(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 10 ربيع الأول 1446هـ، بعنوان:
عظمة النداء وحقيقة وبدائع إجابته وواسع نتائجها في الحياتين في معاني ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان )
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وهو خالق السماوات والأرض، ومكوّن السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى)، أرسل إلينا عبده المصطفى المختار، نور الأنوار، وسِرِّ الأسرار، ختَمَ به النبيين وجعله سيد المرسلين، وجعلنا به خير أمّة أخرجت للناس بين العالمين. فيَا ربَّ السماوات والأرضين صلِّ على من جعلته أكرم من في السماوات والأرضين عليك، وأعظمهم منزلة لديك، وخيرهم دلالةً عليك ودعوةً إليك.
اللهم أدم صلواتك على من بيَّنتَ لنا به السبيل، وسَقَيْتَ به أهل الصدق من أحلى سلسبيل؛ في معرفتك، وفي محبّتك، وفي قُربك، وفي رضاك، بعد العِلم بالبيان الذي بيَّنت على لسانه ﷺ في الاعتقاد، وفي الأعمال والمعاملات، بيَّنتَ لنا الحلال والحرام، وأبَنْتَ لنا ما تُحِبُّ وما تكره، وما يُقرِّب إليك وما يُبعِد عنك.. فيما ننويه وفيما نعتقده وفيما نقوله، وفيما ننظر إليه، وفيما نسمعه، وفيما نتحرك ونسكن فيه.
فلك الحمدُ يا من شرَّفتنا بعبدك محمد، زِدْنا اللهم إيمانًا ويقينا، واجعل اللهم مكسبنا من خلال شَرَفِ التكليف منك لنا على ظهر الأرض في المُدّة القليلة؛ مكسبًا رافعا عاليا، تجتمع لنا به خيراتُ الأرض والسماء، وخيرات الدنيا، وخيرات يوم اللقاء، وخيراتِ الجنَّاتِ وما أعددتَ فيها لعبادك المتقين، وتُعيذنا يا رب من شرور ما في السماوات وما في الأرضين، وشرور الدنيا، وشرور يوم القيامة، والمصير إلى النار الموقدة (ٱلَّتِی تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ) الذين تُخزِي أربابها والداخلين فيها.
(رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار * ربَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا).
ولقد سمعنا المنادي، وكان من آثار الاستماع له:
فالحمد لله على هذه النِّعَم، ونسأله المزيد من الجود والكرم، وأن يُتِمَّ علينا النعمة.
تمام نعمة الإيمان في عالم الدنيا بــ: زِيادة هذا الإيمان، وقوَّتِه، وثباته، ورسوخه؛ حتى يتمّ التمكُّن في علم اليقين، ثم التمكُّن في عين اليقين.
ومن المخصوصين على ظهر الأرض من خواصِّ ورثة النبيين؛ مَن يحوزون الرُّقِيَّ إلى حَقِّ اليقين.
ونتائج ذلكم من علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين: التَّنَزُّه الكامل عن العبودية لغير الله، التي يقع فيها أكثر المُكلَّفين على ظهر هذه الأرض مدة هذه الحياة القصيرة! فيكون مكسبهم من هذه الحياة القصيرة: خِزيُ الأبد، وعذاب الأبد وشقاء الأبد، والبُعد والطَّردُ المؤبَّد، ولعنة الجبار -جَلَّ جلاله-، ولعنة من في السماء ومن في الأرض! (أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) -والعياذ بالله تبارك وتعالى-!
وما ذاك إلا أنهم وقد وصلهم نداء هذا المنادي والنبي الهادي فأعرضوا وتولوا واستكبروا، واستحسنوا وآثروا أن يصغوا لنداءات الأهواء والنفوس! من قِبَلهم أو من قِبَل بني جنسهم، يخاطبونهم بأهوائهم ونفوسهم، فيتّبعونهم.. يرسمون لهم الفِكر، ويرسمون لهم السَّيْرَ والسلوك.. فيرتضونهم ويتركون ما رَسَم ملك الملوك! وما دعا إليه حبيبه المصطفى محمد ﷺ في قويم الهدى والسير والسلوك! فيعصون الله ورسوله، ويتبعون الأهواء والشهوات! فحالهم حال مَن انقطع عن ركب الأنبياء..
