(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 5 صفر الخير 1446هـ بعنوان:
عجائب خبايا الجود الرباني وما كنز لمصطفاه العدناني وما جعل في النبوة والرسالات من حقائق الفوز والسعادات
الحمد لله الحي القيوم، الواحد الأحد الفرد الصمد، من بيده ملكوت كل شيء..
أوجدَ الوجود لا عن حاجة منه إليه، ولا لشيءٍ يعود عليه منه؛ ولكن ليُنعِّمَ أهلَ العُقُول بمطالعة الجمال الأقدس، والجلال الأعلى، والكمال المطلق، فيتعرَّف إليهم؛ فيعرفونه، ويرون آيات جلاله وجماله وكماله في ذرَّاتِ الوجود واضحةً بيّنة، تدعو إليه وتدلُّ عليه.
وشرَّفهم لفتح هذا الكنز في إدراك دعوات الوجود؛ بإرسال أنبياء اختارهم من بين بني آدم، من آدم إلى عيسى إلى محمد خاتَم النبيين، زيَّن بهم هذا الوجود، وأتمَّ بهم النعمة على أهل العقول؛ لترقى في مراقي إدراك الحقيقة، وتتخَلَّص من وَرَطات الأهواء، التي إذا غَلَبت أَرْدَت صاحبها إلى أسفل سافلين، وورطات الشهوات التي خُلِقت لحِكَم.. منها تذكُّر المصير، ومنها بَعثُ الرجاء، ومنها الامتحان لهذا الإنسان؛ ليكون أمامها مَالِكًا لا مملوكا، ومُسيِّرًا لا مُسَيَّرا، وآخِذَاً لا مأخوذا، ومُتَصَرِّفاً لا مُتصرَّفاً فيه؛ فينال الكرامة الإنسانية، والسِّيادة الآدمية، وشرفَ الطُّهْر والنقاء والعفاف.
جعل الله مفاتيح كنوز هذا الفوز على أيدي هؤلاء الأنبياء، الذين خَتَمهم بسيِّدهم وإمامهم، مَن بِهِ قامت جموعنا، ومَن به تشرَّفت منازلنا، ومَن به كُنّا خير أُمَّة.
وأين يُنال هذا الخير؟
ومَن يقدر أن يُرشِّح نفسه من الأولين والآخرين أن يكون في خير أُمَّة؟
ومن يقدر أن يجعل الأمّة خير أُمَّة؟
لكن الله بحبيبه وعبده محمد بن عبد الله شرَّفنا وأكرمنا وتفضَّل علينا، وجعلنا (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) على مدى القرون والعصور، من أول خَلْقِ آدم إلى أن تقوم الساعة، هذه أكرم أُمّة، وهذه خير أُمَّة، وهذه أفضل أُمَّة.
هل يُمكن اكتساب هذا بحضارات؟
هل يُمكن اكتساب هذا بمهارات؟
هل يُمكن اكتساب هذا بجيوش؟
هل يُمكن اكتساب هذا بتكنولوجيا؟
إنها العطايا الكبيرة! والِمنَن العظيمة الفَخِيرَة من حضرة الرحمن، خصَّنا بها بالواسطة الكبيرة، بواسطة النور المُبين سيد المرسلين وخاتم النبيين.
يا ربّ صلِّ عليه أفضل الصلوات، وعلى آله وصحبه وأتباعه، وسلِّم عليهم بأزكى التسليمات، وثبِّتنا أكملَ الثبات على ما بعثته به إلينا، ودَلَّنا عليه ليُوصِلَنا إليك..
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهُدى ** وياربِّ اقبِضنا على خير مِلَّةِ
برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين.
وها أنتم تَنعَمُون من وسط تلكم الكنوز، بأغلى دُرَرها وجواهرها؛ فَيْضٌ من حضرة رَبِّ العرش -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- لمن يهتدي، ولمن يتّقي، ولمن يرتقي، ولمن يَصدُق مع هذا الخلَّاق -جَلَّ جلاله-، ممن يتحرَّر ويَتَخَلَّص من رِِقّ النفس والهوى وشياطين الإنس والجن، الذين خلقهم الله لنا ليختبرنا بهم (ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * ويُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ).
