عظمة الإيمان بالرحمن وما يثمر من عجائب هدايات لا غاية لها ولا نهاية

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 20 جمادى الآخرة 1444هـ بعنوان :

عظمة الإيمان بالرحمن وما يثمر من عجائب هدايات لا غاية لها ولا نهاية

 

نص المحاضرة:

 

الحمد لله، يهدي الله لِنورهِ من يشاء، اللهم اهدِنا فيمن هَديت، وأدِم لنا الهِداية ووَسِّع لنا آفاق الهِداية، وارفعنا في مراتِب الهِداية وبَوِّئنا أعلى ذُرَى الهِداية، بِرَحمتكَ يا أرحم الراحمين.

(إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الحمد لله رب العالمين.

(وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

أكرِمْ بهِ من مُبَيِّن، أكرِم به من مُعَلِّم، أكرِم به من هادي، أكرِم به من مُرشِد، أرسلَ إلينا خير خَلقهِ وأجلَّ عبيده وأفضل أهل وُجُودهِ خاتمَ النّبيِّين وسيِّدِ المُرسلين حبيبَ رب العالمين، بالهدى ودين الحقِّ لِيُظهِرَهُ على الدينِ كلِّهِ ولو كَرِهَ المشركون.

فحمداً لِرَبٍّ خصَّنا بِمُحمَّدٍ ** وأخرجنا من ظُلمةٍ ودَيَاجرِ

إلى نورِ إسلامٍ وعلمٍ وحِكمةٍ ** ويُمنٍ وإيمانٍ وخيرِ الأوامرِ

وطَهَّرنا من فعل شِركٍ وخُبثهِ ** وإفكٍ وظُلمٍ واقتحام الكبائِرِ

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على من به هديتنا وعلَّمتنا وأرشدتنا وخيرَ أُمَّةٍ جعلتنا عبدكَ المُصطفى مُحمَّد، وعلى آلهِ مُستودَع أسرارهِ وعلى أصحابهِ مُقتبسي أنوارهِ وعلى من وَالاهُ فيكَ واتَّبعَ لآثارهِ، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياء والمُرسلين المُبشِّرينَ به والنّاشرينَ لِأخبارهِ، وعلى آلهِم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتِكَ المُقَرَّبين وجميع عبادكَ الصَّالحين، وعلينا معهُم وفيهِم بِرَحمتكَ يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.

جمعتنا بِفَضلِكَ مؤمنينَ فَزِدنا إيماناً واهدِنا، فإنَّ الكثير من عِبادِكَ ضَلُّوا إذ أعرَضوا عنكَ وَتَوَلَّوا، واتَّبَعوا الشَّهَوات والأهواء وآثَرُوا الدُّنيا الحقيرة فاغترُّوا بها، وهُم يُوقِنونَ أنَّهُم يتركونَها وتتركهم ويُفارِقونها وتُفارِقُهُم، ولكِنَّهُم أُشرِبُوا في قلوبهم العِجلَ فَسَكِروا في مَحبَّتِها ولم يُبالوا بِشَيء وعطَّلوا مُهِمَّةَ ومِهنَةَ عُقولهم، وقد آتَيتَهُم إيّاها لِيُبصِروا بِها أنوارَك ولم يُحسِنوا استخدامها وسَخَّروها لِلأهواء والأنفُسِ والشَّهوات، وتولى قِيادتهُم عَدوُّكَ وعَدوَّهُم (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) ، (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).

اللهُمَّ اغمُر كُلَّ جالِسٍ معنا ومن يسمعُنا بأنوارِ عبادتِكَ الخالِصةِ التَّامَّةِ الكاملةِ المقبولة، وأعِنَّا وإيّاهم على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عِبادتِك، (وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)، هذا مصير الذين انقطعوا عن الله واتبعوا عدوّه (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ * إلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ).

يُمتِّعهُمُ الله مِن حِينٍ إلى حِين لِيَعتبِر من يعتبِر ويدَّكِّر من يدَّكِّر ويتَبَصَّر من يتَبَصَّر ويتنوَّر من تَنَوَّر ولا يهلِك على اللهِ إلا هالِك، والعالَمُ بِما فيهِ مُسبِّحٌ بِحَمدِ المالِك جلَّ جلالُه، يدُلُّ على الحق وطريق الحق من استبصَر ومن أنصفَ ومَن أحسنَ الفِكرَ لِمَ خُلِق؟! ومَنِ الذي خَلق ولِماذا خَلق! وكيف الاستعدادُ لِلِقائِهِ والرُّجوع إليه جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه.

