(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 7 رجب الأصب 1445هـ، بعنوان:
كنز لا إله إلا الله وواجب أهلها وحاجة جميع المكلفين إليها
الحمد لله الحي القيوم الدائم، الواسع الجود، العظيم القُدرة، العالم الذي أحاط علمه بكل شيء، وبحَقٍّ خاطبنا، وجميع الخلائق من أهل السماوات والأرضين: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. ثم أنبأنا أنه يتفضل -سبحانه وتعالى- على مَن سبقت له السعادة فيؤتيه شيئا من العلم: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ولَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
فهو المُتصرِّف فيهما، وفيما فيهما، وفيما بينهما، الذي قدَّر ورتَّبَ لِكل شيء من ذلك، بل لكل ذرة من ذلك؛ عمرًا، ووقتًا، وحالا، وشأنا، لا تتجاوزه ولا تتخطاه، ولا تخرج عنه قط، حتى يأتي الوقت الذي يأذن فيه أن تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات ويبرز الجميع لله الواحد القهار -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
فما عسى أن يُقَدِّم أو يؤخِّر أو يرفع أو يخفض أو ينفع أو يضرّ غيره؟ غيره -سبحانه وتعالى- ولكن اختبر العباد وامتحنهم؛ وفتح لهم أبواب المِنَّة بإرسال الرسل وإنزال الكتب. وقد جعل القرآن مهيمنا على جميع الكتب، وختم النبوة بمن أنزل عليه القرآن، سيد المرسلين.. صلوات ربي وسلامه عليه..
وفتح لنا كنز "لا إله إلا الله" على يد النبي محمد بن عبد الله، وبلسان النبي محمد بن عبد الله، وبعِلم النبي محمد بن عبد الله، خصوصًا العلم الذي أوحاه إليه في قوله تعالى في علاه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ}
وكان ذاكم علم واسع، أوسعُ علمٍ وهبه الحق تعالى لأحدٍ من خلقه، حمله قلب النبي ﷺ، وروح النبي ﷺ، وسِرُّ النبي ﷺ وعبَّر عنه لسان النبي سيدنا محمد، ثم قال عمَّن اتصل بهذا العلم: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك لا له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) -جل جلاله وتعالى في علاه-
وتمَّت النعمة علينا معشر الأمة، وعَظُمَت المِنَّة؛ ببعثة هذا المجتبى المصطفى المختار، نور الأنوار وسر الأسرار، وترياق الأغيار، ومفتاح باب اليسار.. صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن على منهاجهم سار. ونسأله أن يجعلنا وإياكم منهم، ونسأله أن يجعلنا وإياكم فيهم، ونسأله أن يلحقنا وإياكم بخيارهم.. آمين
فلقد نُشِرَت لهم راية الرضوان، قال الرحمن: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}
{رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} ، {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} شأن أجلُّ وأكبر من أن يُوصَف، أو يُفَسَّر، أو يُؤوَّل؛ وإنما لمحات من سنيّ معناه؛ تملأ الأرواح سرورا وأُنْسًا وبهجة، ويعيش أصحابها في لذَّة، لا تُقاس عليها لذة المطاعم والمشارب، والمناكح والملابس والمراكب، والسلطات والجاهات.. لا أقول للفرد من بني آدم أو من الجان.. لا والله، بل جميع لذات المأكولات من عهد آدم -لا إلى يومنا- إلى أن تقوم الساعة؛ ومجموع لذّات الملبوسات والمنكوحات والمسكونات والمشروبات.. من أبينا آدم إلى أن تقوم الساعة، لو اجتمعت كلها لواحد؛ لكانت لذة مواصلة الرحمن فوقها، ولذابت عندها ولم تكن ذرة!
وهي من كُنْزِ "لا إله إلا الله" ولكن ما أكثر في القائلين لها مَن لم يعثر على كنزها! ما أكثر في الحاملين لها مَن لم يأخذ جواهرها!
