرسله إلينا ولأجل رضاه
{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ}.
فمن أجل الله ورسوله أحببنا الأنبياء والمرسلين، وأحببنا الملائكة المُقرَّبين، وأحببنا عباد الله الصالحين، وأحببنا المؤمنين عامة وخاصتهم خاصة، وأحببنا الخير لجميع المُكلَّفين، وأحببنا الهداية لجميع العالمين، ووَالَيْنَا فِي الله وَلِلَّهِ مَنْ وَالَى اللَّهِ، وَعَادَيْنَا مَنْ عَادَ الله، نُحِبُّ بِحُبِّهِ النَّاسِ وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِهِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ خَلْقِهِ.
وهذا المسلَك الذي لا أصلَحَ ولا أنجَحَ منه، ولا أربَحَ ولا أفلح، وهو ميزان حُسنِ العمل. ومن كان أحسن استقامةً فيه وفِقْهًا لمعانيه وعملًا بما يقتضيه؛ فهو الـ {أَحْسَنُ عَمَلًا}.
والذين هم أحسن عملًا؛ ممن كَمُلَ إيمانهم وقويَ يقينهم، وصَفَت بواطنهم، وحَسُنَت أخلاقهم ومعاملاتهم: هم أشرفُ الخلائقِ منازل عند الخالق، وإن كان في الدنيا أيُّ معنى من معاني الخير الصحيح الحق؛ فهم أحقُّ به مِمّن سواهم، وإن كان في البرزخ خير فهم أحقُّ بذلك الخير من سواهم، وإن كان في القيامة خير فهم أحقُّ بذلك الخير من سواهم، والجنة لهم، والنار لمن عاداهم، والنار لمن خالفهم وصدَّهم عن سبيل مولاهم. حقيقة من الحقائق! نسأل الله أن يُثبِّتَنا عليها في أقوَم الطرائق.
ونُدرِك سِرَّ خلقنا وإيجادنا، وعظيم إمداد الله لنا بمِنَّة الخَلْقِ والإيجاد، ومنَّة الإسلام والإيمان، وأن جُعلنا في خير أمة، وجُعِل نبينا سيّد الأكوان، خير إنسان، مَن أُنزِلَ عليه القرآن، أطهر الخلائق جَنَان، وأرفعهم قدرًا ومكان، سيِّد ولد عدنان، بل سيّد الإنس والجان، بل سيد أهل السماوات والأرضين، بل أكرم الأوَّلين والآخرين على الله رب العالمين. ثبِّتنا على دَرْبِهِ، واسقنا من شُربِهِ، واجعلنا في حزبه، ولا تُخلِّفنا عنه يا من أرسلتهُ إلينا بالرحمة، آمين آمين آمين يا رب العالمين.
ومِن مثل هذه المجالس يُتزوَّد بـ: الفقه في حقائق الإيمان، والفقه في وحيِّ الرحمن، وبلاغ سيد الأكوان. وعلى قدر ذلك الفقه المُنصبِغ بالنور وإخلاص القصد وصدق الوجهة إلى الرَّبِّ الغفور يَحْسُنُ العمل، بل يَطِيب، ويذوق صاحبه من لذَّةِ وصال الذي عَمِل له ولوجهه؛ فهو لا يصلِّ إلا لله، ولا يتصدَّق إلا لله، ولا يصوم إلا لله، ولا يحضُر مجلسًا إلا لله، ولا ينطِق بكلمة إلا لله، ولا يتناوَل اللُّقْمةَ إلا لله، ولا يُعامِل ذَكَرًا ولا أنثَى ولا زوجةً ولا ابنًا ولا بنتًا إلا لله، ولا يلبس ثوبًا إلا لله. ما أعجب حاله! وما أجدره بفائِض مِنَّة الكريم المنَّان قديم الإحسان، الذي قال: (من تقرَّب إليَّ شِبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا ومن تقرَّب إليَّ ذراعًا اقترَبتُ منه باعًا ومن أتاني يمشي أتيتُه هرولَة) والذي قال: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} والذي قال: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}، {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
يُعَلِّمُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ خَالِق كُلِّ شَيْءٍ العالِم بكل شيء إمامَنا وقدوتَنا وسيِّدَنا وعُمدَتَنا، يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} صلى الله عليك يا أول المسلمين، صلَى الله عليك يا أول العابدين.