وكُلُّ من آمنَ بهذا الإله فإنَّ الربَّ يهديهِم بإيمانهِم، بِبَذرةِ الإيمان ونور الإيمان إذا حلَّت في قلبٍ من القلوب - مكِّنِ الإيمان يا ربِّ في قلوبنا وزِدنا إيماناً في كُلِّ لَمحة وفي كلِّ نَفَس - تبعاتها أسرار الهداية من الذي آمنوا بهِ جلَّ جلالُه فَيهدِيهم إلى الصِّراط المُستقيم.

قال جلَّ جلاله: (إنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) اجعلنا مِنهُم ومِن خَواصِّهِم يا ربِّ، (وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وَيلٌ لهم، (وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) جلَّ جلاله.

يقولُ لنا: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتقيم) اللهمّ اهدِنا فيمن هديت.

(وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) فتنتشر الهِدايات وتتوالى على من آمنَ بالله، فيُهدى إلى الأجملِ وإلى الأكملِ وإلى الأفضلِ وإلى الأنسب وإلى الأطيَب، في نِيَّاتِه وفي مقاصدهِ وفي مُراداتِهِ وفي أقوالهِ وفي أفعالهِ وفي مُعاملاتِهِ، ويُهْدى إلى عَظَمَةِ الخالِق الذي خلقَ فَيَعرِف عَظَمةَ من عظَّم من ملائكتهِ ورُسُلهِ، فَيُوقِن أن ليس في خَلقِهِ وما أوجد جَلَّ جلالُه أكرَمَ منهم ولا أعظم مِنهُم، ولِذا جعل الإيمان بهم شرطاً للإيمان بهِ.

(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فاجعَلْ قُلوبنا وقلوب الحاضرين والسامعين قائلة هذا القول بحقٍّ وصِدق يا ربِّ.

(وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) من باتَ الليلة وقلبهُ قال بِحقٍّ سمِعنا وأطَعنا لِهذا الإله أشرقَ النور وانبثَّتْ لهُ الهِدايات بِأصنافِها في باقي عُمره كله (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ، ونِظامهُ ومنهجهُ وشريعتهُ وتكليفهُ يَسيرٌ سهل (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ).

وفي ضعفهِم وعجزهِم وإنابتهِم إليه وإيقانِهِم أنَّ الأمرَ له وحدَهُ وأنَّ بِيَدهِ فوزهم وسعادتهُم وصلاحهُم في الدَّارين توجَّهُوا إليه جلَّ جلالُه وتعالى في عُلاه، (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعفُ عنا واعفُ عناّ واعفُ عنّا (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا) واغفِر لنا واغفِر لنا، (وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فانصُرنا على القوم الكافرين، فانصُرنا على القوم الكافرين، يا قويُّ يا مَتين يا الله.

يا من أُكرِم بِالإيمان أحسِنْ طلبَ الهِداية فإنّ الهادي يمُنُّ بالهِداية هِدايةً بعد هِداية بلا نِهاية ولا غاية، وأشارَ إلى خُصوصِيّةٍ فيها في قوله: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) وإذا هُدِيَ القلب فما القالَب إلا تَبَع، وإذا هُدِيَ القلب فالقلبُ محلَّ المعرفة، وإذا هُدِيَ القلب عرفَ الله، عرفَ الله المعرِفة الخاصة، وكلما ازدادتْ مَعرِفتهُ ازدادتْ محبّتُه فأحبَّ الله، فأحَبَّ الله حتّى يكونَ الله ورسولُهُ أحبَّ إليهِ مِمَّا سِواهُما، فَيَذوق طِيبَ الحياة وهناء الحياة ولذّةَ الحياة وخير الحياة وشرف الحياة وكرم الحياة، وأكبر وأجلُّ وأعظم منها ما هو في عُقباهُ بعد هذه الحياة، فخيراتُ هذه الحياةِ لهم وحدهُم وما بعدها أطيَب وأرحب وأنسب وألذ وأهنى وأشرف وما بعد ذلك أعظم، ولم يأذن الحقُّ جلَّ جلالُه إلا أن يكون في مرتبة: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

