(536)
(228)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
محاضرة مكتوبة للحبيب عمر بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك بدار المصطفى ليلة الجمعة 13 صفر الخير 1436هـ بعنوان: رعاية الأمانة العظمى بالاشتغال بالبناء كما أحب الحق ورسوله.
الحمد لله باعث التذكر بعظمة الأمانة، لأجل الوفاء بها، والدخول في دوائر المُوفين الذين خُوطبوا من قبل الرب (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)، ونِعم الوفي الله ( وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، صفات أرباب ذلك الوفاء، وعناوينهم، وشعاراتهم وأحوالهم ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ثبِّتنا على الإيمان يا ربنا، واجعلنا في خواص المؤمنين، وما بشرتَ به على لسان نبيك المؤمنين فوفِّر حظَّنا من تلك البشارات.
سمعتم من أحبابنا وإخواننا ما تقفون به على عظمة هذه الأمانة، وعظمة إمداد الله لمن يشاء بنور الإيمان واليقين والمعرفة والانتهاج في نهج المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ليكون ما ينقضي له مِن عمره على ظهرِ هذه الدار في نور الله، في منهج الله، مصفّى أن يتكدَّر بفكرِ ذا أو ذاك، وبرنامج ذا أو ذاك ونفسية ذا أو ذاك، وأطروحة ذا أو ذاك من هنا ومن هناك، ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ).
لن تجدوا في واقع الحياة على ظهر الأرض أغلى ولا أشرف من أسرار الروابط بالحقِّ ورسوله، ولن يكون حبالُها إلا الأسانيد، إلا رجال حمْلِها وخواصُّ أهلها مِن الذين هطل بهم وبلُها، وانهلَّ بهم مُزنُها، وارتضاهم الحقُّ تبارك وتعالى ليصِلوا ويوصِلوا ويُقبلوا ويُقبَل بهم.
ولقد أُتحفت الأمة بمزايا، وخصائص من رب البرايا على يد خير البرايا، جامع الشرف والمكارم والمزايا، كريم السجايا محمد بن عبد الله، ربطنا الله وإياكم به ربطاً لا ينفكّ ولا ينحلّ أبداً سرمدا.. إنه أكرم الأكرمين.
فأسنى ما نحصّله في الحياة حقائقُ رابطتنا بالحق ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وسلامتنا في خلال هذه الحياة مِن أن تتكدر سرائرُنا بالتفاتٍ إلى غير الحق، وتعظيمٍ لما هو حقيرٌ عند الله، أو تحقيرٌ لما هو عظيم رفيع شريف عند الله، في مخالفة ميزان الله تبارك وتعالى، ومَن خالف ميزانَ ربّه خاب وخسر وخفَّ وزنُه إذا وُضِعت الموازين، فأقيموا ميزانَ رب العالمين جل جلاله وتعالى في علاه.
وإن كان مِن عظيم هذا الميزان، ما نحمله مِن همِّ النشر للخير والهدى والدعوة النبوية المحمدية، على ما شرع لنا ودلَّنا عليه ودعانا إليه وبيَّنه لنا صلى الله عليه وسلم، بتلك الحكمة والموعظة الحسنة، ولا جدال إلا بالتي هي أحسن، وبتلك الرحمة وبتلك الشفقة، وبذلك الخشوع وبذلك التضرّع وبذلك الإخلاص، وبذلك الزهد، وبذلك الاستلذاذ للبذل وللعطاء وللجهد والمصابرة الكريمة التي يفوز أصحابها، ولا يكون سلام الملائكة عليهم في الجنة داخلين عليهم من كل باب إلا باسم الصبر، (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ*سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).
