(536)
(228)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي تكتنف عناياته ورعايته أهلَ السوابق، ويجعلهم خيارَ الخلائق، مستمسكين بالعروة الوثقى لابسين لباس التقى، ذاكم اللباس لا يُنزع، وصاحبه يُرفع، وله النجاة في يوم الهول الأفظع، يتصل بالمُشفَّع، ويرِد إلى حوضه المورود ومنه يكرَع، وينظر إلى ذاكم الوجه الأجمل الأنور الأنصع؛ ويدخل في الدائرة، ويحضر مع أهل القلوب الحاضرة، إلى الجنات الفاخرة، هذه أحوال من سبقت لهم السوابق من ربكم الخالق.
إذا أقبلت جهنم تزمجر، ولها صوت يُسمع من مسافة مائة عام، ( إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا).. ما هذا الغيظ؟ غيظُها على من عصى ربَّها، على مَن عاند إلهها، على مَن خالف محمدا، على من خرج عن طريق الهدى والرشد، وقد بلغته الدعوة! ووصلت إليه، ووصلت إليه بلاغات الحبيب الموصِل إلى الله، فأعرضَ وتولى، تغتاظ من مكان بعيد (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا* وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا* لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) هذه عواقب كل من لم يتصل بأسرار هذه الخيرات التي امتدت إلينا من هادينا، من معلمنا وداعينا، هذا مصيرهم! وإن كانوا يُسمَّون بأي اسم على ظهر الأرض، وإن كانوا يظهرون بأي مظهر على هذه الدنيا.. هذا مصيرهم! وهذه نهاياتهم!
لكن قال ربكم عمَّن سبقت لهم السوابق ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ* لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) وذاك اليوم من مظاهر قوة القوي، من مظاهر قدرة القادر، من مظاهر عظمة العظيم، (والسماوات مطوياتٌ بيمينه) جل جلاله ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)، ما هذا طي كوكب! ما هذا طي أرض.. هذا طي سماء ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا) قال ربكم (وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)
فإذن ما هي النهايات لهذه الخليقة لأفكارهم المختلفة ولتوجهاتهم ولأعمالهم وللأحوال والظروف التي تمر بهم؟ يقول ربكم جل جلاله وتعالى في علاه: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ* إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ* وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) صلى الله وسلم عليه عليه وعلى آله.
وعند ذكر ربي للفزع الأكبر الذي لا يَحْزُن هذا الصنفَ من الناس، هذا الصنف من الخلق المحبوبين الملحوظين بعين عناية الله، (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ )، يتضاءل عنده كل ما يخطر على بال الناس من فزع، الناس في هذه الأرض: منهم من يفزع من فقر، منهم من يفزع من سجن، منهم من يفزع من زلزلة، منهم من يفزع من صواعق، منهم من يفزع من قنابل، منهم من يفزع من أسلحة الناس الفتاكة، منهم من يفزع من أسلحة الدمار الشاملة كما يسمونها، وما هي أسلحة دمار شامل..
الدمار شامل (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا* وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) ومنهم منهم من يفزع من ذا ومن ذا، كل هذا لا يساوي شيء! الفزع الأكبر مقبل على الناس! وهذا الصنف لا فزع عليهم.. (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ).
فمن ذا الذي أبعد عن أذهان هؤلاء الغافلين على ظهر الأرض، من أبعد عن أذهانهم خطر الفزع الأكبر وفزَّعهم بالفزع الأصغر!؟ وبالفزع الأصغر تعبوا، وبالفزع الأصغر خالفوا، وبالفزع الأصغر خرجوا عن سواء السبيل، وبالفزع الأصغر تقاتلوا، وبالفزع الأصغر تخربطوا في حياتهم، ومن الذي وضع في أذهانهم الخوف من الفزع الأصغر وأنساهم الفزع الأكبر!؟
وهذا الفزع الأكبر لا يُحزِن الذين سبقت لهم من الله الحُسنى.. اللهم اجعلنا ممن سبقت لهم منك الحسنى، يا ربنا اجعلنا وأهلينا ومن في ديارنا وذوي الحقوق علينا ممن سبقت لهم منك الحسنى وختمت لهم بها .. يا الله.
