منزلة المكلفين على ظهر الأرض أمام خطر المستقبل الأدوم الأخطر وحقائق عواقبهم
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 12 جمادى الآخرة 1446هـ، بعنوان:
منزلة المكلفين على ظهر الأرض أمام خطر المستقبل الأدوم الأخطر وحقائق عواقبهم
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله الملك الجواد، عظيم الإمداد، المانّ بالإسعاد لمن سَبَقَت لهم سوابِقُ الفضل، ونالوا منه- سبحانه وتعالى- ما يوجب سعادة الأبد من غير حد، ذلك فضل الله الأحد (اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص:2-4].
بروز أسرار النبوة والرسالة
أبرز لنا في عالم الإمكان.. بل وفي عالم الجسمان، ما يشفي ويروي صدور أهل التولُّع بحضرته العظيمة -جلّ جلاله- من أسرار النبوة والرسالة، وما حلّ بها في الأرض التي شُرِّفَت وبوركت؛ من حيث أن مكوّن السماوات والأرض جعلها مهدًا للأنبياء، وكرسيا للخلافة عنه، في الخواص الذين اختصهم، من آدم إلى كل مستقيم على المنهاج، وكلهم تَبَعَ خاتم النبوة نورنا والسراج ﷺ.
ثم لهم اجتماع في يوم الجمع الأكبر تحت لواء الحمد، وحامله نبينا محمد، ثم لهم الاجتماع الدائم في دار الكرامة، دار النُّزُل والضيافة الربانية الرحمانية، حيث: "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
التبصرة بمجريات الحياة
(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ..)، والمصير الكبير الخطير فيه الفرق الكبير بين الفريقين: (..أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ..)، ثم مجريات الأحداث في الحياة تَحمِلُ التبصرة والتذكرة بهذه الحقيقة لأهل الانتباه (..وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ..) ففاز الراجعون إلى الله، القاصدون لوجه الله، المقبلون على المولى بكلياتهم -تعالى في علاه- (..وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)[السجدة:17-22].
ولا طاقة لأحد بانتقام الجبَّار الأحد -جلَّ جلاله-! وهو منتقم من جميع المجرمين، الذين عبدوا من دونه أهواءهم وشهواتهم، واغتروا بمظاهر ما عندهم من قوّاتهم المحدودة المختُبَرين بها.. يُختَبرون بها (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد:25]، -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)[السجدة:21-22].
وهذا الانتقام الخطير بعث الله الأنبياء كلهم يُحذِّرون كل مَن يمشي وراء الإظلام والإجرام في تبعيّة عدو الله إبليس.. من كل خاص وعام من العرب والأعجام! بعث الله النبيين يُحذِّرون الخلق أن يُعرِّضوا أنفسهم لهذا الانتقام الذي لا يُقدَر عليه ولا يُطاق أبدا (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ)[الفجر:25-26]، لا إله إلا هو -جلَّ جلاله-!
بماذا ترتكز حقيقة السعادة؟
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب..)[السجدة:22]، يقول الله.. أمثلة بعثة الأنبياء والمرسلين ومنهم النبي موسى، يقول لنبينا محمد وقد لقيه ليلة الإسراء والمعراج: (فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة:23-24].
(لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) فبالصبر واليقين يكون:
- ارتكاز تحقيق السعادة الكبرى،
- والنجاة من الانتقام،
- والفوز بالإكرام والإنعام والإفضال من ذي الجلال والإكرام -جلَّ جلاله-، مما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ ولا يُوصَف.
مرجع الكل إلى هذا المصير
هذه الحقائق الكبرى التي إليها مرجع المكلفين طُرًّا.. مَن آمن ومن كفر، ومن صدَّق ومن كذّب، ومن أقبل ومن أدبر.. مرجعهم إلى هذه الحقائق. وما هم إلا فريقان: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)[الشورى:7-8].
(مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ): ما يُغني عنهم شيء.. لا من اجتماعاتهم، ولا من مواثيقهم، ولا من قوّاتهم؛ إذ يرجع كل شيء إلى أصله..
- (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا)[النحل:111]،
- (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)[الكهف:47]،
- (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ)[الواقعة:49-56].
