(536)
(228)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، مُكرم الأمة بظهورِ رايات الحبيب التي صانها عن أن تُحطّ، فيحسن عندها المحط، ومن حطَّت عندها رحالُه ثبت إقبالُه، وجزُل من حضرة الكريم نوالُه؛ وهي راياتٌ تولَّتها عنايةُ حضرة الذات الإلهية، بأسرار سرت من معاني ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وإن كان نزّل الذكر فعلى قلبِ من؟ وبُيِّن بلسان مَن؟ فإن لم تبقَ في الأمة قلوبٌ من ذاك القلب، وألسُن من ذاك اللسان، فما حُفظ الذكر!.. حُفظ الذكر ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ولا يكون الذكر محفوظاً بمجردِ وجوده في الأوراق، ولا بمجردِ حفظ ألفاظه في الأذهان، ولكن الذكر في عظمته، ومنزلته الكبيرة عند الله، المهيمن على الكتب المنزلة كلها.. عن أي شيء نتحدث أيها الأحباب؟
تهوى مؤتمرات العالم، واجتماعاته، وثوراته، أمام حديثنا عن هذه الآيات، الكتاب المهيمن على الكتب المنزلة من السماء، فماذا تكون قوانين الأرض؟ وما تكون تخطيطات وقرارات أهل الأرض؟ المجلس الفلاني والدولة الفلانية، كائنةً ما كانت! لكن ما بال عقول الأمة لا تدرك هذه العظمة للرب؟ مقروءةً، منظورةً، مشهودةً، في عظمة الكتاب المنزّل والنبي المرسل المقرَّب، وما بلَّغ عن الله تعالى..
والله، لولا مدارك الرعيل الأول لهذه الحقائق ما فتحوا البلاد! ولا توطَّدت بهم أركان الدين في قلوب العباد. ولكنهم صدقوا، عشقوا، تولَّعوا، ارتفعوا، وخاطبوا أهل القرارات الأرضية، والسلطات المادية العسكرية الاقتصادية، وقالوا لهم "الله ابتعثنا"
الله ابتعثنا، ولمّا خاطبوا هذا الخطاب وهم متحلِّين بتلك الآداب التي سمعتم الحديث عنها في كلام الأصحاب والأحباب، ذابت أمامهم كل الصعاب، وقال في ما جاءنا في التاريخ، عمّا انتهت إليه مداركُ عموم الناس ولو من أهل الدنيا والقرارات.
كان يستجير بعض الأمراء في الروم بملك في الصين، وصل إليه أنباء بعض الكتب، وذكر له شأن من يقابله، من أتباع محمد، صحابة وتابعون، وتابع تابعين، وأنهم ما قابلوهم في معركة إلا انهزموا أمام هؤلاء، واستمدَّه عليهم بجيش من عنده، كتب إليه يقول قبل أن أمدك بجيشٍ أرسل من عيونك مَن يأتي لي بأحوال القوم في الليل والنهار، هؤلاء الذين تذكرهم وتذكر أنهم كانوا أجلاف وأنهم كانوا كالعبيد لكم وأنهم كانوا لا يعرفون شيء، وصاروا الآن بالقوة والعزة والمكانة..
أرسل وكتب إليه، قال له: إنهم في الليل مع الكتاب هذا الذي نزل على نبيهم، لهم به حنين، وقيام، وإنهم في النهار يخدم بعضهم بعضا، ويتأدبون مع كبارهم وأمرائهم، ويتذاكرون أحاديث نبيهم والأحكام التي نزلت،
كتب إليه، قال أنا مستعد على إرسال جيش يكون أوله عندك وآخره عندي، ولكن أهل هذا الوصف لو قابلَتهم البحارُ الزاخرة والجبال الراسية لأذيبت دونهم، لأبادها الله دونهم، وأنصحك إن أردت أن تستردَّ شيئا من مملكتك، فأرسل بينهم من يصرفهم عن هذه الأعمال، ومن يُشغلهم بغير هذه الأحوال، فإن توصّلت إلى ذلك، استرددتَ ملكك أنت أو أحد من بعدك من أولادك، أما ماداموا على هذا الحال، فلا أنا ولا أنت، انفض يدك من أنك تنتصر على هؤلاء، أو تقوم على هؤلاء!!
