(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 9 ربيع الأول 1443هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
من حقائق قيادة زين الوجود للخلائق باختيار وتعيين الخالق وما يترتب عليها
الحمدُ للهِ الذي أرسلَ إلينا عبدَه المختار، بِبَاهِجِ الأنوار، وحقائق الأسرار، والعطايا الكِبَار، والغَيثِ المِدْرَارِ. اللهم أدِم صلواتِك على خاتمِ النبوةِ سيِّدِنا محمد، وعلى آلِه وصحبه، ومَن والاه فيكَ واتَّبع منهجَه الأرشد، وعلى آبائه وإخوانه مِن أنبيائك ورُسلك ساداتِ كُلِّ مُمَجَّدٍ، وعلى آلهم وصحبِهم وتابعيهم، وملائكتك المقربين، وجميع عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين، وأَشرِق أنوارهم في قلوب العالمين، وأَهدِ عبادَك إلى الحقِّ والدين القويم، وادفع عنَّا شرَّ النفوسِ والأهواءِ وشياطينِ الإنسِ والجنِّ وإبليس الرجيمِ ومَن تبعَه.
يا حيُّ يا قيومُ أظهِر لنا راياتِ الهدى، وأصلِح لنا ما خفِيَ وما بدَا، واجعل قلوبَنا تتَّصلُ بالجنابِ الأشرف؛ لتتنقَّى، وتتنظَّف، وتنالَ منك المواهِبَ والتُّحَف، وتدخل في الدائرة، وتحضر مع أهل القلوبِ الحاضرة، وتَخدُمَ هذه الشريعةَ والدينَ على الوجهِ المحبوب لك ظاهرًا وباطنًا يا أكرمَ الأكرمين.
فإنَّها استخداماتُك لمن سَبَقَت لهم منك السَّوابقُ بالسعادة، ومَن أردتَ أن يَرِثُوا الحسنى وزيادة؛ اللهم فلا تَحرِمنا خيرَ ما عندك لشرِّ ما عندنا، واجعل مِن ذكرى بروزِ أنوارِ ذاتِ حبيبِك المصطفى -عندما أذنتَ أن يبرزَ في القالبِ الإنساني في عالم الدنيا- اجعل في هذه الذكرى انتشارًا للأنوار في القلوب والسرائر تعمُّ الأقطارَ والجهاتِ كلَّها في الباطنِ والظاهر، يا أوَّلُ يا آخر، يا باطنُ يا ظاهر، يا مُنَوِّرَ البصائر، يا مُصَفِّيَ السرائر، يا غافرَ الذنوب والجرائر، يا حيُّ يا قيومُ يا الله.
إذا تذكَّرتِ الأمةُ النور وما أبرزه العزيزُ الغفور عند ولادةِ بدر البدور، يَجِبُ أن يسريَ إلى عقولِهم وأذهانِهم إلى أنه مركزُ القيادة التي اختارها الحقُّ -جَلَّ جلاله- لخلقِه وبراياه، وخَتْم النبوَّةِ الذي اصطفاه الحقُّ تبارك وتعالى واجتباه، وكنتُم به خير أمة، فما بال المُزَاحَمَة لقيادتِه ممَّن يريد أن يقودَكم من إنسٍ وجنٍّ في الشرقِ والغرب؟ يُزاحِمون القيادةَ يريدون أن يقودوكم بدلَه! ويريدون أن يقودكم سواه! ويريدون أن يقودوكم إلى مخالفتِه! كيف تُقبَل؟ من اختارهم للقيادة؟ مَنِ اختارهم أن يقودوا البشريةَ في فكرٍ أو سلوكٍ؟ مَن اختارهم؟ أإبليس؟ أأجندُه؟ وهل خلقونا؟ وهل مرجعُنا إليهم؟!
لكن الذي خلقَنا ومرجعُنا إليه اختار "محمدا"، اختار هذا ليقودَنا؛ فعارٌ أن ننقادَ إلى غيره! وعارٌ أن تَخفُتَ أنوارُ حُسنِ الاقتداء والاهتداءِ بهديه في عقولِنا أو أفكارِنا، أو بيوتِنا أو منازلِنا، أو أقوالِنا أو أفعالِنا!
محمدٌ يقودُ بأمرِ المعبود، إلى المعبودِ بالكرم والجود؛ فضلاً مِن عالمِ الغَيبِ والشهود، خصَّنا بزَينِ الوجود صاحبِ المقام المحمود..