نِعم القوم الذين حازوا خيريّة المستقبل، كرامة المستقبل، عظم الأجل، (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، لا تجعل فينا أحداً منهم يا كريم يا غفار، يا مكوِّر النهار في الليل والليل في النهار، أنت وحدك الرب الذي يحق أن يُعبَد، لا أفكار الكفار ولا الفجار ولا ما يعرضه أولئك البعيدون أهلُ الظلمات والأكدار، فاجعل هوانا تبعاً لما جاء به المختار، فإن ما جاء به، جاء به منك، وجاء به عنك، وجاء به إليك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو المخاطَب بقولك (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا* وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا* وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ)، لا تفتح لهم أبواب التسلط على ممشاك ولا مسارك، ولا نيتك ولا تصورك ولا شيء من أحوالك، (وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) وهل تتعامل معهم بالعنف أو الشدة أو السوء (وَدَعْ أَذَاهُمْ) وإذا أظلمت الأمور وتكدّرت وكثُرت القلاقل والبلابل والشدائد، (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)، هذا منهاج ربكم لحبيبه، (وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا) كفى بالله وكيلا، لا والله ولا كفى بالأسلحة وكيلا، ولا كفى بالمعسكرات وكيلا، ولا كفى بالتكنولوجيا وكيلا، ولا كفى بالسياسة وكيلا، ولا كفى بالأحزاب وكيلا، لا والله (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا)، فكل مَن توكل على ما سواه فهو الخاسر، أنبئوه قبل أن يُصدم بما لا يتوقع! (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) ليصرف قلبه ويعرف ربَّه ويجعل التوكل على هذا الإله، ويخرج من هذه الخديعة التي وقع فيها، وهذا الاستدراج الذي به استُدرج، حتى يعتمد على غير الله، ويستند إلى سواه ويبني بناه على شفا جرف هار، (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
قد رأينا الأمثلة، إن ذكروكم بأمثلة من صادقين مخلصين خرجوا من مثل هذه البلاد إلى هنا وهناك وفي أمثالهم خرج من قبلهم الصحابة، وتفرقوا في أقطار الأرض، تتعجب في البلدان البعيدة النائية كيف الوصول إليها تلك الأيام، وقبورهم هنا وهنا وهناك أصحاب المصطفى وأقاربه، والذين كانوا بجانبه، والذين استقبلوه في المدينة، الذي نزل في بيتهم وسط المدينة قبره هناك في تركيا، النبي نزل في بيته في المدينة، ما الذي أخذه إلى تركيا، بأي شركة نقل سافر؟ وما الذي أوصله إلى هناك؟ أبو أيوب الأنصاري، وخرج وهو في الثمانين من عمره، شايب، وفي رجله عرج، وراجعه بعضهم قال: ابقَ مكانك ونحن نكفيك، قال الله في القرآن قال (انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً) أو قال انفروا خفافاً فقط؟ قالوا ربك قال (انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً)، قال: فأنتم خفاف وأنا ثقيل، فننفر معاً، (انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً)، هذا الكأس الذي شربه من يد الذي نزل في بيتِه، كان تاج على رأس أبي أيوب، زين الوجود الساري إلى فوق العرش ينزل في دار أبي أيوب، الديار تخطبه والقلوب تخطبه، هنا وهناك، ويقول للحي القيوم في دار أبي أيوب ( دعوها فإنها مأمورة ) ودارت الناقة هنا وهناك وجاءت إلى عند دار أبي أيوب، وقامت ودارت وإلى دار أبي أيوب وضعت قرانها على الأرض ورقبتها هذا المحل هذا المنزل، فقال صلى الله عليه وسلم (هذا المنزل إن شاء الله)، واستلم الرحلَ أبو أيوب ودخله إلى بيته بذاك الفرح وذاك السرور وسُقي ذاك الكاس أداه إلى فقه الحياة وفقه المهمة فيها، وفي آخر أيامه قال: أخرجوني للجهاد.. (انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً) وهناك حضرت المعارك، فقال لهم: إذا أنا استشهدت في سبيل الله فاصبروا إلى آخر أرض تصلون إليها فاقبروني أبعد ما أكون عن بيتي، آخر بقعة تصلون إليها حتى يكون بيني وبين بيتي مسافة أطول، أقول لربي من أجلك قطعت هذه المسافة، بيتي هنا وقبري هنا، من أجل الله سبحانه وتعالى ومن أجل رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
ذكروكم بأولئك الأماجد، كم يغلط المتحدثون من الذين يتصلون بالتاريخ ، فيقولون: إن من نشر الإسلام هم التجار الحضارم، هم مجرد تجار؟ التجار ملء الدنيا، وأين انتشار الإسلام على أيدي التجار!! الذين نشروا الإسلام أهل أنوار، أصفياء علماء أتقياء دعاة مربّون مصطفون انصبغوا بالصبغة، ليسوا مجرد تجار، وما التجارة إلا وسيلة من الوسائل عفّوا بها أنفسهم وأنفقوا بها في سبيل الله، فما هم مجرد تجار، بل علماء أصفياء أتقياء مربَّون مصفون حلت عليهم النظرات، وبهم انتشر الإسلام وبهم قام، وهدى الله الألوف والملايين من دون ضرب ولا سلاح ولا قتال، ولكن بجمال الحق ورسوله، بجمال صدق الانتماء، بجمال الوفاء، بجمال الإرث، بجمال الترجمة لمعاني القرآن بالحال والذوق والفعل، وهذا الجمال يأسر القلوب ويأخذها ويأخذ بها..
