عجائب نشر ألوية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) في ساحات القلوب وآثارها

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى، ليلة الجمعة 4 شعبان 1444هـ بعنوان:

عجائب نشر ألوية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) في ساحات القلوب وآثارها

 

نص المحاضرة:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ مُرسلِ المُصطفى محمَّد بالهُدى ودين الحقِّ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، لربنا الحمدُ والمِنة، نشهدُ أنَّه اللهُ الذي لا إِله إلا هُوَ وَحدهُ لا شريك لَه، وَنشهدُ أن سيّدنا محمد عبدهُ وَرسوله ونبيه، وصفيّهُ وَخليلهُ وَحبيبهُ وَصفوته وَنَجيُّه، صَلَى الله وَسَلم وَبارك وكرّم عَليه وَعَلى النَّبي هُود وَعَلَى جَميع الأَنبياء والمُرسَلين، وآلهم وَصحبهم وَتابِعيهِم، ومن وَالَاهُم في الله إلى يومِ الدين، وَعلينا مَعَهم وَفيهم وَعلى جميعِ الملائكةِ المُقربين، وجميعِ العبادِ الصالحين، إِنَّه أِكرمُ الأكرَمين وأرحمُ الرَّاحمين.

وَنسألهُ أن يسقي هذهِ القلوبَ الحاضِرة وقلوب من يسمَعُنا سِرَّ لا إِله إِلا الله محمدٌ رَسُولُ الله، وَبسَقِي القلوبِ لِذلكَ السِّرِ تُدرِكُ حقائقَ الإيمان، وتَرقى فِي مَرَاتبِ الإحسان، وَيُزَجُّ بِها إلى حَضَراتِ المعرفةِ الخاصَّةِ والمَحَبّةِ الخَالِصة، فيُدرِكُونَ وَهُم في هَذه الدُّنيا أَجَلَّ ما يُمكنُ إدراكهُ من الخَصائصِ والمِنَحِ والمَزايا والمَواهبِ والعَطَايا، والأَنوارِ والخَيراتِ والبَرَكاتِ والتَّوفِيقَاتِ والتَّأييدَاتِ والفُتوحَاتِ، وَالمُنوحَاتِ والقُربِ من الرَّحمنِ جَلّ جَلَالُه، والرِّضَا مِنهُ وَالرِّضَا عَنَهُ، كُلُّ هَذهِ الكُنُوزِ الغَالية الثّمينة البَاقِية يُدرِكُونَها وَهُم عَلَى ظَهرِ الأرّض فِي هَذهِ الدُّنيا مِن خِلَال أعمَارِهم القَلِيلَةِ القَصِيرة.  

