(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ليلة الجمعة 11 جمادى الثانية 1443هـ بعنوان:
عظمة نعمة الهدى ودين الحق وسعادة الأبد وخطر مخالفته في الحياة المنقضية وخسران الآخرة
جزى اللهُ الحبيبَ عمرَ بن حامد الجيلاني خيرَ الجزاء على هذا البيانِ الذي جمعَنا فيه بحقائقَ تجمع بين الوسائل والمقاصد، وتُوحِي وتُشِيرُ إلى الغاياتِ الكبرى وأعلى ما يُتحَصَّلُ على ظهرِ الأرض ويُشكَرُ عليه يومَ العرض، وأجل ما يُنَالُ به قربُ العبدِ مِن إلهِه وسيِّده، وحيازتِه للنصيبِ مِن رضاه، والأواصر والعلائق والروابط التي تجمعُ بين مَن طلبَ التحقُّقَ بعبوديَّته لهذا الإله، وطلبَ القربَ مِن هذا الإله، وطلبَ نيلَ رضوانِ هذا الإله. تلكم المطالب الغاليات العاليات التي يجب أن يبكي على نفسِه حسرةً وندامةً مَن حُرمِها، وإن كان مالك الأرض مِن شرقِها إلى غربِها وإن كان مالكَ الأموال، وإن كان مالك الأسلحة وإن كان مالكَ القصور وإن كان مالكَ المظاهر، وإن كان عندَه ما كان إذا فاتَه هذا الأمرُ فيَحِقُّ أن يُبكى عليه، يُبكَى بالعقل السليم والقلبِ الرحيم على فرعونَ وهامان وقارون والنمرود.. ماذا ضيَّعوا؟! ماذا فوَّتوا؟! ماذا فاتَهم؟!
والله حسراتهم كبيرة! ونداماتهم شديدة! وما أغنى عنهم ما كسبوا! ولا عاد ولا ثمود، ومَن في عصرنا من الكفار الذين حُرِموا وقد عُرِضَت البضاعة الغالية عليهم فحُرموا أن يستسلموا لأمرِ الإله! واغترُّوا بالتكنولوجيا واغترُّوا بمظاهر! مساكين! ماذا يُفَوِّتون على أنفسهم؟ ماذا يخسرون؟! ماذا يندمون عليه؟!
والنَّدامات مُقبِلة على كُلِ مَن بلغَته الدعوةُ فأعرضَ وأصرَّ واستكبر، ولكنَّ أشدَّها على مَن مع الإعراضِ والاستكبارِ آذى وضرَّ وعاندَ وكابَر وخطَّط مُخَبِّط ليقضي شهواتِ نفسه وأغراضها، ويُطَبِّق وحيَ عدوِّه إبليس مستعيناً بنفسِه الأمَّارة.. هذا عذابُه أشدُّ وحالُه أخطر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-!
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} والنتائج؟ {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}
-والعياذ بالله تبارك وتعالى-
وما دام هذا يقدمُ قومَه فبالضرورة وبالمقابل موسى سيقدمُ قومَه.. وموسى سيقدمُ قومَه الذين اتَّبعوه، ولكن فرعون يقدم قومَه فأوردهم النار، وموسى سيقدم قومه.. وأين يوردهم؟ إلى تحت لواء الحمد، إلى الحوض الذي نصبَه الله له، إلى الجنة..