فيما قال ربكم -جَلَّ جلاله- بعد أن ذكر عددًا من كبار أنبيائه وأصفيائه في سورة مريم- ذكر زكريا ويحيى وعيسى بن مريم ومريم، وذكر إبراهيم وذكر موسى وذكر إسماعيل وإدريس وقال: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ)، وذكر وصفهم الأعظم في التحرر عن أن يُستعبدوا لغير الله الأكبر الذي خلقهم -جَلَّ جلاله- فوصفهم عند تلاوة الآيات يَخِرُّونَ سُجَّدًا في بكائهم للرب المعبود -جَلَّ جلاله-! وكان هذا مظهر التحرر للبشر على ظهر الأرض.
ألا: كل من لم يصل إلى نعيم السجود الحق للإله الحقّ؛ فهو واقعٌ في أَسْرِ عبوديةٍ لغير الحق! وهذا غاية الهوان، وهذا باب الخسران، وهذا سببُ الوصول إلى النيران!
فالله يُحققنا بحقائق السجود، وما يصحب تلك الحقائق من معرفة المعبود التي بها تدمع العيون.. تدمع العيون معرفةً، وتدمع العيون خوفًا وهَيْبَةً، وتدمع العيون محبة وشوقا، إلى من خلَق -جلَّ جلاله-، وإلى كريم لقائه، وإلى سماع سلامه.. (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) و: (سلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ * وامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)، فلا سلام ولا لقاء (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فانظر الفرق الكبير بين المَكْسَبَيْن!
كلهم عاشوا على ظهر الأرض، وكلهم نُودُوا بنداء واحد، وكلهم كُلِّفُوا بتكليف واحد؛ فهذا لبَّى المنادي، واستجاب للهادي، وصدق مع الله في الخافي وفي البادي؛ فغَنِمَ وكسِب من هذه الحياة القصيرة عجائب كبيرة، ونعيمًا لا ينفد، وقُرَّةَ عَيْنٍ فيها يُخلَّد (وإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)، (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب)، (لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا)، (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار).
فماذا كَسِبَ المُدّعون للفهم بالوهم؟ والمدّعون للعلم بالجهل؟ والمدّعون للسعادة بالشقاء؟!
هم في شقاء ويدّعون السعادة! ماذا كسبوا؟!
(أفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُون * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُون)،
(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)!
يقول لنا الجبار ويقول لهذا المُغَفَّل: ولو عِشتَ على ظهر الأرض ألف سنة.. فماذا بعدها يا أهبل؟ (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ)!
تِعمَّر الألف.. غيرك قد عُمِّر ألف! لكن منهم في طاعة الله.. كالنبي نوح ومن معه من المؤمنين، والصادقين من الأمم السابقة، تعمّروا الألف في طاعة الله؛ فحازوا الخيرات.. لا بـ(11:32) في الدنيا ولا بطول العمر في الدنيا.. ولكن بــ:
وغيرهم تعمَّر ألف وفوق الألف في مثل ما تتمنى أنت يا مجنون يا أهبل، ما تتمنى من طول العمر.. تتعمر ألف سنة؟! تعمّروا في مثل عملك هذا، وفي مثل زيغك وضلالك وكفرك هذا.. فما أغنى عنهم تلك المتعة؟
من حين غَرِق المُكَذِّبون بالنبي نوح.. كم لهم سنين؟ هم تعمَّروا، منهم من تعمّر الألف، ومنهم من تعمر زيادة على الألف، ومنهم من تعمّر تسعمائة، ومنهم من تعمر ثمانمئة، ومنهم من تعمر خمسمائة.. وما إلى ذلك، لكن كلهم من ذلك اليوم.. يوم فُجِّرَت الأرض عيونا، من يوم (ففَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)، من ذاك اليوم إلى اليوم وهم في نكال، في وبال، في عذاب، في صياح، في ألم، في نكد، في شدة! وهي مصير كل من كذَّب.. في أي زمان وفي أي مكان! تعمَّر في التكليف يومًا واحدًا أو عشرين سنة أو سبعين سنة أو أقل أو أكثر، وهو بالكفر أبى الاستجابة لهذا النداء؛ فهذا المصير له ألَمٌ ونَكالٌ وعذابٌ وشدةٌ وطردٌ وغضب وسخطٌ.. أبدي مستمر! وشقاوة لا غاية لها!