تعجب بعض أصحابنا نذكر بعض شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا ببعض أهل المسؤولية في الدولة في تايلاند يبكون، وهم كفار غير مسلمين، بذكر النبي وأخباره يبكون، قلنا لا غرابة، هذا الجمال الأقدس تشعر به الروح تشعر به النفس وهذا الوسيلة للإسلام والقرب منه إذا أدركت الأرواح جمال صاحب ختم الإرسال، جمال حبيب ذي الجلال، جمال الذي استلم التنزيل والإنزال، جمال جامع الفضائل وشريف الخلال، جمال محمد باهي الجمال مولى بلال، صلوات ربي وسلامه عليه.
وما كان هؤلاء الصحابة يخرجون إلا به، بل ومنه وإليه وفيه كانوا يخرجون، وبذلك انتشر النور وقامت قوائم الحق والهدى، ليس فيهم الذي يعتز بنفسه ولا بقوميته ولا بهيئته ولا بجماعته، ولكن بالله وبرسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقام ما قام وكان من آثار ذلك الجهد وما مضى من جهد الأخيار في اليمن في الشام هنا وهناك، أن تجتمع مثل هذه المجامع، وتأتي الأجناس إلى عندكم، وتذكّرون أن يؤتى لكم من أقصى أمريكا ويصل إليكم وفد ليتلقوا ويترقوا، بماذا استحققتم هذا؟ بنومي او بنومكم؟ وغفلتي وغفلتكم؟ لولا القلوب العرشية النورانية الصادقة ما حصل هذا ولا سمعتم بمثل هذا، لولا سلسلة النور من ورثة بدر البدور، لولا أمثال المهاجر والفقيه والسقاف والعيدروس، ما جاء مثل هؤلاء إلى هنا ولا وصلوا إلى هذه الرحاب، ولكن قلوب عرفت الرب، وتعرف إليها الوهاب جل جلاله، وقرب وأدنى بواسطة صبرهم وصدقهم واجتهادهم حصل مثل هذا، فقوموا بأدنى الحق في حسن استقبال مثل هؤلاء، ومعاونتهم ورعاية أمانتهم مع الله تبارك وتعالى بما ينبغي لكم، وحرِّكوا أنفسكم في أسركم وفي ذراريكم وفي جيرانكم وفي أصحابكم وفي هذه القرى والخروج إليها ومُدُّوا فكرَكم ومدوا نيتكم، لتعلموا الواجب عليكم في هذا العالم غير عابئين بعوائق يضعها المعوقون، فإن الذي استند إلى رب الكل لا يضره وجود المعوقين، ووجودهم بحكمة الحكيم، وجود المعوقين بحكمة الحكيم جل جلاله (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا)، ويقول سبحانه وتعالى (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ)لابد من معادين لكل نبي، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ)، وما الحكمة (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الأعداء موجودون، لكن سترون النصر لمن، (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا).