هل سمعت؟ ما مثل هذا العرض؟ مَن يقدر يَعرِض مثل هذه العروض؟
مساكين! وأعظم رَثْوَة الذين خابوا وهلكوا بعروضٍ حقيرة في هذه الدنيا: قتلوا النفوس بغير حقّ بعروضٍ حقيرة في هذه الدنيا! تعدَّوا الحدود وخرجوا عن الإنسانية وعن الفطرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى- مُقابل ماذا؟ ثم خسروا الدنيا والآخرة (ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ)!
اللهم أعِذنا من الخسران، وارفعنا مراتب الإيمان واليقين، في أعلى مراتب الإحسان والعِرفان، يا كريمُ يا منَّان، يا رحيم يا رحمن، يا ذا الجود والإحسان..
يا الله.. يا الله.. يا الله..
وتَستَقِي أرواح أهل الإقبال على الله معاني إدراك الحقيقة، وحُسن الاستمساك بالعُروة الوثيقة، ثم الاستقامة على أقوم طريقة؛ لتدخُلَ في خِيَارِ الخليقة، وتشربَ في حُبِّ الله تعالى كأسه الأعذَب ورحيقه، وذلكم جودُ الجواد، بواسع الإمداد، بما لا يحويه حسابٌ ولا حَصْرٌ ولا تعداد، في حقيقة: (إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ).
ولا يمرُّ الزمان إلا والكأس أَطْيَب وأهنى، وأذَوْق وأَسْنَى، وأحلى وأعلى، وأجمل وأغلى، حتى إذا جاءت ساعة الخروج من الحياة القصيرة، كان الذوَاقُ له أهنى وأَمْرَى، وأجمل وأحلى.
وهكذا تزداد حلاوة سَقي هذا الكأس لمن أُذِنَ له أن يُسقَى منه في أيام البرزخ، حتى تأتي النفخة الثانية في الصُّور بعد النفخة الأولى، فيقومون والكؤوس لهم مُقرَّبة، ليستظلَّ المُستَظِلُّ منهم بظلِّ العرش، وليُنادَى المُنادَى منهم من الله على ألسنة الملائكة: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
(وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ..) في أي يوم؟ قال القوي الحي القيوم كلمات تَعرِف فيها صِغَرَ حجم القنابل الذرية والهيدروجينية والأسلحة النووية -وإن شي ظهر اسم من بعدها، ما أحقرها!- قال: (..يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء) تعرف العظمة؟ تعرف الجلالة؟ إيش هذا مقدارها؟ (..يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكتابِ..) وفي القراءة الأخرى: (للكُتُب) إيش هذه العظمة؟ قال: (..كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا..) قال الله ؛ قرار خرج من محكمة القوي المتين (..ولَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ..) اللهم اجعلنا من الصالحين وألحِقنا بالصالحين وأدخلنا في الصالحين (..إنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ..) ووجَّه الخطاب للسِّراج الذي يضيء علينا (..ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
صلى الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة رحمة العالمين.
ونحن في نورانيته نؤدي واجبنا ومهماتنا في رحمة العالمين؛ بـ: الدعوة إلى الله، بالدلالة على الله، بالتفقُّه في الدّين، بالتخلُّق بأخلاق سيد المرسلين، برحمة القريب والبعيد، بمقابلة الإساءة بالإحسان، بالصبر، بالاحتمال، بالاستعداد للقاء وتذكّر أمر الرجوع إلى المولى -جَلَّ جلاله-، وبتربية الأبناء والبنات، وبالتعاون على الخيرات، وبالرحلات في سبيل الله -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-، وبالآداب، وبالأخلاق، وبالدؤوب على التضرُّع والتذلُّل والخضوع والخشوع للواحد الأحد الحي القيوم، متحررين من الأهواء ومن الشهوات وغَلَبتها وأسوائها، ومن شياطين الإنس والجن؛ نعبد واحدًا أحدًا حيًّا قيومًا فردًا صمدًا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