إذا قلنا صاحب المقام المحمود أردنا أن تتنورَ مِنَّا القلوب والعقولُ إلى أنَّ الجمعَ الذي يضمُّ الأولين والآخرين تكون التَّقدِمة والتَّكرِمة فيه للحبيبِ الأمين. فَلِمَ نغتر بعُمرٍ قصيرٍ خلالَ هذه الحياة الدنيا ليس الموجودون فيها عشر الموجودين في عَرصاتِ القيامة، ولا عشرَ معشارِهم؟!
كل الموجودين في زماننا ووقتنا -دُولًا وشعوبا- لا يُسَاوون عشرَ عشرِ العشير من الموجودين يوم القيامة، والكرامة هناك لمحمد؛ فلمَن هنا الكرامة؟ بِمَ نغتَر؟ ولماذا نفتري؟ وعلى مَن نجتري؟ بأن نرضَى بقيادةٍ غيرِ قيادته! وهدايةٍ غيرِ هدايتِه! واتباعٍ لغيرِه ولسواه! صلى الله عليه وسلم
أليس هو صفيَّ الله ومختارَه؟ أليس هو المُعَيَّنَ من قِبَلِ رَبِّ العرش ليهديَنا؟ ليدلَّنا وليرشدَنا؟! أليس ربُّ السماوات والأرض هو الذي حذَّر مِن مخالفته؟ وقال {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هو الذي يرشدُكم هذا الإرشاد ويدلُّكم على القائدِ خيرِ العباد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وقد بيَّنَّ ذلك صريحًا فقال: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى يكونَ هواه تبعاً لما جئتُ به)
يا من أُكرمتُم بشهادةِ أن "لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله" خَيِّرَتُكم وسعادتُكم وعِزَّكم؛ أن تُخضِعُوا أهواءَكم للحقِّ ورسوله، وتقتدُوا بمحمدِ بن عبدالله، وترفضوا ما خالفَه مِن هيئات، وجماعات، وأحزاب، وفئات، وشعوب، ودول، في كُلِّ مخالفة له، وأن ترحمُوهم بإبرازِ نورِه الأسمَى، وجمالِه الأصفى، ورقيِّه الأعلى؛ ليهتدوا؛ فهم محتاجون لهذا، ارحمُوهم في أهوائهم التي ضلَّت بهم، ارحمُوهم في أهوائهم التي لَعِبَت بهم، ارحمُوهم أنهم خرجوا مِن أدبِ المخلوق مع الخالق لأن يُستَعبَدوا لأصنافٍ مثلِهم مِن الخلائق، ولتقومَ بينهم وبين الهدى عوائق، وليرتضوا لأنفسِهم بارتكابِ الجرائمِ واقتحامِ البوائق! ارثُوهم في حالِهم هذا، وقوموا بحقِّ الاتصالِ بهذا الجناب الأشرف؛ لتنالوا مِن ذكرى ميلادِه، وفائضاتِ إمدادِه، وحقائقِ ما أتحفَه اللهُ به مِن إسعاده؛ لتهتدوا، وقد قال لكم -جَلَّ جلاله-: {إِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}. وبيَّنَ لكم الحقيقةَ التي أنبأنا عنها صلى الله عليه وسلم فقال ربُّه -جَلَّ جلاله- {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
قال الله.. وإنما أعطيناك الدين يسيرا ويسَّرنا الأمرَ على يدِك فوضعتَ عنهم إصرَهم والأغلالَ التي كانت عليهم، أمرتَهم بالطيبات، ونهيتَهم عن الخبائث؛ وإلَّا أنا ربُّهم أفرضُ عليهم ما شئتُ ويجبُ عليهم أن يطيعوا! وآمُرهم بما شئتُ ويجب عليهم أن يخضعوا! لكني يَسَّرت الأمرَ، وسهَّلتُه على يدِك! واكتفيتُ منهم بهذا الأمرِ ووعدتُهم عليه: (ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشر)! وعدتُهم عليه أن أُسعدَهم بأنواعٍ من السعادات في الدنيا قبل الآخرة، وأكفُّ عنهم -وأنا رَبُّ الدنيا- مِن شرورِها ومحاذيرِها وآفاتِها مالا يستوعبون ومالا يَعُدُّون وما لا يحصون، وأن أُهيّء لهم في البرازخِ مراتبَ شريفة، وأجعل قبورَهم رياضا من رياض الجنة، وأنجِّيهم من أهوال ما لها يُطِيقون، ثم أُعينهم يومَ الحكم، ولا أوقفُهم موقفَ الندامة ولا الخِزي في يومِ القيامة {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} ثم أحلُّهم دارَ كرامتي.. فما بالهم يتأخرون!؟ لو فرضتُ عليهم ما فرضت لوجبَ أن يطيعوا!
