(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 27 ذي الحجة 1442هـ بدار المصطفى بتريم، بعنوان: عجائب تقليب القلوب وكرامة المحبة من ولعلام الغيوب.
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمد لله موقِظ القلوب ومُحييها، والمُمطِر عليها سحائب جوده ليرفعَها ويُرَقِّيها، لا إله إلا هو وحده مُقَلِّب القلوب، ونتوجه إليه بحبيبه المحبوب الذي أرسله رحمة للعالمين وختم به النبيين، ونقول: يا مُقَلِّب القلوب بحبيبك المحبوب ثبِّت قلوبنا على دينك، ثبِّت قلوبنا على طاعتك، ثبِّت قلوبنا على محبتك؛ فإن مجاريَ القلوب في شؤون هذه الحياة واسعة الخطر؛ إذ يترتَّب عليها كُلُّ ما يجري في البرزخ والمحشر، وكُلُّ ما يجري في الجنة خير مستقر، وكُلُّ ما يجري في النار دار سَقَر..
كل الجاري هناك مترتب على أحوال القلوب هنا؛ فمن سَبَقَت له سَابِقَةُ الفضلِ مِن الحيِّ القيوم أخذ قلبه إليه وحَمَاهُ من أن يلتفت يمنة أو يسرة إلى الغفلات والحُجُب والقواطع والدعوات السفليات الشيطانيات الإبليسيات التي حقيقتها ما أخبر ربُّ البريات: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، فَيَا مُقَلِّب القلوب والأبصار ثبِّت هذه القلوب لجميع الحاضرين، ولجميع السامعين، ولأهاليهم ولمن في ديارهم على محبتك ورضوانك وطاعتك وتقواك؛ حتى نلقاك وأنت راضٍ عنَّا يا مَلِك الأملاك ونسعدُ بمرافقةِ أنبيائك وأصفيائك وسيدِهم في يومٍ تُقَلَّبُ فيه القلوب والأبصار، يا كريم يا غفار.. يا اللـــه.. يا اللـــه.. يا اللــه
قيمةُ المجامع التي أُرِيدَ بها وجه الله تَظهَرُ يوم الجمعِ الأكبر حين ينادي منادي العزيز الغفَّار الأجل، سيعلم الجمعُ اليومَ مَن أهلُ الكرمِ على الله.. قيل يا رسولَ الله ومَن أهل الكرم على الله؟ قال: أهل حِلَقِ الذكر في المساجد، ليَحشُرَنَّ اللهُ أقوامًا على منابرِ اللؤلؤ يغبطُهم النبيون والشهداء، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، قالوا: حلِّهم يا رسول الله لنعرفهم؟ قال: هم المتحابون في الله من بلادٍ شتَّى وقبائل شتَّى يجتمعون على ذكر الله فيذكرونه.
عشرات الجنسيات، وعشرات ومئات القبائل حضروا في ذا المحضر ويسمعونه من هنا وهناك.. ما الذي جمع بينهم؟ تحابوا برَوْحِهِ..
كم اجتهد عدوُّ الله ومعه جنودٌ مجنَّدة أن يُبعِدوا مِن ظهر الأرض أسلاكَ هذه المحبة في الله بين القلوب فأخزاهم الله، تنتشر وتنتشر وتظهر بفضلِ الحق جلَّ جلاله، وسرِّ وعدِه لنبيِّه الصادق المصدوق.
يا ربَّ العُلا: اجعلنا مِن خواصِّ المتحابين فيك.. يا اللــــــه..
فما حضَرنا ولا اجتمعنا ولا استمعنا إلا لنيلِ محبَّتك متحابين فيك، متجالسين فيك، متواصين بما أحببتَ مِنَّا من الحق والصبر، فثبِّتنا على الحقِّ والصبر، ونجِّنا من كُلِّ هلاكٍ وخُسْر، وارفعنا مراتبِ القرب والشكر، يا حيُّ يا قيُّوم، يا مُقَلِّبَ القلوب والأبصار يا الله
يا الله .. يا الله
القلوب الحاضرة معنا والمتعلِّقة بنا ثَبِّتها ثباتاً ربَّانِيَّاً إلهيَّاً محمديَّاً أحمديَّاً على ما تحب فلا تُصغِي لشيءٍ من الأراجيفِ لإبليسَ وجندِه ولكُلِّ قاطعٍ عنك ظاهرا وباطنا.. يا اللــــه
وما عَلِقَ بها مِن مقتضى ذنبٍ أو زَلَّةٍ أو إنصاتٍ إلى السوء قبل ذلك فصفِّها عنه وطهِّرها منه وزحزِحه عنها وأخرِجه منها حتى نَبِيتَ وقلوبُنا بك لك صافية، ومنك خائفة، ولِمَا عندك راجية، تحبك، تحب رسولَك مِن أجلك، وآل بيتِه وصحابته وأنبيائك ورسلك، وأكبر من ذلك.. وأنت تحبها.