مُقتدين بخير إمام، سيّد الأنام، أكرم الأولين والآخرين عند المَلِكِ العَلَّام، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن حكيم بن مُرَّة بن كَعْبٍ بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ومن عدنان آباء إلى إسماعيل بن إبراهيم، ومن إبراهيم آباء إلى أنبياء كثير، ومختارين في ذلك الوقت من العليّ الكبير، إلى نوحٍ -عليه السلام- ومن نوحٍ إلى آباءٍ وأنبياءٍ إلى إدريس -عليه السلام- ومن إدريس آباء وصلحاء ومقربين، إلى شيث بن آدم، إلى آدم الذي كُرِّمَ بهذا المصطفى، وظَهَرَت عليه أنوار هذا المجتبى -صلى الله عليه وعليهم أجمعين-
في نورانية هذا المصطفى نَتَبَيَّنُ واجبنا ومهمّتنا في هذه الحياة القصيرة والأعمار الفانية؛ لنستعدَّ لدخول الحظيرة: حظيرة القُدْس، ولنلقى المكانة في المقعد: مقعد الصدق، ولنرافق في البرازخ، ثم أجلى منها في القيامة، ثم أجلى وأوسع وأعمق منها في دار الكرامة، على مراتب عجيبة. بل ويَتعجَّلُ منها للأرواح قبل البرزخ في الدّنيا: أسرار مرافقةٍ معنوية، ومصاحبةٍ روحيَّة، يَنعَمُ بها مَن يُنعَمُ عليه في هذه الدنيا، فيقول قائلهم:
"فأعيشَ في ذكرِ الحبيبِ مُنعَّماً ** بالذِّكْرِ مُنبَسِطًا جميعَ زماني
وأفوزُ في العُقبَى برؤية وجهه ** ورضاه عني في أَجَلِّ مكانِ"
ولها شؤون عند السجدة حين يقوم المقام المحمود زين الوجود! ولها شؤون تحت لواء الحمد! ولها شؤون على الحوض المورود، ولها شؤون عند المرور على الصراط، وشؤون أكبر عند دخول الجنة، وشؤون أكبر عند تجلي الرَّبِّ بـ: "هل رضيتم؟"! وبقوله: "أعطيكم أفضل من ذلك: أُحِلُّ عليكم رضواني لا أسخط عليكم بعده أبدا"!
ومنها تتصل شؤونٌ بالفردوس الأعلى، والمجالسة فيه، والمقابلات فيه، والمسامرات فيه، والجلوس على الموائد فيه، وسماع صوت خاتَم النبوة فيه، والمباحثة في شؤون خالص معاني المحبة، بما لا يدركه عقل ولا يصل إليه أحد، ولا يعرفه في عالم الدنيا من المُحبّين المحبوبين أحد! لكنه مُخبَّأ "أعددتُ لعبادي الصالحين"، (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ).
ومن أجلى وأجلّ ما يحصل من سرّ هذه الموافقة لمن أُذِنَ له: ما يحصل في ساحة النظر إلى وجه الله الكريم!
أيها المؤمنون: عروض ربانية رحمانية عُرِضَت علينا، حرامٌ أن يقطعنا عنها عروض الأنفس والأهواء! وعروض الحكومات في الشرق والغرب! وعروض الأحزاب، وعروض أهل المتاع الفاني!
ماذا معهم؟ وماذا عندهم؟! هذا مَلِك الملوك الجبَّار الأعلى! ربُّ السماوات والأرض! ربّ العرش العظيم يعرض علينا هذه العروض!
ويقول لحبيبه محمد قُلْ لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ ..) ما في هذه التجارة؟ أول خصوصية لا تستطيع التجارة العالمية أن تُحَقِّقَ لك ذرَّةً من أول خصوصية، إيش أول خصوصية؟ (..تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
هل في التجارة العالمية ما يُنجِي من العذاب؟ هل في التجارة العالمية ما يُسَلِّم من العذاب؟
ومن دخل ورقى أعظم مستوى في أهل التجارة العالمية وبعد ذلك نزل وسط عذاب البرازخ وعذاب القيامة وعذاب النار! وإيش الفايدة اللي معه هذا؟!
هذا أول خصوصية وميزة في تجارتنا: النجاة من العذاب الأليم (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ..).