 وَمَن فَوَّتَ كُلَّ هَذا فَمَا أَحقَر مَقصَدَه وَمَا أَحقَر سَعيَه، بَل مَا أَخيَبَهُ وَمَا أسرَعَ مَا يَنتَهِي هُوَ، وَعُمرهُ القَصِيرُ عَلى ظَهر الأرض، فَيَنتَقِلُ إلى خُسرَانٍ لا آخرَ لَه، وإلى حَسرَةٍ لا نِهَايةَ لَها، لأنهُ بِسعيِه وَإمِكَانِيَّاتِه وَقُوَاه لَم يَكسَب إلا فانياً زائلاً، حقيراً قاصِراً، مُنتَهياً يَسِيرَاً، سَواءً كَان ذَلكَ مالاً أَو سُلطةً أو شَهَواتٍ حَقيرة، أَو شُهرَةً بَينَ الخَلقِ، أو قُصُورَاً أو طَائِراتٍ أو أَسلِحَة أَو غير ذَلك، قَضَوا أَعمَارَهُم فِي إِرَادةِ ذَلك وَتَحصِيلِ ذَلك فَكَمُلَت الأَعْمَار، فَلَمْ يَبقَ مِن حَصِيلَةِ مَا حَصَّلُوا وَلَا ذَرةً نَافِعَة وَلَا أَيَّ شَيءٍ يُفيدُ فَمَا أًبعَدَهُم عَن العَقل، فِي نَفسِ أَعمِارِهِم وَأَيَامِ حَيَاتِهِم فِي الدُنَّيَا، وَأَيَامِ كَسْبِهِم للذِي زَال عَنهُم وَزَالُوا عَنهُ وَانقَطَعَ عَنهُم وَانقطَعُوا عَنهُ، فِي نَفسِ الوَقتِ كَسَبَ أولئكَ الدَّرجَاتِ العُلَا وَرِضوَانِ المَلِكِ الأعلَى وَالدُّخُول فِي خِيَارِ المَلَأ، وَرَاحَةِ القُبورِ وَنَعِيمَهَا وَأَن تَكُونَ رَيَاضَاً مِن رِيَاضِ الجَنَّة، وَحِيَازَةَ الفَوزِ الأَكبَر وَسُرُورَاً أَبَدِيَّاً، وَفَرَحَاً سَرمَدِيَّاً، وَنَعِيمَاً دَائِمَاً، فِي نَفسِ العُمْر!ِ فِي نَفسِ الوَقْت! بَعْضُهُم فِي نَفسِ البَلَد هَذَا وَهَذَا، هَذَا كُلُّ كَسْبِه انقَطَع عِندَ الغَرْغَرَة وَمَا وَجَدْ إِلا الحَسْرة وَالنَّدَامَة وَالعَذَاب، وَهَذَا فِي بَلَدُه نَفْسَها فِي نَفس وَقت عُمْرِهِ كَسب رِضوَانَ العَليّ الأَعْلَى، كَسَب مَا كُتِبَ لَه بِهِ مُرَافَقَة الأَنبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ، لا إِلَهَ إِلا الله! 

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالأَرَّضَ بَالحَقِّ)، لا بَاطِل وَلا لَعب وَلا هُزو (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).

ذَكِّرِنَا يَا رَب، كَمَا ذَكَّرَّتَ المُقَرَّبَين وَذَكَّرَّتَ العَارِفِين وَذَكَّرَّتَ الصَّالِحِينَ، فَذَكَرُوكَ وَذَكَرَتهُم فَزَادَت أَنَوَارُهُم، وَأَدرَكُوا الحَقَائِقَ وَاسْتَمْسَكُوا بِالعرْوَةِ الوثقَى، وَلَبِسُوا لِبَاسُ التُّقَى، وَذَلك اللباسُ الغَالِي الذي هُوَ خَيرٌ، لَا يَفْنَى لَا يَبْلَى لَا يُنْزَع عِندَ المَوت، لَا يُسْرَق لَا يَغْرَق لَا يُحْرَق لَا يُؤمَّم لَا يُعْتَدَى عَلَيه، لَا يَسْتَطِيع أَحَد أَن يَشُقَّ وَلَا أَن يَقُصَّ وَلَا أَن يَقرِضَه، لِبَاسُ التَّقْوَى، وَيَبْدُو جَمَالُه وَبَهَاءُه وَزِينَتُه بِشَكل أَكْبَر وَأَوسَع فِي يَومِ المَحْشَر، (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْر) وَالتَّقوَى فِي التَّحَقُّق بِلَا إِلَهَ إِلا الله َمُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَالعَمَل بِمُقتَضَاهَا، وَنَسْألُ رَبنَا أَن يُلْبِس كُلَّ حَاضِرٍ مَعَنَا وَكُلَّ سَامِعٍ لَنَا مِن هَذَا اللِّبَاسِ الفَاخِر، وَلَا يَنْزعَهُ عَنْهُ حَتَّى يَلقَاهُ بِهِ فِي اليومِ الآخِر، يَا الله يَا الله، مَن غَيرُك يَكْسُو هَذا اللِّبَاس؟ مَن غَيرُك يَهَبُ هَذا اللِّبَاس؟ مَن غَيرُك يُعْطِي هَذَا اللِّباس؟ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَآتَاهُم تَقْوَاهُم)، قَال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَلَو شَاءَ رَبُّكَ لآتَى كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)، (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) يَا خَالِق جَهَنَّم أَجِرْنَا وَأَهَلِينَا وَأَوَلَادَنَا وَأَحْبَابِنَا مِن جَهَنَّم وَمِن عَذَابِ جَهَنَّم، لَا تَزْفُر عَلَينَا وَلَا نَسْمَع حَسِيسَهَا، وَنَخْلُدُ فِيمَا تَشْتَهِي أَنْفُسُنَا مَعَ مَن سَبَقَت لَهُم مِنكَ الحُسْنَى.