فيَا أهل العقول: والله ما رَبِحَ في هذه الدنيا مَن أخذ أموالها، ولا تمكَّن من سلطانها، ولا جيَّش الجيوش، ولا قاد العساكر! ولا أحد من أهل هذه المظاهر كلها -وهو منقطعٌ عن الله ورسوله- والله ما هم بصَدَدِ فوز! ولا بصدد سعادة! ولا بصدد بشارة! ولا بصدد رفعة! ولا بصدد علوّ.. ولا ذرة من ذلك! ما معهم شيء من هذا!
هم بصدد الخزي، هم بصدد النكال، هم بصدد الطرد واللعن -والعياذ بالله تبارك وتعالى-!
الفوز كل الفوز للمتقي، لمن أجاب هذا النداء!
ولقد نادى وقام بهذا النداء قبله عنه بأمر الله تعالى أنبياء ورسل، ونادوا الناس إلى أن يعرِفوا ربهم الذي خلقهم، ويمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه، ويأخذوا من مائدةِ فضله عليهم في الحياة ما أباحَ وأحلّ لهم، ويستعدوا للقائه؛ ليربحوا الرِّبحَ الأكبر، ويفوزوا الفوز الأكبر، وينعموا النعيم الأبدي، ويأخذوا السعادة السرمدية.
بهذا أرسل الله أنبياءه.
ولا طريق إلى سعادة الأبد ولا إلى الفوز المؤبَّد ولا إلى النعيم المُخَلَّد؛ إلا بالاستجابة لهؤلاء الرسل (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ).
(أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) اجعلنا اللهمّ منهم ومن خواصِّهم، يا رب كل من في مجمعنا وكل من يسمعنا ويشاهدنا.. اجعلنا وإياهم، ومن في ديارنا، ومن له قرابة بنا، ومن في جوارنا: من الذين آمنوا بالله ورسله، وزِدنا إيمانًا في كل يوم وكل ليلة وكل لمحة وكل نفس.
وإن كانت الأيام والليالي وساعاتها سبب لحيازة الزيادة من هذا الإيمان؛ ففي مثل ربيع الأول أكبر وأكثر، وأبهر، وأنور.
في مثله وُلِد من نادى إلى الإيمان، أكرم مَن نادى إلى الإيمان، أعظم من نادى إلى الإيمان أطهر من نادى إلى الإيمان، أجلّ من نادى إلى الإيمان، أحبّ من نادى إلى الإيمان إلى الله -جَلَّ جلاله- صلوات ربي وسلامه عليه..
فازدادوا إيمانًا، وازدادوا يقينًا، بــ:
يا ربِّ أكرمهم بهذا النبي، كرامة ترفع بها الضيق والحرج، وتفتح أبواب الفرج، يا حي يا قيوم، يا رحمن يا رحيم، يا عليُّ يا عظيم، يا عليم يا حكيم، يا أوَّلُ يا آخر، يا باطن يا ظاهر، يا أكرم الأكرمين؛ زدنا إيمانًا ويقينا.
ولقد مرَّ عليكم ربع الشهر الكريم وثلث الشهر الكريم -وأنتم في ليلة الثلث منه الأول- والله يجعل باقي الثلثين خيرًا لنا ولهذه الأمة كلها فيما يمنّ به من إشعاع نور الإيمان في القلوب، يا حيُّ يا قيوم يا رحمن يا رحيم.
