(536)
(229)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 16 شوال 1442هـ في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى بتريم، بعنوان:
قراءة أحوال العالم ومتغيراته ونهاياته بنور آيات مكوِّنه وبارئه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله واهبِ المواهب، ودافعِ المصائب ومَن بيدِه أمرُ الحاضرِ والعواقب، رَبُّ الأكوان ومُسَيِّرها، وخالق الأرضِ والسماء ومُدَبِّرُها وما فيها، لا إله إلا هو منه المبتدأ وإليه المصير، له الملكُ وله الحمد يُحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت بيدِه الخير، وهو على كل شيء قدير.
نسألُه أن ينظرَ إلينا ويُنَوِّرَ قلوبَنا ويُثَبِّتُنا على ما يحبه مِنَّا، ويرزقنا سبحانه وتعالى ثمراتِ الوجهة إليه مع أهلِ الصدقِ معه؛ وذلك أنَّ وجهاتِ هذه القلوب فيها معاني وعناوين أسرارِ مُقَلِّبِ القلوب، علَّام الغيوب الذي إليهِ الأمرُ كلُّه يؤوب، قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}.
وبَقِيَت حقائقُ الفوز والسعادة كلُّها محصورةً في أن يُجِيبَ القلبُ نداءَ الرَّب، وهو الذي سمعنا عنه قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ووجدنا هذه الدعوة مرتكزةً في حقيقة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
فاجعلنا اللهم مِن أهلِها المتحقِّقين بحقائقِها، وارفعنا في درجاتِها مع مَن ترفع يا حيُّ يا قيُّوم، وأعِد علينا عوائدَ الصيام والقيام، وما كان مِن الموسم الذي جُدْتَ فيه على الأنام، وكان لك مِن الجودِ والإكرام والفضلِ والإنعام ما حدَّثنا عنه أمينُكَ رسولك الذي ختمتَ به الرسالة ونِعْمَ الختام، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى صحبه ومَن والاه أفضل الصلاة والسلام، فاجعلِ اللهم لنا النصيبَ الوافر، مِن غيثك الماطر، وجودِك الغامر، بما تُصلِحُ لنا به الباطن والظاهر، وتدفع به عنَّا الشرور والآفات في البرزخ واليومِ الآخر، يا أوَّل يا آخر، يا باطن يا ظاهر، يا حي يا قيُّوم يا الله.. يا الله .. يا الله
ولا تجعله آخرَ العهدِ مِن رمضان وصيامِه، ولياليه وقيامها، وأكرِمنا اللهم بالعَودةِ إلى أمثالِه في لطفٍ وعافية وصلاح وفلاح وفوزٍ ونجاح، ودفعٍ للشرِّ وأهلِ الشرِّ في الظاهرِ والباطنِ في جميعِ النَّواحِ، يا كريمُ يا منَّان يا وهَّاب يا فتَّاحُ يا الله.. يا الله..
يا الله: اقبلِ القلوبَ التي ضجَّت إليكَ بدعائها، ورفعَت إليك شكواها في سجداتِها وقيامِها في ليالي رمضانَ وأيامِه وما أعقبَها مِن أيامِ العيد، واجعل لها سِرَّ الاتصالِ بكَ الذي لا يزالُ في مزيد، يا مبدىء يا معيد، يا فعَّال لما يريد، وأنقِذنا بذلك مِن ورطاتِ التأثُّر بالفسادِ وأهلِه بكلِّ أنواعه وأشكالِه بعصمةٍ منك تعصمُ بها القلوبَ على الصدقِ معكَ حتى تلقاك، يا مقلِّبَ القلوبِ والأبصار ثبِّت قلوبَنا على دينِك.
ألا: (فاعملوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له) {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}.
أمَّا قضاء ما سيكونُ في الدنيا وفي عُمرِ كُلِّ واحدٍ مِنَّا حتى يُتوفَّى، ثم ما يكون بعد الوفاةِ إلى يومِ النَّفخِ في الصور، ثم ما يكون بعد النَّفخِ في الصور فليس مرجعُه إلا إلى واحد وإن جحدَ الجاحد، وإن كابرَ المكابِر مِن كلِّ قريبٍ وبعيد، الذي يحكمُ الوجودَ والكونَ مُوجِدُ الوجودِ، لا سِواه، لكن في مساحةِ الاختيار التي أعطاها المكلَّفين يلعبون ويلهُون ويسهُون ويكذبون ويجحدون ويتطاوَلون ويفسدون.. ثم المرجعُ إلى وَاحِدٍ أَحَد، ولن ينجوَ مِن عذابهِ الشديدِ إلا مَن آمنَ به وبرسوله، وإلا بمَن أخذ منهجَه وردَّ إملاءاتِ النفوسِ والأهواءِ منه ومِن سِواه مِن بني جنسِه مِن الإنسِ ومثلهم الجن، فليس فيهم مَن يرجعُ إليه الأمرُ لا فرداً ولا جماعة، لا شعباً ولا حكومةً، لا أوَّل ولا آخر.. يرجع الأمرُ للخالقِ الفاطر. بل وهم في ما يتحرَّكون فيه كأنَّهم لا يشعرون ولا يُدركون أنَّهم في تكوينِ مُكوِّن لا يستطيعونَ أن يُغيِّروا شيئًا منه..
