(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى ليلة الجمعة 15 ذو الحجة 1445هـ، بعنوان:
عجائب اللطف والملاطفة من البَر اللطيف لعباده فيما أوحى وأرسل وشرع
الحمد لله الحيّ القيوم اللطيف بعباده، الذي أتحَفَ من أتحَفَ بمحبته ووِداده -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، جعل هذه الحُجُب النورانيّة دون ذَاتِهِ العَلِيَّة؛ التي لو كُشِفَت لأحرقَ نوره كل شيء انتهى إليه بصره -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-، ولكن بالفضل من حضرته الربانيّة الرحمانيّة والإحسان القديم والامتنان الأزليّ؛ قَضى بخَلْقِ الخَلْق، وجعلهم على مَرَاتب ودرجات، وجعل في الدرجات العُلا عقلاء هذه الكائنات وهذه المصنوعات والمخلوقات.. وهم الإنس والجن والملائكة، فجعلهم كالروح لبقيَّةِ هذه الكائنات.
وجعل في هؤلاء العقلاء اصطفاء اصطفاه الله سبحانه وتعالى، اصطفى به ملائكته، ثم اصطفى به من بني آدم، ثم اصطفى من النبيين والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ)[الحج:75]، فكان هؤلاء الرّسل من الملائكة والناس كالرّوح لبقيَّةِ العقلاء، وكان هؤلاء الرُّسُل من النّاس -فيهم أولو العزم- كالرأس لهم والروح لهم، ثم انتهى الأمر إلى سيِّدِ الكل خاتم الرسل، الذي به أُنعِم علينا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
فخرجنا من ورطات ودواهي الانقطاع الكُلي عن الله والتعرّض لعذاب الأبد، ولعذاب المهين المخلّد -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ خرجنا من هذه الدواهي وهذه الأخطار بشهادة لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
فيَا رَبِّ ثبِّتنا عليها، واجعلنا من خواصِّ أهلها عندك حتى تتوفانا مسلمين مؤمنين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وزِدنا إسلامًا، وزِدنا إيمانًا، وزِدنا إحسانًا، وزِدنا معرفةً وقُربًا ومحبةً ورضوانًا.. آمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم جُعِلَت أُمَّته خير الأمم، وكل واحد منكم جُعِل منها.. اللهم لك الحمد، أتمِم النعمة علينا يا مُنعم، أتمم النعمة علينا يا منعم. تمام النعمة عليك في هذا: أن تُرافقه في القيامة، وتُرافقه في دار الكرامة.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا ربِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ
بِحُرمة هادينا ومُحيي قلوبنا ** ومرشدنا نهج الطريق القويمة
دعانا إلى حقٍّ بِحقٍّ مُنَزَّلٍ ** عليه من الرحمن أفضل دعوة
أجبنا قبِلنا مُذعنين لأمره **
والإجابة والقبول لهذه الدعوة والإذعان لها؛ عطايا من عطايا هذا الإله الحق -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- فجعل في إرسال هؤلاء الرسل وإنزال الكتب عليهم وإيحاء الوحي: عجيب وعظيم المِنّة للمكلّفين من الإنس والجن على ظهر هذه الأرض، يخرجوا من ظلمات وورطات وآفات وبليَّات كثيرات، بل وليتهيّؤوا للمَفَاز بالفوز الأكبر، ومِنَح، وعطايا، ومِنَن، ومواهب، وجود، وإحسان، وكرم؛ لا غاية له ولا حَدَّ ولا نهاية. ويقول الرحمن في حديثه القدسي: "أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
لذا وجَب أن: يَشتَدّ رحمتنا وشفقتنا بالذين حُرِمُوا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ونجتهد أن نوصلها إلى كل من قدرنا على إيصالها إليه، بمُختلف الوسائل ومختلف الأساليب.
وإنَّ خيرَنَا مَن اجتهد هذا الاجتهاد وقام بِحقِّ هذه التبعيَّة لخير العباد ﷺ، ودعا نفسه، ودعا أهله وأولاده، ودعا أصحابه وعشيرته، ودعا أصدقاءه وجلساءه، ودعا من يرافقهم في أيِّ مكان من الأماكن، وحرص على أن يُوصِل نور هذه الدعوة بمختلف الوسائل والأساليب إلى كُلِّ ما قدر ومَن قَدَر أن يوصلها إليه.