وما تضرَّر شبابنا ولا شاباتنا بكلمات أهل الأهواء والشهوات والأنفس الأمَّارة ومشاريعهم وأفكارهم وخططهم؛ إلا لضعف الإيمان في قلوبهم، إلا لنَقصِ الإيمان في قلوبهم! ولو امتلأت القلوب بهذا الإيمان..! قال هرقل لأبي سفيان قبل إسلامه: هل يرتد أحد ممن تبع محمد سخطًا لدينه؟ قال: لا! ما سمعنا أحد يرجع. قال: كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.
مع أنَّ المؤمنين الأوائل لاقوا شدائد ولاقوا مضايقات من الدول والحكومات ومن قبائلهم ومن مجتمعاتهم، ولكن ما ارتد منهم أحد! ولا رجع منهم أحد!
وقال سيدنا سعد لأُمِّه -وهو البارّ بها قبل إسلامه وما زادَهُ الإسلام إلا زيادة بِرّ بوالدته بعد أن أسلم- وتحاول أن يكفر وهو ثابت على الإيمان، وجاء بعض قرابتها وأصحابها من شرار الكفار، قالوا إنه يعزّك ويَعزُّ عليه مشقّتك فقومي في الشمس وقولي لا أستظلّ ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد، وجلست في الشمس تتعرَّض، وجاء.. ما لك؟ تفضلي يا أمي ادخلي؟ قالت لا، لا أستظل ولا أكل حتى تكفر بمحمد. قال يا أمي اطلبي أي شيء مني تريدينه أعطيك إيَّاه، أمَّا هذا فلو كان لك مائة نفس إلى نفسك وخَرَجَت أمامي واحدة بعد الثانية ما كفرتُ بمحمد!
ما كفرتُ بمحمد!
ورأت إيمانًا ويقينًا! هابَت علوّه ونورانيته! دخلت (20:18) ما شي فائدة، تعرف ما تستطيع تردُّ قلبًا عرف الله، اصطفاه الله، سَمِعَ النداء من خير منادي.. الحبيب الهادي، دخلت بشاشة الإيمان إلى قلبه!
وفي هذا نادى سيدنا بلال تحت الأغلال والقيود والضرب وبطحاء مكة الحارة: "أَحَدٌ أَحد، أحدٌ أحد" -عليه رضوان الواحد الأحد جَلَّ جلاله وتعالى في علاه -.
أيها المؤمنون: هذه مكاسب الإيمان في الدنيا: ثباتٌ وصدق مع الحق، تحفُّه ألطافه، وعناياته، وتأييداته، ونصراته، ورعاياته، وتوفيقاته، وهباته المتوالية.. هذا وهم في الدنيا!
والنتيجة لكسب هذا الإيمان في الدنيا، والرقي في مراقي اليقين: (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ).
ودون ذلك: (خَیۡرࣱ مُّسۡتَقَرࣰّا وَأَحۡسَنُ مَقِیلࣰا) في جنَّاتٍ (لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)، (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ..) شوف السَّاقي مَن! (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ)! (رَبُّهُمْ)! إيش تتخيل سقي الرَّب هذا؟! (..وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا).
هذه الحقيقة! قال رَبُّ الخليقة لخير الخليقة العروة الوثيقة: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا) لا مرجعيّتك إلى فكر إنسيٍّ ولا جنيٍّ ولا مَلك؛ بل الرب الإله أنزل عليك هذا القرآن (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا * فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)، وقل لهم طريقي ومسلكي: وَلَعٌ وتعلُّق بهذا الرب وكثرة ذكر الله (واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * ومِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا).
تريد حقيقة ما يعيش فيه هؤلاء المكذبون والكافرون والمبعودون عن الله، من ثقافات ومن حضارات ومن حركات ومن أنظمة؟ (إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ..) هذا تحليلهم في القرآن (إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا).
قال الله ما لهم لا يعقلون؟ مَن خلقهم؟ مَن أوجدهم؟ أحزابهم أم أنظمتهم؟ أم المُنَظِّرين الذين يُنَظِّرون لهم في أحزابهم وفي وزاراتهم؟ مَن خلقهم؟!
(نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) وهم ما يعقلون؟!
كم أفنينا من أمثالهم؟ كم أبَدْنَا من أمثالهم؟ كم أهلكنا من أمثالهم؟ كم أمَتْنا من أمثالهم؟ ما يعقلون؟!