هذه حقيقة، وهم كانوا في قولهم "الله ابتعثنا".. ما عندهم ألفاظ النفس، ولا نسبة الشيء إلى الذوات، "الله ابتعثنا" لنُخرج بالسببية في الدعوة العبادَ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ما نريد أحد يقدّسنا، ما نريد أحد يعظمنا، ما نريد أحد يعطينا مالا؛ نريدهم يعبدون الحق، نريدهم يخرجون من وهم الكفر والشرك والإفك إلى حقيقة الإيمان، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، يأخذون منهجَ الله بدل مصنوعات العقول البشرية، التي تتغير وتتبدل من وقت إلى وقت، ونشوف اللي صفقوا لبعض المبادئ والاتجاهات يخرجون صور قادتها ومؤسسيها ويحرقونها بعد 50 سنة أو 100 سنة، وقالوا هذه فكرة بائدة فاسدة لا تصلح ولا تنفع! وهكذا..
تغيرات كبيرة في العالم من هنا ومن هناك، وسمعتم قصة الذي هُدي إلى الإسلام من روسيا، بنظرِه وقراءته فقط في التاريخ، قال الأفكار والمبادئ إذا مرّت عليها السّنون تنكّر لها من كان يتبعها وبُدِّلت وغُيِّرت، وثبت فشلُها، وصاروا يبغضون الذين كانوا يقدسونهم في ما مضى، إلا محمد، تقرأ سيرته وخبره من يوم بُعث وإلى الآن، ولا أحد يتنكَّر له، ولا يقول فشل شيءٌ من كلامه ولا من أساسه، ولا من منهاجه، ولا من أحاديثه؛ العالم يكتشف اكتشافات، ويجدوه قبلهم عن البحار تكلم، عن الفضاء تكلم، عن الأرحام والأجنة في البطون تكلم، عن الهواء تكلم، وهم دخلوا في الجيولوجيا وطلعوا في الفضاء ولا توجد كلمة واحدة من كلامه تنقص ولا تزيد..
من أين جاء هذا!؟ قال للصحابي "اكتب" إن أنا راضي وإن أنا في حالة الغضب وإنا أنا في حالة الفرح "اكتب، فو الذي نفسي بيده ما خرج منه – وأشار إلى لسانه الكريم - إلا الحق، اكتب، هذا لسان محمد، ربكم قال عنه ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )، والمزكّى المُصان عن الهوى انتهى إلى مراتب غاية الكمال الإنساني، ما عاد هناك هوى في ما ينطق به صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، فصار حامل آية ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)
ولو فكّر من يعاديه في عمل نوع من أنواع الفتنة للصدِّ عن سبيله، أصلا لما يقومون بالعمل يتحولون إلى آية من آيات صِدقه، لأنه حصل في كلامه أخبار عن هذه الأحوال التي قاموا بها والأسلوب، والمرتكز الذي ارتكز عليه يصفه كأنه حاضر عندنا، صلوات ربي وسلامه عليه، فصاروا هم وأعمالهم آيةً من آيات صادقة، أرادوا أن يصدوا عنه ويُبعدوا عنه ويتحولوا هم بنفسهم إلى آيات على صدقه وأمانته وأنه الناطق بالحق والهدى، صلوات ربي وسلامه عليه، وما جعل الله حنينَ الجذع إلا تنبيهاً لأهل الفِطن، ولو أذن الله لأحجار الأرض وجبال الأرض وأشجارها لقالت لكم: محمد رسول الله
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة تمشي إليه على ساق بلا قدم
كأنما سطرت سطراً لما كتبت فروعها من بديع الخط باللقم
مثل الغمامة أنى سار سائرة تقيه حر وطيس للهجير حمي
أقسمت بالقمر المنشق..
هذا كوكب من يوم خلقه الله ما شقه لأحد إلا لواحد..