يا فوز قلبٍ يبيت الليلة مُحِب لرَبِّ العرش ولكن رَبُّ العرش يحبه، ربُّ العرش يحبه،
يا رب العرش خزائن جودك افتحها لنا وأدخِلنا في تلك الرحاب الطاهرة بحبيبك المحبوب؛ لنَبِيتَ ليلتنا مُحِبَّةً لك قلوبنا وأنت تحبنا، محبوبين لك ولرسولك أحب الخلق إليك بجاهه عندك ومنزلته لديك يا اللــــه..
يا اللــــه .. يا اللـــــه
وقلوب مَن يقول "لا إله إلا الله" نسترحمك لها فارحمها، ونستعطفُك لها فاعطف عليها، ونستغيثك لها فأغِثها، فقد خالجَ الكثيرَ منها خمَج، وخالج الكثير منها ظلمة، وخَالَجَ الكثير منها ضلال، وخَالَجَ الكثير منها كَدَر، وخالج الكثير منها اغترار؛ فأصبحوا أتباعاً لبعض أعدائك بدل خاتم أنبيائك، واغتروا بأقاويلهم وأباطيلهم.. فنسألك بحقِّ "لا إله إلا الله" أن تُغيثَ هذه القلوب، وأن ترحمَ هذه القلوب، وأن تُصلِح هذه القلوب، وأن تُنقِذَ هذه القلوب، يا مُقَلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبَنا على دينك..
يا ربنا.. يا ربنا.. يا ربنا: وخصوصًا قلوب مَن كان في دارِ أحدٍ من الحاضرين أو السامعين، نزِّهها، طهِّرها، نظِّفها، نوِّرها، قوِّمها، اقذف فيها محبتك، وألحِقها بالمحبوبين عندك..
يا اللـه.. يا اللـــه.. يا اللـــه
ونحن بأيدي الرجاء والافتقار والذل والطمع فيما عندك وقلوبا كافرة أبناء قلوب كافرة اهدِها إلى الإسلام، ورُدَّها إلى اتباع خير الأنام، ولا تخرجها من الدنيا إلا على تمام الإسلام.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا هادي ولا هادي إلا أنت، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين..
نبيت الليلة وقلوب الحاضرين والسامعين لك مُحِبَّة ولك ولنبيك محبوبة، وحقائق المَنِّ الواسع والمحبَّة الخالصة والمعرفة الخاصة موهوبة.. يا اللـــه
نعم سؤال عظيم.. لولا عظمةُ الله وعظمةُ رحمتِه ما قدرنا أن نسأله، ولكنَّا نسأله الله ونُلِحُّه على الله في قضائه وتحصيله وإجابته جلَّ جلاله، فنادوا هذا الإله، وتوجَّهوا إلى هذا الإله، وتذلَّلوا بين يدي هذا الإله، وقد بادَأكم بالفضل، ووفَّقكم سبحانه وأحضرَكم محاضرَ الإجابة، ونادوه وهو يسمعكم، وادعوه وهو أعلمُ بكم، وقولوا: يـــا اللــــــــه
أتدرون.. أتدرون دعوتم مَن؟ سألتم مَن؟ طلبتم مَن؟ ناديتم مَن؟ لهجتم باسم مَن؟
الله
قولوا "يا اللـــــــــه"
سبحانك.. سبحانك.. ملائكتك المقرَّبون يقولون يومَ يبعثون (ما عرفناكَ حقَّ معرفتِك ولا عبدناك حقَّ عبادتك) ومن نحن الملطَّخون بالذنوب تُنعِم علينا بفتحِ الباب؟ وعلينا عطاؤك يَنساب، ويَنصَبُّ فضلك علينا انصباب، وتأذن لنا أن ندعوك يا ربَّ الأرباب، ونقول ومعنا الملائكة والملأ الأعلى "يا اللــــــــه"..
أحسِن خاتمةَ شهرِنا، أحسِن خاتمةَ عامِنا، أحسِن خاتمةَ دورتِنا هذه بأعظمِ الإحسان، بأوسع الإحسان، بأجزل الإحسان، بأعمقِ الإحسان، بأكبرِ الإحسان، بأدومِ الإحسان، يا قديمَ الإحسان، يا كريمُ يا منَّان يـــــا اللـــــه.. يــــــا اللــــــه
وستختمون عامَكم، وتختمون شهرَكم، وتختمون سنتَكم وعامَكم في يوم الأحد المقبل، وتختمون دورتَكم، وتوجَّهوا إلى مَن بيدِه أمرُ خواتيمِكم، فإننا نلحُّ عليه ونلحُّ عليه ونلحُّ عليه مِن أجل ساعةِ خاتمةِ كلِّ واحد مِنَّا ومنكم، مِن أجل ساعةِ خاتمةِ كلِّ واحد مِنَّا ومنكم.. مِن أجل ساعةِ خاتمةِ كل واحد مِنَّا ومنكم..