قال أتدّعون للرحمن ولد!؟ وحاشى الرحمن أن يكون له ولد! {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} قال تدّعون له ولد فلان أو فلان؟ أنا أمامكم محمد أول عابد، لو كان سيتخذ ولداً لن يُقدِّم أحدا عليَّ! {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،
{فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} فهو عبد الله ورسوله المُجتبَى المُصطفى الأمين.
شُرِّفنا به، وبه قامت فينا حقائق الخلافة، وبرز الخلفاء الراشدون، وحقائق الإنابة والخشية، والصُّحبة له، والقُربة منه، وبرز آل البيت الطاهر والصحب الأكرمون، وبه قامت فينا حقائق العبادة، وهو أول العابدين وسيد العابدين وإمام العابدين. ولو اجتمع المُكلَّفون من العابدين من آدم إلى عيسى بن مريم ومن بينهم النبيين والمرسلين؛ لم يكن لهم عبادة مقبولة عند الله إلا في تبعية سيّد المرسلين (لو كان موسى حيًّا ما وسِعه إلا اتِّباعي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قامت قوائم العبادة به في خيار التابعين، وتابعي التابعين، ومَن حُفِظت بهم حقائق الدين، وحقائق الإسلام والإيمان والإحسان، قرنًا بعد قرن. وبذلك بَرَزَ فينا الأصفياء والأخيار، والعلماء الصادقون الأطهار -عليهم رضوان ربي جل جلاله- من الذين لم يُؤثِروا على الله أنفُسًا ولا أموالًا ولا شُهرةً ولا سُمعةً ولا سُلطةً ولا شيئًا من متاع الدنيا، بل ولا آثروا الآخرة على رَبِّ الدنيا والآخرة، وآثروه وحده جَلَّ جلاله؛ فأعطاهم خير الدنيا وأعطاهم الآخرة جلَّ جلاله {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ}.
فإذا كان هذا للصادقين المُخلِصين من الأمم السابقة؛ فكيف بالصادقين المُخلِصين من أمّة سيد المرسلين؟!
قال تبارك وتعالى في هذه العواقب والحوادث التي تحدُث.. كُلَّما حدث يجيء مُزمجِر مِن كافر ومن فاجر، ذا مُغتَر بالسلطة وذا مُغتَر بالمال وذا مُغتَر بالقوة، ويقولون قوم نوح يسخرون منه ومما جاء به ويعتَدُّون بما عندهم ويضحكون عليه، وجاء قوم وعاد يقول لسيدنا هود: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} نحن أصحاب القوة على ظهر العالم هذا، اترك دعوتك هذه والتي تتكلم بها على آلهتنا {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
وذهب أولئك الكفار وما احتجّوا به من قوة.. هم وحدهم؟ هم ومن قبلهم، وهم ومن بعدهم، هم ومن بعدهم فقط إلى هذا التاريخ؟ لا لا لا.. إلى اليوم وبكرة وبعد بكرة وفي السنة الآتية والتي بعدها، سيضمحِلُّ قُوَّة الذين اعتَدُّوا بقوّتهم دون قوة الله تعالى، وتكبَّروا بها على أهل الله، وتكبّروا بها على أهل حضرة الله تبارك وتعالى، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا} هي أرضهم ولا أرض الرسل؟! لكن هكذا يقول الكفار، يقولون الأرض أرضهم.. والله ما هي أرضهم، هي أرض ربي، والأحق بها في الأرض: عبادهُ الصالحون {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} هم أحق بها من غيرهم، ومع ذلك كله يتحدّون يقولون: {لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ} اترك هؤلاء المُتَحَدِّين، اترك هؤلاء المتكبرين بما عندهم يقولون كذا.. أنا سأهلكهم وأنتم الذين ستسكنون الأرض من بعدهم {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ} قال الله هذا ما هو مخصوص بواحد من الأنبياء ولا بإثنين ولا بثلاثة ولا بالأنبياء وحدهم: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} يعني مؤمن قوي يُحسِن العمل.
{ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} كل مَن خاف مقامي وخاف وعيدي فصَدَق معي.. كل مَن يُعاديه ويَتَحدَّاه سأهلك عدّوّه وسأُبقيه هو {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}
قال الله سبحانه وتعالى في نَكثِ قوم فرعون العهد مع موسى والميثاق، وكَذِبهم وخداعهم، كُلّما اشتدت عليهم الشدائد لجؤوا إليه: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ..} ويقولون: {..لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} والمُكَذِّبون بآيات الله والغافلون عنها هذا مصيرهم.
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} بماذا؟ بأنهم جاؤوا بأسلحة مثل حق فرعون؟ لا لا لا.. ما هو كذا، بأنهم جاءوا بعدد مثل عدد جيش فرعون؟ لا والله ما هو كذا، بأنهم بنوا قصر كما قصر فرعون؟ لا ولا هكذا، يقول سبحانه وتعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}
وثَبَت مَن ثَبَت، مِن قبلنا من الصادقين المُخلِصين في الأمم، وصالحي الأمة.. مَرَّت ظروف وأحوال وأتعاب وشدائد، في عهد التابعين وعهد تابعي التابعين وعهد تابعي تابعي التابعين، شيء من قِبَل الحُكَّام، وشيئ من قِبَل الكفار، وشيء من قِبَل المنافقين، وشيء من قِبَل الطمَّاعين في المتاع، وأوذي ذا وأوذي ذا وأوذي .. وكَذِب على ذا وكذب على ذا، وثَبَت لها الصادقون الصابرون المُخلصون على مدى القرون، إلى مَن أدركناهم ورأيناهم مِن مشايخنا الأكرمين، "قَدَمًا على قَدَمٍ بجدٍّ أَوْزَعِ"، عرفوه فقصدوه، واتبعوا ما جاء عنه على راية رسوله؛ فحازوا الخير كله.
يقول تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
يا الله.. يا الله: انصُرنا على المجتمعين مع الصهاينة على هدم البيوت، وعلى قتل الأطفال، وعلى هتكِ الحُرُمات، وعلى إهدار الدماء وقتل النفوس، اللهم انصرنا على القوم الكافرين {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
النتيجة والعاقبة -ولن تَقصُرَ عنها نتيجة الصادقين مِنَّا في زماننا- فهذه النتيجة للصادقين مع الأنبياء السابقين؛ والصادقون مِنَّا في زماننا مع نبِّينا لن تَقصُر نتيجتهم عن هذا: {فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}. ويا شعوب ويا حُكَّام: إن اتبعتم الذين كفروا فيما يعرضون عليكم وفيما يدعونكم إليه {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}.
ويا صادقين ويا صابرين من الحُكَّام والشعوب، من جميع الجن والإنس: الصادقين مع الله تبارك وتعالى الغَلَبَة لكم، والأمر راجعٌ عليكم، وإن رغِمَت أنوفهم. كلام من فوق، أفادهُ الخَلَّاق على لسان حبيبه عظيم الأخلاق، ولن يكون إلا هو، ولن تكون العاقبة إلا هو.
{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} {إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}
فما هو المنهج الصحيح؟ يَا كل مَن عنده في قلبه ذرَّة من إيمان، مِن الرّعايا أو مِن الوُلاة، من الفقراء أو من الأغنياء، مِنَّا معاشر المسلمين في شرق الأرض وغربها إنسًا وجنًّا، مَن في قلبه مثقال ذرَّة من إيمان: خُذ التوجيه من ربك.. كيف تعمل؟ والظروف هكذا والأحوال هكذا؟ {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} فما الذي سيحصل إذا صدَّقنا وصدَقنا وقُمنا بهذا الأمر؟ {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} من أين سيُلْقى الرُّعب؟ من أجل عندكم أسلحة نووية مثلهم؟ لا! {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ}
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا..} وليس ذلك فحسب، هذا في الدنيا {..وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}
ولِذا يُذَكّركم الحق تبارك وتعالى بحقائق هذه الأمور؛ تجدون في الذين يُقتلون ظُلمًا بغير حق.. مَن لا يُتمكَّن من إخراجهم إلا بعد أيام، فلا تتغيّر الأجسام، ولا تتغير الروائح، وربما رأوا روائح زكيّة كالمسك! ما هذا؟ ما هذا؟ والأجسام سواء! مَن قُتِل بغير حق ومَن ظُلِم ليس كالظالم، وليس كالقاتل، وليس كالكافر، وليس كعبد الدنيا، وليس كعبد الدينار، وليس كعبد الدرهم!
