(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 26 ربيع ثاني 1437هـ بعنوان: طلب المخرج وحَلِّ الإشكال من الكبير المتعال
الحمد لله مكوِّن الأكوان، وخالق الإنسان بمعاني اختصاصات مِن الفيض والامتنان، والفضل الرباني عظيم الشأن، وأبرزَ في هذا الإنسان الأنبياءَ والرسلَ الأعيان، وأبرز فيهم ومنهم سيدَهم مَن أنزل عليه القرآن، اللهم أدمِ الصلاةَ والسلامَ في جميع الآناء والأحيان على عبدِك الذي خصصتَه بالفرقان، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن سار في منهجه الأرشد وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل السؤدد، وآلهم وصحبهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم غد، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد يا من إليه المرجع والمَرد، لا إله إلا أنت، آمنا بك وبما أرسلت وبما أنزلت وما قال نبيك عنك، فحقِّقنا بحقائق الإيمان، وارفعنا في اليقين ومراتب الإحسان، وارزقنا كمالَ الفهم والعرفان، يا ذا الجود والامتنان يا أرحم الراحمين.
وبعد، فإننا في ساحات الرجوع إلى الله، والتذلُّل بين يديه، والاستمطار لرحمته، واستغاثته سبحانه وتعالى والتوجه إليه، نجتمع على التذكُّر والتبصُّر لنتنوَّر ولنتطهر ولنعلن رجعتَنا إلى هذا الإله، ولياذنا به واعتمادنا عليه في وقت ماج فيه المسلمون في الرجوع إلى غير الله، والاستناد إلى غير الله، والاعتماد على غير الله، وطلب حل القضايا والمشاكل عند غير الله والعياذ بالله تبارك وتعالى في علاه، فما زادوهم إلا تتبيرا وإلا بلاء كبيرا، ويا محول الأحوال حوِّل حالَنا والمسلمين إلى أحسن حال.
أيها العائشون على أرض الله، في كون الله، تحت سماه تعالى في علاه، ومرجعكم إليه، ومُبتدأ كل واحد منه وإليه منتهاه سبحانه وتعالى. (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى) (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) أحسِنوا الإلتجاء إليه والتذلل بين يديه، واطلبوا علاجَ الأمراض والآفات والمشاكل والبلايا والكُربات بتذلُّلكم له، وقيامكم بطاعته، وتذكُّركم للمصير إليه، والاستعداد لذلك بالعمل بطاعته تعالى، والانزجار عما نهاكم عنه، طبِّقوا شرعه المصون في الأسماع والعيون، وفي الأيدي والبطون، وفي الجوارح كلها وفي القلوب، فإنه إذا قام شرعُه سبحانه وتعالى فيكم وطبَّقتم أمره جل جلاله سقاكُم ماءَ العناية والرعاية. (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا).
قال جل جلاله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) فهذا مشروع حلِّ المشكلات ودفع المعضلات ورفع الآفات وتحويل الأحوال إلى خير الأحوال والحالات، عرَضه ربُّ البرية جل جلاله وتعالى في علاه، الله يجعلنا من المستجيبين لنداه والقائمين بطلب ذلك من محلِّه ومن موطنِه وهو الله تبارك وتعالى، قال سبحانه وتعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال جل جلاله: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِه) جل جلاله وتعالى في علاه وهو العزيز الحكيم سبحانه.. سبحانه.. سبحانه.
فاصدقوا في الرجعة إليه، والإقامة لأمره، فإنه يقول لنا في كتابه وخطابه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) أي ساعون لإصلاح أنفسهم ومن حوليهم، مُبَلِّغون أمر الله، داعون لخلق الله، قال وهذه الحكمة في أنه لم يقل وأهلها صالحون، ولكن مصلحون، يعني مع استقامتهم يهتمُّون بإصلاح الغير، يدعون الناس، يعلِّمون الناس، يُذَكِّرون الناس، يحدون الناس إلى الخير، فإذا قاموا بالإصلاح في بلدانهم وأوطانهم لا ينزل العذاب عليهم ولا تنزل الهلكة عليهم. (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) أما مجريات الأحداث: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً..) ولكن.. (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) فالذين رحم ربُّك لا يختلفون، بمعنى لهم قلوب طاهرة مُنقّاة برحمة الله تعالى لا يعرفون لفظَ الخلاف، ولكن الإئتلاف مع رحمة الغير والشفقة على الغير والحرص على هداية الغير، فإذا أبغضوا مَن أبغضوا لله كان ذلك البغضُ منهم لله تبارك وتعالى وسيلةَ تقريبِه وإنقاذِه، ووسيلة حمايتِهم ومَن حوليهم من شرِّه وفسادِه، وهكذا تعاملوا مع الله جل جلاله بما أحب الله منهم، (وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) ليظلوا بهذا الحال مختلفين، وإلا لأجل الرحمة لذلك يرحم من يرحم منهم (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) جل جلاله وتعالى في علاه.
