(536)
(228)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مجري خيراته بلا حد، ومكرمنا ببعثة حبيبه محمد، مكرمنا بأسرار وجود ذاته الكريمة المحمدية الأحمدية، وذاته الكريمة وروحه الطاهرة ونوره أول مخلوق للحق، وأكرم مخلوق على الحق، وبرزت في تلكم المظاهر حتى جاء وقتُ خير العصور، وخير الأعمار، ( لَعَمْرُكَ) فوُلد الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأشرقت الأنوار ودام اتصال الأرواح بأسرار الفهم عن الفتاح من أهل الصلاح، لمن آمن بالله وبما جاء عنه وما أنزله على رُسله الأكرمين، دامَ ذلكم في خير أمة لانتشار الجود والرحمة من الحي القيوم مُولي النعمة، من بواسطة الذي كشف به الغمَّة وأزاح به الظلمة، فبرزت في هذه الأمة مداركُ من قلوب كثيرة طاهرة، أدركت عظمةَ الله تبارك وتعالى، وأن المآل إلى الدار الآخرة، وأن الناس هناك فيه متفاوتون على درجاتٍ في الجنة فاخرة، ودركات في النار أهلها هم أهل الخاسرة والكرّة الخاسرة، والعياذ بالله تبارك وتعالى (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وهؤلاء كل من بلغه نورُ الله ودعوةُ الله فلم يصغِ ولم يستمع ولم يستجب، ولم يلبِّ النداء ولم يُقبل، وكل من أعرض ومَن تولى ومن رضي لنفسه أن يعصيَ اللهَ فيستمر في العصيان، وأن يخالفَ الشريعة فيستمر في المخالفة، وأساس ذلك أن القلب لم يعظّم ولم يعرف ولم يحب، والقلب إذا عظَّم اللهَ انفتحت له أبوابُ المعرفة بالله، والمعرفة إذا نازلت القلبَ غمرته المحبة، ومن عظّم اللهَ لم تستقِم في قلبه حقائقُ تعظيم الله حتى يعظِّم ما عظّم الله ويعظم شعائر الله ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)
وإذا نظر إلى ما عظّم الله وإذا نظر إلى شعائر الله، لم يجد في ما عظّم الله أعظمَ من النبي محمد، ولا في شعائر الله أكبرَ شعيرة من النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فنعِم وهو في الدنيا أن يصبح ويمسي، ويظل ويبيت (والله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، مما سواهما، حينئذ يخرج عن دوائر الصراعات، عن دوائر النزاعات على الفانيات، فالركب الذي سمعتم حديث الجماعة عنه، أما ما نسبوه إلى هذا العبد الأقل الضعيف العاصي بينكم، فليس له من هذا الفضل شيء، لا قليل ولا كثير، ولكن ما تحدثوا عنه هو وصف محمد وورثته، وصحابته وآل بيته، وصلحاء أمته من المتصلين بهذا السر، أهل هذا الركب، ركبٌ سماوي يعيش مدة على ظهر الأرض ومدة في بطنها لكنه سماوي..
اسمع! وأعلى من السماء، إذ تتشقق السماء ولا يتشقق هذا الركب، السماء تتشقق وهذا الركب يتوفق، وهذا الركب يجتمع، إذا مارت السماء مَورا، رُؤي على هذا الركب نورا، وعزةً وحبورا، وأُنساً وخيورا، الله أكبر ركب عجيب، بديع..
أقول هذا، لأن أفكار الخلق على ظهر الأرض مشغولةٌ بالشؤون الأرضية الزائلة التي كان يشير إليها العارفون والمحبون، المؤمنون المعظّمون لله بقولهم: " وكل الذي فوق التراب تراب"
والله يقول (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) هل تعرف كل من عليها؟ كل محصور في هذه الأسباب يرى نفسه قائماً على هذه الأرض، ونسي أن الأرض ممسوكة بمَسكةِ قوي، ومن ذاق ذلك قال ما أنا عليها، وما كان عليها من جسدي فسيخرج، وما كان عليها من مظاهر فستنتهي، لكن حقائقي وروحي وجوهري ما أنا عليها! (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) فكيف أقول أنا على الأرض وهي ممسوكة لا تقدر تمسك نفسها! ولا تدوِّر نفسها، ولا تنبت نفسها، ولا تخرج ماءَ نفسها (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ* أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)، (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ)، (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ)، أنت أنت أنت يارب! وأهل الخيال يظنون غيرك، وأهل الوهم يظنون سواك!!