وهكذا يُحدِث الله ما يُحدِث -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}، {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}!
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} والرعب صار موجود ومبثوث في قلوبهم، لا يغرّونكم، يُزمجرون بالكلام وبداخلهم خوف، بداخلهم رعب، وهم يخافون من الموت {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} قال الله عن غفالتهم: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ} خَلَّك تتعمَّر.. خُذْ لك كم؟ ستين، سبعين، ثمانين، كم؟ تعمَّر بعد ذلك أين ستذهب؟ العذاب أمامك {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}.
فليس الخير وليس الفخر إلَّا لمن آمن واستوى واستقام {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ}
وَلَكِن مَنْ كَذَّبُ، وَلَكِن مَنْ عَادى! يقول الحق تبارك وتعالى: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ * فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً..} لا اعتماد ولا ولاء للقوة الفلانية ولا للقوة الفلتانية! الله ورسوله والمؤمنين فقط!
{وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} لا بيت المقدس لهم، ولا المسجد الحرام لهم، ولا المسجد النبوي لهم، ولا مساجدنا لهم، وليسوا بأَهْلٍ لها {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّه} .. اتركهم يذهبون يقولوا: عُزَيْر ابن الله ويلعبون بدينهم ويُحرّفون التوراة ويغيّرونها ويُخالفون سيدنا موسى وما جاء به، ليسوا هم بِعَمَرَة المساجد، وما عمَرَتها ولا حملتها إلا أتباع الرسل، أتباع خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} اللهم اجعلنا من المهتدين.
الحمد لله على ما أنعم عليكم، الحمد لله على ما مَنَّ عليكم، تَمسّكوا بِحبل الله، واصدقوا مع الله، وتوجّهوا إلى الله جَلَّ جلاله وتعالى في علاه، فإنَّ الله يُذَكِّرنا بهذه الحوادث وبهذه الأخبار ويُبَيّن لكل عاقل ولكل مُنصِف: حقيقة ما يَسِيرُ إليه النَّاس؛ أيَتِمّ القصف والضرب من البر والبحر والجو على عُزَّل، وعلى بيوت تُدمَّر، وعلى عجائز، وعلى أطفال، من أجل غرض قوم أن يَمدُّوا سلطانهم؟! وغرَض أقوام معهم تحالفوا معهم أن يأخذوا مصالحهم من ثروات الأرض!؟ من أجل هذا تُقتَّل النفوس! وتُزهَق الأرواح! ويُقتَّل الصغار والكبار! ويُوجد الطفل الذي أمه قُتلت وأبوه قُتل وأخوانه قُتلوا ما عاد بقي إلا هو!! إلى غير ذلك مما هو حاصل اليوم! تحت نظر الحضارة المُتقدِّمة وحقوق الإنسان! أهل الكذب، أهل الزيغ، أهل الضلال، هذا الواقع!
ألا فلتُبصِروا الهداية عند سيدنا محمد! قُوموا يا مسلمين بحقِّ الاهتِداء بهديه، اُعمُروا دياركم بذكر الله، وبالتضرُّع والابتهال إلى الله {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
فأقبِلوا على الله، واجتمعوا معاشر المسلمين على نُصرة الحق {لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا} وتنمحي أمامها وتَنسَحِق كُلّ العصبيات، وكل الاختلافات، على السلطات، وعلى الأموال، وعلى الدنيا، وعلى المذهبية.. وعلى غيرها، الطائفية وعلى غيرها.. يجب أن تضمحل! أمامكم شهادة عظيمة اسمها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" تظلّكم كلكم.
وهذه واحدة من القضايا؛ اعتداء المعتدين على بيت المقدس الحرام.. واحدة من القضايا التي إذا صدَقتم على الله تجمعكم، اخرجوا من طائفيتكم، واخرجوا من عصبيّتكم، واخرجوا من مذهبيتكم، واذهبوا فانصروا "لا إله إلا الله"، ولا يكون لكم قصد إلا: أن تكون كلمة الله هي العليا، فهؤلاء وحدهم هم المقبولون عنده، وهم المنصورون بنصره -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
الله يُحيي في قلوبنا الإيمان واليقين.