قَالَ اللهُ عَن الذِّينَ اتَّخَذُوا غَيرَهُ آلِهَةً كَائِنِينَ مَا كَانُوا، أَنْفُسَاً أَو أَهْوَاء أَو قَبَائِل أَو جَمَاعَاتٍ أَو حُكُومَاتٍ أَو دُوَل أَوَ أَصْنَام، أَو شَمس أَو قَمَر أَو مَا سَمَّوُهُ عِلمَاً وَأَيَّ شَيء: (لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)! أَيُّ يَومٍ هَذَا؟ قَالَ اللهُ (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) طَي السَّمَاء.. مَن يَقدِر يَطْوِي السَّمَاء؟ تُطْوَى السَّمَاء ويَنْتَهِي أمْرَهَاَ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) يقول (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا)، اجْعَل لَنَا أَقْوَى السَّبِيلِ مَعَ سَيِّدَنَا الرَّسُول، وَأَوضَحَ السَّبِيلِ مَعَ سَيِّدَنَا الرَّسُول، إِيمَانَاً بِهِ وَتَصْدِيقَاً بِمَا بَعَثَهُ بِهِ، وَيقِينَاً بِمَا جَاءَ بِهِ، وَمَحَبَّةٍ لَه وَاتَّبَاعَاً لَه، وَاقْتِدَاءً بِهِ وَاهتِدَاءً بِهَديِّهِ، وَنُصْرَةً لَهُ يَا رَب العَالَمِينَ يَا الله يَا الله.

أَيُّهَا الحَاضِرُونَ أَيُّهَا السَّامِعُونَ، أَلِويةُ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله لَا تُرفَعُ فِي الحَقِيقَةِ إِلا فِي سَاحَاتِ القُلُوبِ، وَإِذَا رُفِعَت فِي سَاحَاتِ القُلُوبِ وَأَرَادَ اللهُ رَحْمَةَ عِبَادِه عَلَى الأَرضِ ظَهَرَت مِنهَا رَاياتٌ لَيسَ مُجَرّد كِتَابة عَلَيهَا بَهِذِهِ الشَّعِيرَةَ العَظِيمَة، وَلَكِن أَنوَارُ لَا إِلَه إِلا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله تَقُومُ فِي قُلُوبِ أَرْبَابِهَا وَحَمَلَتِهَا، فَتَمتَلِئُ الأَرضُ نُورَاً وَتَمتَلِئُ قِسْطَاً وَعَدْلَاً، وَذَلِكَ فَضلُ الله يُؤتِيهِ مَن يَشَاء وَالله يَتَكَرّم بِهِ عَلَينَا وَعَلَى العِبَاد.