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ..} قال صلى الله عليه وسلم: (ابن مسعود مِن هذا القليل) لو فُرِض عليه هذا الأمر الصعب لَمَا تراجع ولقامَ به، قال ابن مسعود: (فما أحب أنَّ لي بكلمةِ رسولِ الله حمر النعم) ولا الدنيا ولا ما فيها.. هذه الكلمة شهادة من رسول الله..
{مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} هذا الذي أرسلناك به واكتفينا منهم به؛ تيسيرًا، وتسهيلًا، ورحمةً ولطفا مِنَّا بهم {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا}
{مِّن لَّدُنَّا}؟ من لَّدُنَّا لتسقط موازين الدول الصغرى والكبرى ويقول لك أنا من فوق أعطيك.. ما عند هؤلاء؟ وماذا يستطيعون أن ينفعوك؟ أنا من عندي سأعطيك
يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} إذا جاءت العقولُ بحيراتِها وضلالاتها ودعاويها قال أنا سأهديهم {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا..} والخلاصة؟ قل لهم غنيمتُهم في هذه الحياة خلقتهم من أجلها: أن يُطِيعوك ويتبعوك وهنيئا لهم {..وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا}
ليس مَن ادَّعى الحضارة، وليس مَن ادَّعى التَّقَدُّم، وليس دُعَاة المثليَّة والجرائم، ولا مسعِّر الحروب بين بني آدم..! ما أولئك برفيق حسن لكن هؤلاء {وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} نبيُّون وصدِّيقون وشهداء وصالحون {وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا}
معهم اجعلنا يا رب، نُرافِقُ سيدَهم وإمامَهم في القيامة، وفي دارِ الكرامة، وفي البرزخ.. يا الله واجعل قلوبَنا ورغباتِنا ومُراداتِنا في الدنيا مرافِقة له، ولمنهجِه، ولسُنَّتِهِ، ولِمَلَّتِهِ، ولدينه، ولشريعته ظاهرًا وباطنا-. فإنه على هذه المرافقة تترتَّبُ تلك المرافقات؛ مرافقة البرزخ، مرافقة القيامة، مرافقة الجنة؛ على قدرِ ما يُرَافِق قلبَك، وهمَّتَك، ونيَّتَك، ورغبتَك، وطمعَك منهجَه، وسُنَّتِهِ، وشريعته، ودينه، وهديه.. رافِقها، رافقه هنا لترافقه هناك..
اللهم اجعلنا مِن رفقائه، ظلنا بظل لوائه، ارزقنا حسنَ متابعتِه ومرافقتِه..
يا الله: أصنامُ التبعية لمن خالفكَ وخالفه نُصِبَت في بيوتٍ كثيرة من بيوتِ المسلمين فنسألك في أيام ذكرى ميلادِه أن تُكَسِّر تلك الأصنام وأن تُبَدِّدَها؛ فإنه في ليلةِ مولدِه أصبحت أصنامُ الدنيا مُنَكَّسَة؛ اللهم واجعل هذه الأصنامَ التي زَوَتِ الناس وحرفَتهم عن طريقِ الهدى مُنَكَّسةً مُكَسَّرةً مَبعودةً مِن أمام قلوبِهم وعقولِهم.. يا الله
ومَن تهيَّئوا بحُكمِ الفطرةِ مِن كثيرٍ مِن عبادِك الذين لم يعرفوه ولم يؤمنوا به هيِّئ لهم السبيلَ للدخولِ في دينِه، والعملِ بشريعتِه.. يا الله.
يُذَكِّركم إخوانُكم بهذه الحقائق.. يخرج مِن بين اتصال بصاحبِ هذه القيادة ومِن أول الخطوات تحصلُ التأثيرات مع الشُّرُطات والسُّلُطات ومع عموم الناس، وقلوب الخلق في الأرض بيدِ مقلِّب.. ومن تعرَّض لجوده أن يهديها وأقامَ الأسباب هداه من شاء، وكتب أجرَ الهداية على يدِ ذاك، والهادي لهم وله "هو" وحده.. الهادي له ولهم "هو" وحده؛ ولكن يُكتَب الأجر لهذا لأنه جعله سبب ومشَّاه في هذا السبيل. نعمة من نعم الله وجود من جود الله تبارك وتعالى..