فيَا ويل من لم يعقل منهم وقد بلغه الخبر، وإنذار العلي الأكبر؛ بألسن الأنبياء والمرسلين الذين خُتِموا بالحبيب الأطهر صفوة مُضَر.. محمد بن عبد الله، الذي به شُرِّفتم وبه نُظِّفتم وبه اُختِصُصتم بالخصائص الكبيرة..
بشرى لنا معشرَ الإسلامِ إنَّ لنا ** من العنايةِ رُكنًا غيرَ مُنهَدِمِ
لمّا دعا اللهُ داعينا لطاعتِهِ ** بأكرمِ الرُّسلِ كُنّا أكرمَ الأُمَمِ
الحذر أن تركن إلى الدنايا
فيَا موضوعا في أكرم الأُمَم:
- تَفَقَّد ما آتاك العليّ الأكرم، وما أسبَغ عليك من النِّعَم،
- واحذر أن تَركَن إلى الدَّنَايَا والحطام الذي يغترّ به مَن أجرم! وكل أثيمٍ هُيئ لسَقَر! (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)[المدثر:27-30]. من الزبانية الذين هيّأهم الله -سبحانه وتعالى- للقيام على النار الموقدة (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)[الهمزة:7].
اللهم أجرنا من النار.. اللهم أجرنا من النار.. اللهم أجرنا من النار!
القلوب المُهيئة للسعادة
فالقلوب الموجودة على ظهر الأرض التي تستجير بالله تعالى من ناره، وتخاف من عذابه، وترجو رحمته؛ وحدها هي المهيّأة للسعادة ولنيل الحسنى وزيادة. هذه القلوب وحدها فقط!
ولا يَصِل أحد إلى الدخول في دائرة هذه القلوب؛ إلا بــ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -يا ربِّ صلِّ عليه-، وعلى قَدْرِ تحقُّقهم بمضمون ومعاني وحقيقة الشهادتين تكون مرتبتهم في هذه السعادة المهيّأة والحسنى وزيادة.
من أهل الخسران الدائم؟
وغيرهم مِن كُلِّ مَن بلغته الدعوة فلم يستجر من عذاب الله، ولم يبالِ بغضب الله وسخط الله، ولم يستعذ من نار الله، ولم يَرجُ ما عند الله؛ فهم بلا ريب ولا شك -كائنين ما كانوا- أهل النُّحس، وأهل السوء، وأهل العذاب، وأهل الخسران المبين، وأهل الهلاك المؤبد!
كل مَن كان مِن هذا الوصف.. إن سمّوه غني وإن سمّوه فقير، إن سمّوه رئيس وإن كان مرؤوس، إن سمّوه وزير وإن كان موزور، إن سمّوه متقدم وإن قالوا غير ذلك.. كل أهل هذا الوصف -والله- هم أهل الشقاء! هم أهل الخسران! هم أهل الهلاك الدائم! مِن كل مَن بلغته دعوة الله فأبى واستكبر (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[لقمان:7]، -والعياذ بالله تعالى- (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ)[لقمان:7-8]. اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم..
الحسرة لمن ؟!
هذا الحديث عن المستقبل الأكبر يفوق ويعلو كل حديث عن الاقتصاد، وعن السياسة، وعن القوى العسكرية، وعن الاجتماعية، وعن ما يدور في هذه الحياة الدنيا.. والله العظيم هذا أهمّه، وهذا أعظمه! ولن يتحسَّر أحد على أنه ما سَمِع خبرا عن القوى الفلانية والسياسة الفلانية؛ ولكن يتحسَّر إذا لم يُصغِ لمثل هذا الكلام وينتبه له، الحسرة كلها فيه -والعياذ بالله تبارك وتعالى- (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)[مريم:39-40].
صَدَق ربي.. صَدَق ربي..صَدَق ربي!
العظيم في الأرض والسماء
فأي شيء من قوة بَقِيَت قُدَّامه؟! (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا)! أيبقى معك تعظيم لأحد على ظهر الأرض؟ ها ! اَخشَ من هذا الإله! إن عظَّمت أعداءه أو عظَّمت أهل الإعراض عنه! والله لا عظيم في الأرض ولا في السماء إلا أهل الخضوع لجلاله، وأهل الإيمان به، وأهل المعرفة به.. فقط! وغيرهم حقير ساقط (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)[مريم:40]، فيَحْكُم ولا مُعَقِّبَ لحكمه.
لا تغرك نفسك بمال!