يا الله.. يا الله: اختم لنا بالحسنى، نعوذ بوجهك الكريم أن تسوءَ خاتمةُ أحدٍ ممَّن حضر أو ممن يسمع.. يا اللــــه..
فإنَّ الذين تَحسُن خاتمتَهم سيجتمعون تحت لواء الحمد، وسيجتمعون على الحوضِ المورود، وسيجتمعون بعد المرورِ على الصراط، وسيجتمعون في دارِ الكرامة، وفيها سيتذاكرون المجلس {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ..} كُنَّا نقول "يا اللــه"، كُنَّا نقول "يا اللــه" ، كُنَّا نقول "يا اللــه"؛ خوفا من الله، وطمَعَاً فيما عند الله، ورجاءً لفضل الله {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}
اللهم يا برُّ يا رحيم مُنَّ علينا وقِنَا عذاب السموم..
يا اللـــه .. يا اللـــه .. يا اللـــه ..
يا حيُّ يا قيُّوم.. قلوبنا بين يديك.. قلوبنا بين يديك والحال لا يخفى عليك، يا مَن هو أعلمُ بقلوبنا مِنَّا أصلح قلوبَنا، نوِّر قلوبَنا، طهِّر قلوبَنا، صفِّ قلوبنا، نقِّ قلوبنا، انظر إلى قلوبِنا، املأ قلوبِنا بمحبتك واجعلنا عندك محبوبين
يا اللــه.. يـا اللــــه
نزِّه قلوبَنا عن التعلُّق بمَن دونَك واجعلنا مِن قومٍ تحبُّهم ويحبونك،
نزِّه قلوبنا عن التعلق بمن دونك واجعلنا من قومٍ تحبهم ويحبونك،
نزِّه قلوبَنا عن التعلق بمَن دونك واجعلنا مِن قومٍ تحبهم ويحبونك،
في عافية يا الله، في لطفٍ يا الله، في سرورٍ يا الله، في خيراتٍ يا الله، في ألطافٍ يا الله، في بهجاتٍ يا الله، في انشراح صدورٍ يا الله..
بسرِّ الذي خاطبتَه بوحيِك وقلت له: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} اللهم ارفعنا فيمن رَفَعْتَ ذكرَهم بمرفوعِي الذكرِ لديك {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فأرِنا اليُسرين أمامَ هذا العسر في العالَم، يا اللـــه .. ووفِّقنا في باقي العمر على الائتمام بحبيبِك فيما قلتَ له: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب} فاجعلنا كذلك على خيرِ المسالك حتى نجتمع معه هنالك يا مَلِك الممالك..
يا اللـــه.. يا اللـــه .. يا اللـــه
لو جئت مِن أبعدِ البلاد في الأرض لتحضرَ هذه الدعوة لملكِ الملوك حيث تتحرك الأرواح والملائكة ويضجُّون ويضجُّ لهم العرش الأعلى لكان قليلا في حقِّها. اللهم لك الحمد على ما مننتَ فأتمِم علينا النعمة، وادفع عنَّا النِّقمَة، وعامِلنا بمحضِ الجود والرحمة، ولا تصرف عنَّا أحدا إلَّا نوَّرتَ وطهَّرته وصفَّيته واصطفيتَ قلبه، يا مقلِّب القلوب، قلتَ وقولك الحق: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} سلَّمنا لك هذه القلوب يا الله، نسألك رحمتَها، نسألك تصفيتَها، نسألك تنويرَها، نسألك تطهيرَها، نسألك تعليمَها، نسألك أن تملأها بنورِ المعرفة الخاصة، وحقائق المحبة الخالصة..
يا اللـــه.. يا اللــه
يا الله بذرَّة من محبة الله ** نفنى بها عن كُلِّ ما سوى الله
ولا نرى من بعدها سوى الله ** الواحد المعبود ربِّ الأرباب
يا اللـــه.. يا اللــه
برحمتك يا أرحم الراحمين..
ولخاتمةِ عامِنا واستقبالِ العام الجديد الذي نسألك أن تجعلَه مِن أبرك الأعوامِ على أمَّة نبيك محمد، وتجعله عام رفعٍ للبلاء ودفعٍ للآفات والعاهات ظاهرا وباطنا.. نتوجَّه إليك في شأن الأمة أجمعين ونقول:
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين فرِّج على المسلمين
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين فرِّج على المسلمين
28 ذو الحِجّة 1442