(230)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، في دار المصطفى بتريم، ليلة الجمعة 9 جمادى الآخرة 1442هـ بعنوان:
ظهور الحقائق من لحظة الموت فما بعدها في فوارق ما بين الفريقين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي مَيَّزَ المؤمنين وأعز، وجعل لهم سبحانه وتعالى من حقائق الشّرف المؤبد ما لا يُعد ولا يُحد، فضلاً من جوده ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
وإنَّ لحظاتِ الموت فما بعدَها أولُ ساعات الفوارق بين الخلائق بل بين الأوهام والحقائق، يُعرف مَن كان واهماً ومَن كان على حق، مَن كان على ظنٍّ ومَن كان على يقين، مَن كان على ظُلمة ومَن كان على نور، مِن حين الموت إلى ما بعد والنتائجُ مستمرة في خيريَّة الإيمان والعمل الصالح وفي شرِّ الكفرِ والفسوقِ والعصيان، ثم لا غايةَ ولا نهايةَ لخيرِ الإيمانِ والعملِ الصالحِ كما لا نهاية لشرِّ الكُفرِ والعياذ بالله لكل مَن بلغَتهُ الدعوة فمات كافراً ولا نهاية لشرِّ ذنوبِه وسيئاته، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وأما ما سمَّوه في الوهمِ والخيال والظنِّ والكذب مستقبلاً وقالوا إنهم أحرزوه وحازُوه وقاموا به، فهو المُشار إليه بقولِ الجبَّار الحق ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا * أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا )
متى هذا؟ في يومٍ مقبلٍ على الناس بدلَ هذا الانبهار بجهاز، بأخبار الأرض، بأخبار بحر، بأخبار جبل، وأخبار وكالات الفضاء.. وصل قمر ما وصل، راح هناك شاف.. اكتشف شيء كبير! خلوا هذا كله فوق هذا: ( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ )
انتهى حقك الفضاء وانتهى حق الجيولوجيا وانتهى حقك البحر!!
( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) فعلائقُ أهل السوء ترجعُ الى الندامة مهما كانت أفراد أو جماعات.. دول أو شعوب، علائقُ السوء الخارجةُ عن تقوى الله ترجعُ إلى ندامة ( يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) فأين طريقُنا ومنهجُنا؟ نستمسَّك بهذا القرآن وما جاء به ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا )
وبحكمةٍ مِن حكمِ الله قال ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْـمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) اهدِنا وانصرنا، اهدِنا وانصرنا، اهدِنا وانصرنا ( وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ).
تظهر الحقائق وينكشف وقتَ الإمهال ووقتَ إمكانِ التقرير والخديعة والكذبِ والظَّن بمجرد وصولِ الروح إلى الحلقوم ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ) غير محاسَبين ومُجازين كما قال لكم نبيُّنا: ( تَرْجِعُونَهَا ) ردوا روحاً! شوفوا حقكم هذا اللاعب الكبير ولا الرّئيس الكبير ولا الوزير
ردوا روحه لترجع! رجعوا.. انت متقدم ومتطور ارجع الروح! ( تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ما يقدرون!
فاخضعوا واخشعوا .. من الذي رتَّبَ خروجَ الرّوح وعدمِ القدرة على ردِّها؟ إذن لماذا لا تخضع له؟ وروحك أنت أيضاً ستخرج ولن يقدر أحد على ردِّها.. فكيف لا تخضع لهذا الإله؟!
( تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ما يرجعونها.. ولكن أين المصير والمستقبل الكبير ؟ ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ )
والمشكلة الثالثة ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ ) أي ضيافة.. ما دام ضيافة أمر مستبشر؟ لا لا.. ( فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) سبحان ربنا العظيم وبحمده، يا ربنا ارزقنا كمالَ الإيمان واليقين، واجعل آخرَ لحظاتِنا في هذه الدُّنيا أسعدَ لحظاتنا، واجعل خيرَ أيامِنا يومَ لقائك حتى نلقاكَ وأنت راضٍ عنا. وحينئذٍ قال:
فالموت للمُحسن الأوّاب تحفتهُ ** وفيه كلُّ الذي يبغي ويرتادُ
لِقَا الكريم تعالى مجدُه وسما ** مع النعيم الذي ما فيه أنكادُ
لهذا يصيح عندما يحملونه على رقابهم: "قدِّموني قدِّموني".. امشوا بسرعة دعوا اللحظات هذه تنطوي إلى أن أدخل إلى ما هو أجلى لي في قُربي من ربِّي، قدِّموني إلى جنة ورِضوان وربٍ غير غضبان.. هنيئاً لأهل هذا النداء، وغيرهم ينادي "خلِّفوني خلِّفوني" ما يُخلَّف.. يا ويلها أين تذهبون بها؟! لا إله إلا الله.
