مجلى الاستمساك بالعروة الوثقى ومعانيه وثمراته

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 22 جمادى الأولى 1444هـ بعنوان:

مجلى الاستمساك بالعروة الوثقى ومعانيه وثمراته

 

نص المحاضرة:

الحمد لله المُتفضِّل على المُقبلين عليه، والذي له نفحات تنالُ العِباد في غفلاتهم فتُرجعهم إلى الذكر، وتنالُهم في بعدهم فترُدُّهم إلى القرب، وتنالهم في شقائهم فتحوِّلهم إلى سُعد، إنه الله الجواد، إنه الله الذي يُعطي بغير حِساب ولا تعداد، إنه الملك المُعطي الذي ليس لِعطائه من نَفاد.

أرسل إلينا خير العباد، وسيد أهل الإسعاد، ومفتاح باب الإمداد، وإمام أهلِ الإرشاد سيدنا محمد بالهدى والبيان ودين الحق (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

اللهم صلِّ وسلِّم على هذا الجمال الباهي وهذا السرِّ الزاهي، وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه وسبيله، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك والمرسلين، وآلهم وصحبهم والتابعين والملائكة المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبارك في جمعنا، وبارك فيما تُسمِعنا، وبارك لنا يا مولانا فيما به تنفعنا، وانظمنا في سلك أهل الإقبال الصادق عليك في كلِّ حال، وأقبِل يا رب بوجهك الكريم علينا، وأقبِل يا ربنا بوجهك الكريم علينا، وأقبِل يا ربنا بوجهك الكريم علينا، واجعلنا ممن تختارُهُم لنشر الخير والهدى والنور والرشاد والصلاح في البرية، مستمسكين بالعُروة الوثقى في كل ظاهرة وخفية.

(فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، استمسك بها الملائكة واستمسك بها النبيّون والمرسلون، واستمسك بها ورثتهم المُقرَّبون الصِّدِّيقون، والله اجعلنا من المستمسكين بها.

قال تعالى: (لَا انفِصَامَ لَهَا): عُروةٌ لا تنفصم، وخيرها لا ينقطع، وسِرُّها لا ينضَب وفضلها يزداد، ولها سرايات في القلوب والأفئدة بين العباد.

يا حيُّ يا قيّوم بارِك لنا في الاستمساك بالعُروَةِ الوثقى التي لا انفصام لها يا سميع يا عليم، وألحِقنا بأهل التُّقى الذين أحسنوا الاستمساك بتلك العُروَة الوثقى، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، مَكِّن كلَّ حاضرٍ معنا وسامعٍ لنا في الاستمساك بالعُروة الوثقى، حتى تُلحِقنا أجمعين بأهلِ التُّقى، يا أكرم الأكرمين.

(فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) كلُّ قاطعٍ عن الله، كلُّ مُضادٍّ مُخالفٍ لشرع الله، لمنهج الله، لأمر الله، لِوَحي الله، لتنزيل الله، لكتاب الله، لسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.. فهو طاغوت، كلُّ من يصدُّ عن سبيل الله ويقطع عن الله، ويأمر بما نهى الله فهو طاغوت.. كفرنا بها.

(فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ)، ولازمُ الإيمان بالله إيمانٌ بحبيبه ومصطفاه، وإيمانٌ بملائكة الله وجميع رسول الله وأنبياه، وجميع الكتب المُنزلة من السماء، لأن فيها هدى الله وفيها نور الله وفيها إرشاد الله تبارك وتعالى.