"لا إله إلا الله" كلمة عظيمة هي أعظم الكلمات على الإطلاق! ولن يقول ملك ولا إنسي ولا جنيّ، ولا الكائنات الأخرى بمنطقها الذي يُنطقها الله به؛ لن يقول أحد منهم كلمة أعظم من "لا إله إلا الله"!
نوّرَ اللَّهُ قُلُوبَنَا وَإِيَّاكَمْ بِنُورِهَا، ورزقَنَا الْعُثُورَ عَلَى شَرَفِهَا، وعزٍّها، وخيرها، وسرِّها، وعلومها، ومعارفها، وكنوزها..
والعالم مُحتاجٌ إليها؛ الناطقون بها مُحتاجُون إلى تفهُّم حقائق معانيها، والارتقاء بمراقيها، والوصول إلى كنوزها التي لا ثمن لها، ولا غاية لها، ولا حد لعظمتها. وغير الناطقين بها محتاجون أن يقولوها. وبقولها مرة -إذا قُبِلت- فمات القائل عليها يحصل النجاة من الخلود من النار، ويكون المآل دخول الجنة أبد الآبدين ودهر الداهرين.
فهل رأيتم مثل عظمة هذه الكلمة؟! لو قالها إنسان مرة واحدة في عمره ثم مات عليها -قُبِلَت منه ومات عليها- لكانت موجبة لأن يخلد في الجنة وإن عُذِّب قبل ذلك في النار! لكن لا بد أن يدخل الجنة إذا مات عليها ثم يُخَلّد أبداً سرمداً في دار الكرامة بـ "لا إله إلا الله"!
(مفتاح الجنة) ؛ أفلا تكون مفتاح المعارف؟ أفلا تكون مفتاح القُرب؟ أفلا تكون مفتاح المحبة؟ أفلا تكون مفتاح الرضوان؟ الذي هو غاية ما في الجنة وأكبر من جميع ما في الجنة {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}.
وقد شاءت رحمة الرحمن أن تكونوا من قائليها والناطقين بها! لك الحمد يا رب! وفيكم من وُلِدَ وأهله يقولونها ونشأ عليها من الصغر، وآباؤه وآباء آباؤه وأجداده إلى القرون الأولى، وفيكم مَن أُكرِم بها قريباً، والحمد لله على دخولهم لهذه الحظيرة.
وأم أخينا المتكلم الله يهديها للإسلام، الله يُدخل نور "لا إله إلا الله" في قلبها، ولا تمر الأيام حتى تأتي إلى هذه البلدة شاربة من كأس "لا إله إلا الله"، اللهم أكرم بذلك، اللهم ائذن بذلك، اللهم امنحنا ذلك، اللهم أعطِنا ذلك، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين.
وما من ليلة جمعة -بل وفي كثير من غيرها من المجامع نجتمعها في هذه البلدة- إلا ويترتَّب عليها فتح قلوب غُلْف، من إنس وجن، في الشرق والغرب؛ من كنز "لا إله إلا الله" الذي ضَمَّ هذه المجالس؛ بخصوصية مِن خير مَن قالها، وبخصوصية سيِّد حملَتها، وأعظم الناطقين بها من الخلق على الإطلاق.