لا يدرون من خلقهم؟ ولا يعتبرون بما أمام أعينهم بمن مضى قبلهم؟!
(نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا) قبضتهم بأيدينا، نواصيهم بأيدينا، خواطرهم وأفكارهم وأعمالهم بأيدينا، وتحت علمنا وإرادتنا وإحاطتنا (أمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)، (وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ..) أهلككم!
ظننتم أنه ما يعلم؟ ظننتم أنه ما يطّلع؟ ظننتم أنه ما يقدر؟ ظننتم أنكم لا ترجعون إليه؟ ذلكم الظنّ الخبيث السيء!
(وذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ..)، فانتهت أمامهم جميع الفرص (..فإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ * وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم) يُزيّنون هذا الباطل، يُزيّنون هذا الحقير، يُزينون هذا الزائل، يغرون شبابنا وشاباتنا بشهوات المخدرات أو المسكرات أو الفواحش أو الكلام الفارغ! أو صورة التروَّح والتروحن! وما عندهم شيء من حقائق الراحة ولا حقائق الطمأنينة!
اجعل قلوبنا مطمئنة بذكرك يا رب.
وكم يَكْسَب أهل هذا المَكْسَب من أهل الإيمان واليقين في البرازخ ويوم القيامة! (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، يوم ما تعمَّر به أحد من البشر فيه مثل مقدار اليوم الأول هذا يوم القيامة (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، ولا الأمم التي تعمَّرت قبلنا أعمار طويلة ما أحد وصل هذا.. كل بقاءهم في الأرض بالنسبة لأفرادهم قليل قليل قليل..
ثم مجموعُه من أول خَلْق آدم إلى آخر واحد عندما تقوم الساعة؛ بالنسبة للحظة من لحظات القيامة قليل، يَضعُف أمام لحظة من لحظاتها.. فكيف بيوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟! (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا).
و: «كلُّ ما هو آتٍ قريبٌ»، (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ).
فيَا أهل الجمع: هل سمعتم النداء؟ هل سمعتم المنادي؟
(رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ)، هذا القرآن الذي تقرؤونه من ندائه، هذه السُّنَّة التي تدور بينكم من ندائه، هذه الأعمال الصالحة التي تقومون بها من ندائه، هذه المواعظ التي تُتلَى عليكم والشعر والنثر في أوصاف الله وأوصاف رسوله من جملة ندائه! ما سمعتم المنادي؟! (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ).
فيَا ربَّاه: كل قلب مِنَّا أكرِمه بسماع هذا النداء، سماعًا مُحقَّقًا؛ يحوز به الرُّقِي إلى ذروة الإيمان واليقين يا أكرم الأكرمين.
(سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ) كيف ما نسمعه وهو في ندائه بكى! وهو في ندائه هاجر، وهو في ندائه رُمِي بالحجارة! وهو في ندائه شُقّت شفته! وغَرِقَت حلقتا المَغْفَر في وجنتيه حتى ما خرجت بسهولة ولا يُسْر!
وتسابق الصدِّيق مع سيدنا سعد، يقول له سيدنا سعد: خلّها لي يا أبا بكر. وأدخل أصبعه في الوجه الشريف ليُخرج حلقة ذلك المِغفر التي غَرِقَت في وجنته، فبالقوة تَحَامَل عليها حتى ما خرجت إلا بخروج ضرسه! خرج الضرس من الصحابي سيدنا سعد.. باقي الضرس الثاني، اتكأ على الثانية وخرجها فخرج الضرس الثاني.
فكان أَهْتَم يُتعَجَّب في جماله! الثنِيَّتين خرجَت.. لكن كُسِي بنور وجمال تَعْجَب منه لمَّا يتكلم ولمَّا يتبسَّم! ويقولوا ما رأينا أَهْتَم أجمل من هذا! أجمل من كامل الأسنان! خرَّج سِنُّه من أجل يُخرِج الحديد من وجنتي الحبيب ﷺ!
وفازوا والله!