ربنا آمنّا فاهدِنا الهِدايات الكُبرى وتَوَلَّنا في الدُّنيا والأخرى، (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) فإن كان أحدٌ في الشَّرقِ أو الغربِ يُمْكِن أن يحمِلَ لِلنَّاسِ حقيقة السَّلام فهُم هؤلاء، ما جاءوا بِمَعنى السلام ولا بِحَقيقتهِ ولا بِأصْلهِ ولا بِمسارهِ ولا بِكَيفيَّة تطبيقهِ مِن فِكرٍ بشري ولا من تجربة ولكن الأمر فوق ذلك (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ).

(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) الإله السَّلام الخالق العلَّام يهديهم سُبُل السلام، فمن غيرهم يأتي بالسّلام؟! يا من تعلَّقتُم بِأذيالِ من وهمتُم أن يأتوكُم بِالسَّلام في شرقِ الأرضِ وغربها ومن قبْلِ عشرات السنين تحَوَّل بِكُم العالَم إلى مُعسكرَين، مُعسكر في الشرق ومعسكر في الغرب، ثُمَّ تعلَّقتْ قلوبٌ مِنكم بِأهلِ الشرق وقلوبٌ بأهلِ الغرب وابتغيتُم عِندهُم السلام ومرَّت عشرات السنين ما جاؤوكم بسلام، وضربوا ناقوسَ الحروب بينكم وتُضْرَب الآن بينهم، فاطلبوا السلام مِن محلِّهِ، اطلبوه من أهلهِ، اطلبوهُ من مكانهِ، إنّهُ عِندَ قَومٍ قال ربُّ العرش عنهم: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ).

ووسط المعارِكَ الفِكريَّة والمعارِك الاتِّجاهيَّة بِأنواع الاتِّجاهات (وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) الحقيقة عندهم والنور عندهم والآخرون في الظُّلمة (وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بإذنه) ، والأمرُ أمرُه بإذنِهِ، والأمرُ أمرُه والقرار بِيَدهِ والمُلْك مُلْكهُ وهو صاحب المَملكة (قُل اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

يهديهم سُبُل السلام بإذنه، (وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) أي صِراط؟ صِراط الله.. صِراط الله الذي جعل اللهُ الهُداةَ إليهِ والدُّعاةَ عليه أنبيائه وخلفائه، وخاطبَ الرأس مِنهم فقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ).

(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) يا من أرادَ صِراطاً مُستقيماً في فِكرٍ، يا من أراد صِراطاً مستقيماً في خَلقٍ، يا من أراد صِراطاً مُستقيماً في اجتماعٍ، يا من أراد صِراطاً مستقيماً في علاقاتٍ بين الخلقِ هذا الهادي إلى الصِّراط المستقيم بإذنِ الإلهِ الخالق العظيم العليم الذي أحاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلْماً، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، وما عدا ذلك غرور لأنَّ الحقيقة كما قال ربُّكم القوي القادر الغفور: (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).

يا حاضرينَ في الشَّرقِ والغرب من الإنس والجِن من يطول عمرُهُ ومن يقصر، ليس مرجعي ولا مرجِع أحد منكم، ولا مرجِع شعوب ولا مرجِع الدُّوَل بعضها إلى بعض إلى مجلِس أمن ولا أمَم مُتَّحِدة، ولا دولة كبرى ولا دولة صغرى ولا إلى شرق ولا إلى غرب، ولكن مرجعي ومرجعكم ومرجعهم أجمعين لِواحد اسمُه الله (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).

وكم مَن نَصَبَ قبلهُم شِباكَ الإيهامِ والوَهمِ والخيال والضلال و (قَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) وقال: (وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) وقال: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وقال: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، و (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)، فما رأينا العاقِبة؟ أنَّ أحد مِن هؤلاء لا نمرود ولا قارون ولا فرعون ولا عاد ولا هود ثبتوا على الأرض، ولا قاموا بمُلكٍ ولا بِسيطرة ولا بِقُوَّة.. ما الذي رأينا؟! رأينا ما قال الحقُّ الذي يَنطِقُ بِالحقِّ وهو أصدقُ القائلين: (فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ).