(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

هذا الإيمان بالله ورسوله والمرسلين والأنبياء والكتب المُنزلة هو الحِصن الحامي والواقي لِمن آمنَ مِن أن تستذِلَّهُ أو تُغيِّرهُ أو تخدعَهُ، كتبٌ وأفكارٌ وسبلٌ وطرقٌ، مُشَكَّلة مُنوَّعة لإبليس وجُنده مِن أنواع الكفار والمُلحدين ينشرونها بين الناس، المؤمن بكتب الله المنزلة ما يهتزّ لشيءٍ من أراجيفهم، ولا من لَعِبهم على العقول، ولا من كذبهم، ولا من افترائهم، ولا من تصويرهم للأمور على غير صورتها، آمن بكتب الله فما تلعب به كُتب خلقِ الله، ما تلعب به كتب البعيدين عن الله جل جلاله، هذا مُقتضى الإيمان بالكتب والمُهيمن على الكتب القرآن الذي أُكرِمنا به، يا رب وفِّر حظّنا مِنهُ ومِن سرِّهِ وارزقنا قوة الصِّلَة به.

فيه نبأ من قبلكم، وخبرُ من بعدكم، وحُكمُ ما بينكم، قولٌ فصلٌ ليس بالهزل، اللهم ارزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، واجعل حظنا وافراً من القرآن في كل شأن، يا مُنزِل القرآن على قلب عبده المصطفى سيد الأكوان اجعلنا عندك من أهل القرآن.

فيا أهل القلوب التي قلَّ نصيبها من القرآن، تداركوا أنفسكم في أعماركم القصيرة وارتبطوا بالقرآن، وارتبطوا بآياته وكلماته وحروفه ومعانيه، ففي كل سورة وفي كل آية وفي كل كلمة وفي كل حرف من حروفه أنوارٌ وأسرارٌ وصِلاتٌ وتوصيلاتٌ وهِباتٌ وتقريبات وفتوحات وخيرات كثيرة كبيرة، (وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه).

يجب أن ينظر أهل المِلَّة والدّين إلى علاقتهم بهذا الكتاب، والذي من إهماله وإضاعته وهَجرِهِ وصلت إليهم كتب الأشقياء وكتب السُّفهاء وكتب المشركين، وكتب المنافقين وكتب المُفسدين، وأثَّرت على أفكار فيهم، وأثَّرت على قلوب فيهم وأظلمتها، ولو احتكمت صِلَتهم بِكتاب الله

لما أثَّرت فيهم ظُلُمات الباطل، ولأدركوا الحقيقة من أوّل وَهلة، ولم تقبل قلوبهم ولا نفوسهم تلك الأفكار، كان يقول الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله: إذا تبينت الحقيقة لشبابنا وسمعوا حقائق ما أنزل الله على رسوله، ما أقول يرُدّون تلك الأفكار بل أقول يبصقون عليها. لِما يرون من حقيقة ذِلّتها ومهانتها وكذبها ودجلها وباطلها.. ويبصقون عليها، بدل ما يفتخرون بها، بدل ما يتبنّونها، بدل ما يتبجّحون بها، وهي ساقطة وهي هابطة، وهي ظُلمات وهي شر محض والعياذ بالله تبارك وتعالى، ولكن من لم يعرف قدر إلهه الذي خلقه وأخذ زِمامه يُسلِّمه بيد مخلوق بعيد عن هذا الخالق.. من أين يعرف الحقائق!

وقال سبحانه: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِين).

وخُذ خبر يقين.. أنت تعيش عمرك القصير في هذه الحياة، حافظ على صِلَتك بالله وصِلتك برسوله وصِلتك بالصالحين والأصفياء، وجميع الصِّلات القائمة في حياتك وزمانك وعمرك بين الخلق المُكلَّفين هنا وهناك ستتحوَّل إلى بغضاء وعداوة ومقاطعة وأن يلعن بعضهم بعضاً بلا استثناء، إلا هؤلاء الأتقياء وحدهم، (الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ).