وهكذا هي النتائجُ الكبرى لكل مَن يَعقِل {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ}
وخذوا تذكيرَ مَن سمعتموهم يتكلمون.. تذكيرُهم لنا بعظيمِ مِنَّةِ الله علينا بهذه الخيرات؛ لأنَّ هذه الخيراتِ غاليةٌ في مصارفِ القيامة، في كلِّ موقفٍ مِن مواقفِ القيامة، هذه الخيرات إذا قُمنا بحقِّها ومِتنا على الإيمانِ فهي غالية، في كلِّ موقف مِن مواقفِ القيامة غالية، عالية، ثمينة؛ خيراتُ العلم المُستفَادِ من الشرعِ المصُون مِن بلاغِ رسولِ الله والوحيِ الذي نزل عليه وبيانُه -صلى الله عليه وسلم- وما حمله الصحابةُ والآل الأطهار والتابعون وتابعوهم بإحسان مِن خيار أهلِ كلِّ قرن وأفاضلِ أهلِ كلِّ قرن؛ ذاكم الشرف الذي يُشَار إليه، والأحاسيس والمشاعر التي يُبكى على مَن مات ولم يُدركها.
إن كان يُدرك قيمةَ المطعومات التي يُدرِك إبليس طعمَها ويُدرك المُنقِطعُ عن الله طعمَها ولم يُدرِك قيمةَ هذه المشاعر التي عبروا لكم بها عن المسجد النبوي، أو عن الوفود إلى مثل هذه المواطن، أو عن الاتصال بالأخيار؛ هذه الأذواقِ الرفيعة التي هي علامةُ الصحَّة.. صحةُ القلب، صحة الروح من كورونا وأوميكرون ومِن كل الأسواء مِن كل الأدواءِ ومن كلِّ القواطع..
ماذا غاية ما سيعمل أوميكرون بالناس؟ قال بعض أصحاب الصحة العالمية فتحوا أبواقَهم بالإنذار يُنذِرون أنه خلال أسابيع نصفَ أهل أوروبا سيُحتَمل أن يأتيهم هذا الفيروس.. هل معكم بشارة هاتوا؟ معكم إنذاركم.. تسابقوا فيما هم فيه..!
تذكرون قبل كم قلنا في ذا الموطن أيام جلسة الإثنين سنذهب في ترتيبنا لزيارة نبي الله هود ونعمل أعمالنا في استرضاء الودود واستدفاعه الشرَّ وننظر في واقع الأمر بعد ذلك ما الذي يُثمِر دواؤنا أو دواؤهم؟ سعينا أو سعيهم؟
ينظرون وعاد نحن في الدنيا، والعقبى أكبر، والعقبى أجل! ولابد من احتِصَان العبد بحصنِ ربِّه، وما يُرسِل بالآيات.
ولا المقصود مِن النِّعم لا بآيات التخويف والشدائد ولا بالنِّعَم إلا أن يُشكَر ويُذكَر ويُرجَع إليه {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
هذا الغرض وهذا المقصود الأكبر والحكمة الكبرى، ولكن قال: {وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}
اللهم أجِرنا مِن جهنم.
يا مَن لا يقدر على أوميكرون خَفْ مِن جهنم! جهنم أشدُّ منه.. لا مرَّة ولا مرَّتين ولا ثلاث! أشد! ولا خمسة أضعاف ولا عشرة ولا مائة ولا مليون! ضعف! هي أشد! خَفْ منها!
نحن نخاف عليك مِن هذاك.. أنت خفتَ مِن ذا الحقير القصير نحن نخاف عليك ما هو أشد!
البشير النذير جاءك وبلَّغ..
ونحن في ظِلِّ هذه الخيرات فيها نتذكر فيها هذه الأسرار الجوامع التي جمعت أهلَ الحق في كُلِّ زمان على أذواق، وعلى مشارب، وعلى مشاعر، وعلى أحاسيس ووجدان رفيع ربَّاني رحماني قُدسيّ سماوي نبويّ..
مِنَن مِن الله، بها عاش سيدُنا عبد القادر الجيلاني جدُّه -عليه رحمة الله- في وقتٍ فيه انهيارُ عند كثيرٍ مِن الناس واغترارٍ بالمادَّة وزخرفِ الدنيا.. وقام سيدنا عبدالقادر يُذَكِّر بالعظيم القادر واليوم الآخِر وبلاغ النبيِّ الطاهر وصَدَّ الله وردَّ به على يدِه كيدَ إبليس وجندِه مِن الذين كادوا أن يستحوذوا على الناس ويُنسُوهم إلهَهم ويُنسوهم الآخرة.