ومِن سُكْنى المُرسلينَ الأرض مِن بعدهم استمرَّت السِّلسِلَة حتى مجلِسكم هذا، (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ)، قال الله هذا لِمَن لخصوص الرُّسُل؟ (ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) مَن عرفَ عَظَمتي خافَ مقامي، جلالي، كِبريائي، إحاطَتي بِكُلِّ شيء، قُدرتي على كل شيء، وخاف وعيدي الذي توعَّدتُ بهِ مَن كفر ومن عصى ومن أدبر ومن استكبر، وقلتُ لهم: (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا).

(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) ، (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) ، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

(ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) وما دام على ظهرِ الأرض مَن يخافُ المقام من القلوب ذات الأنوار الطَّاهرة المُنيرة ويخاف الوعيد فََوَعِزَّة خالق السماوات الأرض لن يبقَ السَّكَنُ على ظهرِ هذه الأرض في ظهورٍ إلا لهم وحدهُم، هُمُ الذين يظهرون وهم الذين يقومون، وكلُّ مَن عاندهُم كائِن من كان هَيئات أو أحزاب أو شعوب أو دول صغيرة أو كبيرة لهمُ الهلاكُ والدَّمار، (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).

فابعِدْ عن الجبابِرَة المُعاندين وتعال إلى الهُداة المُهتدين وركْبِ الأمين خاتم النبيِّين، وادخل في ذلك الرَّكْب فما مِثلهُ رَكْب واقرُبْ مع أهل القُرب واشرب من ذلك الشِّرب، لِتُحْشَر معه في يومٍ يحمِل لواء الحمدِ مُحمد، ولا تنشقَّ الأرض عن جسدٍ قبل جسد النبي محمد، ولا يُؤذَنُ أن يُكمَّلَ الحِسابُ لِأمَّة قبل أمّة النبي محمد، ولا يُؤذنُ أن تُوزنَ أعمالُ أمةٍ قبل أمةِ النبي محمد، ولا يُؤذن أن يمُرَّ على الصِّراطِ أمّةً قبل أمة النبي محمد، ولن يدخُلَ الجنة نبيٌّ حتى يدخلها سيِّدهُم مُحمد، ولن تدخلَ أمة الجنّة بِمَن فيها من الأكابر والمُقرّبين والعارفين والصِّديقِّين والشُّهداء والصالحين حتى تدخلها أمة النبي محمد.

اجعلنا معهُ يا ربِّ في ذاكَ اليوم وفي هذا اليوم وفي طول العمر، وعند الوفاة وفي البرازخ ويوم الوفادة معهُ يا رب، نسألك أن نكون معه يا رب يا الله.

يقول جلَّ جلاله: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ذُقْتَ لَذَّتها؟ مَعَهُ! وإذا قضى رَبُّ العرش أن يجعلك منهم ما أطيبك! ما أطيب حالك وما أطيب مآلك! معهُ، معهُ معهُ معه، لو كُرِّرَتْ على أسماع صحابة وأرباب صِدق لكادت أن تُذِيب جُلودهم وقلوبهم، (مَعَهُ) ، (نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

يا من آمنوا: هذا الهادي باسِط الموائِد لكم، اصدقوا في إيمانكم بهِ يُؤتيكم من هِداياته عجائب ويؤتيكم من هِداياته غرائب، ويؤتيكم من هداياته ما تهتدون به إلى إدراكِ الحقيقة وتُرافِقونَ خِيارَ الخليقة، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ) اليقين التام مِفتاح الهِدايات، (تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

(وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ولا تزالُ الهِداية بِهِم تَتَنَوَّع وقَدرُهُم بِها يُرْفَع ومجالهُم في القُربِ والمعرفة يتوسَّع، (يَهْدِ قَلْبَهُ)، (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) وما يرى إلا القلوب التي في حضرتهِ يُهيِّئ الله له مِنهُم قلوبٌ تتوجَّهَ إلى قلبه فيرتبِط القلب بالقلب، ويدخل في الدائرة ويتهيّأ لِمقعدِ الصِّدق ولِحَظيرة القُدس، سَمَّوها حظيرة لأنها محظورة على غير أهلها.. على مَن لم يتقدَّس، لا إله إلا الله! اجمعنا في حظيرة القُدس يا ربّنا! في مقعَدِ الصِّدقِ يا ربّنا!