وخير الناس من دعا إلى الله وحبَّبَ عباده إليه، وأقرب الناس من الرسل يوم القيامة العلماء والشهداء، قال نبينا: "أمّا العلماء فدَلّوا الناس على ما بُعِث به الرسل، وأما الشهداء فماتوا على ما بُعِث به الرسل" صلوات الله وسلامه عليهم.. لهم الفوز في ذاك اليوم العظيم (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
اجعلنا منهم يا رب، وسنقول قولهم وندعو ربنا في مجمعنا هذا ومجلسنا:
(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
ادعُه واسأله، قُلْ: (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
وكان من مظاهر رحمته في التنزيل: أن يُورد لنا مثل هذه الأدعية وهذه الأقوال لمن اصطفاهم؛ لأجل كل مُدرك وكل ذي وعي وكل ذي فهم يتشبَّث بها. يقول ما قالوا.. حتى ينفتح له الباب فينال ما نالوا، وذلك فضل الله -سبحانه وتعالى- وتلا علينا أمثال هذا في كتابه المصون -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، فوجب أن نأخذ رِبحنا وفوزنا من هذا الكتاب؛ بــ: تأمّل هذه المعاني والدلالات، والقيام بحقِّها (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8]، واجعلنا معه في ذاك اليوم، يا حيّ يا قيوم، يا رحمن يا رحيم.
ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- جَعل هؤلاء الرّسل لنا الهُداة والأنوار المنقذة من أنواع الضلال، والغيّ والزيغ، وظلمات النفس، وظلمات الهوى، وظلمات الشهوات، وظلمات الدنيا، وظلمات شياطين الإنس والجن؛ الحفظ من كل هذا والحصن جعله الله مرتبًا على ما أنزل من كتب وأرسل من رسل. ومَن استجاب لهم يُحفَظ مِن كل هذا ويُصان من كل هذا؛ وإذا حُفِظ وصين من كل هذا فاز؛ فاز بـ وبـ وبـ وبـ، وينتهي إلى: "ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
اجعلنا من الفائزين يا ربنا..
أرسل الرسل مِنَّا ومن بيننا تنزُّلًا منه -جل جلاله- بعد هذا الخَلق والإيجاد.
وتخصيصنا بسرّ الروح التي جعلها للآدميين على وجه الخصوص؛ مخصوصة بعنايةٍ منه، أشار إليها بقوله عن آدم وهو يخاطب الملائكة الكرام: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)[ص:72].
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ما تحمل هذه المعاني من دلالات وكلمات عظيمات.
وأنت من بني آدم، وعادك من بني آدم في أمة محمد خير الأنبياء التي هي خير الأمم، تعرف ما هذه العناية من الرب اللطيف -جل جلاله-؟! ويخاطب الملأ الأعلى: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)[ص: 71-72]. كانت كرامة عظيمة، وخلقهم الله تعالى مِنَّا، أرسلهم بألسنتنا معشر بني آدم، وأرسلهم من أنفسنا -عليهم صلوات الله وتسليماته-، فكان هذا التنزل واللطف من حضرة الرحمن -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، ثم جعل لنا لما خلقنا من تلك الأجسام التي أصلها من طين ونفخ فيها هذه الروح في المجال العظيم؛ مَزَج -سبحانه وتعالى- بين هذا الطين وهذه الروح مَزْجًا عجيبًا، فهيّأ هذا الإنسان لأن يرتقي ويصير روحاني، فطينته تتأثَّر برُوحه، ويصير بعد ذلك دمه ملآن نور، وشعره ملآن نور، ولحمه ملآن نور، وعظمه ملآن نور.. هذا الجسد! هذا الجسد!
ولَكُم العبرة الكبيرة؛ أنَّ المعراج تمَّ بعد بُروز الحبيب الأعظم في القالب الجسماني الإنساني، وأنّ جسده الشريف هذا الذي رَعته العناية وتكوّن في بطن آمنة بنت وهب؛ صَعد إلى السّماوات مع الروح الأطهر حتى وصل إلى سِدرة المُنتهى، وتخلّف جبريل وتقدّم هذا الجسد.. الروح والجسد، بأظفاره، بشعره، بلحمه، بعظمه، بدمه ﷺ، بل بثيابه التي كان يلبسها؛ فكان هذا إفاضة الله وعجائب لُطفه؛ أن يَفِيض هذه المعاني الغريبة البديعة الرّوحانية؛ حتى تتشرَّف بها القوالب، وتتشرّف بها الأجساد، وتسري السراية حتى إلى الجمادات المتصلة بهذه الأجساد المتصلة بهذه القلوب، وهذه الروح العظيمة المتجلى عليها من قِبل الحق -جلَّ جلاله-
ومتابعة لألطافه الخفيَّة -جلَّ جلاله- جعل لنا سبحانه وتعالى في جِنس أعمالنا، وجِنس الأماكن التي نمشي فيها، وجعل لنا في جِنس هذه الأعمال، وجِنس هذا المكان، وفي طيِّ الزمان: مجال تجلياتٍ منه خاصة تتعلق بشؤون الرّوح، وأمر الفُتوح، والاتصال بـ: قدّوس سُبّوح، والعطاء والمُنوح؛ فجعل لنا مساجد، وجعل لنا أماكن للعبادة، وأيضًا نسبها إلى نفسه، وجعلها بيوته في الأرض.. المساجد، يُسمى بيت الله، و: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)[التوبة: 18]، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)[النور:36].