أحسِن خاتمتَنا يا رب، وبارك لنا في حياتِنا وبارك لنا في موتِنا ووفاتنا، وبارك لنا في برازخِنا، وبارك لنا في مَن تُمتِّعهم بالأعمارِ في هذه الحياة ومَن تأخذُهم مِن بيننا مِن أهل لا إله إلا الله، بارِك لنا في الحاضر وبارِك لنا في المصير، وبارك لنا في الدُّنيا وبارك لنا في البرزخِ وبارِك لنا يوم القيامة، ولا تُوقِفنا مواقفَ الخزيِ ولا الندامة بجاهِ سيدِ أهلِ الكرامة حبيبِك المصطفى محمد إمامِ أهلِ الاستقامة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
انظروا إلى ما أعدَّ الله للمؤمنين الذين يستقيمون على المنهاج ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْـمَلَائِكَةُ ) والملائكة ماذا تخاطبهم؟ ( أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ) ألّا تخافوا مِن كل ما يستقبلكم مِن البرزخ إلى القيامة إلى الأبد، ولا تحزنوا على أيِّ شيء مِن ورائكم، لا تخافوا مما أمامَكم ولا تحزنوا على شيء مِن ورائكم، وإن كان وراءه في الدنيا أولاد أو أهل أو آثار قال ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) الحياة الدّنيا حقه والآخرة حقه جلَّ جلاله ومُلكُه، قال آمنت بي واستقمتَ اطمئن، ما تعلَّقَ بك في الدنيا أنا له بعدك، وما أمامك في الآخرة أنا لك فيه.
( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) وعاد زيادة بفتح لك موائد كرم من عندي في الآخرة ما عرفها أحد، ولا جرت على أحد من قبل ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا ) ضيافة ( مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) يا غفور يا رحيم اجعلنا مِن أهل هذا النُّزلِ برحمتك يا أرحم الراحمين.
ولا تزال الأيامُ تُذكِّرنا بهذا المصير والمستقبلِ الكبير العظيم، هيَّأنا اللهُ للحُسنى وزيادة، وتولَّانا بما تولَّى به خواصَّ أهلِ السعادة، يا عالمَ الغيبِ والشهادة كن لنا بما أنتَ أهلُه ظاهراً وباطناً في الدُّنيا والمعاد يا ربَّنا يا جواد.. يا أرحم الراحمين، فليست الحسرةُ إلا على مَن مات كافراً أو فاجراً أو مبعوداً عن الله تبارك وتعالى، ومَن يموت على الإيمان ومَن يموت على الملَّة فما عند الله خيرٌ للأبرار ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ).
ولقد فقَدنا ونفقِد، وهذا حالُ الدنيا، وقال زينُ الوجود صلى الله عليه وسلم وقد فقد ابن سبعة أشهر ولده ابراهيم، الولد الذي جاءه في سنِّه الكبير بعد أن قد فقد ابنَه القاسم وعبدَ الله الطيِّب الطَّاهر، وجاء إبراهيمُ وكان يذهب إليه في محلِّ رضاعه وكان يرضعُ عند قوم يستعملون هذا القرض وغيره مِن دباغ الجلد، فيأتي وينتظر عند بابِهم ويصبر على روائحهم وما عندها من شأن يشمّ الولد، يقبله ويردُّه إليهم.. فتوفِّيَ الولد، فحملَه صلى الله عليه وسلم وقَبَره وقال: "وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا" وقال: "إنَّ له مُرضعاً تُرضعُه في الجنة".