في مقعد الصِّدق الذي قد أشرقت ** أنوارهُ بالعِندِ يا لَكَ مِن سنا

والمُتَّقونَ رِجالهُ وحضورهُ ** يا ربِّ ألحِقنا بهم يا ربنا

يا ربِّ ألحِقنا بهم يا ربنا، يا ربِّ ألحِقنا بهم يا ربنا.

تكرَّمتَ علينا بِسُؤال هذا السُّؤال كما سألهُ الكِرامُ المُقرَّبون مِن قبلنا فلكَ الحمد، وما نظنُّ فيك وقد أكرمْتنا بذلك إلا أن تستجيبَ لنا وأن تُنيلنا هذا المطلب.

ربّنا وقلوبنا تتحسَّر على قلوبٍ كثيرة من أمّة حبيبِك مُحمد في زماننا، رِجال ونساء صِغار وكبار لم تطرُق قلوبَهم هذا الطَّلب طول أعمارهم، ولا لهم التفات إليه بل ولا إدراك له ولا نظر إليه، وامتلأتْ قلوبهم بِقذارة طلب الفانِيات والزائِلات، ربِّ تدارك هذه القلوب وأغِثها وخَلِّصها مِن هذا البلاء، وأخرِجهم من الظُّلمات إلى النور يا عزيز يا غفور يا الله، يالله! وَمِن أين يعرفون هذا الطلب إذا ما عظَّمتْ قلوبهم إلا مظاهر الدنيا ووظائِفها وسياساتها؟ مِن أين يعرفون هذا الطلب؟ من أين يدركون هذا الطلب؟ مِن أين يتوجّهون إلى هذا الطلب؟ يا رب، أنت لِهذهِ القلوب المرضى المنكوسة الغافلة حَوِّلْ نُحْسها إلى سعادة، بَدِّل شقاوتها إلى سعادة، بدِّل إعراضها إلى إقبال، بدِّلْ ظُلمتها إلى نور.

يا مُقَلِّب القلوب والأبصار ثبِّتْ قلوبنا على دينك، وما جعلتَ في قلب كلٍّ مِنّا من الإيمان ضاعِفهُ له وبارك له فيه، واجعله يزدادُ في كل ليلة وفي كل يوم وفي كل ساعة يا الله! وتزدادُ له الهدايةُ مِنكَ يا أرحم الراحمين.

تنتهي هذه الهدايات إلى ما قال ربُّ الأرضِ والسماوات وأنزل في صريح الآيات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، وأنا من الناس وأنت من الناس.. اسمع الخطاب من رب الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) بلَّغهُ سيِّد الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ) صلى الله على البرهان، (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) سمعْتَ ربي ماذا يقول؟ أنتَ من الناس وأنا من الناس، بلَّغ سيِّد الناس عن ربِّ الناس، قال لنا ربُّ الناس: (يا أَيُّهَا النَّاسُ) لبّيك يا رب، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ) عجب عندك رَيب؟ عندك شك؟ عندك ظَنّ؟

(قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ) ارزقنا كمال الإيمان يا الله، (وَاعْتَصَمُوا بِهِ)، يا رب يا رب يعتصمُ الغافِلون بأموالهم وبأسلحتهم وبقبائلهم وبحكوماتهم وما عندهم.. تركنا هذا يا رب وارزُقنا الاعتصام بك وحدك، (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ) مَن هو هذا؟ ربي وربك، رب الخلق كلهم، (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ) في رحمةٍ منه، يُدخِلك وسط الرحمة، وصفٌ ربانِيٌّ عظيم، (فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ) رحمة منه وفضل، يا فوزك إن أدخلك فيها، كم مِن واحد الليلة هذا يدخلها.. إنس وجن، وعسى الله لا يحرِمنا، لا يحرِم الحاضرينَ منّا ولا أحد مِمَّن يسمعنا، وإلا فكثير سيدخلونها (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍۢ مِّنْهُ وَفَضْلٍ)، واصِل الكلام إيش يعطيهم؟ ويهديهم.. لكن اسمع الآن قال إلى صراط المستقيم، إلى سبل السلام، إلى كذا، لكن الآن يقول لك: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ)، إلى أين يهديهم؟ إليه، إليه، إليه! والصراط المستقيم كل ذاك سبيل.. طريق، لكن الوصول هنا: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).