مَن منهم اختارَ ميلادَه أو بلادَه؟ مِن منهم اختار شكلَه أو لونَه؟ فمن أين جاءوا؟ ومَن الذي اختار لهم الألوان؟ ومَن الذي اختار لهم الأشكال؟ كلهم يحتاجون إلى الهواء فلماذا لا يستغني بعضُهم عنه؟ مَن الذي رتَّبَ ذلك؟ ولِم لا يقدرون على الخروجِ عن ذلك؟ لأنهم مملوكون، لأنهم مخلوقون يتطاولون وينكرون ويجحدون.. ولكن الأمر هو هو، لا يستطيعون أن يغيروا فيه شيئا..
أمَّا أحوالُهم التي جعل اللهُ لهم وسائلَ للتغيير فيها والتبديلِ ركَّبها سبحانه على أصلٍ -وهو شأن النفوس وما يتعاملون به مع القُدُّوس مِن بواطنِهم-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
ولنَنظُر إلى واقعِنا وماضينا.. هل حصلَ تغييرٌ في الواقعِ من دونِ تغييرٍ في النفوس؟ ومَن الذي حكم بذا الحكم؟ ولماذا هو نافذٌ على العربيِّ والعجمي؟ والصغيرِ والكبير؟ والمؤمنِ والكافر؟ لأنَّ الكلَّ خَلْق، لأنَّ الكلَّ مملوك، لأن الكلَّ مقهورٌ، والقهَّار "الله"، والخالق "الله".
هذا المشهود أمامَنا، فكيف بما يغيب عنَّا إذا نادى المنادي: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟ أي: ذهبت صورةُ الغفلة والتَّغافل والتَّطاول الذي كان عندكم والظنُّ الفاسدُ الذي ظننتُم أنَّ منكم مُلُوكَاً وأنتم وملكُكُم مقهورٌ، فستعلمون اليومَ القهرَ لمن والمُلْكَ لمن.
ذهبت الظنون الفاسدات { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ولا يجيب أحد، ماتَ مَن كان يُسَمَّى مَلِك، ومَن كان يُسمَّى رئيس، ومن كان يُسَمَّى صانع قرار، ومن كان يُسَمَّى متطوِّر، ومن كان يُسَمَّى عبقري، ومن كان يُسَمَّى مفكر.. الكل مات.. الكل مات.. الكل انتهى { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟
ذهبت الصورةُ الزائفة للمُلْك وبَقِيَ المُلْكُ الحقيقي، وبَقِيَ المُلْك الحق {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا َ..} {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا}
ربَّنا: أنعمتَ علينا بالإسلام والإيمان فاحفَظ علينا حقائقَه. كلُّ المفسدين مِن الجنِّ والإنس الذين يريدون زعزعةَ حقائقِ الإيمانِ مِن القلوبِ والعقول رُدَّ كيدَهم في نحورِهم وادفع عن الأمة شرورَهم، وثبِّتنا على ما تحبه مِنَّا وترضَى به عنَّا حتى نلقاكَ وأنت راضٍ عنَّا، يا حاكمَ الدنيا يا حاكمَ الآخرة.
ولقد صدقَ عبدُك الذي لا ينطقُ عن الهوى ولن يبقَى على ممرِّ الأيام بيتٌ إلا دخلَه دينُ "لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله" صلى الله عليه وسلم وبارك وكرَّم، وإن كرهَ الكافرون وإن كرهَ المشركون، فالأمرُ أمرُ مَن يقولُ للشَّيء { كُن فَيَكُونُ} لا إله إلا هو.
وقد قضيتَ بجمعِنا على التوجُّه إليك والتضرُّعِ والتذلُّل بين يديك، فانظُر إلى جمعِنا نظرَك إلى المحبوبين مِن عبادِك الذين أردتَ قُربَهم مِن حضرتِك ومنحَهم رضوانَك الأكبر ومرافقةَ رَكبِ حبيبِك الأطهر.