ما هذه التجارة الغالية؟ حتى يَسلَم بها الأبد والخلود والدوام من أنواع العذاب الفظيع الأليم المهين الغليظ الشديد؟! قال مُخْتصَره: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) انتهت! تحقَّق بالإيمان بالله ورسوله. ولم يذكر في هذه الآية ما بقي من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة وبالأنبياء وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر؛ لأنها كلها تندرج في معاني الإيمان بالله ورسوله؛ لأن الإيمان بمحمد إيمان بالأنبياء، وإيمان بالملائكة، وإيمان باليوم الآخر، وإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره؛ هو الذي جاء به ﷺ ودعا إليه، فإذا آمنت به فقد آمنت بكل هذا (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ..) وتُترجمون عن صدقكم في الإيمان: (..وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ..) ما يلعب عليكم دجال ودجالين من هنا وإلى هنا.. إما بالأموال وإما برغبتكم فيها وإما يُسَلَّط مَن يأخذها عليكم فيفتنكم! بل: (وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ..) صَدَقَ الله! (..ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الصف:11].
شوية تفصيل في النتائج والأرباح التجارة (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ..) رأيت الأرباح العجيبة هذه! ما حد يقدر يُقِيمها لنا ولا يوصلنا إليها، لا حكومات ولا دول ولا تجارات ولا جيوش ولا أحزاب ولا مؤسسات (..يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً).
إيش معنى (طَيِّبَةً)؟ ناطحات سحاب؟
(طَيِّبَةً) أول خصلة فيها: "إنَّ لكم أن تحيوا فيها فلا تموتوا أبدا" إيش هذه؟ شي مساكن في الدنيا بهذه الصورة؟ يمكن لرؤساء الدول الكبرى عندهم مساكن من هذه الصورة؟
ثاني خصلة: "أن تنعموا فيها فلا تبأسوا أبدا". ونرى ملوك الأرض في بؤس، وفي مشاكل ومواقف وإحراجات، وذا على كيفه وذا ما هو على كيفه، وذا يطلع وذا ينزل، وذا ينقل كذا وذا ينقل كذا؛ بؤس في بؤس! لكن هذه المساكن: "أن تنعموا فيها فلا تبأسوا أبدا". والبؤس الذي هم فيه حقير، والله مَن مات منهم على هذا الكفر وقد بلغته هذه الدعوة البؤس أمامه! التعب أمامه، الإهانة أمامه، العذاب أمامه، المرارة أمامه، الشدة أمامه! -أعوذ بالله من غضب الله، والعياذ بالله-
(فَيَوْمَئِذٍ لّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَد*وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَد * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وادْخُلِي جَنَّتِي).
يا ربَّ العالمين، يا مُنزل هذا الكتاب: كل حاضر معنا وكل سامع لنا اجعلهم في أهل النفوس المطمئنة، يا الله: لا يموت واحد منهم إلا وهو في أهل النفوس المطمئنة، سألناك ذلك يا الله.. حَقّق لنا هذا الطَّلَب، وأنلنا هذا المأرب، يا حيُّ يا قيوم يا أرحم الراحمين.
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وادْخُلِي جَنَّتِي).
(وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) من الميزات في المساكن الطيِّبة: "إن لكم أن تصِحّوا فيها فلا تمرضوا أبدا".
شي في المساكن عندهم من هذا شيء؟ ايش بيعطونك من مسكن؟ شي بهذا المسكن؟ ايش بيعطونك من مسكن!
"تصِحّوا ولا تمرضوا"، الأمراض الكبيرة عندهم، والأمراض الخطيرة يتقلبون فيها هم!
وبعد ذلك ميزة: "وأن تشبّوا فلا تَهرموا أبدا"، وذي المساكن الفخمة في العالم أصحابها الكبار من عملية تجميل إلى عملية تجميل، ومن فيتامينات إلى مقويّات ويلحقهم الضعف! لكن هناك "أن تشبوا فلا تهرموا".
(وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً) بعد ذلك في حِسّها -خَل معانيها- في حِسّها: "لَبِنة من فضة ولبِنة من ذهب، ومِلاطها المِسْك الأذفر".
هيّا هاتوا الأرصدة حقكم؟ وهاتوا ما عندكم من ذهب الدنيا كله ما يساوي قَفْلَة من هذا الذهب في قيمته! لَبِنَة كلها فضة ولَبِنَة كلها ذهب ومِلاطُها المِسْكُ الأذفر! والثانية والثالثة!