فنحن ونحن في عالم الأجساد قال الله عبر الأجساد تجليّاتي عليكم التي لا تُكيَّف ولا يُعبَّر عنها، وما لها من نفاد تسري في هذه القوالب، في قوالب الأماكن، وتميزت الأماكن بعضها عن بعض.
ثم جعل لنا حرمًا آمنًا، وجعل لنا الحَرم الثاني حرم محمد ﷺ، وجعل لنا حرم بيت المقدس -جلَّ جلاله- ثم جعل هذه الأسرار في البيت العتيق المَصُون المُعَظَّم، الذي إن كان الحجر الذي بنته الملائكة قد ذهب وغاب من زمان، وبَقِي هذا الحجر الأسود الذي جاء به جبريل -عليه الصلاة والسلام- إلى سيدنا الخليل ووضعه في هذا المكان، أو قيل إلى مع آدم -عليه السلام- نزل به من الجنة أو ناوله إياه جبريل ليكون في هذا البيت العتيق..
وبقية الأجزاء تجددت، وتعرّضت للتصدّع، تعرضت للسيول، تعرضت لشيء من الاحتراق.. وتجدّدت. ودع هذا عنك هذا التجدد؛ التجلي تجلي الحي القيوم؛ إنما -سبحانه وتعالى- تنزُّلاً منه ولطفًا أقام لنا هذه الصور، وأقام لنا هذه المحسوسات.
ولذا أرباب الأرواح العظيمة القوية والقلوب اليقظة النشيطة يَخرجون من هذه الصّور، وتقول القائلة لطائف بالبيت العتيق: على ماذا طُفت؟ قال: على هذه البنية، قالت: جُسوم تطوف على جسوم! جسم يدور على جسم! شيء معك معنى وإدراك من هذا الطواف؟ أو هو هو كذا؟! أتقصد بيت إنسان تريد غير ربّ البيت؟ إذا جئت إلى بيت إنسان تقصد البيت ولّا تقصد الإنسان؟ تقصد رب البيت ما تقصد البيت! قالوا: هذا ربه الله تعالى هذا بيته. إذا جئت فالمقصود هو الله -جل جلاله-
ولكن تنزُّلاً منه ولطفًا أقام لنا هذه الأسرار، وأقام لنا هذه الخيرات.
وأي كسوة جاءت من أي مكان في أي زمن ووضعت على الكعبة، سَرَت إليها سِرَايَات التجلي، وسَرَت إليها سِرَايات التفضل من حضرة الرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه- من أسرار لطفه وتلطفه بعباده وملاطفته إيَّاهم -جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
وأقام لنا هذه الأسانيد، وأقام لنا هذه العلوم، وهذه المظاهر، وهذه المجالس، وهذه الأربطة، وهذه الزوايا، وهذه التكايا، وأماكن الذكر؛ أقامها -سبحانه وتعالى- تنزلاً منه وجمعيّة عليه، وسِراية من الأسرار التي تَسْرِي، التي تقرؤون في الكتاب: أن بُدن من جملة البُدن -يعني جمال- من جملة المخلوقات من الجمال لمَّا يقصد بها وجه الله وتُرَاد إهدائها إلى بيت الله لتُذبح في حدود حرم الله؛ تحوَّلت إلى شعيرة من شعائر الله! جمل من الجمال.. بدمه بلحمه، لكن نية هذا الذي ملكه حوّله إلى شعيرة (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا)[الحج: 36]، لكم فيها خير.. يعني إذا تجليت عليك بأي شيء، ما شفتنا لما أكلم كليمي موسى تجليت له من شجرة؟ نودي (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[القصص: 30].
كقصد موسى جذوة من نارِ ** إذ عاد بالإنباء والإرسالِ
صلوات الله على نبينا وعلى النبي موسى وجميع الأنبياء والمرسلين..