فأصلِح شأنك مع هذا.. مع هذا الذي لا مُعَقِّب لحُكمِه؛ تَسْلَم من الندامة، تَسْلَم من الحسرة، تَسْلَم من الهلاك المؤبد! ولا تغرك نفسك ولا أحد على ظهر هذه الأرض يَمِيل بك يمنة أو يسرة.. يغرك بمال، يغرك بسلطة، يغرك بإمدادات، بشيء من الفانيات! ها! ما أحقرها، ما أتفهها، ما أقرب سقوطها، ما أقرب فناءها وزوالها!
ثم خسران الأبد تشتريه بماذا؟ هلاك الأبد تشتريه بماذا؟ من أجل مُرَتَّبَات يعطونك في الدنيا؟ تشتري هلاك الأبد؟! تشتري خسران الأبد من أجل ماذا؟!
أثر مجالس الذكر والتذكير
يا أيها المؤمن بالواحد الأحد: لا نجاة لك غير صلة قوية صحيحة بهذا الإله -تعالى في علاه-.
وهذه الصلة تُعطى بالفضل من الحضرة الإلهية، ويَكثُر عطاؤها في مجالس العلم والتذكر والذكر والتذكير.
مجالس التذكير **عديمة النظير
فيها من التنوير ** للسر والضمير
ما ليس في كثير ** من طاعة القدير
قالوا أهل العلم: "ولو رَدَّ الله أحداً من الأموات -وقد انكشفت له حقائق نتائج الأعمال والحركات والسكنات- وأعطاه الفرصة ورّده إلى الأرض والدنيا، لمَا اشتغل بغير مجالس العلم والذكر"؛ لِما يرى من أثرها في البرزخ، لِمَا رأى من أثرها عند الله تعالى؛ في حقيقة محاسبة المُكَلَّف على ما يقول ويفعل ويتحرك ويَسكُن (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ)[القمر:52-53].
فالله يُعَرِّفنا قدر هذه المجامع، ويجمع قلوبنا فيها عليه..يجمع قلوبنا فيها عليه، ويرزقنا الزلفى لديه والقرب منه، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
فلنتفانى في خدمته ﷺ
وما هي إلا نداءاته على ألسن رسله، وصلت إلينا على لسان الخاتم للأنبياء، والمُقَدَّم على الأصفياء، سيد أهل الأرض وسيد أهل السماء، الحبيب الأسمى.. محمد بن عبد الله، الآية الكبرى والنعمة العظمى!
يا ربِّ صلِّ عليه، واجزه عنَّا خير الجزاء..
وبه انظر إلينا وإلى أحوالنا؛ حتى نستقيم على متابعته والانتهاج في نهجه، وهو القائل بقول الحق والصدق: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لِمَا جئتُ به"، فنَتَفَانَى في خدمته.. خدمة شريعته، خدمة سُنَّتِه، خدمة دينه، خدمة أهل بيته، خدمة صحابته، خدمة أمته، قاصدين وجه الله -جل جلاله-، طالبين لِمَا عند الله -سبحانه وتعالى-، موقنين بلقاء الله والمرجع إليه -تعالى في علاه-.
ويثُبِّتنا الله حتى يتوفّانا على خير حال يرضاه، يختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنَّا، نلقاه وهو راضٍ عنَّا يا رب..
يا الله رضا يا الله رضا والعفو عما قد مضى
يا الله رضا يا الله رضا يا الله بالتوبة والقبول..
لمن تصلح التبعية؟
واجعل في مجريات هذه الأحداث في العالَم تذكرة وتبصرة لنا ولكل مؤمن على ظهر هذه الأرض؛ حتى نطلب الصدق معك، والوفاء بعهدك، والاتصال بحبيبك، والاقتداء به في جميع شؤوننا، متحررين عن أهوائنا وشهواتنا وأفكارنا، وعن التبعية لمغضوب عليه، وعن التبعية لضال، وعن التبعية لمفتونٍ بهذه الحياة الدنيا ومظاهرها. وما أكثرهم على ظهر الأرض! بل (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)[الأنعام:116].
فانظر مَن هواه تبع لمحمد بن عبد الله، ووحدهم تَصلُح لهم التبعية، ومن سواهم لا يُتبعَون.. في قليل ولا كثير، ولا صغير ولا كبير.