ايش المساكن هذه؟ (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وعند قِصَرِ النَّظَر: يهمّكم شأن هذه الحياة، والحركات فيها، والظروف والأحوال والتقلّبات؟ قال وحتى في هذه الحياة ما أُخلِي زمانًا من الأزمنة من نصرٍ لأحبابٍ لي وظهور لهم على رغم خِطط العالم وما فيه! (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ).
وحتى أهل الذوق استحووا وقالوا يُعاتبنا يقول تحبونها! يعني: ليه تميلون إلى هذه واللي بعدها أكبر وأعظم؟ ليه ما تخلّوا همتكم معي إلى فوق؟ ولا تبالوا بهذه! قال أنتم تحبونها.. هي قدها مقضية من عندي ولكن أنتم معلقين بهذه (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ..) وفوقها: (..وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ..) ما قُد هذه بشائر؟! قال عاد أنا بوكِّلَك تُبشِّرهم ما فوق ذلك وما وراء ذلك (..وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ).
الله يجعلنا من أنصاره، أنصار حبيبه المصطفى.
كُلٌّ مِنَّا في نفسه وأسرته وبيته وأهله وفي جماعته وقومه وفي بلده التي يرجع إليها، وحيثما كان وأينما كان: ينصر الرحمن ورسوله بــ: النيّة، والقول، والفعل، والهِمَّة، والمال، والنفس، وبكل ما استطعنا، على ذلك نحيَا وعليه نموت وعليه نُبعث -إن شاء الله- من الآمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وأَحسِن اللهم ختام هذه الدورة لأهلها، ولمن معهم، ولمن يتابعها، ولمن يحبهم، ولمن يحبها، ولمن يواليهم في الله من الإِنس والجن في شرق الأرض وغربها، بركات تجمعهم بها في ظل عرشك، بركات تجمعهم بها تحت لواء الحمد، بركات تجمعهم بها على الحوض المورود، بركات تجمعهم بها في جنات الخلود.
فيَا رَبِّ واجمعنا وأحبابا لنا ** في دارك الفردوسِ أَطْيَبِ مَوْضِعِ
فضلا وإحسانا ومَنًّا منك ** يا ذا الجود والفضل الأتم الأَوْسَعِ
يا الله.. اقبلنا على ما فينا، ورُدَّ عنَّا كيد الكافرين والشياطين والمجرمين والمؤذين من قريب وبعيد..
وتدارك أهل بيت المقدس، وتدارك أهل الضفة الغربية، وتدارك أهل غزة، وتدارك أهل رفح، وتدارك أهل الشام، وتدارك أهل اليمن، وأغِث يا مُغيث بالغِيَاثِ الحثيث، أغث أهل السودان، وتدارك أهل السودان، وأصلح شانَ أهل السودان. إِنَّ إِرَادَاتٍ من عبادك القاصرين أرادت أن تخذلهم وأن تُفَرِّق بينهم وأن تُوقِعُهم في البأساء، وإِنَّا نريد منك ونسأل منك إِرادةً تريد بها على رغم أُنُوفِ مَن أبى: أن تجعلهم يا مولانا في أمنٍ، وفي طمأنينةٍ، وفي اجتماع شملٍ، وفي أُلفةٍ، وفي محبَّةٍ وفي إقبالٍ عليك، وفي تقوى لك، وفي إخلاصٍ لوجهك الكريم.. يا الله
وأغِث أهل ليبيا، وأغِث أهل العراق، وأغِث أهل الشام، وأغِث أهل اليمن يا مُغيث، وأغِث المسلمين في المشارق والمغارب بغياثك الحثيث.. يا الله، وأوزعهم شكر نعمائك، وأن يقوموا بحقِّ الوفاء لك ولرسولك خاتم أنبيائك، يا ربِّ أخرجهم من الخذلان والطغيان واِتِّبَاعِ البُعَدَاءِ عنك.
اللهم ارزقهم إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وارزقهم الصدق في أن لا يضرب أحد منهم ضربة ولا يُقابِل أحدًا من أعدائك مُقابَلة إلا وهمَّتُه ونَهْمَتُه ونِيَّتُه: أن تكون كلمتُك هي العُليا.