وسمعتم.. وتسمعون غرائب من هذا تأتيكم في السنوات المقبلة، لكن اغنموا سنواتِكم، وقوموا من سِنَاتكم، وارفضوا غفلاتِكم، وقوُّوا صِلاتِكم، واعلموا قدرَ القيادة؛ فهي القيادةُ إلى السعادة، وإلى الحسنى وزيادة، قيادة اختارَها مَن خلَق، اختارَها مَن أوجد وأنشأ -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
فلنتسابَق إلى متابعتِه، ولنَجعل مِن عمران القلوب والديار بذكرِه وذكرِ مولدِه وأخباره سبباً ووسيلة للتَّحَقُّق بحقائق الاقتداءِ به والاهتداء بهديه؛ لئلا يقودَنا مَن خالفَه ولا مَن خرج عن منهجِه -كائنا من كان – من شياطينِ الإنس ولا من شياطينِ الجن، اجعل هوانا تَبَعَاً لِمَا جاء به عبدك المصطفى يا الله.
وعلى يَدِ مَن خضعت أهواؤهم في القرن الأول لِمَا جاء به ولم يُبَالُوا بأعراف ولا أنظمةِ شرق ولا غرب، وعبَّروا بقولهم (آمنا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وإنما أمرُنا تبعٌ لأمرك، اقطَع حبالَ مِن شِئت، وواصِل حبالَ مَن شِئت، حارِب مَن شئت، وسالِم مَن شئت، ونحن حربٌ لمَن حاربتَ وسِلمٌ لمَن سالمت)
ما نرى في الوجود ولا في العالم نظاماً إلا وحيُ الله إليك، إلا ما أنزلُه اللهُ عليك، لا فارس ولا الروم ولا ملوك الأرض ولا ما فيها.. أنت جئتَ مِن عند الله نحن وراءك (خُذ مِن أموالنا ما تشاء، واترك منها ما تشاء، والذي تأخذ أحبُّ إلينا من الذي تترك، والله لو سِرتَ بنا حتى تبلغَ بركَ الغماد من الحبشة لسِرنَا معك) ولا نقول لك أين العدَّة وكيف الزاد وكيف الطريق.. (لسرنا معك ما تخلَّف مِنَّا رجل واحد، ولو استعرضتَ بنا هذا البحرَ فخضتَه لخُضنَاه معك، ولقد تخلَّف عنكَ أقوامٌ ما نحن بأشدَّ حبًّا لك منهم، ولو علموا أنك تلقى حربًا ما تخلَّفوا عنك، ولعلك خرجتَ تريد أمرًا فأراد الله غيرَه فامضِ لما أمركَ الله، ما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدا، إنا لصُبُرٌ في الحرب صُدُقٌ عند اللقاء، ولعل اللهَ يريك مِنَّا ما تَقَرُّ به عينك) فسُرَّ فكأنَّ وجهَه قطعةُ قمر، وقال: (سيرُوا وأبشِروا ما يسرُّكم، فإنَّ اللهَ قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظرُ إلى مصارعِ القوم) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وعلى أيدي أولئك هَدَّم الله مظاهرَ الطغيان والطاغوت في شرقِ الأرض وغربها، وعلى أيدي قلوبٍ تتَّصف بما اتَّصفَ به أولئك في الزمانِ الأخير تُهَدُّ عروشِ الطواغيت والظلمِ والفجورِ والكذبِ مِن على ظهرِ الأرض؛ لكن هذا مصدر سلاحِهم، هذا مصدر قوَّتِهم.
يتحارب أرباب الحضارات اليوم على اقتصاد وسلاح.. وكلٌّ يعدُّ العدة ويتربَّص بالثاني وفي ضمن ذلك يلعبون على بقية الدول.. وأنتم واقتصادكم وأسلحتُكم إذا جاء سلاحُ تبعيَّةِ الأهواءِ للهادي إلى السواء تدَقدَقت عروشُكم ولم يبقَ منها شيء، وعلمتُم لمنِ النصرة ولمَن الغلبة، وصِرتُم مع مَن على ظهر الأرض تقرأون واقعًا وحقيقةً وذوقًا -لا علمًا وفكرا- لكن واقعًا وذوقًا وتحقيقا: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} صدق ربي وصدق رسولُه..
اجعلنا مِن أتباعِ هذا الرسول.. يا الله
قيادات الغفلة والكفر والفجور والفسوق أبعِدها وزحزِحها مِن قلوبِنا، وديارنا، ومِن أهلينا وأبنائنا وبناتنا، وأعِدنا عَوْدَاً حميدا إلى الاقتِيادِ بقيادة عبدِك الحميدِ المجيد، مَن أتانا بالهدى والمنهج الرشيد.. ثبِّتنا على دربِه، اسقِنا مِن شُربِه، أدخلنا في حزبِه، اجعلنا مِن أهل مرافقتِه.. آمين يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين..