أَلوّيَةُ لَا إِلَه إِلا الله تَتَطَلّبُ سَاحَاتُهَا تُرفَعُ فِيهَا وَسَاحَاتُهَا هِيَ القُلُوب، لَيسَت كُلُّ القُلُوب، القُلُوبُ المُؤْمِنَة، القُلُوبُ المُوقِنَة، القُلُوبُ المُنَوَّرَة، القُلُوبُ المُطَهَرَّة، القُلُوبُ النَقيّة، القُلُوبُ المُصَفَّاة، القُلُوبُ الصَّادِقَة مَعَ مُقِلّبِ القُلُوب؛ سَاحَاتُهَا مَحَلُّ رَفْعِ رَايَةِ لَا إَلَه إِلا اللهُ مُحَمَّدٌ رُسُولُ الله، ثَبِّتْنَا عَلَيهَا يَا رَبّ، حَقِّقنَا بِحَقَائِقَهَا يَا رَبَّنَا، أَسعِدنَا بِالاتِّصَافِ بأَوصَافِهَا يَا رَبَّنَا، ارْزُقنَا العَمَل بِمُقْتَضَاهَا يَا رَبَّنَا، اجْعلَنَا عِنَدَكَ مِن خَوَاصِّ أَهْلِهَا يَا رَبَّنَا، يَا الله، يَا الله، يَا الله!

وَفِي نَفْسِ الوَقِتِ الذَّي تَمتَلِئُ فِيهِ الأَرّضُ ظُلْمَاً وَجَورَا يُهَيّئُ الله قُلُوبَاً تَمتَلِئُ مِن نُوُرِ لَا إِلَه إِلا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، فَيكُونُوا سَبَبَ النَّجَاةِ وَرَكِيزَةَ الإِمَام المَهْدِي لِيَهْدِيَ الخَلق بَأَمرِ الله وَيَمَلأ الأَرّضَ عَدْلَاً وَقِسْطاً، يَخْتَارُ الله مِن قُلُوبِ عَبَادِهِ مَن يَشَاء، وَنَتَوَّجَهُ بِجَمْعِنَا إِلى مُقَلِّبِ القُلُوبِ، وَنَقُولُ لِرَبِّ القُلُوب وَمُقَلِّبَهَا وَالمُتَصَرِّفِ فِيهَا وَالنَّاظِرِ إِلَيهَا وَالمُطَّلِعِ عَلَيهَا، يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِك، يَا مُصَرِّف القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ صَرِّف قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِك، اخِتَر قَلْبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَا لِتُصْفِّيه وَلِتُنَوِّرَه وَلِتُطَهِّرَه وَلِتَحْشُوَهُ بِسِرِّ لَا إِلَهَ إِلَا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، لَا إِلَهَ إِلَا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، مَا أَعْذَبَهَا مِن كَلِمَة لَا إِلَهَ إِلا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، لَا إِلَهَ إِلا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، لَا إِلَه إِلَا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ أَسْكَنْتَهَا قُلُوبَنَا فَلَكَ الحَمْدُ فَثَبِّتهَا فِي قُلُوبِنَا، وَحَقِّقنَا بِحَقَائِقِهَا وَاجَعَلنَا جَمِيعَاً عِندَكَ مِن خَوَاصِّ أَهْلِهَا يَا الله.

 يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُ الحَاضِرُ وَالسَّامِعُ وَمَن سَيَسْمَع أَحْضِرْ قَلَبَكَ، فَلَعَلَّهَا سَاعَةُ نَفْحَةٍ مِن رَبِّكَ تَأْتيكَ فَتَرَفَعُكَ إِلَى أَعْلَى مَقَامَاتِ التَّحقُّقِ بِلَا إِلهَ إِلا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَهُنَاكَ تَحيَا الحَيَاةَ الطَيِّبَة وَتَتَوَاصَل عَلَى سَاحَاتِ قَلْبِكَ الغُيُوثُ الصَّيِّبَة، وَتَنَالُ مِن قُرْبِ الرَّحْمَنِ مَا يَجِلُّ عَن الوَصْفِ، وَتُدْرِكُ مِن مَعْرِفَته مَا يَجِلُّ عَن الكَيف، ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤتِيهِ مَن يَشَاء.