يا أيها الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)، ما عاد يترك لكم مُشكلة، مُبيِّن كلّ شيء (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه)، آمنّا بك فَزِدنا إيماناً، زِدنا إيماناً، زِدنا إيماناً في كُلِّ لمحة ونَفَس يا الله، ما جعْلتَ في قلبي وقلوب الحاضرين معي وقلوب السامعين لنا من إيمان أستودعكَ إياه وأستحفظكَ إياه، وأسألك أن تُنَمِّيهُ وأن تزيده وأن تكثِّرَهُ وأن تُضاعِفه يا الله، وهو عِندَك وديعة لنا حتى نلقاكَ مؤمنين.

ربِّ احيِنا شاكرين ** وتوفّنا مسلمين ** نُبعث من الآمنين ** في زُمرة السابقين

بِجاه طه الرسول ** جُد ربّنا بالقبول ** وهب لنا كُلَّ سول ** ربِّ استجب لي آمين.. آمين آمين

عطاكَ ربي جزيل ** وكلُّ فِعلك جميل ** وفيك أملنا طويل ** فَجُد على الطامعين

يا ربِّ ضاق الخِناق ** مِن فعلِ ما لا يُطاق ** فامنُن بِفَكِّ الغلاق ** لمن بذنبه رهين

واغفر لكل الذنوب ** واستُر لكل العيوب ** واكشِف لكل الكروب ** واكفِ أذى المؤذيين

واغفر لكل الذنوب ** واستُر لكل العيوب ** واكشِف لكل الكروب ** واكفِ أذى المؤذيين

واغفر لكل الذنوب ** واستُر لكل العيوب ** واكشِف لكل الكروب ** واكفِ أذى المؤذيين

واختِم بِأحسَن خِتام ** إذا دنا الانصرام ** وحان حينُ الحِمام ** وزاد رشحُ الجبين

يا أرحم الراحمين سألناكَ ورجوناكَ فَحقِّق رجاءنا وأجِب سؤالنا وبلِّغنا فوق آمالنا، أنتَ الذي دعوتنا وأنت الذي خلقتنا وأنت الذي وفَّقتنا وأنت الذي أحضرتنا، وأنت الذي آتيتنا كُلَّ ما معنا فما معنا شيءٌ إلا منك وبِكَ، اللهم ما أمسى بِنا من نِعمةٍ أو بأحدٍ من خلقكَ فَمِنكَ وحدك، فمنك وحدك، فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر على ذلك.

فَثبِّتنا على الحقِّ فيما نقول، فثبِّتنا على الحقِّ فيما نفعل، فثبِّتنا على الحق فيما نعتقد يا ربنا، اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا في من هديت.

بانتشار أنوار الهداية تُصفَّى دياركُم ومنازلكم من كل العوار ومن كل الغيار ومن كل الأضرار ومن آثارِ الأشرار، وتُصَفَّى عاداتكم وتُصفَّى وِجهاتكم، وتُصفَّى بلادكم ويتنشر بكمُ النور في شرق الأرض وغربها، يا قدير حَقِّق لنا الآمال وزِدنا من واسع الفضل.

ربِّ رجائي ورجاء أهل السماوات والأرض لا يُساوي ذرَّة من بحر كرمك، لا يساوي قطرة من بحر كرمك، أنت الله الكريم، قُمنا بِباب رجائك ولُذنا بك، وتوجّهنا بِأصفيائك وأحبابك وسيِّدَهُم خاتم أنبيائك، فارحَم عِباداً أوقفهُم فضلك على بابك وأوصلهم جودك إلى أعتابك، ولو عاملتنا بشيءٍ مِمّا نستحِقُّه وبأصغر شيء مِن زلّاتِنا لم تُسمِعنا كلمة من هذا الكلام ولا حرف، ولم تُحضِرنا هذا المكان ولا قُرباً منه من مسافة سنة! لكنك أنت! لكنك أنت! لكنك أنت! الله الله الله.. الكريم الكريم الكريم، الكريم الرحيم العظيم الجواد الرؤوف، فما أسعدنا بك يا الله يا الله.