لو جئتَ من أبعد البلاد لأجل تطرق بابَ رب الأرباب بمثل هذه الدعوة، لكان ذلك قليلا في حق هذه الدعوة، وأنا أرثى مَن مرَّ عمرُه ما حصَّل مثل ذي الدعوة، أنا أرثى من مرَّت حياته ما تعرَّض لهذا الطلب من الرب.. فكيف حالته عند اللقاء؟ فزع من أشياء تافهة وما فزع من الفزع الأكبر!! وما فزع مما خوَّف الله به عباده ( ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)
إنما خوَّف من ذلك المصير، الكبير العظيم.. اجعل اللهم مصيرنا إلى جنتك، اجعل مصيرنا إلى أهل سعادتك، اجعل مصيرنا إلى سيد السعداء، إلى حبيبك محمد، فإنا استجبنا لدعوتك التي وجهتَها إلينا على لسانه، وهذه آثاره فينا نجتمع عليها، كما سمعتم من البلاد شتى والقبائل شتى، جمعتنا دعوته صلى الله عليه وسلم، كما جمعت الذين سبقت لهم منه الحسنى تعالى في القرن الأول وفي القرن الثاني وفي القرن الثالث وفي القرن الرابع وفي القرن الخامس، إلى القرن الخامس عشر هذا، وهي تجمع مَن سبقت لهم من الله الحسنى، لله الحمد على هذه المنة.
اعرفوا قدرَ هذه المعاني، وأسرارَ هذه الروابط المتصلة بأسرارِ المثاني، ومن أُنزلت عليه المثاني، الذي قال له مولاكم: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فالذي آتاه الشيء العظيم.. وها نحن في بركة ما آتاه نجتمع، ونستمع، ونتَّبِع فنرتفع، ونَتّسع، ونتنقَّى ونتطهَّر من أدران مَن جاءه الموت وهو عليها نُقِّيت بالعذاب، ومن يطيق العذاب!؟ فالله يطهِّرنا منها في حياتنا، يطهِّرنا في مجالسنا هذه، يا من سبقت سابقة العناية منك بتطهير من أحببت وأردت أدخِلنا في دوائرهم، طهرنا كما طهرتهم، يا أرحم الراحمين.
أما سمعتَ رعيلَنا الأول لما أثنى ربك عليهم، قال عن مساجدهم المؤسَّسة على التقوى (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ) عندهم رغبة التطُّهر، عندهم طلب التطهُّر، ومن أين انقدح في قلوبهم هذا الطلب والرغب؟ لما أنصتوا لكلام الحق، لما أصغوا لنداء الرحمن، وبهذا انبعث في قلوبهم وجدان ورغبوا وطلبوا بصدق، فصاروا يحبون أن يتطهروا، والله ( يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)..
وكم من ملطَّخ بالأقذار لا يحب أن يتطهر! ولا يسمع كلام أهل الطهارة! ولا يجيء حيث تُسكب المياه للتغسيل! ولا يحضر محاضر التنزُّل لأسرار التنزيل، ما يحب يتطهر.. مسكين! مخدوع خدعته نفسه أو شيطانه، وظن أن في ما هو فيه شيء من الراحة أو من اللذة!! وما هي إلا الكدر كله، وما هي إلا السوء كله والعياذ بالله، وما هي إلا المعيشة الضَّنك، ثم الشدائد مقبلة عليه والعياذ بالله إن أصر وإن استكبر وإن أعرض وإن تولى، والعياذ بالله تبارك وتعالى، فيا فوز المقبلين على رب العالمين.