ما تَغُرَّك صِلات، ما تغُرَّك تحالفات، ما تغُرَّك مواثيق بينهم يلعبون بها لعب، ويقولون اليوم كلام وفي اليوم الثاني غيره، ما يغُرّك كل هذا، وذا يتبدّل لذا وذا ينقلب على ذا وذا يقوم كذا وسيحصل ما يحصل! حافظ على صِلَة بواحد أحد فرد صمد حي قيوم لا يموت، بحبل الاتصال برسوله وبما جاءك عن رسوله صلى الله عليه وسلم وما مدَّ لنا من حِبال، مَدَّ لنا حبل وَحيِهِ، مَدَّ لنا حبل آل بيته، مَدَّ لنا حبل صحابته، مَدَّ لنا حبل الصالحين في أمته صلى الله عليه وسلم، وأمرنا أن نستمسِك بهذه الحبال، وأن نتّبِع سبيل من أناب إلى الله، وأن نكون مع الصادقين، وأن لا نتّبِع سبيل المفسدين، وأن لا نُطيع من أُغفِل قلبه عن ذكر مُقلِّب القلوب جل جلاله.

(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) يا من باعوا أنفسهم رخيصة وهي ثمينة أنقِذوا أنفسكم، فإن كل هذه الاغترارات بهذه الأفكار صِلات بينكم وبين أشرار وكُفار توصِل إلى النار والعياذ بالله تبارك وتعالى، (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)

(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ) يعني في النار، (لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا..) ويرجع صغارهم على كبارهم يقولون هؤلاء القادة حقنا الذي قادونا إلى كُلِّ الأفكار الخبيثة وإلى الاستهانة بِأمرِ الله جلَّ جلاله، وإلى تصديقهم بباطلهم (رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ) ولكن كل واحد يأخذ نصيبه وجزاؤه.

(وَقَالَتْ أُولَىٰهُمْ لِأُخْرَىٰهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۢ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا) ويلٌ لهم ما تنفعهم عِوَض عنها طائرات ولا أسلحة فتاكات، ولا شيء من هذه الاغترارات، (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ * لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّٰلِمِينَ).

(وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ)، اللهم اجعلنا منهم وألحِقنا بهم (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) وقال: (أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ) ، (تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّه)

لك الحمد يا رب، مَن جعلنا في أمة النبي محمد؟ ومَن جمعنا على ذكره وذكر نبيه محمد، ومن هدانا للإسلام؟ ومَن سَيَّر قلوبنا لهذه المسارات، ومَن أحضرنا في هذه الساعات، (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوٓاْ.. ) أسمِعنا ذلك النداء يا رب العالمين بنبي الهدى (وَنُودُوٓاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

ثم في مُخاطبات بين الفريقين سواء من في زماننا واللي قبلنا واللي يأتون بعدنا، أصحاب الجنة يُخاطبون الفريق الثاني مِن كُل مَن كفر، مِن كُلّ مَن بلغته دعوة الله على أيدي الأنبياء وأتباعهم فأدبَر واستكبر ولم يؤمن، يُخاطبونهم كما قال ربكم سبحانه وتعالى في كتابه:

(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا) كل ما قاله الله حق والجزاء على كل عمل وكل حسنة حصلنا جزاءها، ووعدنا الجنة وأدخلنا إياها، (فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ): ما عاد ينفع.. (قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) اللهم أجِرنا من الظُّلم ودعوة المظلومين واجعلنا هُداةً مُهتدين.

بارِك في المجمع ومن يحضُره، واجعل كل حاضِر وسامِع مِمَّن تنظره وتُقرِّبُهُ إليك وترحمه يا أرحم الراحمين، ارزقنا حُسن التَّلبِية والإجابة لِدعوة الهادي إلى الصّواب عبدك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وارزقنا الاستقامة على ذاك المنهاج، ارزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى أن نكفر بالطّاغوت ونؤمِنَ بالله، (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) يا الله.. كلُّ الظُّلُمات التي تعترِضُنا أو تُنازِلنا في وِجهتنا أو فِكرنا أو مقاصدنا أو إراداتنا أو أعمالِنا أو أقوالنا أزِلها عنّا وأخرِجنا من الظُّلماتِ إلى النور.