رَبَّ الوجود.. أيدينا إليك مَددناها، ورجاؤنا وضعناه على بابِ كرمِك، وأنت عُدَّتُنا ولا عُدَّةَ لنا غيرك، وأنت يا ربِّ حسبُنا ونعم الحَسْبُ حسبنا، وأنت ربُّنا ونعمَ الرَّبُّ ربُّنا، وأنت كافينا ولا يكفي منك شيء، لا إله إلا أنت فانظر إلى قلوبِ الحاضرين والسامعين نظرةً تربطُهم بها بالملأ الأعلى، وترفعنا وإيَّاهم به مع مَن اعتلى إلى درجاتِ القربِ منك يا مولَى، ممن قضيتَ لهم بالسعادة في الدنيا والبرزخِ والأخرى، يا حيُّ يا قيُّوم يا رحمن يا رحيم يا الله .. يا الله .. يا الله ..
والمدحور الذي غضبتَ عليه ولعنتَه، وطلبَ منكَ الإبقاءَ إلى يومِ الدين فكتبتَ أن تُنظِرَهُ إلى يومِ الوقتِ المَعلوم يستعرضُ كما هي عادتُه مِن قرون، كما برأتَه على ذلك وهو في كلِّ هذا الجحود والاستكبار مقهورٌ تحت قهرِ: { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ} لا يقدر أن يخرجَ منها فهو مقهور، وهو مدحور، وهو مغرور وينفخ في الخلق الغرور، ومع ذلك كلِّه فالحالُ كما قد حصل في عالم الحِسِّ في أيام بعثةِ نبيِّك بدرِ البدور بخالصِ النور وجاء إلى رؤوس الكفر {وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} وأيُّ شيء يوحي اليوم إلى المغترِّين مِن أهل الفسوق والكفر في الدنيا؟ هو ذا الوحي نفسه، وحي الشيطان.. يوحي إليهم هذا الوحي {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} وما هي إلا أيام وجاء خيرُ الأنام وتلاقَى الجيشان فرأى جبريلَ نازلًا على فرس ومعه الملائكة فـهربَ وولَّى عنهم، فنادوه: ما لك! يا سراقة بن مالك أتتركُنا الآن!؟ {إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ} كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وهكذا يفعل هو وجندُه {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} هذا المقهورُ في هذا الغرور يَغُر كثيرًا مِن الناس..
ونسأل الحقَّ أن يحرسَ قلوبَنا وأبنائنا وبناتِنا وأهلَ ديارنا وأحبابنا..
يا حي يا قيوم: وعدتَ نبيَّك محمدًا ببقاءِ الخير في أمَّتك فاجعلنا ممَّن يبقَى فيهم الخير، ويبقَى بهم الخير، وينتشرُ بهم الخيرُ في الشرقِ والغرب على رغمِ هذا الطاغي.
ولا يزال يستعرضُ عضلاتِه مِن وقت إلى وقت.. كم يَعِد {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} وكم يقول لهذا توطَّأ لك الأمر تصرف كذا واعمل واظلِم وأظهر ظُلمَك وخُذْ حقَّ غيرك وتعالَ إلى مقدَّسات ربِّك والعب بها.. ويقول ويقول.. ويزُجُّ بهم.. ثم يجدون أنَّ الوجودَ لم يخرج عن عظمةِ المُوجِد وقَهْرِ المُكَوِّن جَلَّ جلاله وتعالى في علاه..
ولا يزالون يجرِّبون ولا يزالون يجربون، ومنهم فرقة مِن المغرورين به مِن الذين يظنون أنَّ بيدِهم الأمر -ويقينُنَا أنَّ الأمرَ "لله" مِن قبل ومن بعد- ينتهي بهم الأمرُ في فتراتٍ من الأزمان يبلغ بهم الطغيان ما يبلغ ثم لا يجدون إلا أن يبحثوا عن المخبأ وراءَ الحجر والشجر.. وتنطقُ الأحجار والأشجار بقدرةِ القادرِ القهَّار، وعدٌ لا يُخلَف، عرفناه عن الحقِّ الحيِّ القيومِ بلسانِ النبيِّ المختار.. وينادي الحجرُ والشجرُ (تعال يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله). ومعنى (هذا يهودي) صنفٌ مِن اليهود أهل اعتداء أهل بَغي، أهل ظلم، أهل طغيان، أهل جبروت، أهل كبرياء، أهل استخفاف بالحقِّ واستخفاف برسلِه، أهل بغض لمحمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. هذا الصنف أهلُ البَغي والعدوان الذي ظنَّ أنَّ الحجرَ سيحميه والكبير الذي خطَّط له تخلَّى عنه وظنَّ أن الشجرةَ ستحميه، وإذا بالشجر والحجر يُكَبِّرُ الأكبرَ ويَخدُم منهجَ خيرِ البشر ويقول (هذا يهودي ورائي تعال فاقتله) صدق رسول الله.