اللهم اجعلنا مِن أهل رحمتك، وأدخِلنا في رحمتك، ووفِّر حظنا من رحمتك، فإنا نسترحمُك وأنت أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين ارحمنا.. ارحمنا.. ارحمنا.. وعافِنا واعفُ عنا، وعلى طاعتك وشكرك أعنَّا يا حي يا قيوم يا الله يا ذا الجلال والإكرام، وهو القائل جل جلاله: " يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا مَن أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عارٍ إلا مَن كسوتُه ، فاستكسوني أكسُكم ، يا عبادي إنكم تخطئون في الليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، أي استشعروا مهابتي، استشعروا جلالي وعظمتي، استغفروني،" اطلبوا مني الغفران قبل أن يحلَّ بكم عذاب لا يطاق، تُهانون فيه مع مَن يُهان والعياذ بالله، (فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) يا خير الغافرين اغفر لنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، يا ربنا اغفر لنا ذنبنا كله خطأه وعمده، حسَّه ومعناه، ظاهره وباطنه، سرَّه وعلانيته، يا الله يا خير الغافرين اغفر لنا يا غفور يا رحيم يا الله (فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) " يا عبادي إِنكم لن تبلغُوا ضرِّي فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أوفِّيكم إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه ".
اللهم اجعلنا مِن أهل الخير، ووفقنا لأعمالِ الطاعات والحسنات والقربات، يا الله لا تسلط علينا الشهوات ولا الأهواء ولا شياطين الإنس والجن فنعصيك بالأعين أو بالآذان أو بالفروج أو بالبطون أو بالأيدي أو بالألسن، يا الله اعصمنا من الشرك واغفر لنا ما دون ذلك، وفقنا لطاعتك، يا مَن وفَّق أهل الخير للخير وأعانَهم عليهم وفقنا للخير وأعنَّا عليه، فأنتم ومَن يسمعكم وفدٌ من الأمة تفِدون على الرب، تفِدون على الإله وعزته وجلاله، على مَن نفِد في هذه المواطن؟ على مَن نفِد في هذه المجامع؟ إلى مَن نلتجئ؟ بمَن نلوذ؟ نسأل مَن؟ نطلب مَن؟ نرتجي مَن؟ نحطُّ أمرَنا على مَن؟ ومنه الأمر وإليه يعود الأمر وله الأمر جل جلاله (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
(ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) اللهم اجعلنا من المحسنين. مَن دخل إلى مجمعنا أو انتبه من سماعنا وكانت عينُه مسيئة فحوِّلها محسنة، ومَن دخل مجمعنا أو انتبه من سماعِنا وكانت أذنه مسيئة حولها إلى محسنة، أو كان لسانه مسيئا حوله إلى محسن، أو كان فرجه أو بطنه أو يده أو رجله مسيئات حولهن إلى محسنات، وألحقنا بالمحسنين يا الله يا الله، أسأنا كثير، نحن المقصرون فيما بيننا وبينك، تتودَّد إلينا بالنعم مع غِناك عنا، ونتبغض إليك بالمعاصي مع فقرِنا إليك، يا غني عنا ارحم فقرنا ولا تخذلنا ولا تهنا، سألناك يا محسن أن تبثَّ أنوارَ الإحسان في قلوبهم وأعضائهم يا حي يا قيوم، ألحقنا بالمحسنين، وأحسِن إلينا يا خير المحسنين، واربطنا بسيد المحسنين مِن عبادك إمامِ أهل ودادك حبيبك محمد ربطا لا ينحل ولا ينفك أبدا سرمدا، يا عالم ما خفي، يا عالم ما بدا، يا الله أحسن إلينا، وحولها قلوب محسنة وآذان وألسن وأيد وفروج وأرجل، واجعل نياتنا على الإحسان، ومقاصدنا على الإحسان، ومراداتنا على الإحسان يا كريم يا منان يا الله.
