لمن العزة؟ ومَن أحق بالأستاذية في البشر وتولِّي إرشادهم وهدايتهم؟

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 1 جمادى الأولى 1444هـ بعنوان:

لمن العزة؟ ومَن أحق بالأستاذية في البشر وتولِّي إرشادهم وهدايتهم؟

نص المحاضرة:

الحمد لله الحيِّ القيوم ملكِ الملوك الذي بيدِه الأمرُ كلُّه، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يُحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلِّ شيءٍ قدير، أرسل إلينا عبدَه البشيرَ النذير والسراجَ المنير، المصطفى المجتبى محمدَ بن عبدالله، بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهرَه على الدين كلِّه ولو كره المشركون، وجعلنا به خيرَ أمَّة، فصلِّ يا ربَّنا على المصطفى المختار، نورِ الأنوار وسرِّ الأسرار سيِّدنا محمد، وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ومَن والاهم فيك وعلى منهجِهم سار، بخيرِ مسار وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، معادن الصدقِ والحقِّ والأسرارِ والأنوار، وعلى آلهم وصحبِهم وتابعيهم والملائكةِ المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثبِّت قلوبَنا على ما تحب، واجعلنا فيمَن تحب، برحمتِك يا أرحم الراحمين، حقٌّ على من أُكرِم بسماع كلامِ الله، فآمنَ وصدَّق المصطفى محمد بن عبدالله، أن يقومَ في هذا المجال والمضمار لمَن يعيش معهم في هذا العالم، مدةَ عمرِه بدعوتِهم ودلالتِهم وإرشادِهم إلى ما أنزل اللهُ وبعث به مصطفاه، ولا يجوز أن يقاومَ هذا أو أن يقابلَه، أو أن يحلَّ محلَّه، توجيهاتٌ مستوحاةٌ مِن وحيِ نفوسٍ مقطوعة، وعقولٍ ناقصة غير منوَّرة، يدَّعون بها الأستاذية، ويدَّعون بها الإمامة والتقدَّمَ على الناس. ليَدعُوا الناسَ إلى شيءٍ مِن أفكارِهم تلك، التي تأتي مِن هنا ومِن هناك، بأي معنى من المعاني، أمام هذه الحقيقة لا يختلط ولا يلتبس على بالِ أحدٍ أن مُتَعَ الحياةِ الدنيا الممنوحة لمَن برَّ ومَن فجر، ومَن آمنَ ومَن كفر، بحسب ما رتَّبَ الحقَّ وقدَّر. ولولا عمومُ الفتنةِ لم يجعل مظاهرَ الدنيا هذه الكبيرة إلا مع الكفار وحدَهم، لهَوانِها عليه، ولكنَّه سبحانه وتعالى لرحمتِه جعل عندَ البَرِّ وعندَ الفاجر حتى لا يغترَّ المغتر، كما اغترَّ كثيرون، في أوقاتٍ، وفي سنواتٍ، وفي مُدَدٍ وفتراتٍ تمرُّ بالناس، يصدِّقون فيها مِن الوَهم والظنِّ ما يخالفُ الواقعَ والحقيقة، وينقشع عنهم هذا بنورٍ يُشرِقُه اللهُ تعالى، ويجدِّدُ به الإيمانَ في القلوب، وتجيء فترة أخرى كذلك ويصدِّقون الأوهامَ والظنونَ الباطلة الكاذبة، في حقيقةِ ما قالَ مَن يعلمُ ما يسرُّون وما يعلنون، (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)، وبهذا الخَرص والظنِّ أقاموا نظرياتٍ، وسمُّوها في فترةٍ من الفترات نظرات علميَّة، سمُّوها هكذا، وهي نظرات وهميَّة، ظلمانيَّة، ويغترُّ مَن يغترُّ بها، ومضى فيها، وما كانت حقيقتها إلا مثل (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