أقسمت بالقمر المنشق إن له من قلبه نسبةً مبرورة القسم
صلوات ربي وسلامه عليه، وأنتم في تبعيته لله الحمد، وأنتم في الإيمان به، في أثر من آثار رسالته ونبوته وبلاغه ودعوته، تجتمعون هذه الأصناف والأجناس هذه كلها، في محل قد تقدم فيه نشر رايات إرث، بسند قوي قويم عميق، عميق في الذوق، عميق في الخُلُق، عميق في المعرفة، عميق في الفهم، عميق في الإرث، وجاءكم الإرث بأنواعه والنسب الطيني والديني والمعرفي والخلقي والسري والذوقي، وانصَبَّ في ذا المكان
ذلك فضل الله، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، والعالم بما فيه وتسمعون من أخباره، كثير حتى لو سمع عن أخبار اليمن وحدها، ما يتوقع هذه الطمأنينة موجودة، ما يظن هذه السكينة موجودة، ويُتخطف الناس من حوالينا، بعض المساجد ما سلمت من أنواع الأسلحة، وبعض المساجد ما سلمت من أنواع المتفجرات دخلت داخلها، أنتم في مساجد ما عرفت شيئا من هذا، في مساجد اتصلت بأهل سر السجود إلى خير ساجد، إن نظرت إلى شيء من أنوارهم يتلألأ، رأيته سر التقلُّب الذي ذكره المولى فقال في خطاب نبيه (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) فهو سيد الساجدين، وهو إمام الساجدين، في عالم الأرواح قبل أن نبرز خاطبَنا ربنا الفتاح وقال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قلنا: ( بلى ) فسجد، فسجد الناس وراءه، سجدت الأرواح وراءه، فهو إمام الساجدين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.
وفي هذا العالم صلى وصلى سادة السُّجَّد من الرسل والملائكة خلفه، وصلى وصلوا خلفه، تعرف ما معنى خلفه!؟ هو مكانهم هذا دائم: خلفه، في البرزخ: خلفه، في القيامة: خلفه، في الجنة: خلفه، في ساحة النظر لوجه الله الكريم: خلفه، فإن معك حقائق سعادة ادخل خلفهم لتكون خلفه هناك، وإلا يعرضون عليك معاريض.. وذا يقول لك انزل، وذا يقول لك اطلع، وذا يقول لك تعال، وذا يغويك بفلوس، وذا يقول سيعطيك وظيفة، وهم وما معهم حقير أمام ما نذكر لك..
هل تصدِّق؟ هل تتحقق؟ ماذا عندهم ليعرضوه في العالم؟ هؤلاء الذين اغتروا بأنفسهم كثير، واغتروا بدنياهم كثير، والله ما هو دمع، دم يخرج من عيونهم على فوات هذه الخيرات في المجالس هذه، من هم طغاة الأرض الموجودين على ظهر الأرض اليوم، طغاة أهل الأرض الموجودين اليوم، في القيامة إذا انكشف سر هذا المجلس الذي أنتم فيه، عَظُمت حسرتُهم ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)
وإن شاء الله يقينا الله شر الحسرة يوم القيامة، بئست الندامة ندامة يوم القيامة، الحسرة واحد حِيل بينه وبين صاحب لواء الحمد، حيل بينه وبين هذا الحوض الذي له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. الله لا يجعل فينا أحداً من أهل الحسرة في ذاك اليوم، يوم القضاء الأكبر، اللي يشمل ما هو أهل زماننا، في زماننا مفكرون واقتصاديون سياسيون، أمراء، حكام، هم وحدهم؟ واللي قبلهم واللي بعدهم والحكم واحد لواحد! صار الكل محكومين..
يا عباد الله تعظِّمون من؟ استحيوا من رب السماوات والأرض أن يرى في قلوبكم تعظيما لمن كان عنده حقيرا، لمن لا يساوي جناح بعوضة عند رب العرش، ويرى أنت مؤمن مسلم من أتباع محمد يرى في قلبك تعظيم لهذا؟ وضعف في تعظيم السنة! وضعف في تعظيم الاهتداء، وضعف في تعظيم الاقتداء..
أنقذ نفسك! تحرر هذا التحرر العالي، الرفيع الكريم، واشكر الرب جل جلاله وتعالى في علاه، وتمتد خيوط هذه الآثار لإرث المختار، وبها يحول الله الأحوال إلى خير الأحوال والأطوار، ويكشف الشدائد إن شاء الله عنا وعن الأمة.