وأول مجلى للإحسان ومظهر للإحسان ما قال سيد الأكوان: "أن تعبد الله كأنك تراه" يا هذا سألنا لك ولنا الإحسان من الله، فهل تخرج من مجمعِنا كأنك تراه؟ هل تختم المجمع هذا كأنك تراه؟ هل تقوم معنا لصلاة العشاء كأنك تراه؟ هل تنصرف الليلة إلى بيتك كأنك تراه، فلا يبقى في البيت كلام لا يرضاه، ولا منظر لا يرضاه، ولا فعل لا يرضاه؟ يا الله يا الله، أنت المحسن فأحسِن إلينا، وإن أسأنا فإن لم يرجوك إلا المحسن فإلى من يرجع المسيء؟ إن كان لا يرجوك إلا محسن فالمذنب العاصي إلى مَن يرجع؟
ويلنا إن لم تقبلنا.. ويلنا إن لم ترحمنا.. ويلنا لو أغلقتَ بابك عنا.. ولكنك ربٌّ قلت: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) (وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ) افتح لنا ولهم باب الإنابة (وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) يا رب لا تعرِّضنا لهذه الندامة، لا تعرِّضنا لهذه الحسرة، اللهم اجعلنا من المحسنين الآن، اجعلنا من المحسنين ما دُمنا في هذه الحياة وهذا العمر، نسألك من ذلك فافتح مِن خزائن الجود ما تحقق لنا به الإجابة مِن خزائنِ الجود يا الله يا الله يا الله.
يا واقفا على باب الله عظِّم الحق تعالى، وعظِّم الوقوفَ بين يديه، بين يدي مَن أنت إن عقلتَ؟ أمام مَن أنت إن وعيتَ؟ ماذا تطلب ومَن تطلب وإلى مَن ترغب وممن ترهب؟ لا أعرف على ظهر الأرض خيراً لك من هذه الساعة، ولا من هذه المجالس، ولا مِن هذه الوجهة، على باب الله تقف وله تستعطف، اعطف علينا يا عطوف، والطف بنا يا لطيف، يا حي يا قيوم فرِّج كروبَ المسلمين وادفع البلاء عن المؤمنين، واجعل كلَّ واحد منا ومنهم من المحسنين، أسباب الفرج، أسباب دفع الضيق والحَرج.
يا رب قومُنا طلبوا حل الإشكال من غير عندك فما انحل؟ فنطلبه من عندك، ونسأله من عندك، ارتمَوا على أيدي بعضهم البعض، وارتموا على أحضان أهل الكفر وأهل الضلال، فيا الله نبرأ إليك مما صنعوا ونسألك أن ترفعهم عن هذا الحضيض مع مَن ارتفعوا، ونستغفرك لنا ولهم، ونقف على بابك ونرتمي بين يديك، ونلوذ بك، ونتوكل عليك، وفدٌ من أمة حبيبك وفدوا إليك، وتوجهوا إليك، وتذللوا بين يديك، وأظهروا فاقتَهم وفقرَهم وحاجتَهم (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) اذكروه، واذكروا عظمتَه، وأن الأمر الآن اعلموا أن ذنوبنا سبب لهذه المشاكل فاسألوا المسبِّب أن يمحوَ عنا شرَّ هذه الأسباب، يا مسبِّبَ الأسباب امحُ عنا شرَّ هذه الأسباب، نستغفرك لنا وللمسلمين والمؤمنين والمؤمنات في المشارق والمغارب، ونعترف لك بما كان منا فاعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا يا خيرَ الغافرين يا الله، ما نعلم غيرَك يغفر الذنب، ما نعرف غيرَك يستر العيب، ما نعرف غيرَك يمحو الخطيئة، ما نعرف غيرَك يتجاوز عن السيئة، ما نعرف سواك يُبدِّل السيئات حسنات (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ).
فيا الله تكرم، ويا الله ارحم، ويا الله زِد، ويا الله جد، ويا الله أنعِم علينا وعليهم بمغفرة واسعة تعمنا في ليلتنا هذه يا أرحم الراحمين، وتعمُّ الذين انتقلوا إلى رحمة الله من آبائنا وإخواننا وأحبابنا في الله جل جلاله، وفيهم مَن نرى أن من صفاتهم ما كان سببا للعلاج ورفع البلاء، وقد انتقلوا إليك، فارحمنا يا ربي وارحمهم وبالطاعات التي أطاعوك والأوصاف التي أحببتها فيهم فرِّج كروبنا وارفع البلاء عنا يا أرحم الراحمين.
دفنا اليوم السيد حامد بن سميط وقبل يومين السيد منصور المصري رحمة الله عليه، وفيهم من صفات العلاج: علاقة بالحق وبرسول الحق وبالصالحين وبالذكر لله تعالى وبالقرآن وبملاحظة النفس في السير والأوصاف وفي الاحتراز والخوف من الغضب ومن سوء المنقلب.. إلى غير ذلك، ارحمهم رحمةً واسعة، وارفعهم في الدرجات الواسعة، وغيرهم ممن انتقل في شرق الأرض وغربها من كل ذي وصف صالح بأوصافهم الصالحة عجل بتفريج أمور المسلمين فلا نجد مفرجا غيرك، ولا كاشفا للضر سواك.