يقولها حملة العرش، ويقولها المقربون من الملائكة، وقالها جميع الأنبياء، ويقولها جميع المُوفّقين، وتقولها السماوات والأرض؛ ولكن أعظم مَن قالها في الخلق على الإطلاق، وأعلى مَن اطّلع على سرها -ولا يزال سرها يزداد له إلى أبد الآباد- خير العباد؛ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ولأجله، وعناية الحق به، سَرَد هذا النسب؛ لأن النسب كلهم مرَّت عليهم هذه الكلمة ونُوِّرُوا بنورها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فهو خير من قالها من الخلق، وأكرم من قالها، وأعرف الخلق بمعانيها وأسرارها، وهو مُقَدَّم ركب العارفين بها من النبيين والملائكة المقربين.. صلوات ربي وسلامه عليه
فَيَا من عظَّمتَ "لا إله إلا الله" نسألك بعظمتك وعظمة "لا إله إلا الله" وبأعظم مَن قالها مِن خلقك: أن تُثَبِّتَ نورها في قلوبنا، وأن تَسرِي سراياتها إلى أرواحنا وأسرارنا، وأن ترزقنا ما دُمنا في الدنيا العثور على الحظ الوفير من كنوزها الغالية العالية الباقية ..آمين يا رب، سألناك بأكرم مَن قالها من خلقك أن تفتح لنا كنوزها، وأن تجعلنا ممن يفوز بعزها، واجعل نورها ثابتاً راسخاً سارياً، في كل ذرّة من أجزائنا، وكليّاتنا، وأقوالنا وأفعالنا، وأجسامنا وقلوبنا، وأرواحنا وأسرارِنا، حقّقنا بحقائق "لا إله إلا الله" واجعلنا من خواصّ مَن ينشرها، ومن تعمر القلوب بواسطتهم بها، في شرق الأرض وغربها .. يا الله
وألوفٌ على ظهر الأرض.. بل ملايين، حَلُّ مشكلاتهم وإذهاب أتعابهم وأنكادهم في "لا إله إلا الله" -لو هُدوا إليها- ولكن {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} وقال عن أهل الهداية: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ..} وكان أطيب القول "لا إله إلا الله" {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}
مَن هؤلاء؟ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ..} لماذا؟ أبَوا "لا إله إلا الله"، عاندوا "لا إله إلا الله"، خالفوا "لا إله إلا الله"، رفضوا "لا إله إلا الله {..يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} هذه نتيجة مَن رفض "لا إله إلا الله" ومن رَدَّها وخالفها بعد أن عُرضت عليه {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..} من أهل "لا إله إلا الله" {..جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا..} يعني احمل نور "لا إله إلا الله" واحرس النور "لا إله إلا الله" وانشر نور لا إله إلا الله" {..وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} اجعلنا من الطائفين والقائمين والركع السجود، يا إلهنا المعبود.. يا الله
وفي مثل شهر رجب تتنوَّر قلوب من نور "لا إله إلا الله" بما لم يكن معها قبل ذاكم الشهر، فنسأل الرحمن أن يجعل قلوبنا ممن يتوفَّر حظها من سر "لا إله إلا الله" في هذا الشهر. والاستغفار أثرٌ من آثار تقوية نورها في القلوب، والتوبة أساسٌ من أساسيات انفتاح معناها في القلوب. فلنتب، ولنستغفر، ولنكثر من الاستغفار بأمر المختار في هذا الشهر على الخصوص، وفي الأعمار على العموم (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا)، {وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}
يا مُضيّعين لأسرار "لا إله إلا الله" من قائليها، ويا مَن يأبى نطق بها من غير أهلها: {مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}؟ ما تعرفون هيبة هذا المُكَوِّن، المُوجِد، الفاطر، الخالق، المُنشِئ! الذي من العدم أنشأكم وأنشأ ما حواليكم!
فهو -جَلَّ جلاله- مع كونه أخفى كل شيء؛ لا شيء أظهر من عظمته، ولا شيء أظهر من جلاله! كلامنا دليل عظمته، أسماعنا دليل عظمته، أبصارنا دليل عظمته، وذرَّاتُها، وما فيها من خلايا، كل خلية تشهد بعظمته! كيف تغيب عنك عظمته؟! الجماد والحيوان والنباتات شواهد بعظمته، والسماوات والأرض شواهد بعظمته! مَن أظهر مِن هذا الإله؟ أيُّ شيء أجلى من عظمة هذا الإله؟! لكنه الزيغ، لكنه الزيف، لكنها كدورات الأهواء والشهوات! حالت بين العباد وبين أسرار "لا إله إلا الله"!!