وما خلقك الرب الأعلى لتكون عبدا لأحد منهم، ولا تكون مملوكا لأحد منهم! شرَّفك بالعبودية له وحده، وجعل القدوة أنبياءه، وسيدهم محمد، وجعل الدّالِّين على هدي محمد خواصّ من آل بيته وورثته في الأمة، عدوله في كل خَلَف "يَحمِلُ هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"، (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام:90].
دعاء للأمة الإسلامية
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويَا ربِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ
ولا تجعل حاضرا معنا ولا سامعا لنا أو مشاهدا أو متعلقا إلا ملأتَ قلبه بأنوار الصدق معك، والإقبال عليك، وحسن صلة بك وبرسولك، وحرّرته من رِقِّ الهوى، ورِقِّ الشهوات، ورِقِّ الشياطين، ورِقِّ اتباع من لا تحب، يا أرحم الراحمين..
مددنا أيدينا إليك، والحال لا يخفى عليك.. تدارك الأمة، أغث الأمة، أصلح الأمة، اكشف كروب الأمة، ادفع البلاء عن الأمة، عجِّل بكشف الشدائد عن أهل غزة وعن أهل فلسطين، وخذ بأيدي المسلمين في سوريا وبقيَّة الشام وفي اليمن والشرق والغرب.
يا الله: المعتدون والظالمون والذين ظنّوا أنهم ملكوا الأرض دونك، ممن يحملون الحقد ويحملون الداء ويحملون الفساد للعالمين.. مزِّقهم كل مُمَزَّق، وادفع شرهم عن الأمة، وخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وانظر يا مولانا إلى المؤمنين والمسلمين في الشرق والغرب.. انظر إلى ضعفهم، وانظر إلى مسكنتهم، وأيدهم بتأييدك الأكبر، وأيدهم بتأييدك الأكبر، وانصرهم بنصرك العزيز المؤزر..
يا الله.. يا الله..
يا الله أَغِث بالغياث العاجل، والطف باللطف الشامل..
يا سريع الغوث غوثا منك يدركنا سريعا
يهزم العسر ويأتي بالذي نرجو جميعا
يا قريبا يا مجيبا يا عليما يا سميعا
قد تحققنا بعجز وخضوع وانكسار
قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري
وتوجّهوا إلى الرحمن، وأقبلوا على الله بالصدق في السر والإعلان؛ ليرحمكم، ويُنزِل عليكم العطايا، والمِنَح والمنن الكبيرات الكثيرات، يرحم بها أحياءنا وموتانا...
نفقد من خيارنا ومن صلحائنا واحدا بعد الآخر.. وواحدا بعد الثاني، ذكورا وإناثا، ارحمهم برحمتك الواسعة. ومن آخر من فقدنا حبيبنا علي بن الحبيب أحمد بن علي بن أحمد بن سالم بن الشيخ أبي بكر بن سالم.. ارفع اللهم درجاته لديك ومنزلته عندك، اللهم واجمعنا به في دار الكرامة ومستقر الرحمة، وبارك في أولاده وأحفاده وأسباطه بركة لا حدّ لها ولا غاية، واخلفه فينا وفي الأمة بخير خلف.
وموتانا ارحمهم، وموتى المسلمين في شرق الأرض والغرب، اجعل قبورهم رياضا من رياض الجنة..اجعل قبورهم رياضا من رياض الجنة..اجعل قبورهم رياضا من رياض الجنة، ولا تجعلها فيها حفرة من حفر النار، وقبورنا من بعدهم اجعلها رياضا من رياض الجنة..اجعلها رياضا من رياض الجنة..
يا الله .. يا الله: لا تجعل قبراً لواحد مِنَّا إلا وهو روضا من رياض الجنة، إلا وهو روضا من رياض الجنة، إلا وهو روضا من رياض الجنة، وهيئنا بذلك للحوق بأهل النفوس المطمئنة في يوم لقائك، يوم تناديهم: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الفجر:27-30].
وجهتكم إلى الرحمن.. يُعجل بالفرج لأهل الإسلام، ويَقبَل مَن تقدَّموا، ومَن لحقوا به من أهل "لا إله إلا الله"، ويُشفِّعهم في أهل "لا إله إلا الله" الذين على ظهر هذه الحياة، ويحول أحوالهم إلى أحسن حال. وقولوا أجمعين:
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين فرِّج على المسلمين
11 جمادى الآخر 1446