وشاركوا.. شاركوا بالعلم وطلب العلم في نصرة الحق ورسوله ونصرة بيت المقدس، وشاركوا بالدعاء، وشاركوا بالبكاء، وشاركوا بالتضرع إلى الله، وشاركوا بالصدقات، وتشاركوا بتفَقُّد مَن يَبِيت طَاوِيَاً وهو في بلدانكم.. تفقّدوهم؛ فإنه بنصرتهم ينصركم الله هناك، تفقّدوا أهل الفقر وأهل المَسْكَنَة، وتعاونوا على البر والتقوى، وابعثوا ما قدرتم من مساعدة بِوِجهَة أو نِيَّة أو دعاء أو مال.. أو غير ذلك، وانتظروا نصر الله، وانتظروا خير الله، واغنموا العمر أن تكونوا مِمَّن أحسن عملا {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.
اللهم لا تجعل في مجلسنا ولا مَن يسمعنا إلا من كتبتهُ في خواصِّ المؤمنين الذين هم مِن أَحسَنِ خلقك عملا، ظاهرا وباطنا، اجعلنا في خواصّ {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} يا الله.
وأنقِذ الأمة أجمعين يا ربنا، وإبليس وجنده من شياطين الإنس والجن لا تُسَلّطهم على بقيَّة بني آدم، يا ربِّ وكم في الكفار وغيرهم من محتاجٍ إلى هذه الدعوة وقابلٍ لها إذا وصلته؛ اللهم فهيِّئ وصولها إليهم، وهيِّئ إنقاذهم من الكفر إلى الإيمان، ومن البُعدِ إلى القُرب، ومن الشقاوة إلى السعادة، يا هادي المهتدين.
يا حيُّ يا قيوم يا الله: أنجِ إخواننا المسلمين في غَزَّة وعسقلان وفلسطين خاصة، وفي شرق الأرض وغربها، وما بثّهُ أعداؤكَ من الفتن في السودان، أو من الأذى في الشام، أو غير ذلك من الفتن في بلداننا وأوطاننا؛ فارفع اللهم ذلك عَنَّا واصرفه، وبَدِّل الحال إلى أحسنه يا مُحَوِّل الأحوال.
يا محوّل الأحوال: وقفنا بجمعنا عليك، والتجأنا إليك، مُتذَلِّلين بين يديك، سمعنا ندائك على لسان رسولك، وجمعتنا بفضلك، ووفّقتنا نطرق أبواب كرمك وإحسانك، فافتح يا فتَّاح أبواب الكرم والعطايا المِلَاح، وعُمَّ الخير في جميع النَّوَاح، واصرف عَنَّا أهل النوايا والأعمال القِبَاح، يا حَيُّ يا قيّوم، يا فَتَّاح.
يا الله: توَجَّهنا إليك، مُتذلّلين بين يديك، سألناك الفرج، سألناك تقويم المِعوَجّ، سألناك رفع الضيق والحرج، سألناك صلاح القلوب والقوالب، سألناك أن لا تجعل فينا ولا في بيوتنا إلا مَن آمَنَ وعمل الصالحات وأحسن العمل مُخلِصًا لوجهك الكريم، فثَبَّتَّهُ على الصراط المستقيم، وجعلتَ مأواه جنات النعيم، يا كريم، يا عظيم، يا رحيم.. يا أرحم الراحمين يا الله، يا الله.
نادوهُ واثقين به، نادوه مُنطرحين بين يديه، نادوه مُعَظِّمين لأمره، نادوه مُوقِنين أنَّ الأمر له وبيده، وقولوا لربِّكم: يا الله.. يا الله.. يا الله، اكشِفِ الغُمَّة، أجلِ الظلمة، أنقذ الأمة، ارحم الأمة، أصلح الأمة، اجمع شمل الأمة، اشفِ مرضاهم، عافِ مبتلاهم، فُكّ أسراهم، أصلح ظواهرهم وخفاياهم..
يا الله .. يا الله، يا الله .. يا الله، يا الله .. يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله يا الله .. برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين، والحمد لله رب العالمين.
19 ربيع الثاني 1445