فالحقُّ على ظهرِ هذه الأرض أن يُنشرَ ويُبلَّغ ويُذاع خبرُ اللهِ وشريعتُه ودينُه وما بَعثَ به مصطفاه ﷺ، وأتباعه هم أهلُ الأستاذية بحقٍّ في الأرض، هم أهلُ الإمامة والتَّقدِمة بحقٍّ على ظهرِ الأرض، هم الذين يستحقون ذلك، هم ورثةُ مَن قال ربُّكم عنهم: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) فلَهم هذه التَّقدِمةُ والكرامةُ، في الدنيا والبرزخ والقيامة، وكلٌّ منهم يقدُم قومَه، كما يقدُمُ أئمةُ الضلالِ والوهمِ والخيالِ أقوامَهم، قال اللهُ في فرعون، بعد ما كذَّبَ وتبعَه مَن تبعَه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ). ولكن اتُّبِع، وغير الرُّشد وغير الهُدى كم يُتَّبَع؟ والعياذ بالله تبارك وتعالى، في هذه الدعوات التي تَهدي إلى النار، تحت رايةِ مَن قال اللهُ عنهم في كتابه، مُبيِّنًا هذه الحقيقة لكلِّ مَن يعقل، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) هذا البيان بعد خطابِه لي ولك، وبيانِه للناس، رب الناس جل جلاله وله الحمد، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) خلُّوا الخيالات، خلُّوا الضلالات، وخلُّوا التصديق بالأوهام الباطلات، ( إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، دعاةُ الكذب، دعاةُ القتالِ بغيرِ حق، دعاةُ أخذِ أموال الناس، دعاةُ التبرُّج والسفورِ للنساء، دعاةُ اختلاطِ النساءِ بالرجال، دعاةُ أكلِ الربا، كلُّهم مِن حزبِه ويدعونَ ليكونَ أتباعُهم مِن أصحابِ السعير، النار الموقَدة التي تطَّلع على الأفئدة، (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، والعاقبة والنهاية والحكم على الكل كيف يكون؟ (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، ولماذا الكثرةُ الكاثرة في الضلال وفي الكفر؟ (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء)، اللهم اهدِنا فيمَن هديت.

 يا رب .. قلوب الحاضرين والسامعين ومَن معهم مِن المؤمنين، مننتَ عليها بالهداية إلى أن لا إله إلا أنت وحدكَ لا شريكَ لك وأنَّ محمدًا عبدُك ورسولُك، فثبِّتها على ذلك وقوِّمها وقوِّها، ووسِّع لها الآفاقَ وأعِنها على القيامِ بحقِّ هذا لأدائه لبقيَّة المكلَّفين على ظهر الأرض، يارب فهم الذين يجبُ أن يكونوا مكانَ الدَّلالة، ومكان الإرشاد، ومكان الهداية، ومكانَ التبيين عن الحق سبحانه وتعالى، وعن رسولِه الأصدق ﷺ، يقول سبحانه وتعالى (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، فمُحاسِبُهم عليه، كلُّ كذب وكلُّ خيانة وكلُّ دجل وكلُّ تلبيس وكلُّ تدليس، لا يحسب أصحابُه أنه إن مرَّ على فئاتٍ مِن الناس، وظفروا به بشيءٍ مِن المتاعِ الحقير، أنهم فازوا وسعدُوا!! وراءَهم محاسب، وراءَهم مُراقب، وراءَهم مؤاخذٌ لهم بما فعلوا، وبما كان؛ مَن هو المتصرف بهذا الكَون، (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) لماذا يستغربُ هؤلاء؟ بماذا يكذِّبون؟ الدلائل أمامَ أعينهم، قال لهم الأنبياء الذين أرسلناهم مِن عندنا، أنهم مبعوثون وراجعون إلينا.. فاستغرَبوا؟ واستنكروا.. لماذا؟ هذه الرياح مَن يرسلها؟ وهل يستطيعون إيقافَها إذا أُرسِلَت؟ لا إله إلا الله، وكم هم بها قديمًا وحديثًا مهَّددون في كثيرٍ مِن أحوالهم وشؤونِهم، وإذا هبَّت بطلَت قُواهم، وبطلت قدراتُهم وما عندَهم، وقد هبَّ عليهم ما هبَّ، وسيهبُّ عليهم ما يهبّ، مِن قوةِ هذه الريح التي أهلك اللهُ بها قومَ عاد، (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)، ما كفاكم مثَل؟ وعاد بعد عاد؟ وعشرات ومئات من الأعداد، وأنتم مُصرُّون على نفسِ الذي أصرُّوا عليه؟ ومستكبرون نفسَ الاستكبار الذي استكبروه؟ ومغترون نفسَ الاغتِرار الذي اغترَّوا به؟ فلا تنتظروا نفسَ مصيرِهم الذي صاروا إليه، مصيرُكم مثلُ مصيرِهم، (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا) جل جلاله وتعالى في علاه.

(فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، هل ترَون؟ أرض ميتة وأحييناها بالزرع ثاني مرة.. لماذا؟ لأنه صاحب القدرة، ما يصعب عليه أن يحيي الميّت، لا مِن الأرض ولا مِن الأجسام ولا مِن الناس، ولا مِن الدواب، خلقَهم ويعيدُهم ويُحييهم ويميتهم كما شاء، والدلائل أما العيون، فلماذا الإنكار؟ ولماذا الاستنكار؟ ولماذا الاستكبار؟ لماذا الإلحاد؟ ولماذا الجحود؟ ولماذا التكذيب؟ يقول سبحانه وتعالى (كَذَلِكَ النُّشُورُ * مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) يا ربِّ أعزَّنا بالإيمانِ بك، أعزَّنا بطاعتِك، أعزَّنا بالتذلُّل لك بين يديك، أعزَّنا بالصدقِ معك، أعزَّنا بالإخلاصِ لوجهِك يا الله، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).

 (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ)، يا كلَّ عاقلٍ مِن إنسٍ وجنٍّ على ظهر الأرض، يعيشون معنا أو يصلُهم هذا النِّداءُ مِن بعدنا، (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ)، فوالله لن تحصِّلوها في حضاراتِهم، ولا في ألاعيبهم، ولا في أسلحتِهم، ولا في دُولهم، (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) فاطلبوا لكم مكانًا عند الإله الذي خلقَكم يُعزُّكم والعزُّة له وحدَه، ومَن لم يُعِزّه فهو المُهان، (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)، أما هذه التصفيقات، أما هذه الهيشات، أما هذه الحركات على ظهر الأرض، في الحياة القصيرة فليست بشيء وهم فردًا فردًا سيُذلُّون ويُهانُون، ويخسَرون، ويبكونَ الدموعَ وبعدها الدماء، (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ)، ما هو كرامة صلَّح مليونيّة أو صفَّقوا له في محفل، ما هي هذه الكرامة! وماذا منتظرك ؟ وماذا وراءك؟ وما هو مقبلٌ عليك ؟ (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ)، وإن قالوا وإن مدحُوا وإن صفّقوا، ولكن إذا أعزَّك الله فأنت العزيز، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) تكلَّم بالكلامِ الطيب، واتركِ البطّال، والفارغ، والكذب، واترك هذا الدجل الذي يتكلم به أكثرُ ألسنةِ أهلِ الأرض، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ هذا، ما كان في مثلِ هذه الليلةِ في هذا المقام ولا في هذا المكان ولا في وجهةٍ إلى الرحمن، ولا في ذكرٍ لسيدِ الأكوان ولا في طلبٍ لصلاحِ قلبِه، هذه العزة التي أعزَّه الله بها، ولا كان في مثلِ هذه الساعة، يتابع كأسَ العالم وإلا في شيء مِن الألعاب والمسخَرة، لكن الله أعزه، الله مشَّاه في هذا السبيل، الله يتمُّ النِّعمة عليه ولا يزال يرقَى مراقِي القربِ منه تعالى والفَهم عنه جل جلاله حتى يؤدِّي مهمَّتَه، في أمريكا وغير أمريكا، في الأرض محتاجون إلى هذا المنهاج والسبيل والدين والشرع الحنيف والمنهج الرباني والسنة المحمدية الأحمدية، واللهِ، كلهم محتاجون إليه، لا أقول محتاجون، بل مضطرُّون، إن شعُروا وإن لم يشعروا.

(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ )، اللهم ثبِّتنا عليه، وزِدنا منه، واجعلنا مِن خواصِّ أهلِه يارب.