حَرِّر نيَّات المسلمين، طَهِّر نيَّات المسلمين، أصلِح نيَّات المسلمين، اجعل اللهم أعمالهم خالصةً لوجهِك الكريم.. يا الله، والمجرمين من الصهاينة ومن والاهم خذهم أخذ عزيزٍ مُقتدِر، وادفع شرَّهم عنَّا وعن الأمة، يا كاشف الغمة، يا جالي الظلمة، يا مُنزِل الرحمة، يا دافع النقمة، يا عُدَّتَنا في كل مُهمَّة، يا حي يا قيوم.. يا الله.
استغاثك حبيبك محمد ليلة بدر وناداك: يا حي يا قيوم، وإنَّا وراءه مؤمنين بك وبه وبما جاء به، نستغيثُك يا حي يا قيوم لهذه الأحوال القائمة في هذه الأمة، ونُناديك، ونرجوك، ونتوجَّه إليك، ونقول:
يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم، نستغيثك بالسيد المعصوم، يا رحمن يا رحيم، وبسِرِّ ندائه لك نناديك ونناجيك ونقول:
يا حيُّ يا قَيُّوم تدارك الأمة
يا حيُّ يا قَيُّوم اكشف الغمة
يا حيُّ يا قَيُّوم اجلِ الظُّلمة
يا حيُّ يا قَيُّوم ادفعِ النقمة
يا حيُّ يا قَيُّوم ابسط بساط النعمة
يا حيُّ يا قَيُّوم كن لنا بما أنت أهله
يا حيُّ يا قَيُّوم أغثنا بالغياث الحثيث وادفع عنَّا شرَّ كل خبيثِ، وعاملنا بما أنتَ أهله،
يا حيُّ يا قَيُّوم (ربَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)،
يا حيُّ يَا قِيُّومَ بلِّغنا ما نروم وفوق ما نروم، واجعلنا وجميعَ الحاضرين والسَّامعين ومن والانا فيك جندًا من جندكِ، أهل الوفاء بعهدك، وأهل الظَّفر بمحبَّتِك وَوُدِّكَ،
يا حَيُّ يا قَيُّوم رُدَّ عَنَّا كيد إبليس وجند من شاطين الإنس والجن، وشرَّ نُفُوسِنَا، وشَرَّ الأهواء، وشرَّ الدنيا وغرورِها، يا حيُّ يا قَيُّوم..
مَن دعوتم؟ مَن ناديتم؟ مَن طلبتم؟ مَن رجوتم؟ إلى من تضرَّعتم؟ مَن سألتم؟!
فما ترون؟ ما هذا الكرم الإلهي! أوقفكم على بابه؟ جعلكم لائذين بأعتابه؟ وفقكم لدعائه وندائه ومناجاته وسؤاله!
صنع كل هذا بكم فضلاً منه، فما ترونه بعد ذلك يصنع!
ربَّ العرش، ربَّ العرش، ربَّ العرش.. يا حي قيوم: ظنُّنا بك ألا تُشقِيَ أحداً مِنَّا، لا تُعرِّض أحد منا لاسوداد وجهه في القيامة، لا تُعرض أحدًا مِنَّا لإعطائه الكتاب بالشمال يوم القيامة، لا تُعَرِّض أحدًا مِنَّا لسوء الحساب يوم القيامة، لا تُخَلِّف أحدًا مِنَّا عن ركب حبيبك المظلل بالغمامة!
يا الله.. يا الله..
سعدنا وإياكم، وسعد المؤمنون والمحبون في الشرق والغرب من الإنس والجن، وتضاعفت سعادة السعداء في أهل البرازخ بدعاء الرحمن، والتوجه للرحمن، والإقبال على الرحمن، ومناجاة الرحمن، الحي القيوم..
سبحانه! كم خبأ من خبايا، وكم كنز من كنوز لمحمد ﷺ؛ يفوز بها من يفوز! فاجعلنا من الفائزين يا حي يا قيوم.. يا حي يا قيوم
نجتمع جميعًا يا ربِّ في رحابه، وتحت لوائه، وعلى حوضه، وفي دار الكرامة، وأنت راضٍ عنَّا وهو راضٍ عنَّا، واجعل يا ربنا ذلك من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب ولا توبيخ ولا عقاب.. يا الله، آمين... آمين.. آمين.. في خير ولطف وعافية، يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
04 صفَر 1446