يا الله والأسباب التي بسطتَها بالتوبة إليك نتوب إليك، فوفقنا لتحقيق التوبة وصدق الأوبة، والطهر الكامل عن الذنوب والسيئات وسوء الأعمال وجميع المخالفات يا مجيب الدعوات يا الله، ولتستيقظوا للاتصال بالقرآن وذكر الرحمن، واعمروا ذلك دياركم وأبعدوا العادات السيئة من مناسبات أفراحكم وأعراسكم وغيرها، ولا تجعلوا لكم قدوة شرقي ولا غربي غير النبي، فإنه قدوتكم باختيار ربكم جل جلاله، أبعِدوا العادات السيئات، أبعِدوا المنكرات، تواصلوا في الأرحام، انتبهوا من صدقة السر ولو بما تيسر، تعرضوا لذلك أن يرحمَكم المسبِّب، أن يرحمَكم القوي، أن يرحمكم القادر وأن يكشف الضرَّ عنا وعنكم وعن الأمة، ولا شك أن للحوادث التي نزلت أوقات عنده جل جلاله حددها بها، ولكن أسباب الانفراج في حسن الإنتهاج في منهج السراج ونِعم السراج، الله سماه سراج، فمن يقدر أن يطفئه؟ الذي سماه سراج الدائمُ الباقي القوي، فلينطفئ كلُّ نور إلا هذا النور، لا ينطفئ هذا النور (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) كان يحذر الكفار في محاربتهم له يقول إنكم تحاربون الله، أنتم ترون منظر محمد قدامكم ودينه، هذا وراءه عناية الحق ورعايته، فأنتم تحاربون الله، لا إله إلا الله.
اللهم ارزقنا نصرتك ونصرة هذا النبي واجعلنا من أسباب الفرج عن الأمة يا حي يا قيوم، اللهم اجعلها ساعة إجابة، والدعوات مستجابة، كل واحد من الحاضرين والسامعين اقذف في قلبه نور إحسان، ينتشر إلى جميع الأركان فنبيت الليلةَ كأننا نراك، ونقوم للفجر أو لآخر الليل والاستغفار كأننا نراك، ونحضر الجمعة في الغد كأننا نراك، وإن لم نكن نراك فأنت ترانا، وهل أهيب من رؤيتك؟ مَن نهاب سواك؟ أنت الذي ترانا فما دونك كيف يُهاب يا رب الأرباب، أنت ترانا، فأصلِح ظواهرنا وخفايانا يا الله، ويتجه نظرُك إلى القلوب فنوِّر هذه القلوب، صفِّ هذه القلوب، نلحق الليلة بركبِ المحسنين في قلوبهم يا الله، أربط قلوبنا بقلوب المحسنين، أعينَّا بأعين المحسنين، ألسننا بألسن المحسنين، وآذاننا وأعضاءنا كلها يا خير المحسنين، يا من قال: (إِنَّ رَحْمَت اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) كذلك يفعل في الحس وكذلك يفعل في المعنى، ويرسل إلى القلوب سحايب ويحيي به القلوب الميتة كما يحيي الأراضي الميتة. (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ) فارحمنا يومَ البعث والنشور يا عزيز يا غفور.
ننصرف بالمغفرة يا رب، ونُنصرف بنور الإحسان يا رب، يشرق علينا مِن نورِ عبدك المُحسن خير المحسنين من العباد، أجود الأجواد من الخلائق محمد خير داع وخير هاد، أشرِق لنا مِن نور إحسانِه ما تتمكن به قلوبُنا وجوارحُنا في الإحسان في السر والإعلان حتى نفوزَ منك بالرضوان ونُنادى بحقائق قولك في القرآن: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان) فندخل سعف قوم قلت عنهم: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) اللهم اجعلنا من أهل تلك الجنان ومصيرَنا إلى تلك الجنان يا رحيم يا رحمن يا الله، واسعد بقولك مِن قلبك يا الله يا الله، يرحمنا ويرحمكم وينظر إلينا وإليكم.
اللهم انظر إلينا وإلى الحاضرين والسامعين نظرةً ربانية رحمانية قدوسيَّة عليَّة سَنيَّة واسعة ترحمنا بها أبدا وتُسعدنا بها سرمدا، وتربطنا بها بنبي الهدى فيما خفيَ وبدا، هنا وغدا، آمين آمين، واثبتوا على ذلك المسلك تنجوا مِن كل مَهلك حتى تروا فرجَ الله، ولا بد مِن فرجِ الله أن يأتي ولكن مِن غير هذه القنوات لا ترتقبوا فرجا، إنما الأمر بيدِ الحق سبحانه وتعالى الذي يُضل من يشاء ويهدي من يشاء ويُسعد من يشاء ويُشقي من يشاء، فثبِّتنا على ما تحب منا يا ربنا وتولَّنا في الحسِّ والمعنى، واختم لنا أجمعين بأكمل الحسنى وأنت راضٍ عنا في لطف وعافية.. والحمد لله رب العالمين.
26 ربيع الثاني 1437