وجمع الله شهداء أحد وقال تمنوا علي ما شئتم؟ قالوا يا ربنا مرة ثانية مع هذا الحبيب نموت في سبيلك.. نُقَتَّل ونُقَطَّع!
مُثَّل بهم! بُقِرَت بطونهم! جُدِّعَت أنوفهم! قُطِّعَت آذانهم! ومع ذلك قالوا نبغى واحدة ثانية كماها!
لأنهم رأوا المَكْسَب، رأوا النتيجة، رأوا الثمرة من هذا! تمنوا زيادة في الجنة نفسها..تمنوا؟ قالوا إلا واحدة ثانية كما هذه، ما شفنا شيء أرضى لك من هذا، نبغى منه هذا النوع العجيب! ثاني مرة رُدَّنا للأرض نقوم مع نبيك.. لا نبني ولا نزرع.. إلا لنُقَاتِل مع نبيك ونُقتَل واحدة ثانية كما هذيك!
شافوا كأسها حالي قالوا بغينا مثل الكأس هذا الزين! قال الرحمن إنه سبق القضاء مني أنهم إليها لا يعودون، قالوا ربَّنا فأبلغ عنَّا مَن وراءنا أنَا لقيناك فرضيتَ عنَّا وأرضيتنا، فأنزل الله: (ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين) عليهم رضوان الله.
وقبل نزول الآية وهذا الخبر وقف النبي عليهم يقول: «أَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،…، (فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ، زيادة للحديث ما ذكرها الحبيب/تُحذف بـ ثلاث نقاط (...) أو تبقى؟) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا رُدُّوا عَلَيْهِ»، عليهم رضوان الله..
سمعوا النداء، وسمعوا المنادي، وعَشِقوا المنادي ومن ناداهم إليه؛ فماتوا على حُبِّ الله وحُبِّ رسوله… صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله.
وهكذا لم يزل الأمر بهم -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- يقول ﷺ في هذه الغزوة: من ينظر لي خبر سعد بن الربيع؟ لِمَ قال من ينظر لي خبر سعد بن الربيع؟ يعلَم ما في قلبه من إجابة النداء، يعلَم ما في قلبه من نور الهدى. مَن يأتي لي بخبر سعد بن الربيع؟ قال أحد الصحابة: أنا يا رسول الله، قال: قُم. قام يدوّر في الجرحى عند القتلى حصَّله في آخر رمق وقد صَعُب عليه الكلام مغمض عينيه: سعد بن الربيع، مرحبا؟ ، رسول الله يسأل عنك، قال لمَّا ذكرت اسم رسول الله فتَّح عينيه، قال: رسول الله ذكرني؟! قال نعم هو يسأل عنك، قال: قل له إني في الموتى، وقل له جزاك الله عنَّا خيرا، وأبلغ أصحابنا من الأنصار.. روح كلم الأوس والخزرج.. جماعتي وأصحابي هؤلاء وقبيلتي.. قل لهم أن سعد بن الربيع يقول لكم أنه لا عذر لكم عند الله أن يُخلَص إلى نبيكم ﷺ وفيكم عين تطرف. إذا عاد عين تطرف منكم على ظهر الأرض لا عذر لكم أن أحد يخلص إلى النبي ولا يمسَّ النبي ولا يصل إلى النبي! قل لهم يقول سعد هذا، وقضى نحبه.. مات عليه الرضوان على هذه المحبة وعلى هذا الشعور.
فأين سعد اليوم؟ ومن ذلك اليوم إلى اليوم وهو في سرور، وفي أُنس وحبور، وفي رضوان من العزيز الغفور، وفي جود يَزِيد على مدى، والمُقبِل عليها أكبر من الذي مضى!
فعليهم رضوان الله.. رَبِحُوا وفازوا
(رَّبَّنَاۤ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِیࣰا یُنَادِی لِلۡإِیمَـٰنِ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّا).