واهدِ جمعنا إلى حضائر اليقين يارب، يخرجون من ظلمات الوهم إلى نور العلم والفهم، آمين يا الله، آمين يا الله، حتى يلحقوا بالركب المبارك زمرة أهل الجنة يوم القيامة، زمرة الذين اتقوا (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)، ألحِقنا بهم يارب، ألحِقنا بهم يارب.
ولذا تجدون معاني ما سار عليه القوم، سمعتم بعض أخبار الحبيب محمد الهدار أعلى الله درجاته وجمعنا به في أعلى جناته، والشيوخ الذين رأيناهم، كان يُطالَع جمال النبوة فيهم، وجمال القرآن، وجمال الهدي الشريف، جمال الرحمة، الرحمة الربانية، وإذا أدركتم من أسرار معاني ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، علمتم أن هؤلاء القوم في ما يقولونه ويفعلونه، ويحاولونه، وينوونه وانطوت عليه ضمائرهم خالص الرحمة للبرية لأجل الرحمن الرحيم من الرحمن الرحيم جل جلاله وتعالى في علاه.
ولذا تجدهم يقولون لبعضهم البعض، يا فلان، الصالح والولي عندهم من يتسبب لمن آذاه حتى يتحول حاله ويعفو الله عنه فيدخل الجنة، ليس الذي يتسبب في إدخال من آذاه النار، هم يقولون هكذا بينهم البين، وإن كان للجبار جل جلاله غَيرة على عباده الصالحين، ولكن شُغلهم وهمُّهم وجهدُهم رحمة عباد الله تعالى، وإخراجُ الناس من النار إلى الجنة، من الغفلة إلى الذكر، من البُعد إلى القرب بما استطاعوا وما قدروا، لذا لما ظهرت بعض الفرق الذين أساؤوا الأدب، رأى الإمام حسن بن صالح البحر الحبيب الأعظم، وذكر ذي الفرقة، وقال ( نعم، ولكن لو سُمح لي وأُذن في الشفاعة فيهم لشفعت فيهم)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا الشأن الأفخر الأعظم ورثَه أولئك القوم من أجل تدركوا أن مسارَهم في الحياة بعيد عن هذه الصراعات، بعيد عن هذه التوجهات، وإرادات التغالب على الفانيات التي تَعمى من شأنها القلوب، فهم لذلك في أذواق القرب من الخلّاق جل جلاله، نسأل الله أن يذيقَنا وإياكم نصيباً منها، والذين جاؤوا من بعيد، والذين يترددون على هذا المحفل في كل أسبوع، تحت صباب العطاء الرباني والفيض الإمتناني، ما عُقد المجلس لا باجتهادي ولا بفكري ولا بعقلي ولا بجسدي ولا بشيء منسوب إليّ، أنا مثلكم ضيف في الحضرة، جالس مُستكين بين يديِ المعطي، وبين يدي أسرار عطائه في الأبواب التي فتحها جل جلاله وتعالى في علاه.
فلابد أن ننال إن شاء الله نصيبَنا مِن عطاء ربنا، يارب أنت الذي تقرِّب وأنت الذي تُبعد، وأنت الذي تُشقي وأنت الذي تُسعد، وما خرج في المملكة عن أمرك شيء، ولا خرج عن قهرِك أحد، فالكل تحت قهرِك وأمرك لا إله إلا أنت، ولكن كما سمعتم في كلام الشيخ نصر، الأولياء والعارفين قهر قلوبهم على العكوف على حضرته، يا سلام، يردهم إلى فين؟ والآخرين قهرهم على الإعراض عنه واستبدال الخسائس، استبدلوا بالعظيم الأعلى الخسائس التي لا تفيدهم شيء..
على ذا مننتَ وهذا خذلت ** وهذا أعنتَ وذا لم تُعِن
خلقتَ العباد على ما أردت** ففي العلم يجري الفتى والمُسِن
فما شئت كان وإن لم أشاء ** وما شئتُ إن لم تشاء لم يكُن
ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وقد شاء أن يجمعنا على معنى من المحبة في زمرة من أمة محمد في تلقيات، في توجهات في محبة لله وفي الله ومن أجل الله، عقد لواءَها محمد بن عبد الله، نحن نعرف أنفسنا قبل مجيء هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) كم عدد القبائل الحاضرة عندنا؟ كم عدد الجهات اللي جاء منها الناس في هذا المحضر وحده؟ من جمعهم؟ وما الحبل الذي ربطهم؟ دعوة محمد، فضل الواحد الأحد.