وحسبنا اذا وجدنا ساعات صفاء مع عالم السر وأخفى، حزنا فيها شرف القرب من حضرته، أو ترون هناك في العالم هذا سعادات خير من هذه؟ أو شيء أشرف من هذا؟ إذا حصلنا ذلك فقد أدركنا السُّول والمأمول، قالوا "يا رسول الله بايعناك الآن والعالم من حواليك كله ضد ومعاند وفساد ويقع في المسألة ذا البيعة، بيعة العقبة، "مالنا إن نحن وفينا"، ولا شيء من ذكر النصر والتأييد والتمكين وسيذل لكم العرب والعجم، (لكم الجنة)، ترضون؟ تكونون معي هناك، (لكم الجنة)
مدوا أيديهم وكان، ووفَوا! كان يذكر بعض الأنصار ويتحسر على فوات بدر قال لكني حضرت بيعة العقبة، وإن كان بدر أكثر ذكراً بين الناس، لكن لا تقل عنها بيعة العقبة، في فضل أصحابها وشأنهم عند الله، هؤلاء أساس النصرة، هؤلاء أساس ظهور هذا النور، هؤلاء أساس المجالس كلها هذه، يبايعونه تحت العقبة، صاح إبليس، اذا المسألة بيعة وبرز ظهور محمد وما جاء به، راح، يصيح وما عاد معه إلا يلجأ إلى قومه، وهو وقومه كلهم ما يساوون شيء، قال هذا محمد والصُّباة يتجمعون عليكم، البيعة، صاح وراح ينادي على قومه هذا الذي في وسعه! سمع النبي صوته قال لمن عنده تفرقوا هذا إبليس راح يصيح لأتفرَّغن لك، أنت انتظر وسيقع لك جزاء وسيقع لك ما يغيظك، ومن سرِّ تفرُّغه له، حضور هذا الخير، حصول هذا الخير، والله ما قام إلا من ذاك، وما قام إلا بذاك، ومن لقيه منكم على اللواء أو على الحوض أو أُكرم بلقائه في القيامة فليذكر له هذا الكلام، هذا ما خبأ وهذا ما بذر، وهذا ما أقام، وهذا ما بنى، وهذا ما خلَّف، وهذا ما ترك فينا.
اللهم لك الحمد، أترون بعد ذلك نغبط اجتماعاتٍ لدول أو لشعوب أو لمؤسسات في الشرق أو في الغرب؟ إذا عرفنا قدرَ الصلة بالله، فيتوجه منا سرُّ الرحمة لأولئك، سر الرحمة لبني الملَّة خاصة، إذ صاروا يتخطَّفون بأيدي من يحرِّشون بينهم، من يضحكون عليهم ومن يتفرجون عليهم ومن يُغرِيهم ببعضهم البعض، والحق علَّمنا أن نتحسر على مَن تأخر عن ركبِ الهدى، قال ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)، يا حسرة على العباد، ويا فوز المقبلين، يقول لحبيبه ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ)، (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)
وفِّر حظنا من البشير، ومن البشائر التي أرسلتَه بها إلينا، يا أرحم الراحمين، وبِجمعنا نتوجه إليك بجامع أسرارِك الدال عليك أن تجعلنا من المقربين عندك، أن تجعلنا مِن المرضي عنهم من حضرتك اللهم ارضَ عنا، رضىً لا سخط بعده أبدا، يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى، يشمل كل حاضر معنا وكل سامع لنا، ومن والانا فيك، يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى، يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى.. يا الله بتوبة والقبول.
تُب علينا توبة نصوحا، سر الارتباط بحبيبك محمد مكِّنه من قلوبنا، من أفئدتنا وبواطننا، حتى إذا جاء يومُ الحشر لا نبعد عنه، ولا يُفرَّق بيننا وبينه، اللهم عند الحوض اجعلنا في المقربين، وتحت لواء الحمد اجعلنا في المقربين، وفي ظلِّ العرش اجعلنا في المقربين، وعند المرور على الصراط اجعلنا في المقربين، وفي دار الكرامة، آمين يا رب، آمين يا رب؛ عظِّموا الرب، واعرفوا قدر الطلب، فلولا عظمة هذا الرب ووجاهة هذا الحبيب المقرَّب، ما تجرأت على هذا الطلب، ومَن مثلنا حتى يطلب هذا الطلب؟
قال بعض الكبار الصالحين، تجرأت على ربي البارح، قالوا ماذا!!؟ قال طلبت الجنة، سألته الجنة، رأى في نفسه جراءة، ومن نحن؟ فلولا عظمة هذا الرب، وسعة وجاهة هذا الحبيب ما تجرَّأنا على هذا، فيا رب، فتحت لنا باب الرغب والطلب، وأجريتَه على القلوب والألسن، هذه أيدي الفقراء الضعفاء يسألونك سُكنى الجنة مع المحبوبين فلا تقطعنا، ولا تحرمنا، ولا تُبعدنا، ولا تصدنا عن ذاك الوصول، لا تُوقِّفنا بتبعِة في مواقف القيامة، ولا بزلَّة في جلاء أو في خفاء يا الله.