وجدَّد اللهُ به الدين، ووصل أتباعُه إلى وادينا وإلى نادينا من تلامذتِه وتلامذةِ تلامذتِه -عليه الرضوان-، وأولئك الأكابر مِن قبله ومِن بعده، وبعدَه بقليل ظهر الفقيهُ المُقَدَّم محمد بن علي؛ وإذا من كأس صدقه مع الرَّبِّ وأدبه تُسقَى أرواح في الشرق والغرب..
والسُّقيَا باقية إلى الآن، والسُّقيَا باقية إلى الآن..
هؤلاء صدقوا مع حيٍّ قيومٍ لا تأخذُه سنةٌ ولا نوم، مُلكُه يدوم، وما سواه فان {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
قصدوا وجهَه، وأرادوا وجهَه، وابتغوا وجهَه، وعملوا لوجهِه؛ فأشرق عليهم مِن نورِ وجهِه -عليهم الرضوان تبارك وتعالى- ووعدَهم النَّظرَ إلى وجهِه الكريم.
ونِعمَ الوعدُ وعدُهم، ونِعمَ الواعِدُ واعدُهم، الذي أوعدَهم لا يُخلِف الميعاد -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- فالحمد لله على هذه المشاعر، وعلى وجودها في الزمان الحاضر..
يشعر كأنه وطنه في شوارع تريم؛ وهو على قدر إيمانِك هذه الأوطان؛ حيث توجد السنة، حيث يوجد الإيمان، حيث يوجد الاتصال، حيث يوجد السَّنَد، حيث يوجد صِحَّة الاستنادِ إلى الأصل؛ وطن المؤمن..
وعلى قدرِ ما يتوفَّر فيها الإرث فهي وطنٌ مِن باب أولى وأقوى، وعلى قدرِ إيمانِه يشعرُ بذلك، فما موطنُ المؤمن إلا حيثُ حقائقِ الإيمان.. فهذا وطنُه؛ هذا وطنُ روحِه، هذا وطنُ قلبِه، هذا الوطن الأصليُّ الذي فطرَه اللهُ تعالى على مناسبتِه وعلى موافقتِه -فضلاً مِن الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
فلنذكر نعمةَ الله، ولنقُم بحقِّ شكرِ هذه النعمة، ولنَتعاون، ولنتآلف، ولنتحابَّ، ولنصدُق، ولنغنَم هذا العمرَ القصيرَ وهذه الحياة.
{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ومُتعُ الحياةِ الدنيا تكونُ عند البَرِّ وعند الفاجر؛ ولكن كُلُّ عاقل -أمَّا العقل النُّوراني الحقيقي مع أربابِ الصدقِ مع الله- ولكن كلُّ عاقلٍ بميزانِ العقلِ الفطريِّ الموهوب بسِرِّ الفاطر الذي جعل في مظاهرِ هذا العقلِ السمع والبصر {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
والسمع والبصر هذا الذي يُرَاد به مداركُ تنتهي إلى فوزٍ بإدراكِ الحقيقة {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ..} لكن هو بعد ذلك إذا وصلَته دعوةُ الله إلى ألسنِ أنبيائه هو هذا الإنسان {..إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.
{إِمَّا شَاكِرًا}: النعمة، ويعرف أنه عَدَم خلَقه الله. ليس على ظهرِ الأرض مِن الملحدين ومَن تديَّن بأيِّ دين -غير دينِ الحق- ليس فيهم مَن خلق نفسه ولا صوَّر نفسَه ولا اختار أباه ولا أمَّه ولا اختار موطنَه ولا بلدَه.. ليس فيهم، فمن الذي اختار إذن؟ إذا كلهم ما اختاروا هذا مَن الذي اختار؟ ينسون؟! ينسون هذا الفعَّال فيهم؟!