إِنَّ مُقَلِّبَ القُلُوبِ يَسقِي مَا يشَاءَ مِن القُلُوب وَيَنتَقِي مَا شَاءَ مِن القُلُوب وَيُنَوِّر مَا شَاءَ مِن القُلُوب، وَقَدْ سَاقَتنَا عِنَايَتُه لأَن نَجْتَمِع مُتَوَجِهِينَ إِلَيه ذَاكِرِينَ لَهُ، مُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ، سَائِليِنَ مِنْهُ وَطَالِبِينَ أَن يُصْلِحَ قُلُوبنَا وَأَن يُنَوِّرَ قُلُوبنَا، وَأَن يُطَهِّرَ قُلُوبنَا وَأَن يَصْطَفِيَ قُلُوبَنَا يَا الله، قِسْمكَ مَن وصفِ التَّواضُعِ لِلقُلُوبِ أَكْرِم لِهَذِهِ القُلُوب كُلَّ وَاحِدٍ مِنهَا بَنَصِيبٍ وَافِيٍ وَافِرٍ مِن ذَلِكَ يَا مُعْطِي، يَا وَهَّاب، يَا جَوَاد، يَا مُحْسِن، يَا مُتَفَضِّل، يَا مُنْعِم، يَا الله يَا الله، طَرَحْنَا قُلُوبَنَا بَينَ يَدَيْكَ مُتَذَلِّلِين لِعَظَمَتِك سَائِلِينَ مِنكَ دَرَكَاً وَغِيَاثَاً يَا الله، مَا كَسَوتَ القُلُوبَ مِن نُورِالمَعْرِفَةِ فَتَكَرَّم عَلَى قَلْبِ كُلِّ حَاضِرٍ وَسَامِعٍ، وَمَن سَيسْمَعُ بِنَصِيبٍ وَافِرٍ وَافٍ مِن المَعْرِفَةِ الخَاصَّة يَا الله، وَمِن المَحَبَّةِ الخَالِصَة يَا الله يَا الله.

وَلأجلِ هَذِهِ السُّقيَا وَالرُّقِي وَاتِّصالِ القُلُوبِ بِرَبِّهَا وَمُقَلِّبِهَا؛ عُقِدَت المَجَالِس وَأُسِّسَت لَكُم مَجَامِع زِيَارَةِ النَّبِي هُود، عَلَى يَد سَيّدِنَا الفَقِيهِ المُقَدَّم وَمَا تَفَرَّعَ عَن ذَلِك عَلَى أَيدِي وَرَثَتِهِ وَخُلَفَائِهِ عَلَيهِم رِضْوَان اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَاللهُ يُوَفِّرُ حَظَّنَا وَإِيَّاكُم مِن مِننِهِ الكَبِيرة وَمِنَحِهِ الوَفِيرة يَا الله يَا الله، أَحْضِر قَلبَك فِي سَاحَاتٍ مُقَلِّب القُلُوبِ يَنْظُر إِلى القُلُوبِ الحَاضِرَة، بَل وَالقُلُوبِ المُتَعَلِّقَة، بَلْ وَقُلُوبٌ سَتَسْمَع هَذَا الكَلَامَ بَعْدَ هَذَا الوَقتِ فَتَطرب، وَتُنقَّى وَتُصَفَّى وَتُنْتَقَى، بَل يَجُودُ الجَوَادُ عَلَى قُلُوبٍ هِي الآنَ بَعِيدَة فَيُصِيبُهَا طَشٌّ مِمَّا يَنِزلُ فَتُؤمِن بِرِبِّهَا وُتُصَدِّق بِنَبِيّهَا وَتَمُوت عَلَى اتِّبَاعِهِ، ذَلكَ فَضْلُ اللهِ، ذَلكَ جُودُ الله، ذَلِكَ كَرَمُ الله، ذَلِكَ إِحْسَانُ الله. 

وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ مَا جَمَعَنَا عَبَثاً وَلَا لَعِبَاً وَلَا هُزُوَاً وَلَا بَاطِلَاً، لِكِنَّهَا آثارُ عَبْدِه وَرَسُولِهِ، لَكِنَّهَا آثَارُ حَبِيبِهِ وَصَفِيِّهِ، لَكِنَّهَا آثَارُ خَاتَم رُسُلِهِ، لَكِنَّهَا آثَار سَيِّد أَنْبِيائِهِ، لَكِنَّهَا أَخْبَارُ وَآثَارُ وَهِمَم وَوِجْهَات وَنِيَّات أَصْفَى أَصْفِيائِهِ، مُحَمَّد بِن عَبدِ الله بِن عَبدِ المُطَّلِب بِن هَاشِم بِن عَبدِ مَنافٍ بِن قُصَي بِن حَكِيم صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم، بِرِسَالَتِهِ وَدَعوَّتِهِ وَتَبْلِيغِهِ وَتَعْلِيمِهِ تَسلَسَلَ الخَيرُ إِلَى جَمعِنَا هَذَا، وَعُقِدَت اجتِمَاعَاتُ الذِّكِر وَالصَّلَاةُ عَلَيهِ صَلَى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وَالدُّعَاءِ لِلرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ وَالعِلمِ وَالتَّذَكُّرِ وَالتَّذْكِير، لَولَا البَشِيرُ النَّذِير مَا عَرَفنَا شَيئَاً مِن ذَلِك وَلَا قَامَ فِينَا شيءٌ مِن ذَلِك، وَكَان وَاقِعَنَا قَبْلَ بِعْثَتِهِ مَا قَالَ الخَلَّاقُ: (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، فَلَمَّا شَعْشَعَ نُوُرُهُ فِي قُلُوبِ مَن آمَنَ بِهِ قَالَ الرَّحَمنُ الخَالِقُ (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، فَمِن ضَلَالٍ مُبِين إِلَى خَيرِ أُمَّة، مِن الله بِوَاسِطَةِ مَن؟ عَلَى يَدِ مَن؟ بِرَسَالَةِ مَن؟ بِنُبوَّةِ مَن؟ بِبِعثَةِ مَن؟ صَاحِبِ العُيُونِ الّتِي بَكَتْ كَثِيرَاً مَحَبَّةً وَمَعْرِفَةً وَرَحْمَةً بِالعِبَاد، صَاحِبِ العُيُونِ السَّيَّالة بِالدُمُوعِ فِي خَلَوَاتِهِ فِي اللَّيَالِي، مَن وُضِعَ السَّلَى عَلَى ظَهْرِهِ نَفْسِي لَهُ الفِدَاءُ، وَمِن وُضعِ الشَّوك فِي طَرِيقَهِ نَفْسِي لَهُ الفِدَاءُ، وَمِن شُجَّ جَبِينُه نَفْسِي لَهُ الفِدَاءُ، وَمِن شُقَّت شَفَته نَفْسِي لَهُ الفِدَاءُ، وَمَن كُسِرَتْ ربَاعِيَّته نَفْسِي لَهُ الفِدَاءُ، وَمِن جُرِحَتْ وَجْنَتَاه نَحْنُ لَهُ الفِدَاءُ.