اسألوا العظيم، فإنه لا يتعاظمه شيء، جل جلاله.
فيارب واجمعنا وأحبابا لنا *** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلا وإحسانا ومنّاً منك يا *** ذا الفضل والجود الأتمِّ الأوسعِ
والذين انقطعوا عن المجامع وحضور الطلب بشيء من غفلاتهم تدارَكهم قبل الممات يا رب، وحتى الصادّين المعرضين والذين ابتُلوا بشيء من ظلمات الإدبار أو البغضاء في قلوبهم، تدارك يا رب، وأغث يا رب، ورُد إليك مرد جميل يا رب، وانشر الهدى وانشر التقى وانشر أنوار الصدق معك في الظاهر والخفاء، واجعلنا في الصادقين، آمين يا رب العالمين.
سؤالٌ كبير يصغر عند المسئول، وطلبٌ عظيم يقلُّ عند عظمةِ المطلوب جل جلاله، فيا رب حقِّق رجاءنا، وزِدنا من فضلك ما أنت أهلُه يا سامع دعانا..
يا سميع الدعاء يا ربنا اقبل دعانا *** يا سميع الدعاء عوِّد ليالي صفانا
التي نرى فيها القلوب الصادقة، تأذن بظهورها في الشام في اليمن في مصر في المغرب في الشرق في الغرب، آمين يا رب، نراها في دول أفريقيا ونراها في المشارق ونراها في المغارب بارزة جديدة يعود بها صفاء صدق الاستمساك بحبلك المتين، يا سميع الدعاء عوِّد ليالي صفانا، واجمع الشمل بالهادي الذي قد هدانا،
رب فاسلك بنا سبيل رجال *** سلكوا في التقى طريقاً سوية
واهدنا ربنا لما قد هديتَ *** السادة العارفين أهلَ المزية
واجعل العلمَ مقتدانا بحكم *** الذوق في فهمِ سرِّ معنى المعية
واحفظ القلبَ أن يلمَّ به *** الشيطان والنفس والهوى والدنيّة
هذه القلوب كلها وديعة عندك يا رب احفظها، احفظ عليها إيمانها، سرَّ صلتها بك وبرسولك حتى تأذن بجمعنا غدا مع نبي الهدى يا عالم ما خفي وما بدا.. آمين يا الله.
حمدناك وصلينا على نبيك، وختمنا بآمين، قد سمع نبيك داعياً يحمدك ويصلي عليه ثم يدعوك فقال (أوجب إن ختم) قال بعض الصحابة أهل الخير محب الخير، "رسول الله بم يختم؟" قال (إذا ختم بآمين)، قام إلى عنده وهو يدعو قبل ما يختم قال " اختم بآمين وأبشر".. كمل الدعاء وقال آمين، ما هي البشارة؟ قال " هذا رسول الله يقول أوجب إن ختم، قلت له بم يختم؟ قال بآمين" وكلنا نقول آمين، اقبلنا يا رب العالمين، ارحمنا يا أرحم الراحمين..
الفتن والمحن والأوهام والخيالات والضالات أزِحها عن بواطننا وعن أفكارنا وعن أذهاننا وعن عقولنا واجعلها مستنيرةً بنور الوحي المنزل على الحبيب المرسل، آمين يا رب، آمين يا رب، آمين يا رب، وبارك في من في ديارِنا وبارك في من في جوارنا، وبارك في أهل بلداننا، وبارك في المسلمين وانشر راياتِ الهدى في جميع العالم كما تحب على تحب في خير ولطف وعافية، برحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين..آمين.
23 شوّال 1434