خلق الخلق سبحانه وتعالى بقدرته من أجل أن يشرِّفهم بالالتجاء إليه، فالذين ذهبوا لأنفسهم كثير، والذين ذهبوا للأهوية كثير، والذين ذهبوا للدنيا كثير، والذين ذهبوا للمرادات المختلفة كثير، والذين ذهبوا إلى الله قليل!! سيدنا الخليل كان يقول لهم ( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ) وهو بينهم جالس، هذا ذهاب ما فيه مسافات صور ولا أجسام ولا أماكن حسية..
( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سيهدين) ومن يعشق الذهاب إلى الرب قال لهم تعالوا معي، أنا لن أوصلكم إلى عند مصنع ولا عند تجارة ولا لعند مؤسسة ولا لعند حزب.. سأوصلكم إلى الرب، ( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي) وحمل لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم سر هذه الدعوة قال ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ*وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)، شان ذي القواطع والأوهام والخيالات التي تحبس الناس وتحجز الناس وتؤخر الناس، ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ*أَتَوَاصَوْا بِهِ)؟ هل كل جيل منهم يوصي الجيل الذي بعده، يقول: إذا بُعث فيكم صالح وجاءكم نبي أو جاءكم ورثة النبي قولوا ساحر وقولوا مجنون، يجي الثاني قولوا ساحر ومجنون، يجي الثالث قولوا ساحر ومجنون، ( مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ*أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ* فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ).
ذكر بعض أهل العلم والتفسير أن رسول الله فزع على أمته، لما قال له الحق ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ) وخاف أن يكون دنا هلاك الأمة، فأتبعها بقوله، أنزل عليه بعدها ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)، فاطمأن.. (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)، سيبقى في قلوب أمتك من سينتفع إلى آخر الزمان، وسيبقى نورك هذا ممتدا فيهم، فما دنا هلاكهم، لما قال (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ) خاف على الأمة، وشقَّ عليه، فأتبعها ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
فقام تذكيره وهذه آثاره بيننا فنجيب ونلبي إن شاء الله ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) هل يوجد منادي أشرف من هذا المنادي؟ أنتم سمعتم أن أحدنا يتعرض لأن يُذكر في مجلسه الكريم في حضرته الفخيمة؟ ما هذه الصِّلات!؟ ما هذه التشريفات!؟ ما هذه العطايا الربانيات الرحمانيات!؟
ذا يفرح عند إذا ذكروه في قناة! وذا يفرح عند ذكره في مجلة، وهذا يفرح عند ذكره في الفيسبوك، ذا يفرح.... وهذا يُذكر عند سيد أهل الحضرة، عند سلطان حضرة الرحمن، عند محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ويذكره الله من أجل محمد، ويصلي عليه الله من أجل محمد..
أصبح صلى الله عليه وسلم يُرى في وجهه البشر، فسأله أحد أصحابه: أصبحت يُرى البشر في وجهك يا رسول الله!؟ قال: ( أتاني آتٍ من عند ربي، فبشّرني أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صلّيتُ عليه، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمتُ عليه) ففرح لنا، أن يبقى هذا الخير متسلسلا فينا، يصلي علينا الرحمن بصلاتنا على حبيبه، يسلم علينا بسلامنا على حبيبه، صلوات ربي وسلامه عليه..
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، شرّفك الله بسر هذا السلام، وقد شرعه لك في كل صلاة.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وفيه أسرار كثيرة وعسى ينفتح لك بابها وأنت في الحضرة هذه.
قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته..
وهل ترى الرحمن يرد؟ أو رسوله يرد؟ فإذا قبل ما أسعدنا! ما أسعدنا! نبيتُ وقد ردَّ علينا السلام، وإذا رد علينا السلام خير الأنام، فيا سلام! الله يبلغنا المرام، ويربطنا بخير الأنام، ويرفعنا به إلى أعلى مقام؛ ويجعل روابطنا به قوية.