فيا مَن أُكرِمت قلوبُهم بنورِ لا إله إلا الله، اعلموا ما أعزَّكم اللهُ به مِن هذا الدين، فلا تضيِّعوه، ولا تذلُّوا أنفسَكم وتُهِينوها لعدوِّكم مِن إبليس وجندِه مِن شياطينِ الإنسِ والجن، لا تجعلوا لهم مكانةً ليسوا فيها، ولا تفتحوا لهم أبواباً عزيزةً عليهم مِن قلوبكم، افتحُوها لمولاكم ومُعزِّكم ومَن ائتمنَه على هدايتِكم، وصلاحِكم ونجاحِكم، عبده الذي لا ينطقُ عن الهوى، محمد ﷺ، وما دلَّكم عليه النبيُّ محمدٌ مِن كتابِ الله وسُنَّتِه ﷺ وصحابته وآلِ بيتِه الأطهار، وأخيار أمته هو الذي دلَّنا عليهم، وهو الذي أمرَنا باتِّباعهم، وقال لنا (اللهم ارحم خلفائي، قالوا: مَن خلفاؤك؟ قال: قومٌ يأتونَ مِن بعدي، يروُون أحاديثي ويعلِّمونَها عبادَ الله)، قال (يحملُ هذا العلمَ مِن كلِّ خَلفٍ عُدولُه، ينفُون عنه تحريفَ الغَالِين وانتحالِ المُبطلِين وتأويلِ الجاهلين)، ففي أي وقتٍ رأيت التأويلات للجاهلين، والانتحالاتِ للمُبطلين، والتحريف للغَالِين فاطلب هؤلاء القوم، فإنه أرشدَك إليهم، دلَّك هو عليهم، قال لك اذهب وراء هؤلاء، تركَنا على محجَّةٍ بيضاء، ما جعلَك في حيرةٍ في أيِّ وقتٍ في أيِّ ظرف، في وسطِ إرشادِه دلالة واضحة، يقول لك هنا امشِ، هذا الحق، وهذا الهدى، وأيَّده الله حتى في وقت، مقبل على الناس قريب، تختلط فيه الأمورُ اختلاطاً غريبًا، ويتحيَّر مَن يتحيَّر فيؤيِّده اللهُ بما قد كان قال هو وأخبر، ومنادِي مِن السماء يقول "الحقّ في آلِ محمد"، يسمعونَه الناسُ صوتاً مِن فوق، مؤيَّد به ﷺ، وما يكون إلا علامة على صدقِه، وعلامة على أحقّيَّته فيما بُعِث به ﷺ.

وهكذا، مِن نعمةِ الله عليكم أن هداكُم للإيمانِ والإسلام، أن تقوموا بحقِّ شكرِ هذه النعمة، بالاعتزاز بربِّكم ونشرِ هذا الخيرِ في البريَّة، فهم مضطرُّون إليه، مضطرُّون إلى أوامرِ الله ونواهِيه، ليمتثلوا الأوامرَ ويجتَنبوا النَّواهي فهو خيرٌ لهم، وهو خيرٌ لهم.

يا مَن جهلتُم العبثَ والسقاطةَ في الرفث والخباثة، وقمتم تدافعون عن مخالفةِ الفطرة، بما سمَّيتموه مثليِّين، في هذا شذوذ، وادَّعيتم أنه حريَّة، باللهِ عليكم ما بقي عندكم مِن عقول، أتعقلون أنَّ هذه الحريات غير صالحة في مخالفة قانونٍ تَسنُّه حكومتُكم أو في شركةٍ مِن شركاتكم؟ أو في مؤسسةٍ مِن مؤسساتكم كلِّها؟ لا توجد حرية، هنا قانون.. امتثل، ثم أوامر مِن عند الرب فوق تقولون حريَّة نحن نخالفها؟ وقوانينكم ألا توجد حرية فيها، ما هي الحرية التي تدعوننا إليها؟ حريَّتُكم محاربةُ الجبار؟ الحريةُ عندكم تركُ الحقِّ الواضح البيِّن؟ الحرية عندكم هُوِيُّ الإنسانِ إلى أخسِّ مِن الحيوان؟ هذه الحريّةُ عندكم؟ ثم لابدَّ أن يُحترَمَ نظامُكم وقانونُكم ودستوركُم؟ أتريدون أن تنفُوا الألوهيةَ عن الله وتثبتوا أنفسَكم آلهة؟ والله ما أنتم آلهة. وأنتم بشر مِن أحقر البشر، ومِن أبعدِ البشر عن ربِّ البشر، ومعرَّضِين لسقَر، مِن أين تدَّعون الألوهية على عبادِ الله يا فراعنة؟ هو فرعون واحد في زمان واحد!؟ كم من فراعنة في كلِّ زمان، ويقولون لكم أنا ربُّكم الأعلى، كذبوا! ما ربُّنا الأعلى إلا الله الذي خلقَ كلَّ شيء، جل جلاله وبيدِه ملكوتُ كلِّ شيء وما مِن إلهٍ غيره، سبحانه وتعالى، وهذه معنى الحرية عندهم معنى باطل، معنى زائف، لا معنى له ولا حقيقةَ له، قدَّسوا أنظمتَهم وأرادوا إبطالَ عظمة الألوهيَّة، فعليهم الذلةُ والهوانُ، وعليهم الحقارةُ ولن يكسبوا مِن وراء هذه التوجهاتِ إلا أمراض وعلل ومصائب في الدنيا وحروب وكروب وعذاب في الآخرة، يا ويل مَن لم يتب منهم، يا ويل مَن لم يتدارك قبلَ موتِه ليؤوبَ إلى ربِّه، قبلَ خروجِ روحِه مِن هذا الجسد، ماذا عندهم؟ عندهم النار، عندهم غضبُ الجبار، ماذا عندهم!؟