 المُرْسَل رَحَمَة لِلعَالَمِين، الخَاتِم للنَّبِيين، الّذِي بِهِ وِبِرَسَالَتِهِ عَرَفَنَا هُود المُرسَل إِلَى قَومِ عَاد، وَحُدِّثنَا عَلَى لِسَانِهِ مِن اللهِ تَعَالَى عَن أَخْبَارِ هَذَا النَّبِي، وَمَا حَدَّثَّنَا اللهُ عَن أَخْبَارِ نَبِي إِلَّا لِتَزْدَادَ مَحَبَّتنَا لَهُ، وَيَزْدَادَ تَعْظِيمَنَا لَهُ، وَيَزْدَادَ شَوْقُنَا إِلِيهِ، فَحَدَّثَّنَا سُبْحَانَهُ عَن هُودٍ وَخَصَّهُ بِخُصُوصِيَّةٍ، أَنَّ اللهَ فِي الكِتَابِ المُهَيمِن عَلَى جِمِيعِ الكُتُبِ المُنْزَلَةِ خَاتِم كُتُبِ السَّمَاءِ القُرْآنَ كَرَّر ذِكرَه، وَكَرَّر ذِكْرَ عَدَد مِن الأَنْبِياءِ، وَسَمَّى سُورَةً بِاسْمِهِ وَسَمَّى عَدَدَاً مِن الأَنْبِياءِ كَيُوسُف وَيُونُس عَلَيهِم السَّلام سَمَّاهَا وَإِبْرَاهِيم سَمَّاهَا بِأَسَمَائِهِم، وَجَمَعَ لَهُ بَينَ أَن يُسْمِّيَ بِاسمِهِ وَبَاسمِ مَكَانِ بعْثَتِهِ وَسَمَّى سُورَةَ الأَحْقَافِ، وَهَذَا مَا حَصَل لِلأَنْبِياء فِي القُرْآنِ ذَكَرُوا وَذُكِرَت أَمَاكِنهُم وَلَا تُسَمَّى سُورَةً بِأسماء أَمَاكِنِهِم حَيثُ مَا بُعِثُوا إِلَا النَّبِي هُود (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)، وَالسُّوُرَة كُلَّهَا سُوُرَةُ الأَحْقاَفِ، سَمَّاهَا بِاسمِ المَكَانِ الذِي بُعِث فِيهِ، عِنَايَةً مِن الرَّب جَلَّ جَلَالُهُ وَتَعَالَى وَعَلَا، بِالمَكَانِ الّذِي بُعِث فِيهِ هُود اسْمهَا سُورَة الأَحْقَاف، الأَحْقَاف مَا هُو اسِم النَّبَي لَه، المَكَان الّذِي بُعِثَ فِيهِ النَّبِي، هُوَ هَذَا المَكَان اللي أَنتُم فِيهِ، سُورَة الأَحْقَاف اعْتِنَاء مِن اللهِ بِالبُقْعَة، اعْتِنَاء مِن الله بِالمَكَان، بِالوَادِي الّذِي بُعِثَ فِيهِ النَّبِي هُود عَلَى نَبِيِّنَا وَعَليه أَفْضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَبَارَكَ اللهُ لَنَا فِي الوَادِي وَمَا خَبَأَ فِيهِ سُبْحَانه، وَمَا أَرَادَ أَن يُظِهرَهُ فِيهِ سُبْحَانه، وَقَد أَظْهَرَ فِيهِ بَعدَ النَّبِييّن الصَّحَابَةَ الأَكْرَمِين وَمِن البَدْرِيِّين مَن وَصَلُوا إِلَى بَلَدِكُم هَذِهِ، وَمَن قُبِرُوا فِي بَلَدِكُم هَذِهِ، ثُمَّ مِن خِيَارِ التَّابِعِينَ ثُمَّ مِن تَابِع التَّابِعِينَ، ثُمَّ نُخْبَةٌ مِن عِتْرَةٍ نَبَوِيةٍ مُشَرّفَة أَوّصَلهُم إِلَى الوَادِي وَجَاءَ بِهِم إِلَى الوَادِي، أَرَأَيتَ عِنَايَةَ الله بِالوَادِي؟ أَرَأَيتَ مَا خَبَأَ اللهُ للوَادِي؟ وَثُمَّ أَكثَرَ فِيهِ الأَصْفِيَاء وَالأَولِيَاء وَالعُلُمَاء حَتَّى بَلَغُوا المِئَات وَالأُلُوف. 