أيادي قدرتِه وفِعلِه فيهم ظاهرة ثم يُنكرونه! ثم ينسونه!
وهذا الذي أوجد لهم الحياةَ على هذه الكيفيَّة لا بِخَلقِ أحد منهم ولا باختيارِ أحد.. هو الذي حدَّثَنا أنه أوجدَ البرزخَ وأوجد القيامةَ وأوجد الجنةَ والنار؛ فالأمرُ لا يخضع لاختيارِ أحد، ولا يخضع لرأيِ أحد؛ بل واحد أحد، خلقَ ورتَّب، وقدَّر ودبَّر، وقدَّم وأخَّر، وأعطى ومنَع، وخفَض ورفَع، وبيدِه الأمر، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه!
إذا فتح لكم أبوابَ القربِ مِن حضرتِه فقد عَظُمَت نعمتُه عليكم، قد عَظُمَت مِنَّتُه عليكم!
فأقبِلوا على هذا الإلهِ بالصدقِ والإخلاص، وأقيموا شؤونَ مُتعِ الحياة الدنيا ما تحتاجونه منها فسييُسَّر لكم وسيُسخَّر بضوءِ هذا المنهاج في الشريعة "حلال، وحرام، وشُبهة، ومكروه". والمؤمنون على قدرِ صدقِهم مع الله في تجنُّبِ الشهوات وتجنُّبِ الشبهات وتجنُّبِ المكروهات (فمَنِ اتقَى الشبهاتِ فقد استبرأ لدينِه وعِرضِه، ومَن وقع في الشبهاتِ ولم يُبالِ وقع في الحرامِ كالراعي يرعَى حولَ الحمى يوشِك أن يرتعَ فيه، ألا وإن لكلِّ ملكٍ حمًى، ألا وإنَّ حمَى اللهِ محارمُه).
ما محارمُه؟ هو الذي يدعونكم إليه مِن مُتَعِ الدنيا الزائفة، الباطلة، الضارَّة، السَّامَّة، القاطعة عن نعيمِ الأبد، المفوِّته لسعادةِ الخلد، المُغضِبَة للإلهِ الذي خلق.. يدعونكم إليها! يا مخدرات يا خمور يا زنا يا شذوذ يا أمثالَ هذه..
هل وراء هذا حقائقُ منافع؟ حقائقُ خيرات؟ حقائقُ فوائد؟ هل تتناسب مع الفطرة؟ هل تخدم المجتمعات؟ هل تُفيد الإنسانية؟
أضرارها مُعَجَّلة قُدَّام عيونهم
ولمَّا ادَّعوا الحريَّة بانتهاكِ الأعراض ودعَوا إلى التبرُّج.. نشأت أخطرُ أمراضِ العالم مِن عندهم وجاءت مِن أثرِ تلك، وتفكَّكتِ الأسر وتفكَّك المجتمع، ما في ما يدعون إليه خير..
بُعِثَ الذي يُحِلُّ الطيبات ويُحَرِّم الخبائث. ومِن قِبَل مَن؟ ما هو تفكير إنسي ولا جني ولا تفكير الملائكة؛ بل من قِبَل منهج ربٍّ خالق، إله قوي قادر عليم بكلِّ شيء؛ بعثه يحلُّ لنا الطيبات ويُحَرِّم علينا الخبائث..
فماذا يغرونَنا به من الخبائث هؤلاء؟! وإلى ماذا يدعوننا؟!
قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ..} وقد بيَّنتَ يا رب فنوِّر قلوبَنا بنُورِ بيانِك على اليقينِ التام {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ..} يا خير إله توَّاب.. قال أنا أريدُ أن أتوبَ عليكم، عندكم قصور، عندكم تقصير، عندكم غلبةٌ للأنفس في أوقات أنا أريد أتوب عليكم..، أقبِلُوا {..وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} ما عندهم إلا ضُرُّوا أديانَكم وضرُّوا أبدانَكم وضرُّوا دنياكم واخسروا آخرتَكم.. هذه نهايةُ ما عندهم! هذا غاية ما عندهم! والله والله والله ما عندهم شيء فيما يدعونَنا إليه يخالفُ الشرع غير هذا قط قط قط! يكونون دول أو يكونون ووزارات أو يكونون هيئات أو جماعات أو حكومات أو شعوب..!