كم الناس مشغولين ببلايا وفيهم الذين انتهكوا الحرمات، وخرجوا على الأدب، وظنّوا أن تغيرات الظروف فرصة لتفكيرهم ما يكسبون من مرادات وشهوات نفوسهم، جهلاً وظلمة غطَّت على قلوبهم، والله يهديهم، والله يردهم إليه مرد جميل، يا رب هؤلاء الذين أساؤوا أظلمت قلوبهم، فاختاروا لأنفسهم السيء فتداركهم يارب وردَّهم إليك مرداً جميلاً، ومع هذا كله، فعقدُ مثل هذه المجالس في الزمان ووسط الظروف، نداء من الحي القيوم يقول إن في مملكتي تصرفاً من وراء العقول أرعى به أهل الصدق معي، وأقيم به دولة محمد في كل زمن على الوجه الذي أرضاه ويرضاه حبيبي، وإن قال من قال، وظن من ظن، وتوهم من توهم، ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).
ومن عظيم نصر الله للنبي وللهدى أن كثيراً من فئات تخطيط من الكفر والفساق، يخططون لأمر فيظنون أنهم انتصروا، في وقت من وراء عقولهم يلوي اللهُ الأمور ويظهر غيرَ ما أمّلوا، فيظنون أنهم انتصروا في وقت هزيمتهم، هذه عجائب من عجائب النصر (وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) تعرف معنى عزيز؟ حتى مداركه عزيزة، فلو انفتح لك باب في إدراك هذا لوجدتَ معاني نصرِ الله حتى في هذه السواري القائمة، لمحمد، نصر الله في الجمع، نصر الله في الكلام الذي يدور، نصر الله في الشرق والغرب لمحمد قائم ( وَيَنصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا) لكن عزيز، عزيز، هذا النصر ويتطاول من يتطاول ويتكلم من يتكلم، وينتهي كلامهم كله، ويبقى مرفوع الذكر لأن الباقي الدائم قال له (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)
والذين ما أصابهم نصيب من مثل هذه الرحمات النازلة هنا سيعضون أصابعهم يوم القيامة، ونحن ينبغي نبكي لهم قبل ما يبكون على أنفسهم، قبل ما يبكون على أنفسهم في ذاك اليوم، ويتمنى أحدهم لو أن لحظةً مثل لحظات مثل هذا المجلس أدركها في حياته لنجا هناك ولحق ودخل في الدائرة، ولكنه أعرض وتولى وصدّق أوهامه وخيالاته، ومن يخطّط له مثله من المحجوبين أهل الظلمة، فاغترّ بذلك فمات على شرّ حال، فما له إلا عض الأصابع ومن يغني عنه من الله شيئاً.
لا تحرمنا ولا تجعل فينا محروماً يارب، (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ* يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) هؤلاء الذين أبَوا أن يدخلوا في الركب المبارك المنور، دُعوا إليه، اغتروا قالوا لنا مصالح.. يا جماعة، إن كانت المصالح حقيرة وصغيرة وتنتهي ينبغي أن لا تخلِّفكم ولا تؤخركم،( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)، قال تعالى لنبيه خلص هذا الصنف حقت عليهم الكلمة مني وأنت ما عليك، بلّغت.. أعرِض، (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ)، حصرهم الله في ذلك..
ولكن من أُكرم بشيء من هذا النور سوف يعيش على ظهر الأرض المدة التي قدّرها الله له، يأكل ويشرب وينام ويدخل ويأخذ من رزق الأرض كما يأخذ ذاك المقطوع والمحجوب والكافر إلا أن الفرق كبير، هذا نظره ممتد إلى فوق، إلى الواحد الأحد وإلى غد، وإلى مرافقة محمد، وهذا محجوب عن ذلك كله، وهذا يعمل بشرع الله ويطلب الحلال ويتوقى ما حرّم الله، وذاك لا يبالي من أي باب دخل عليه المال وجاءه الرزق، فهذه الفروق في الدنيا، فإذا جاؤوا في الآخرة كان ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، والفرق كبير (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ)
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) وربط المؤمنين بالرسل الحمد لله على هذه النعمة، من شان لا تقول وين الرسل مني، وينني من الرسل، قال الله اصدق معي في الإيمان بي وسأربطك بهم، حتى تعيش معهم بروحك ومعناك وتُحشر معهم في القيامة، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)، بس احذر أن تظن أن معنى هذا النصر، إنه ما أحد يؤذيك وما أحد يتكلم عليك، ما رضي الله هذا لأنبيائه ما هو هكذا النصر، اعقل اعقل اعقل، معنى النصر يهيؤك لكرامة لا غاية لها، يخرجك من الدنيا بربحٍ أبدي، يصرف عنك مصائب ما خطرت لك على بال، يرعاك بعين عناية منه خرجت عن إدراك الملائكة فضلاً عن من سواهم.