وَإِن قِيلَ تَريَاقٌ بِبغدَاد جُرِّبَ ** فَفَي رَبْعِ بَشَّارٍ شِفَاء كُلِّ مُعضِلِ

تَرِيمٌ بِهَا منهُم أُلُوفٌ عَدِيدَةٌ ** بِسَاحةِ بَشَّارٍ شُمُوسُ الهُّدَى قُلِ 

عَلَيّهم الرِّضوَان، وَالحَمَدُ لله عَلَى بَقَاءِ الخَير وَتَجَدُّد التَّنوِير وَالتَّطهِير وَالاصطِفَاء لِمَن شَاءَ الله، وَيُبَارِكُ اللهُ لَنَا وَلَكُم فِي هَذَا الشَّهرِ الّذِي هَلَّ، شَهر السُّعُود شَهْر العَطَاءِ الغَير مَحْدُود شَهرالكَرَم وَالجُود، أَخْبَرَ زَينُ الوُجُود أَنَّ لِلرَّبِّ التِفَاتَة إِلى عَمَلِ عِبَاده خَاصَّةً فِي هَذَا الشَّهر، وَأَنَّهُ شَهرٌ تُعْرَضُ فِيهِ الأَعْمَالُ عَلَى الله، وَهُوَ الشَّهرُ الّذِي أُنْزَلَ اللهُ فِيهِ الآيَةَ الكَرِيمَة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

يَا رَبَّنَا صَلِّ عَلَى نَبِيّكَ سَيِّدَنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِه، وَعَلَى النَّبِي هُود وَآلِهِ وَصَحْبِه، وَعَلَى جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرسَلِين وَآلِهِم وَصَحْبِهِم وَتَابِعِيهِم بِإحسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّين، وَعَلَينَا مَعَهُم وَفِيهِم عَدَد مَا عَلِمْت وَمِلأ مَا عَلِمْت، وَعَدَدَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاء وَمِلأ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاء، وَعَدَدَ كُلِّ شَيء وَمِلأ كُلِّ شَيء، عَدَدَ خَلقِك وَرِضَا نَفْسِك وَزِنَةَ عَرشِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك، يَا الله وَاقْبل جَمْعَنَا وَدُعَاءَنَا، وَانْظُر إِلَى قُلُوبنَا، وَانْظُر إِلَى قُلُوبِنَا، وَانْظُر إِلَى قُلُوبِنَا.

رَبّنَا لَولَا مَا عَلَّمْتَنَا مِن عَظَمَةِ جُودِكَ مَا اجْتَرَأنَا عَلَى سُؤالك،  وَلكِنَّ جُودكَ جَرَّأَنَا أَن نَسْأَلكَ مَا لَا نَستَحِق وَمَا لَسْنَا لَهُ أَهل، فَنَسْأَلُكَ يَا مُعْطِي العَطَايَا وَوَاهِب المَزَايَا وَعَالِم الظَّوَاهِر وَالخَفَايَا يَا رَب جَمِيعَ البَرَايَا، أَلا تَدع فِينَا قَلبَاً إِلّا نَظَرْتَ إِليه، أَلَّا تَدع فِينَا قَلبَاً إِلّا نَظَرْتَ إِليه، أَلَّا تَدع فِينَا فِيمَن حَضَرنَا وَفِيمَن يَسْمَعُنَا قَلبَاً إِلَّا نَظَرْتَ إِليهِ وَأَقْبَلتَ عَلَيهِ، فَأَسْعَدتهُ بِالتَّذَلُّلِ بَينَ يَدَيكَ فَأَعْزَزْتَهُ إِلَى الأَبَدَ، إِلهَنَا مَكِّن رَايَات لَا إِلَهَ إِلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله فِي كُّلِّ سَاحَةٍ مِن سَاحَاتِ قُلُوبِنَا، وَحَقِّقنَا بِحَقَائِقِهَا وَاجْعَلنَا عِندَكَ مِن خَوَاصِّ أَهْلِهَا، يَا الله يَا الله يَا الله بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِين.

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

أَلا يَا الله بِنَظْرَة مِن العَينِ الرَّحِيمَة تُدَاوِي كُلَّ مَا بِي مِن أَمرَاضٍ سَقِيمَة.

 

 

العربية