وكلُّنا نُلِحُّ عليك، نتذلَّل بين يديك ونتوجَّه إليك، ونقول يا الله يا الله، يا الله يا الله، أنِلنا ما طلبنا وفوق ما طلبنا، واعطِنا ما أمَّلنا وفوق ما أمّلنا.

وجمعاً مِنكَ بالفضل في زُمرة حبيبك محمد يوم اللقاء، تحت لِواءِ الحَمد يا الله، وعلى حوضه المورود يا الله، وعَرِّف هذهِ الوجوه بعضها على بعض في دار الكرامة يا الله، بِحَقِّك عليك وبآياتك وأحب خلقِك إليك سيدنا محمد وآلهِ وصحبهِ اجعلنا اللهم مِمَّن كفرَ بالطاغوتِ وآمنَ بالله، ودخل في دائرة مَن قُلتَ عنهم وأردتهُم وعَنَيتهُم بِقَولك: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).

يا سيدي يا مولاي يا الله، لا تدع قلباً مِن قلوب الحاضرين والسامعين في ليلتنا هذه في أيِّ ظُلمةٍ كانت إلا أخرجتهُ من الظُّلمات إلى النور، وادفع عنّا شرَّ قومٍ قُلْتَ عنهم: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) فسَلِّمنا من ظُلُماتهم ومن آفاتهم، لا يغتر بها منَّا رجال ولا نساء ولا شباب ولا كهول ولا أطفال ولا صغار ولا كبار، رُدَّ كيدَ إبليس وجُندِه في نحورهم واكفنا والمسلمين جميع شرورِهم يا الله.

نِعمَ مَن تدعون ونِعمَ من ترتجون، واسمعوا ما دعوتموه ولا رجوتموه ولا حضرتم إلا بتوفيقه، هو دعاكم، هو أحضركم، وهو وفَّقكُم، فلهُ الحمد، أتِمَّ النِّعمة يا رب، أتم النعمة يا رب.

أكرِم نُزُل عبدك مُحمّد بن حسن الحداد، أكرِم نُزُلَهُ في دار الكرامة في مكَّة الخير لَقِيَك، وهو مِمَّن يصدُق عليهم قولُ نبيِّك: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانهِ ويَده"، وهو مِمَّن يصدُق عليهم قول سيدنا المحضار:

هُمُ اقوامٌ غذوا في المحبّة مِن صِغرهُم ** وعاشوا في مخافات وغابوا في فكرهم ** ويسعد كل من كان في عُمره نظرهُم ** في البٌكرة صباح أو عشية في مساهم

اللهم أكرِمهُ بِعَظيمِ القُرى ومُرافقة خَير الورى، والبركة في أهلهِ وأولادهِ وذُريَّاتهِ وأحفاده وأسباطهِ وإخوانه وذراريهم وأسرتهِ ومن يُواليهِم وشَفِّعهُ فينا، واجعلِ اللهم من إكرامِكَ له وقِرائِهِ عندك فرجاً للأمة، كشفاً لِلغُمّة، كمال صلاحاً للحَرَمين الشَّريفين وبلادنا وبلاد المسلمين، دفعاً للبلايا والآفات عنا وعنهم وحِفظاً شاملاً من جميع الآفات والعاهات الظاهرة والخفِيّات.

يا مُجيب الدّعوات يا قاضي الحاجات، يا رب الأرضين والسماوات، لك الحمد ما رميت بنا على إنسي ولا جِنِّي ولا صغير ولا كبير ولا شيء من المتاع الفاني! أوقفتنا على أبوابك الربانية الكبيرة، وجعلت قدوتنا أهل حضرتك أئِمّةَ الحظيرة، فلكَ الحمد يا ذا العطايا الوفيرة، فأصلح شأننا كلَّهُ في الدُّنيا والآخرة، واجعلنا من أهل الوجوه النّاضِرة التي هي إليك ناظرة يا الله.

العربية