وهكذا إلى غير ذلك مِمّا عَلِمنا به شأن هذه الحياة وما يجري فيها، فقَدنا في أيامِنا الحبيب عبد الله بن علي بن سالم بن أحمد بن حسن العطاس أعلى اللهُ درجاتِه وجمَعنا به في أعلى الجنة، وأخلَفه فينا وفي الأمة بخير خلف وتقبّل منه جميعَ ما أجراه له وعلى يدِه من الخير والأخلاق والعمل الصالح، إنه أكرمُ الأكرمين وأرحم الراحمين.
فالأقوام امتلأوا بأنوار المحبَّة الخالِصة لله وظهرت عليهم آثار محبَّة الله فيهم وأحوالهم وشؤونهم عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، وعاشوا على نفعِ العباد والبلاد بكلِّ ما قدروا عليه، ثم فقدنا جار هذه الدّار علي بن سعيد بن محمد بلدرم عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وكان إلى أيام مرضِه الأخير قبل مَوته يحرص على صلاة الفجر في المسجد، حتى بعض أيَّامه عند الخروج عند الباب سقط من شدة المرض، في اليوم الثاني خرج إلى المسجد لأجل لا تفوته صلاة الفجر، وكان مواظباً على جلسة الإثنين عندنا كُلّما دخلنا الساحة أيام مرضه ننظر المكان اللي يقعد فيه وذكرناه عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
ومثل تلك المجالس هي التي يشكرون عليها الآن، والشكر عليها لِمن قَبِلها الله منهم أبدي سرمدي لا نهايةَ له ولا زوالَ ولا غايةَ ولا اضمحلال ابداً، وهكذا عُملَة الحسنات خيرُها أبديٌّ سرمديٌّ والسُّوء والشَّرِّ في عملة السيئات أجارنا الله منها،
أرِنا ما يسرُّنا ولا تُرِنا ما يغمُّنا في يومٍ قلت فيه: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
وفقدنا سعيدَ بن مبارك عبيد بكيِّر باغيثان عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وكان في مثلِ ذا المجلس حاضر.. يحضر المولدَ في كلِّ أسبوع، هذه المجالس التي هم يجنون ثمارَها الآن.. كأسُها الحالي هم يذوقونه، لو واحد منكم يذوق ما يذوقونه لهذا الكأس هناك لعكف على المجالس هذه ولا قدَّم عليها شيء، ولَعَرفَ أنَّها مِن أعظمِ غنائم حياته، ساعة تمرُّ بك تحت مطَّار سحائبِ جودِ ربِّ العرش جلَّ جلاله وتعالى في علاه، وتأتي مِن أجله وتحضر وحيث يُذكر الحقُّ وخاتم رسلِه وأهل النبوة وأهل الرسالة وأهل القُرب الصديقية بالولاء والمودَّة والمحبَّة والتَّعظيم، ويُذكَر أهلُ الفِسق والكُفر والعِصيان بالشَّفقة عليهم والحُزن عليهم والرَّحمة لهم والتبرِّي مِن كُفرِهم ومِن سوئهم، وهذا هو الولاءُ لله وهذا هو الصِّدق مع الله، وهذا هو الدين الذي يُحِبُّه الله جلَّ جلاله وتعالى ويرضاه وبه يطيبُ لأهلِه لقاه.
مضَى عليه رحمةِ الله تبارك وتعالى وكان والده مِن أربابِ الخير في البلد ومِن العوامِّ الذين امتلأوا بنورِ المجالس والذِّكر والحضرات والمحبة الخالصة الصَّادقة والتَّفقُّد لكم مِن مُحتاج ولكم من فقير.. عليه رحمةُ الله، وعمه أخو والده عرفناه في جدَّة غَيثان عليه رحمة الله تبارك وتعالى.. ما مِن مجلس خير إلا ونشاهده فيه، ومحبة وتقوى وتَعلُّق بالصَّالحين وَرِثُوه مِن تربية الأكابر اللي جالسوهم في البلدة المباركة، وشربوا مِن ماء أدبِهم مع الله فسرى الأدب إليهم وسرى سراية من المعرفة.. عليهم رحمة الله تبارك وتعالى ورضوانه، والله يجمعنا وأحبابنا أجمعين.