استشعروا سرَّ هذا الاتصال بالرحمن جل جلاله، من أسرار هذا الوحي المنزل وبلاغ هذا النبي المرسل؛ وتقطعت بالناس الحبال والأسباب، فانصرفوا إلى كثير من غفلاتهم، ومنهم مَن ترك الفرائض، ومنهم من انتهك المحرمات، ومنهم من انقطع عن مجالس الخير، ومنهم من أُغري بذا أو بذاك، ومنهم مَن تقاتلوا، ومنهم ومنهم.. ولكن بقي لمن أراد أن يتصل بالملك الأعلى وأن يستعد للمستقبل الأعظم، وأن يغنم في هذه الحياة صفواً من الصلة بالرحمن والقيام بمنهاجه على ظهر الأرض، الباب مفتوح، بقي الباب مفتوح، والميدان فسيح، ادخل معهم.. ادخل معهم، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، ادخل معهم وتعلَّق بهذه الحبال الوثيقة ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) حقِّق لنا الإنقاذ يا رب ظاهرا وباطنا، في الدنيا وفي الآخرة.
لبُّوا بقلوبكم لتدخلوا هذا الميدان الفسيح، ميدانَ القرب من الله، ميدانَ الصدق مع الله، ميدانَ الوفاء بعهد الله، ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا* لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، الله اجعلنا منهم، برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين.
واغنموا أسرارَ هذه الاتصالات، سرَّ ما آتاكم ربُّ الأرض والسماوات، مِن الخروج مِن ورطات الانقطاع عن الله، والانفصال عن الله؛ تجديد هذه السرايات التي تسري في الأرواح والقلوب، مجمع يُعقد هنا، له سر عقد من دعوة الحبيب الذي دعانا لعقدِ ذي المجالس، تتصِل بمجالس الخير هنا وهناك.
والحاضرون عندنا من أي قُطر من الأقطار نائبون عمن في ذلك القطر، ممن أسلم وممن سيسلم، مِن الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة، والصومال أو وغيرها، عانى إخواننا واحد وعشرين سنة، مضت وهم في معاناة، ولكن الفرج قريب لهم وللأمة إن شاء الله، في الشرق وفي الغرب.
وهذا مخاض يخوضه الناس نتائج للانفصال عن محمد، وعن دعوته وعن أخلاقه، نكسوا أعلامه وسط ديارهم، وسط مناسباتهم، وسط عاداتهم، ورفعوا أعلام كثير من أعدائه؛ وهذا نتيجة حتمية، إلى أن يتوبوا ويرجعوا، وترتفع راياته وتجي السعادات، من بيده وفي قبضته السماوات والأرض هو الذي يصرّف وهو الذي يسيِّر، قيوم، ما سلم الملك لواحد ثاني، ولا يأخذه منه شيء سبحانه وتعالى، هو صاحب الملك جل جلاله وتعالى في علاه، وما هي إلا حِكَم نُسجت بيد حكمت ثم انتسجت بالمنتسج، وشؤون قد قضاها يُبديها ولا يبتديها، وكل عُسرٍ يعقبه يسران، وكل شدة بعدها فرج، و( الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)
و(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) ما هو إلا في الدنيا وحدها ، في الدنيا نصر لهم ولكن (وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ* يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) هؤلاء منصورون والله يجعلنا معهم. ومن هم؟ هم الذين نصروا الله.
هِبوا لنصرِ ربكم، انصروا الله في عاداتكم، في ألبستكم، في عادات أبنائكم وبناتكم، في عادات زواجاتكم ومناسباتكم، انصروا الله، عظموا أمره، لا يغركم ذا وذا، ويغويكم إلى كلام ماجن، إلى ظهور أجانب على أجنبيات، إلى أزياء خبيثة، إلى حركات غير لائقة، أبعدوها! ما هي شغلكم ولا هي بضاعتكم، أنتم أهل الإيمان، أنتم القرآن أنتم أهل منهج السماء، تقومون به على ظهر الأرض، أهل الخلافة عن الله في أرضه، ما هذا شغلكم! ولا هذا لائق بكم! هذه دعوها لمن كفر، في الأرض كفر لهم مثل هذا، في الأرض فجار لهم مثل هذا، أما من آمن وصدق واتبع لا يليق به هذا! ولا يصلح لعادته ولا يصلح لأسرته ولا يصلح لبيته إلا العفاف، إلا التقى، إلا الحياء، إلا الشرف، إلا النزاهة، إلا الطاعة، إلا الاتباع للكبار، للصادقين (اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)، هذا الذي يصلح لنا وللأمة نعود إلى رشدنا إن شاء الله، وتنتشر الخيرات في بلاد الله ونكون سبباً لنشر الهدى والخير.