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) إن تريد تعرف أين تستجلي هذا النصر؟ فمن مجلسك هذا إذا رأيته ينصرك على هوى نفسك، ينصرك على شهواتك فاعلم أنه مدَّ لك حبل نصره، إذا أنت من أجله تقهر هواك، من أجله تقهر نفسك، من أجله ما تترك ما أرادت الخبيثة الأمّارة بالسوء، من أجله تترك مشتهيات كثيرة للنفوس، هذا امتداد حبل النصر، أبشر، امشِ وأبشر، فهذه مظاهر النصر، والنصر مستمر في الحياة الدنيا ويوم الأشهاد.
يارب اجعلنا منهم، واجعلنا فيهم، واقبل جميع الحاضرين، وانظر إلينا نظرة من عندك، واجعلهم من الركب الذين تُصلحهم وتصلح بهم، اجعلهم من الركب الذين يكون سبباً في خير الأمة ونفع الأمة والبركة على الأمة، يا الله، جعلتَ عبادك فريقين، بعضهم مفتاح للخير مغلاق للشر وبعضهم مغلاق للخير مفتاح للشر، فاجعلنا من مفاتيح الخير مغاليق الشر، كل واحد منا اجعله كذلك يا كريم يا بر، في ما بطن وفي ما ظهر، ونفوسهم أعنهم عليها، وانصرهم عليها..
ربي، من يزكي النفوس سواك؟ إلهي.. بعثت محمد بتزكية النفوس فنرمي بنفوسنا على مَن حتى تتزكى؟ فينا من جاوز العشرين، فينا من جاوز الثلاثين، فينا من جاوز الأربعين، فينا من جاوز الخمسين، وفوق ذلك.. فمتى ندرك حقيقة زكاة النفس إن لم تزكّها يا قدّوس، آتِ نفوسنا تقواها، وزكّها أنت خيرُ من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها..
ببركة نبيك عُقدت مجالس، حضرها الحاضر فخرج مزكَّى النفس، حضرها الحاضر وهو من أهل حظيرة القدس، حضرها الحاضر فخرج وهو منقَّى عن العيب، حضر الحاضر فخرج وهو مصفَّى القلب والجَيب، يارب، ونحن في التعرُّض لعطائك هذا ولنفحاتك هذه، ولتحنُّنك هذا، ولإسدائك هذا، ولتفضُّلك هذا، فيا قدير ويا بصير ويا سميع، روِّحنا برَوْح الرضى وابسط لنا بساط التنقية والتزكية، آت نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها..
يارب العرش بحبيبك نقسم عليك، أن لا ينصرف أحدٌ من المجمع ولا ممن يسمع، إلا وهو أزكى مما دخل، وأزكى مما كان، وأطهر يارب، وأنور يارب، وأصفى يارب، وأحسَن يارب، وأكرم يارب، يا الله، ألحُّوا عليه وقولوا يا الله، يسمعكم يسمعكم، يسمعكم ويراكم، ويتفضّل عليكم، ويجود، ويكرم، ويمنح، ويعطي، وينفح، ويتجلى، ويُملي، ويحسن، وينعم، هو الله، يا الله، نعم قل يا الله، بكليّتك ارتمِ عليه، هو الذي يزكيك، هو الذي يرقيك، هو الذي ينقّيك، هو الذي يجتبيك، هو الذي يقرِّبك، هو الذي يغفر ذنوبك، ويبدل سيئاتك حسنات، هو الذي يكرمك، هو الذي يفيض فضلَه عليك، هو الله، هو الله، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
اقبلنا يارب أجمعين، يا الله، نعم قل يا الله، ربما قلتها في مثل ذا المجمع، فبمن معك من الملائكة والأرواح بلغ صداها العرشَ في أقل من لمحةِ بصر، قل يا الله..
قل يا الله، واسم ربنا ( الله ) منقوش على العرش، وبجانبه اسم محمد، يا الله بمحمد، يا الله بمحمد، يا الله بمحمد، حقق لنا الأمل والمقصد، زِدنا من نوالك ما أنت أهله، نوِّر هذه القلوب، صفِّ هذه القلوب، اسقنا من أحلى مشروب، تُب علينا لنتوب، يا الله.. يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.
03 جمادى الآخر 1435