فيا ربِّ واجمعنا وأحباباً لنا ** في دارِك الفردوس أطيب موضعِ
فضلاً وإحساناً ومنَّاً مِنك يا ** ذا الجود والفضل الأتمِّ الأوسعِ
يا أرحم الراحمين.
ولنستعِد لهذه الغاياتِ ونخرج مِن الغرور، ونبذل قُوانا وقُدراتِنا في نصرةِ اللهِ ورسوِله بجميعِ الأجهزة وبجميعِ الاختراعات، دَعوهم يغترُّون بما اختَرعوا، وما وقع في أيديكم فأنفِقُوه في سبيلِ الله، وانصروا به اللهَ ورسولَه، يكُن لكم خيرُ الدُّنيا ولهم شرُّها ولكم خيرُ الآخرةِ ولهم شرُّها، فإنَّ خيرَ الدنيا والآخرة في تقوى الله وطاعتِه وإنَّ شرَّ الدُّنيا والآخرة في معصيةِ اللهِ ومخالفته، وإن كثَّر النّاسُ فلسفة وكلام وأفكار قُل: ( السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ) ( أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .. ( وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) لا رَيب ولا شكَّ في ذلك.. فاجعل اللهمَّ مآلَنا مآلَ المحبوبين والمُقرَّبين.
يا جامعَنا هنا لا تفُرِّق بيننا هناك، اجعلنا في زُمرة حبيبك مُحمَّد سيِّد العُبَّاد والنُسَّاك، أجِرنا به في الدَّارَين مِن كلِّ خِزيٍ وهلاك، يا ملك الأملاك يا حيُّ يا قيُّوم مِنك نرجو الفكاك، ومِنك نرجو النجاةَ مِن كلِّ سوء وهلاك، ومِنك يا مولانا نرجو الظَّفرَ بمرافقةِ المحبوبين مِن عبادك مِن النبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين والأملاك، يا حيُّ يا قيُّوم يا رحمن يا رحيم اختِم لنا بالحسنى وتولَّنا بما أنتَ أهلُه في الحسِّ والمعنى، واجعل لقلبِ كلِّ حاضر وقلب كلِّ سامعٍ سُقيا مِن ماء اليقين، نرقى بها أعلى مراتبِ القُربِ مع المُقَرَّبين يا أكرمَ الأكرمين.
يا خيرَ مَن ندعوه يا أجلَّ مَن نرجوه، يا مَن ليس لنا ربٌّ سِواه ولا إلهَ إلا إياه، بك آمنَّا وبما أنزلتَ وبما جاء عنك على ما أردتَ، وبك وبرسولك آمنَّا وبما جاء به عنك على ما أراد، اللهم فثبِّتنا على دربه وأدخِلنا في حِزبه واسقِنا من شُربه واجعلنا يوم القيامة في ركبِه يا الله يا الله.
ومَن ذكرنا ومَن لم نذكر قبل أسبوعين فقدنا نجماً مِن نجوم هذه الأمّة، مِن نجوم علماء المِلَّة ومن نجوم العِترة الطَّاهرة، الشيخ محمد الفاتح الكتاني عليه رحمة الله قد مضى له عُمرٌ مديدٌ في طاعة الله على المنهجِ الرَّشيد في سوريا، مِن أعلام هذه الأمَّة وانتقلَ إلى رحمة الله.. وكم ودَّعنا وكم فارَقنا والحمدُ لله على كلِّ حال، والله يُبارك لنا فيما بقيَ لنا مِن أعمارِنا على ظهرِ هذه الأرض عُدّةً لِما وراء ذلك، وسبباً للسعادة فيما وراء ذلك، يا رب ارفع لهم الدَّرجاتِ عندك واجمَعنا بهم في دارِ الكرامة واجمعنا بهم في برازخِ الأنوار، واجمعنا بهم تحتَ لواء الحمد، واجمعنا بهم على الحوض المورود، واجمعنا بهم في ظلِّ العرش، واجمعنا بهم في دار الكرامة واجمعنا بهم في ساحة النَّظر إلى وجهك الكريم، اللهم وكلُّ ذلك مِن غيرِ سابقةِ عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب ولا توبيخ ولا عقاب، يا ربَّ الأرباب يا أكرمَ مَن أجاب، يا مَن إليه كلُّ موفَّقٍ أناب يا مسبِّبَ الأسباب يا غفورُ يا توَّاب يا الله يا الله.