وهذه بعض شؤون نهاياتِ حركاتِ أهلِ العالم حتى تنتهي إلى ما أراد اللهُ مِن خروجِ عيسى بن مريم، وآل الصليب يُكَسِّر صليبَهم، وأكلة الخنزير يقتل خنازيرهم، ويقول: الشرعُ شرعُ الحقِّ على لسانِ أحمد الأصدق، أنا بشَّرتُ به أيام بعثتِي قبل ارتفاعي إلى السماء، واليوم أنصرُه وما أنزلَ الرَّبُّ عليه، حتى يعمَّ الدينُ شرقَ الأرض وغربَها، ولن يقدر طوائفُ ولا شعوبٌ ولا حكومات على أن يؤخِّروا هذه الوقائعَ ولا أن يُقدِّموها وستأتي في وقتها..
حُكْم مَن بيدِه الحكم، و{لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} جَلَّ جلاله وتعالى في علاه.
ولمَّا كانت الأرض أراد الله فيها هذه المتغيرات والمتقلِّبات يخرج يأجوج ومأجوج -وهم أيضا مقهورون- حُبِسُوا مِن أيام ذي القرنين طيل السنين.. ويا ليتَهم يعتبرون.. يخرجون بلا اعتبار يقولون {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} لكم قرون ما تقدرون تخرجون مِن السَّد تدقُّوا على الَّسد كل يوم ما ينفتح لكم، أنتم ضِعاف! حتى يبلغَ بهم الغرور إلى أن يقولوا غلَبنا مَن في الأرض بقي مَن في السماء فيرمون سهامَهم نحو السماء –أرأيت ما يفعل الغرورُ بأصحابه غاية الجهالة- ويردُّ اللهُ عليهم السهامَ ملطَّخةً بدمٍ، يقولون هذا دمُ أهل السماء، قد قتلنا مَن في الأرض ومَن في السماء!
هكذا تفكير البشر، ينتهي إلى هذا..!
وإذا بهبَّة مِن غَضْبَةِ الجبَّار يصبِحوا بها أمواتاً مِن أوَّلهم إلى آخرِهم فيموتون كلُّهم.. أين ذا القوة وأين ذا الغلبَة؟ ويا ليتكم اعتبرتم.. قرون مرَّت عليكم وأنتم محبوسون واليوم تقتلون مَن في الأرض ومَن في السماء! لمذا ما كسرتم السَّد!؟ كسِّروا السَّد في الأيام الطويلة هذه العريضة والقرون التي مرَّت بكم.. ما قدروا..
القوة لواحد، القدرة لواحد، مع الناس غرور، مع الناس تصوُّرات فاسدة، مع الناس ضلال، مع الناس خيال.. القوَّة لواحد.. القدرة لواحد {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.
أَجِر أهلَ المجمع ومَن يسمَع مِن عذابِك في الدنيا والآخرة فلا طاقةَ لنا بعذابك، آمنَّا بك وما جاء عنك على مرادِك وما جاء عن رسولِك على مرادِ رسولك فآمِنَّا مِن عذابك، وقِنَا العذابَ والآفاتِ يا حيُّ يا قيُّوم يا أرحمَ الراحمين.
وينتهون ويرجع سيدُنا عيسى ومَن معه مِن المؤمنين مِن الجبال إلى الأرض للقيامِ بأمر الله سبحانه، ويموت سيدنا عيسى بن مريم وتطلع الشمسُ مِن مغربِها ويأتي الوعدُ الحق {حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ} ذا الحين تقولوا في غفلة! والدعاوي الطويلة العريضة هذيك؟ عرفنا، تقدَّمنا، تطوَّرنا ووصلنا، قمنا طلعنا نزلنا، والآن قده في غفلة! انكشفت الحقيقة؟ ظهرت؟ {كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا..} ما أحد إله معه.. هو واحد إله ماشي إله آخر أصلا {لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ..} فمن الفائز؟ {..إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}.
يا مُنزِلَ القرآن، يا ربَّ رمضان، يا ربَّ محمد سيد الأكوان: اجعلنا وجميعَ الحاضرين والسامعين ممَّن سبقَت لهم منك الحسنى، ممَّن سبقت لهم منك الحسنى، ممن سبقت لهم منك الحسنى.. يا الله..
يا الله .. يا الله .. يا الله
وأتمِم علينا النعمة، وادفع كُلَّ نقمة، وانشر الهداية، وارفع الغواية، وثَبِّتنا على ما تحب، واجعلنا في من تحب برحمتِك يا أرحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين.
17 شوّال 1442