اقبل الجمع واجعله منظوراً منك بعين عنايتك، كل واحد منهم يرتبط بحبيبنا محمد يارب، ربطا يقوى على الأبد، إلى الأبد، سرمدا يا رب العالمين، يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين، لا تُهِن واحداً بعد حضور هذا المجمع أن يُقطع، لا تهن واحدا أن يفصل فلا يرى وجهَ المشفع، لا تهن واحدا فتحرمه الورود على الحوض المورود، يا رب نرد كلنا وأهلينا كلهم يا الله، ونشرب من ذلك الحوض شربة لا نظمأ بعدها أبدا يا مسعد السعداء، أنت كتبت من يرد على ذلك الحوض، ومن يشرب من ذلك الماء، ومن ينظر إلى ذلك الوجه، اللهم فاجعلنا منهم وفيهم يا الله..
يا الله: لا تخلِّف فينا أحدا، لا تخلِّف منا أحدا، لا تخلِّف من أهلينا أحدا، لا تخلف من أولادنا وذرارينا أحدا يا الله، دواعي الشر التي تدعوهم للمخالفة وللمعصية أبعدها عنهم وادفع شرها عنهم، رُدهم إليك مرداً جميلاً.
يا الله اجعل إجابة قلوبهم وأرواحهم لداعي محمد، ولنداء حبيبك محمد، يلبون يستجيبون ينيبون يخشعون يخضعون يُقبِلون يُقبَلون ومعه يُحشرون، آمين يارب، آمين يارب..
تستشعر ندعو من نحن؟ وأنت في أي مجلس أنت في أي حضرة؟ وأنت أمام باب من؟ اللهم لك الحمد أتمِم علينا وعليهم والنعمة، يا الله، نظرة:
ألا يالله بنظرة من العين الرحيمة تداوي كل ما بنا من أمراض سقيمة
ظاهرة وباطنة .. يا شافي، يا معافي، يا كافي، يا بر يا لطيف، يا صاحب الجود المنيف، يا حي يا قيوم، بالسيد المعصوم بلِّغنا ما نروم وفوق ما نروم، وأصلح شؤونَ المسلمين أجمعين، واجعلنا في أنفعهم لهم وأبركِهم عليهم، وانفعنا بهم عامة وبخاصتهم خاصة.
نتوجه إليك بحبيبك محمد أصلِح لنا وللأمة ديننا الذي هو عصمة أمرنا، أصلِح لنا وللأمة دنيانا التي فيها معاشنا، أصلِح لنا وللأمة آخرتنا التي إليها معادُنا، اجعل الحياةَ لكل فرد منا ومنهم زيادةً في كل خير، واجعل الموت راحةً من كل شر، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومَن فقدناهم في هذه الأيام وهذه الأسابيع من أهل الوداد وأهل المحبة وأهل الخير تغشَّهم بالرحمة والجود، وواسع المغفرة والعطاء من غير حدٍّ محدود، ورابطة بزين الوجود يرتقون بها مراقي الصعود مع كل مسعود، وجمعاً مع أولادهم ومحبيهم في جنات الخلود، مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين لك بالعهود، إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد، يا بر يا ودود يا فعالاً لما يريد، يا من يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد، أجِب دعاءنا ولبِّ نداءنا وأصلِح شأننا كلَّه، بما أصلحتَ به شأنَ الصالحين.
والحمد لله رب العالمين.
10 جمادى الأول 1434