حبيبَ الله: قال عمُك العباس:
وأنت لمَّا وُلِدتَ أشرقَت الأرضُ** وضاءت بنورك الأُفُقُ
ونَحنُ في ذلك الضِّيَّاءِ وذلك النُّور**ِ وسُبلَ الرَّشَادِ نَختَرِقُ
وقلت له: (لا يفضضِ الله فاك)
رسولَ الله: ومِن بعد ما قال لكَ العباس هذا المقالَ بألفٍ وأربع مائة وخمسةٍ وثلاثين عاما.. إنه قال لك ذلك في العام التاسع من الهجرة؛ فبعد ألف وأربع مائة وخمسة وثلاثين عاما نحن نقول لك: فنَحنُ في ذلك الضِّيَّاءِ وذلك النُّورِ وسُبلَ الرَّشَادِ نَختَرِقُ
لا يزال القول قائما، ودينك قائما، ومُرسلك دائما، ودينُك الحق، وما سواه باطل..
ثَبَّتَنا اللهُ على دربِك.. أدخلَنا في حزبِك..
يا رب وقلوبَنا وأرواحَنا اسقها مِن شرابه، وأدخِلنا عليه وأدخِلنا عليكَ مِن بابه.. يا الله؛ ليكون لنا في هذه الذكرى عيدٌ وأيُّ عيد، ورضا ومزيد وعطايا مِن غير حصرٍ ولا تحديدٍ ، يا مبدئ يا معيد، يا فعال لما يريد، يا هادي العبيد، يا كافي شرِّ كُلِّ جبَّارٍ ومناكرٍ وحاسدٍ وعنيدٍ: أنت الله وأنت حسبُنا، وأنت قصدُنا، وأنت ملاذُنا؛ فأصلِح شأنَنا، واكشِف كربَنا، وفرِّج عنَّا وعن الأمة، واجعلنا من خواصِّ أنصار مَن بعثته بكشفِ الغمة.. يا الله .. يا الله
لا تجعلْ في الحاضرين ولا في السامعين ولا في ديارِهم إلا مَن اتَّبَعَه وصدق في اتباعه.. يا اللـــــه، ولم يعوِّقه عن ذلك هوى ولا نفسٌ ولا أراجيفُ أهلِ شرقٍ ولا أهل غرب..
يا اللــــــه ثبِّتنا على ذلك، واسلك بنا أشرفَ المسالك؛ حتى تجمعَنا هنالك؛ تحتَ لواء الحمد، وعلى الحوض، وفي دارِ الكرامة، وفي ساحةِ النظرِ إلى وجهِك الكريم.. آمين.
واجعل لنا في الجنانِ مجمعاً..
فَيَا رَبِّ واجمعنا وأحباباً لنا ** في دَارِكَ الفردوس أطيب مَوْضِعِ
فضلاً وإحساناً ومَنَّاً منك ** يا ذا الجُودِ الفَضلِ الأَتَمِّ الأَوْسَعِ
يا الله..
تقبل الله مننا ومنكم، نظر الله إلينا وإليكم..
يا الله اجعل ذكرى ميلاده في هذا العام من أبرك الذُّكرَيَات على أمته في كُلِّ خاصٍّ وعامٍّ،
يا حيُّ يا قيومُ يا ذا الجلال والإكرام اكشِف عنَّا البلايا والشدائد وجميعَ القتام، وادفع عنَّا جميعَ الأضرار والآفات والآثام، وحوِّلِ الأحوالَ إلى أحسنِها، يا مَن بيدِه أمرُ كلِّ شيء وبيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، يا ربَّ كلِّ شيء، يا قادرًا على كل شيء؛ بقُدرتِك على كلِّ شيء، اغفر لنا كلَّ شيء، وأصلِح لنا كلَّ شيء، ولا تسألنا عن شيء، ولا تعذِّبنا على شيء.. يا الله
وتوبة صادقة عمَّا مضى، وحفظًا كاملًا فيما بقي؛ حتى نلقاكَ وأنت راضٍّ عنَّا على خيرِ حال، في مراتبَ عوال، نحوز بها المرافقةَ في الدرجاتِ العُلا مع خيارِ المَلا يا أرحمَ الراحمين.. والحمدُ لله رب العالمين.
09 ربيع الأول 1443