نحن على يقين لا ريبَ فيه أنَّ كلَّ ما يدعونا إليه يخالفُ منهاجَ النبي محمد وما جاء به، خُسران دين وآخرة ودنيا وبدَن وضر وفساد وخسران الأبد، ما عندهم غير هذا! لا والله لا والله!
مالكُ خزائنِ السماوات والأرض بعث بالخير كلَّه محمد، لو شيء مِن الخير بايجيبه محمد عن الله، وتركَنا على المحجَّةِ البيضاء..
لا أحد يأتي بشيءٍ مخالفٍ لمحمد وفيه الخير.. لا والله! خالق الخير والشر ربُّ الخير والشر الأعلم بالخير والشر اختار خيرَ البشر، وجاءنا بها واضحةً جليَّةً نقيَّةً بيضاءَ، متلألِئة، ثبِّتنا على دربِه يا رب..
دعانا إلى حَقٍّ بحَقٍّ مُنَزَّلٍ عليه ** مِن الرحمنِ أفضلَ دعوةِ
أجبنَا قَبِلنَا مُذعِنينَ لأمرِهِ ** سمِعنا أطَعنا عن هُدًى وبصيرةِ
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويَا رَبِّ اقبضنا على خيرِ مِلَّةِ
ويتيسَّر للمؤمنِ ما يحتاجُه، حتى إلى حَدِّ اختلاط الأشياء يقول بعض العارفين بالله: "لو استحالَت الدنيا دَمَاً عبيطاً لجعلَ اللهُ رزقَ المؤمنِ منها حلالاً".
بيجي له حلال طيِّب، بصدقِه مع الله ولو تحوَّلت الدنيا كلها دم..
يقول صلى الله عليه وسلم في وقتِ الابتلاء الشديد والشدة الناس يجوعون وما يجدونَ الأكلَ وماسك الخزائن الدجَّال الخبيث.. يقول الأعرابي: يا رسول الله أرأيت لو أظهرتُ الإيمانَ به وأكلتُ مِن خبزِه حتى أشبع ثم أكفر به؟ تبسَّم صلى الله عليه وسلم وقال له: لا. (بل يكفيك اللهُ بما يكفي به عبادَه المؤمنين)
قال الشيء الذي يكفِي به المؤمنين في ذاك الوقت سيكفيك أنت، ما أنت محتاج إلى رزقِ الدجال، ولا تَبسُطْ يدَك إلى رزقِ الدجال.
ما معنى هذا؟ لا يغرُّكم أحدٌ بدعوى تخويف من جوع ولا غيره، وأنَّ الله كافٍ عبادَه المؤمنين في مختلفِ الظروف؛ فانظروا في أيِّ ظرف بما يكفيك فهو يكفيك.
واكتفوا به، لن ينساكم، لن يخذلَكم، لن يتركَكم! وما عنده فقر، وما عنده أزمة، وما عنده بخل، وما عنده شح! {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}
فالحمد لله على هذه الخيرات، والله يُحيي فينا مشاعرَ الإيمان وأذواقَ الإحسان، ويرفعنا إلى أعلى مكان، ويشمل بذلك أهالينا ومَن في ديارنا وقرابتنا.