فيَا قائلين لها، ويا مجتمعين في مجامع متصلة بخيار أهلها على مدى القرون، مِن خواص مَن حمَل سِرّها، ومِن خواص مَن قام بأمرها، ومن خواص مَن تحقَّق بحقائقها، من شيوخنا الأكارم الأكابر و شيوخهم ؛ وسلسلة نورانية "لا إله إلا الله" زاهية بأنوار "لا إله إلا الله" إلى خير مَن قالها، إلى أعظم مَن حملها وأدّاها، ودعانا إليها؛ إنه محمد بن عبد الله، الذي وُضع اسمه بجنبها على قوائم عرش الرحمن، وعلى أبواب الجنان "لا إله إلا الله محمد رسول الله"
وضَمَّ الإله اسم النبي إلى اسمه ** إذا قال في الخمس المؤذن أَشْهَدُ
وشَقَّ له مِن اسمه ليُجِلّه ** فذو العَرْشِ محمودٌ وهذا مُحَمَّدُ
صلى الله عليه..
فليس في مملكة الله أعظم من محمد بن عبد الله، ومن حقيقة توحيد الله: أن نعلم أن الأكرم على الإطلاق على الله عبده محمد بن عبد الله؛ وبهذا نتحرَّر، وبهذا نتطهَّر، وبهذا يصعب على إبليس أن يوسوس علينا، ويصعب عليه أن يخدعنا وأن يوصل تلبيساته إلى قلوبنا على أيدي جنوده من أرباب الأفكار المختلفة، والمبادئ، والأساليب والوسائل المختلفة؛ إذا تحقَّقنا بـ "لا إله إلا الله" وأيقنّا أنَّ أعظم مَن قال وأكرم أهل مملكة "لا إله إلا الله" محمد بن عبد الله ؛ بُنِيَت حصون لنا؛ مكرهم يبور أمام هذه الحصون..
فيَا رَبِّ ثبِّتنا..
بحرمة هادينا ومحيي قلوبنا ** ومرشدنا نهج الطريق القويمة
دعانا .. دعانا إلى ربٍّ
والله لو لا دعوته لا ذُكِرت تريم ولا حد درى بها، ولا وصل نورها إلى أمريكا ولا وصل إلى الشرق ولا إلى الغرب، وعاده واصل بقوة إلى أماكن كثيرة؛ لكن بدعوته..
دعانا إلى حق بحَقٍّ مُنَزَّل عليه من الرحمن أفضل دعوة
ولا مثل دعوته دعوة، وعرفناها من طيِّب قول أهل كسائه، وخواص السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وتسلسلت في خيرة التابعين وخيرة تابعي التابعين، إلى أن وصلت إلى الأراكين من أهل التمكين، كالمهاجر أحمد بن عيسى، والفقيه المقدم، ومن قبلهم، ومن بعدهم..
أولئك الأقوام هم مرادي ** ومطلبي من جملة العباد
وحبُّهم قد حل في فؤادي ** أهل المعارف والصفاء والآداب
عليهم رضوان الله تبارك وتعالى..
ورزقنا محبته، والتحقق بها بمحبة من يحبهم وما يحبه تعالى..
يا حي يا قيوم: اكشف لنا سر "لا إله إلا الله" حقِّقنا بحقيقة "لا إله إلا الله" واجعل موتنا على "لا إله إلا الله"، أحيِنا عليها يا حي، وأمتنا عليها يا مميت، وابعثنا عليها يا باعث، وعند غرغرة كل مِنَّا أشرق في قلبه نور "لا إله إلا الله" ومكِّنه من معارفها، وأنطِق بها لسانه؛ حتى تكون آخر كلام من هذه الحياة.
اجعل آخر كلام كل فرد من الحاضرين والسامعين والمشاهدين والمتعلقين من حياته الدنيا "لا إله إلا الله"، مُتحَقِّقاً بحقيقتها..
يا الله .. هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان..