نحن السعيدون بدعائك يا ربَّنا وبالتضرُّع إليك، وظنَّنا فيك أنَّك لم تُوفِّقنا أن نطلبَك إلا وأنت تريد أن تهبَنا وتعطيَنا، وأن تعفوَ عنَّا وترحمنا فحقِّقنا بذلك واسلُك بنا في أشرفِ المسالك، يا حي يا قيومُ يا مالك يا الله.
ما أعظمَه وما أعظمَ اسمَه.. ألِحُّوا عليه وألِظُّوا بيا الله، ونادوه يا الله وادعوه يا الله، وارجوه وقولوا خائفين منه يا الله يا الله، الخوف مِنكَ والرَّجاء فيك فَنَزِّه قلوبَنا عن خوفِ غيرِك ورجاءِ سِواك يا الله يا الله.
وفرجاً للمسلمين وغِياثاً للمؤمنين، ودفعاً للبلايا والشُّرور وكلّ محذور عنّا وعن جميع المسلمين يا برُّ يا غفور، يا الله زِدنا مِن نعمائك واحفظنا مِن جميع بلائك، وتولَّنا بِما تولَّيتَ به خاصَّة أوليائك، يا أرحمَ الراحمين يا أرحمَ الراحمين يا أرحمَ الراحمين يا الله.
وكلُّ مقبول مِنكم سيجدُ حلاوتَها عند الغرغرة، أنا أعلم أنَّ عند الغرغرةِ مشاكلُ كثيرةٌ ومرارةٌ كبيرةٌ، لكنَّ حلاوةَ هذه يجدُها المقبولُ عند الغرغرة، وفي وسط الحفرة وفي يومِ القيامة، يا ربِّ أكرِمنا يا ربِّ انظر إلينا، ونستودعُكَ ما أعطيتَنا فاحفظه لنا وهو لنا عندك وديعة يا خيرَ مستودَع يا حيّ يا قيّوم يا الله يا الله.
اجعلنا ممَّن تتنزَّلُ عليهم الملائكةُ مِن حضرتِك وأمرك ( أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) وأذِقنا لذَّةَ حلاوةِ قولك: ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) ما مثلها حلاوة إذا ناداك بهذا النداء وبشَّركَ بهذه البشارة ما مثلها حلاوة.. لا لِباس ولا رِئاسة ولا شُهرة ولا ظهور ولا شراب ولا طعام ولا نِكاح ولا أخذ ولا عطاء ولا شيء في الأرض ولا في السماء ألذ مِن أن يقولَ لك ربُّ العرش: ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) يا غفور يا رحيم هَب لنا هذا الحظَّ العظيم، واجعلنا مِن أهلِ هذا الفضلِ الجسيم، وكن لنا بِما أنتَ أهلُه يا عليُّ يا عظيم.
يا الله يا الله .. قُلها وتَجدْها أمامَك يا الله يا الله، لِعُمرِكَ قل يا الله، لآخرِ عُمرِك وخاتمتِك قُل له مِن الآن: يا الله، أنتَ لنا في تلك السَّاعة، لِكُلِّ واحد مِنّا بِحَقّك عليك لا ماتَ أحدٌ إلا على كمالِ الإيمان، مِن الحاضرين والسامعين وأحبابنا ومَن والاهم ومَن في ديارنا وديارهم، لا مات أحدٌ مِنّا ومنهم إلا على كمالِ الإيمان متحقِّقاً بحقيقةِ لا إلهَ إلا الله، أحيِنا عليها.. أمِتنا عليها.. ابعثنا عليها مع خواصِّ أهلها بحقِّ محمدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.
09 جمادى الآخر 1442