يا رب: أيدينا رفعناها إليك، بالفضل منك، سبحانك، لو أردتَ إهانتَنا وحرمانَنا وخذلَنا لامتدَّت إلى أيدي فجار وكفار على الأرض، فلك الحمد، صُنتَ وجوهَنا عن السجود إلا لك، وصُنت وجوهَنا عن أن تمتدَّ إلى شعب أو حكومة وإلى شرق أو غرب إلا إليك، لك الحمد، أتمِم النعمةَ علينا، مدَدنا أيدي فقرِنا وأيدي حاجتِنا وضعفِنا وضرِّنا واضطرارِنا، وأنت الذي تقول: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ}
أنت وحدك، وهذه أيدي المضطرِّين، وقد دعوناكَ فأجِبنا يا رب.. فأجِبنا يا رب، واكشفِ السوء، اكشفِ الضر عن بلادِنا عن يمنِنا عن شامِنا عن شرقِنا عن غربِنا عن المسلمين في المشارق والمغارب.. اكشفِ السوء، واجعلنا خلفاءَ الأرض الذين ائتمنتَهم على أمائن: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وغبطَتهم الملائكة وأرادَت أن تحتلَّ هذا المقامَ فقلتَ لهم: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
ثم جعلتَنا في خيرِ أمة، فلك الحمد، فثبِّتنا يا رب، شرِّفنا بشرفِ هذه الخلافة، واجعلنا خلفاءَ الأرض الصادقين الذين يقيمونَ فيها الطاعةَ ويقيمون فيها الإيمانَ واليقين، ويقيمونَ فيها التقوى.
بارك لنا في زيارةِ حبيبِنا عمر وفي حضورِ الحاضرين ومَن يَفِد ومَن وَفَد بركات تامَّات وبلِّغه فوق الآمال والوطَر، وكما أجريتَ على يدِه وأيدي آبائه مِن منافعَ للعباد الكثيرات العميقات فضاعِف إجراءَ الخيرات والمنافع على يدِه وأقِرَّ بذلك عينَه في حياته.
إلهَنا: والقلوب مِن أرباب علمِ السند التي تنوي الخيرَ للأمة بلِّغهم فوقَ آمالِهم، وسخِّر الأسبابَ لهم مِن كُلِّ جانب، وادفع عنَّا وعنهم جميعَ المصائب.
يا رب والقلوب الغافلة في أسرِنا وفي ديارِنا وفي أسواقِنا وفي المسلمين في المشارقِ والمغارب رُدَّها إليك.. رُدَّها إليك.. رُدَّها إليك، أقبِل بها عليك، لا تتركها تنهشُها الشياطين ولا يَسخَر بها إبليسُ اللعين، اللهم خَلِّص المؤمنين، وادفعِ البلاءَ عن جميعِ المسلمين، وحوِّل الأحوالَ إلى أحسنِها يا ربِّ العالمين.
وقلوباً لم تُسلِم بعد انظر إليها واكتب لها الإسلامَ وبارِك لها في إسلامِها، وبارِك لها في إيمانِها، وأرِنا وإياهم صفوفاً في شهادةِ أن لا إله إلا أنت وأنَّ محمداً عبدُك ورسولُك يؤثرونَك بكُلِّ ما في أيديهم، يا ربِّ أشهِدنا، يا ربِّ أَرِنا {وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا} أرِنا وعدَك لنبيِّنا، أرِنا مواريثَ الصالحين، أرِنا نصرَ الحقِّ في جميعِ الأقطار، وبلِّغنا فوقَ الأوطار، وأصلِح لنا السِّرَّ والإجهار.
اللهم اجعلها ساعةَ إجابة، واجعل الدعوات مستجابة، وأمطِر على ساحاتِ القلوبِ مَن صَيِّب الإفضال سحابة، تملؤنا بالإيمانِ وباليقين والإخلاصِ والصدقِ والإيقان يا ربَّ العالمين.. يا ربَّ العالمين.. يا ربَّ العالمين..
ونتوبُ إليك عنَّا وعن أهلينا وأولادِنا ومَن في ديارنا وعن المسلمين، ونقول لك:
يا توَّاب تُب علينا ** يا توَّاب تُب علينا **
وارحمنا وانظر إلينا ** وارحمنا وانظر إلينا
11 جمادى الآخر 1443