الخير عند النبي محمد ﷺ، وما جاء به عن الواحد الأحد، فاجعلنا اللهمَّ مِن أتباعه حقيقة، في أقومِ طريقة، حتى تسقيَنا مِن كأسِه، ونشرب رحيقَه، ويصبح الكلُّ منا في الآخرة رفيقَه، (وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا)، معهم يا رب، ولا تخلِّفنا عنهم، اللهم يا مُنزِل القرآن، ومرسل المصطفى مِن عدنان، بالهدى والبيان، لا تدع أحدًا في مجمعِنا ولا فيمن يسمعُنا إلا مثبوتًا عندك في أهلِ الصدق والإيقان، وفي مَن كتبتَ لهم مرافقةَ سيِّدِ الأكوان، والورودَ على حوضِه المورود، والاستظلالِ بظلِّ لوائه المعقود، والدخول معه إلى جناتِ الخلود يا برُّ يا ودود، نسألك الأمنَ يومَ الوعيد، والجنةَ يوم الخلود، مع المقرَّبين الشهود، والرُّكَّعِ السجود، الموفين لك بالعهود، إنك رحيمٌ ودود، وأنت تفعل ما تريد. سبحانَ مَن تعطَّفَ بالعزِّ وقال به، سبحان مَن لبس المجدَ وتكرَّم به، سبحانَ مَن لا ينبغي التسبيحُ إلا له، لا تنتظروا منا يا كفار ويا فجار أن نسبِّحَكم على شيء، وما ينبغي التسبيحُ إلا له، سنعيش مسبِّحين له ونموت مسبِّحين له، لا لغيرِه. سبحانَ مَن لا ينبغي التسبيحُ إلا له، سبحان ذي الفضل والنِّعم، لسنا منتظرين أرزاقَنا مِن عندكم، ولا نحن منتظرين رغدَ عيشِنا مِن عندكم، ولا نحن منتظرين شرابَنا وطعامَنا مِن عندِكم، سيرزقُنا وإن أبيتُم. سبحان ذي الفضلِ والنِّعم، سبحان ذي القدرةِ والكرم، سبحان ذي الجلال والإكرام، سبحانَ الذي أحصى كلَّ شيء بعلمِه، وعندما نقرأ كلام نبيِّنا هذا، نحتقر الاستخبارات والمخابرات حقكم والأجهزة و و و ، سبحان الذي أحصى كلَّ شيء بعلمه، (فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)، وعليه اعتمدنا، وإليه استَندنا، وعليه توكَّلنا، هو حسبُنا ونعمَ الوكيل.

اجعل أهلَ الجمع ومَن يسمع في جندِك الذين ترتَضيهم، مِن أهل الوفاءِ بعهدِك الذين تصطفيهم، في زمرةِ حبيبك يومَ تحشرُهم يا الله، لا يقطعنا عن ذلك شيء، ولا يعيقنا عن ذلك شيء، أبعِد عنا شرَّ الغيّ والطغيان واللّيّ، واجعل هوانا تبعًا لما جاء به حبيبُك المختار مِن قُصيّ، يا الله، اجعلها ساعةَ إجابة، والدعوات مستجابة، ونشرًا للهدى في البريَّة، ودفعًا لكل أذيَّة وبلية، يا الله، يا الله، ألِحُّوا على الله، وتوجَّهوا إلى الله، وتذلَّلوا بين يدي الله، ليعزَّكم (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)، ويجعل حبيبَه لكم شفيعا.

 اللهم اقبلنا في جمعِنا، وانظر إلينا بما أنت أهلُه في جميعِ شأننا، ولا تَكِلنا إلى أنفسِنا ولا إلى أحدٍ مِن خلقِك طرفةَ عين، يا الله، فرجَك العاجل، لطفَكَ الشامل، غيثَك الهاطل، جودَك الواسع، منَّك المتتابع، يا الله، يا الله، تذلَّلوا بين يديه، واسألوه واطلبوه وادعوه وقولوا بالصدق يا الله، يا الله، قلها لعلَّه يسعدُك بها، قل له يا الله، وأنت متوجِّه إليه، يا الله، قُلها وأنت مقبلٌ عليه، يا الله، يا الله، يا الله، يا غوثاه يا رباه يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين يا الله، وزِدنا مِن فضلك ما أنت أهلُه، وأصلِح لنا ولهم الشأنَ كلَّه برحمتِك. والحمد لله رب العالمين.

 

العربية