ويا مَن اتصلتم بسند الخواص القائلين لها إلى سيدهم: احموها، واحرسوها، قوموا بحقِّها، انشروها، علّموها، اعملوا على مقتضاها، فكّروا على مقتضاها، اسعوا على مقتضاها، عاملوا بمقتضاها؛ فإن أسعد الناس بشفاعة سيِّد مَن قالها: أخلصهم فيها. قال سيدنا أبو هريرة: رسول الله مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت أن لا يسألني هذا السؤال أحد قبلك لما رأيت من حرصك على العلم، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال "لا إله إلا الله" خالصًا من قلبه. فقلتُ: وما إخلاصها؟ قال: أن تُحجزه عن محارم الله.
تمنع العين عن نظر الحرام، تمنع الأذن عن استماع الحرام، تمنع الفرج عن فعل الحرام، تمنع البطن عن أكل الحرام، تمنع اليد عن أن تمتد للحرام، هؤلاء المخلصون في "لا إله إلا الله" ؛ تنفتح لهم أبوابها، وتشرق عليهم أنوارها، وتنكشف لهم أسرارها، ويعثرون على كنوزها العظيمة الكبيرة.
حقِّقنا بحقائقها يا رب..
كان يقول شيخنا الحبيب عبد القادر بن أحمد عليه رحمة الله: "أسرار أهل الولاية ومراتبهم ومقاماتهم إلى الصديقية الكبرى إلى النبوة كلها منبثقة من "لا إله إلا الله" وكلها من سر "لا إله إلا الله" وكلها قائمة على "لا إله إلا الله".
لمَّا قال سيدنا موسى: يا رب علمني ذكر خُصّني به؟ قال: قل "لا إله إلا الله"، قال: يا ربِّ هذه كل عبادك يقولونها المؤمنين كلهم يقولون "لا إله إلا الله" أريد شيء تخصني به؟ قال: يا موسى قل "لا إله إلا الله" فلو أن السماوات السبع والأرضين السبع وُضِعَت في كفة ووضعت "لا إله إلا الله" في كفة لرجحت بهنّ "لا إله إلا الله".
والكليم من أولى الخلق أن يعلم من أسرارها، وأن يأخذ من كنوزها ما لم يفز به إلا الأقلون، فهو بعد النبي محمد والنبي إبراهيم، كليم الله موسى، أعرف الخلق بعد النبي محمد وإبراهيم بأسرار "لا إله إلا الله".
فيَا رَبِّ.. بخواصِّ قائليها من أنبيائك وملائكتك والصديقين: افتح لنا باباً واسعاً في فهم معانيها، والارتقاء في مراقيها، والتحقُّق بحقائقها، والأخذ من علومها، والاطلاع على معارفها، والثبات عليها، وختم الأعمار بها.
يا الله.. يا الله..
ولقد روى الإمام أحمد في مسنده أن زين الوجود قال لجماعة من أصحابه: أفيكم أجنبي؟ يعني مشركاً أو يهودياً، قالوا: لا. قال: ارفعوا أيديكم وقولوا "لا إله إلا الله"، فقالوها بعده ثلاث مرات، فقال: إنَّ الله قد غفر لكم.
يا رب.. بسيد مَن قالها، وخير من قالها من خلقك أجمعين: ارزقنا حقيقتها، وإننا نقتدي به، ونهتدي بهديه، ونرفع أيدينا ونقول: لا إله إلا الله
لا إله إلا الله
لا إله إلا الله
محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبدا، عدد ما خلق، وملء ما خلق، وعدد ما في الأرض والسماء، وملء ما في الأرض والسماء، وعدد ما أحصى كتابه، وملء ما أحصى كتابه، وعدد كل شيء، وملء كل شيء، اقبل مِنَا يا رب، اقبل مِنَّا يا ربنا، ثبِّتنا، واجعل نورها يملأ كل عين من عيوننا، كل أذن من آذاننا، كل عضو من أعضائنا، ويملأ كل قلب من قلوبنا، ويملأ كل روح من أرواحنا، ويملأ كل سر من أسرارنا، أحينا عليها، وأمتنا عليها، واجعلنا من خواص أهلها عندك..
يا الله.. يا الله يا الله ..
لا إله إلا الله * لا إله إلا الله * لا إله إلا الله * بها ينشرح صدري
08 رَجب 1445