وقامت هذه المجالس والتذكيرات وهذه المباني؛ من عجائب لُطف اللطيف بنا و بكم بالأمة؛ لـ يهدي من يهدي، ويُقَرِّب مَن يُقرِّب، ويُنَوِّر مَن يُنَوِّر، ويَدُلّ مَن يدلّ، ويَرفَع من يرفع -سبحانه وتعالى- مِنَنًا منه سارية في الوجود.
الحمد لله على هذا المنن..
ووقف الحجاج الحمد لله في هذا العام، والحمد لله على ما قضى وقدر، هؤلاء الذين ماتوا وانتقلوا الله يبعثهم ملبين كلهم -إن شاء الله- ويجعلهم في المقبولين كلهم، ويجعلهم فيمن يُبعث في الكرامة وفي الخصوصية من الفَيْضِ الرباني، يا أكرم الأكرمين.
لمَّا مات بعض الحُجاج في حجته ﷺ وأخبروه، قال ﷺ: "لا تُلبسوه مخيطًا، ولا تُخَمِّروا رأسه، وإنه يُحشر يوم القيامة مُلبِّيَاً". يُحشَر: لبيك اللهم لبيك؛ في حال صِلة بالله في يوم الحكم، بينه وبين الله كلام ثاني، لا توجد هذه الشدائد؛ و"لبيك اللهم لبيك" في حاله الطيب بينه وبين الرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه-
ويحفظ بقية الحجاج كلهم ويردهم إلى ديارهم وأوطانهم سالمين، ويُشركنا فيما أفاضه عليهم، وتجلى به عليهم.
والحمد لله قامت الجموع، وذرفت الدموع، وحصل لمن حصل الخشوع، وأُدخِل المُسيء في بركة المُحسن. لطف من لطف الله، ملاطفات ربانية..
والله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا
(وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء)[النور:21]. يزكي من يشاء بـ: الوسيلة الكبرى محمد، وما تفرع عن هذه الوسائل، من هذه المحافل، وهذه المنازل، وهذه الأقوال، وهذه المجامع، والحج والعمرة والزيارة، والمقاصد الصالحة، والنيّات الصالحة في القلوب الطاهرة، في الشرق والغرب.
هذه مجالي تجليات الرحمن -جلَّ جلاله- ولطفه بعباده، وجوده عليهم -سبحانه وتعالى-
فالله يوفر حظنا منها ومن سرها ومن بركاتها، ويُدرجنا وإياكم في أهل المعيّة لخير البرية ﷺ، ولا يُخلّف مِنَّا ذكر ولا أنثى، ولا صغير ولا كبير، جميع أهل المَجمع ومن يسمعنا ومن في ديارهم وأهاليهم وأولادهم.. ادخلنا في دائرة حبيبك مع أهل تقريبك، يا كريم، يا رحمن يا رحيم. فما دعاكَ داعٍ إلا بإذنك، وإلا بتوفيقك، ولا يُخلص في الدعاء لك مخلصٌ إلا وقد كتبتَ له الإجابة قبل أن يدعوك.
فيا حي يا قيوم: أيدي أهل الفقر امتدت إليك، وأنت الغني، وأيدي أهل الضعف امتدت إليك، وأنت القوي، وأيدي أهل العجز امتدّت إليك وأنت القادر.
فيا أول يا آخر، يا باطن يا ظاهر: لا تَدَع مِنا قلبًا إلا نوَّرته، وصفَيته، وطهرته، واصطفيته وأفضتَ عليه فائضات أسرار "لا إله إلا الله محمد رسول الله" من حيث نطق بها لسان حبيبك محمد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ومن حيث امتلأ بها قلب حبيبك محمد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أحيِنا عليها يا حيّ، وأمِتنا عليها يا مُميت، وابعثنا عليها يا باعث..
يا الله.. يا الله.. يا الله..
ومن يعقب الحج بعمرة، ومن سبقت لهم العمرة، ومن يزوروه ﷺ بعد حجهم، ومن زاروه قبل حجهم؛ أعِد علينا عوائد الوِجهات إليك في صدق الإقبال عليك، واجمع لنا سوابق ما أفضتَ على الموفّقين والمقبولين، ولا تحرِمنا بركة مقبول، ولا بركة موصول، ولا بركة مُقرّب، ولا بركة نبيّ، ولا بركة صِدّيق، ولا بركة عارف، ولا بركة ولي..
يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين، اغمرنا بفائضات الجود، وأسعدنا بأعلى السعود، ولا تجعله آخر العهد من هذا الموسم، وأعدنا إلى أمثاله في تقوى واستقامة، ومِنن وكرامة، يا حي يا قيوم.. والحمد لله رب العالمين.
14 ذو الحِجّة 1445