(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) وتُشاهدونهم بأعينكم ينحدرون وينحطّون وينحطّون، حتى لا يبقى لهم لا دين ولا إنسانيّة ولا فِطرة ولا عقل، ما يبقَ لهم شيء من ذلك، يُخالِفون العقل، يُخالِفون الفِطرة، يُخالِفون مُقتضى الإنسانيَّة ويُقَنِّنون لذلك، كل ما خالفوا فيه حتى مُقتضى الإنسانيّة صلحوا قانون

وقالوا رئيسهم الكبير يُوقِّع عليه، انتصروا لإبليس وظنّوا أنهم على تأسيس وما معهم إلا تلبيس، وسيندمون والكثير منهم يلحقهم النَّدم في دُنياهُم قبل آخرتِه، أما في الآخرة كلّهم سيندمون، كلّهم سيتحسرون، وما نصيب القلوب في البرزخ والقيامة من السرور والفرح إلا ما كان من صِلَةِ الإيمان بالله ورسوله، وإلا ما كان في مثل هذه الحِبال الممدودة من الطّاعات.. غير هذا ما لهم فرح، ما لهم سرور، ما لهم أنس، يكفيهم ما خادعوا بأنفسهم سمَّوه سرور في الدنيا، يشربون خمور ويظنونه سرور، يتعاطون مخدرات، يعملون الفواحش ويُجاوِزون الحدود فيها ويظنّون أن هذا السرور، وأغاني ماجنة وكلام فارغ.. هذا هو؟!

(وأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ وراءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * ويَصلَى سَعِيرًا * إنَّهُ كانَ في أهْلِهِ مَسْرُورًا).

أيام دنيا ما سروره قال خلاص.. السرور حقه قد تقدم، وايش من تقدم من سرور، تقدمت له بهذلة في الحياة ودقدق رأسه يريد سرور ما حصله، لكن يرقص ويغني وداخل ماشي سرور، ولكن هذا هو سرور!

(إنَّهُ كانَ في أهْلِهِ مَسْرُورًا * إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ) يرجع، ظن ما بيرجع إلينا قال الله، وأنت من أين جئت حتى تستبعد الرجوع! الذي كَوَّنك، من أين تكوَّنت أنت؟! عسى ماشي من حقك الشركات كوَّنتك ولا أحد من رؤساءك كوَّنك! أنت وإياهم مُكوّنين، من الذي كوّنكم؟! إليه ترجعون.

(إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ * بَلى إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيرًا)، يقول سبحانه تعالى: (فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا * ويَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ) في الجنة (مَسْرُورًا)، ما السرور؟ السرور لهؤلاء وحدهم، هؤلاء لهم السرور.

قال الله عن جماعة يضحكون بِتكلّفهم الضحك كما هو عادة الفُجّار والأشرار، قال: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)

فاعلموا قيمة الكسب في هذه الحياة (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) اللهم ارزقنا الاستعداد وزَوِّدنا بأشرف زاد.

يا رب بك أقسمنا عليكَ ألا تجعل في مجمعنا ولا من يسمعنا أحداً إلا وفَّقتَهُ للاستمساك بالعُروَة الوثقى، ووهبتهُ التمكين حتى يلقاك وأنت راضٍ عنه، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين يا الله.

سعُدتُم بِدعوة ربكم، سعُدتُم بالإلتجاء إلى إلهكم وخالقكم، الحمد لله ما رماكم على غيره، ولا أوقعكم في حَمأة الالتفات إلى سواه والتزلّف لِمن عداه، شرَّفكم بالوقوف على بابهِ واللِّياذ بأعتابه، لك الحمد فأتمِمِ النعمة علينا وعليهم يا رب.

تمام النعمة اجتماع تحت لواء الحبيب هذا تمام النعمة، ودخول معه إلى جنة الله هذا تمام النعمة، أتمِمِ النعمةَ علينا يا رب، أتمِمِ النعمة علينا يا رب، يا الله يا الله يا الله، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.

 

العربية