وهذا المنادي وشهر ميلاده جاءكم، فأحسنوا التلبية والنداء، أبعدوا قِيادات الأهواء، وأهل الأهواء والشهوات من دياركم، ومن ألبستكم، ومن مناسباتكم، ومن معاملاتكم، لا يصلحوا أن يقودنا هؤلاء البعداء عن الله! أقيموا قيادة محمد، فليقُدْنَا رسول الله في ألبستنا، وفي أطعمتنا وأشربتنا، وفي حالة أُسَرِنا، وفي مناسباتنا.. فليقُدنا رسول الله!
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ)، فأعِد سماع النداء حتى يكون مُقتداك في سائر شؤونك وأحوالك، وأبشِر إذا ثبتَّ على ذلك فرؤيته قريبة، ولقاؤه قريب، ومرافقته الكبيرة قريبة لك..
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحق والهدى..
بحرمة هدينا ومحيي قلوبنا ** ومرشدنا نَهْجَ الطريق القويمةِ
دعانا إلى حَقٍّ بحَقٍّ مُنَزَّل عليه ** من الرحمن أفضل دعوةِ
أجبنا قَبِلنا مُذعِنِينَ لأمره ** سمعنا أطعنا عن هدى وبصيرةِ
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا رَبِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا رَبِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا رَبِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ
وعُمَّ أصولًا والفروع برحمَةٍ ** وأهلًا وأصحابًا وكُلَّ قَرَابَةِ
وسائر أهل الدين من كل مسلمين ** أقام لك التوحيد من غير ريبةِ
وبارِك لهم في هذا الشهر، وافتح لهم أبواب الفرج من كل كرب في السر والجهر، يا الله.. تدارَك وأنقِذ يا حيّ يا قيوم أهل غزة، وأهل الضفة الغربية، وأهل أكناف بيت المقدس، وأهل الشام، وأهل العراق، وأهل السودان، وأهل ليبيا، وأهل اليمن، والمسلمين في المشارق والمغارب.. غياثًا عاجلًا، لطفًا شاملًا، دَرَكًا سريعًا، منًّا وسيعا، فرِّج الكروب، ادفع الخطوب، أصلح القوالب والقلوب، تُب علينا لنتوب.
يا حيُّ يا قيُّوم: هيئ أرواحنا وأعيننا لنظر وجه حبيبك في الدنيا والبرزخ والآخرة، وهيئنا للدرجات العلا من الجنة، واجعل ذلك من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب ولا توبيخ ولا عقاب.. يا ربَّ الأرباب، يا مُنزِل الكتاب يا حي يا قيوم، يا كريم يا وهاب.. يا الله.
توجَّه إليه، وأَحضِر قلبك بين يديه، وعظِّم شأن ألوهيته ربوبيته، وقل: يا الله، أغثنا يا مغيث بالغياث الحثيث، وادفع عنَّا شَرَّ كُلَّ خبيث.
اجعل هذا الشهر من أبرك الأشهر على أمة الحبيب.. ظاهرا وباطنا، يا حي يا قيوم يا قريب، يا واسع يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا مجيب..
يا الله: إليك وإلى حضرة جودك وكرمك مددنا أيدينا، وأنت الأعلم بظاهرنا وخافينا، فكن لنا يا ربَّاه بما أنت أهله حيثما كُنَّا، وأسعِدنا برضوانك عنَّا أينما كُنَّا، وتولَّنا بما أنت أهله في الحِسِّ والمعنى، واختم لكل فردٍ مِنَّا من جميع الحاضرين والسامعين ومن والاهم بأكمل الحسنى.
وهيئ قلوبنا لسماع نداء المنادي الذي نادانا إليك، ودلَّنا عليك، اللهم أكرم كُلَّ قلبٍ مِنَّا بحُسنِ السَّمَاعِ والاستماع، والتلبية والنداء، وحسن الإجابة..
يا الله.. يا الله
من غنائم عمرك بين يديه؛ أنت تدعوه وتناجيه وهو يسمعك وينظر إليك، فقل له: يا الله ..يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا غوثاه.. يا ربّاه.. يا حيّ يا قيّوم.. يا الله..
(رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ) (وَتُبۡ عَلَیۡنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ) وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.. والحمد لله رب العالمين.
09 ربيع الأول 1446