وهكذا.. رأينا على مدى هذه القرون كم بيوت عنكبوت قامت وعول عليها أصحابها واضمحلت، لكن وجدنا آثار هؤلاء القوم ما اضمحلت، ما انقطعت ما انتهت، ما فنيَت بل نراها تزداد، تتجدد من فترة إلى فترة، لأنهم تعاملوا مع القوي الدائم الباقي العزيز الواحد الأحد جل جلاله وتعالى في علاه، فبقيت، وإلا كم وكم دول، أحزاب، مبادئ، مذاهب، أفكار جاءت راحت وحدة بعد الثانية، أكثر من ألف، ومن مائة ألف! روحت وروحت، ولماذا هؤلاء ما زال أثرهم؟ ولا انتهى خبرهم، وتتجدد معالم هدايتهم ودلالتهم على الله، لماذا؟ ما اتخذوا من دون الله أولياء، ما أقاموا لهم اعتزاز ببيت العنكبوت، (أَوْهَنَ الْبُيُوتِ )، تعرف أوهن البيوت؟ أكبر ما يُغتر به من القوى المادية هو بيت العنكبوت، (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا)، فسِّ القوى المادية ما شئت أكبر ما يغتر به منها هو هذا بيت العنكبوت إذا استندت إليه أو اعتمدت عليه أو خفت منه
قال الله تعالى في أمثال حمل هذه الأمانة (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)، اشرب كؤوس هذا الإيمان هذا اليقين هذا الصدق، وتوكل على الرحمن (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ)، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) جل جلاله وتعالى في علاه، ومن كان مستنداً إلى هذا الولي والنصير، هل يخاف كثرة عدو؟ هل يخاف قوة عدو؟ هل يخاف مكر عدو؟ (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)، لكن مصيبة الشغل هذا، نشغل أنفسنا وأوقاتنا نترك بناءنا، نترك معنانا، نترك مغنانا، نترك خيرَنا، نترك نورنا، نترك هُدانا، مشغولين بما شغلونا به، وذا كيف وذا كيف، معك شغل من ربك شغلك به، تقوى وإيمان وعمل صالح وتصفية قلب وتزكية نفس ودعوة إلى الله، اشتغل بها.. ألم تعجبتك؟ ما راقت لنظرك؟ أو قلت إن هذه البضاعة ما تمشي في عصرك، أنا أكلمك عن رب العصور، العصر ما هو إله، والعصر ما هو خالق، والعصر ما هو حاكم والعصر محكوم والعصر تحت الحي القيوم، خذ منهج ربك، وخذ بضاعة ربك وقم بها وابنِ، ابنِ نفسك ابنِ أولادك، أترك صفطة الناس هذا، اُترك الاستسهال والاستسلام للأزلام والأصنام تدخلها وسط دارك، تلعب بأولادك وبفكرهم وبعيالك، وتترك نور النبي محمد، وتعاليمه وأخلاقه وأنت قادر تربيهم عليها، انتبه لنفسك.. قم! اشتغل بالبناء واذهب إلى هنا وإلى هناك، وقم بواجبك!
تأمل شعور الصحابي يقف قدام البحر "لو أعلم أن وراء هذا البحر أحداً يُبلَّغ هذه الرسالة لتجشمت ركوبه حتى أصل إليه". عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، وعلى هذا السبيل مضوا، فاعرفوا شان هذا الخير الذي ساقه الله تعالى إليكم، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى) واشتغلوا بما شغلكم ربكم ونبيكم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبذلك تفوزون وللخير تحوزون (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)، (وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ)، (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، ثم قال الله تبارك وتعالى في سورة الصف لنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ) بعد هذا العرض قاعدين يلعبون علينا باسم التجارة؟ أي تجارة؟ صار حس كثير من الناس إذا سمع اسم التنمية، سمع اسم الكسب الدخل، فتَّح عوينه وذهب هناك، وربي قد عرض تجارة، فأين اهتزازك لها وأين إحساسك بها؟ (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) قالوا لنا كان يوجد بنك اسمه بنك الاعتماد فلَّس، واللي أودعوا أموالهم فيه روحوا، ضروري لأنه اعتماد على غير الله فلابد يتفلس، لو كان فيه اعتماد على الله ما تفلس، هو بنك الاعتماد على ماذا؟ اعتماد على ربا بيقع إلا تفليس، (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) ولا ذا البنك وحده والثاني والثالث، والباقين المغرورين بأموالهم كذلك، (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ )، (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ) لا تغتر أنه كم الرصيد وطلع ونزل، (فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ)، (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ) ذا اللي تشوفوه خيالات عندكم، فإذا لم يربُ عند الله فلا له ربو ولا له نمو أصلاً، (وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) قال الله الأرباح هنا والاستثمار هنا وتوفير القدر هنا (وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).
وهكذا، كنا ذكرنا لكم في بعض هذه القرى وصلت بعض الحبوب من الطعام في وقت معدومة فيه، وجاؤوا إلى الذي وصلت إليه يقولون له "أسعفت لك الدنيا" وخذ ما تريد من الدنيا سنشتري منك بالجملة، قال تعطونا ضعف قيمتها؟ قالوا ضعف، وضعفين؟ وثلاثة أضعاف؟ قالوا وثلاثة أضعاف، وأربعة ؟ قالوا وأربعة أضعاف، قال لا، ما انا راضي، انت مجنون؟ عادك تبغى كم أضعاف فوق هذا؟ قال أنا حصلت واحد يعطيني عشرة أضعاف وسبعمائة ضعف، من هذا؟ قال الله، انتم تقولون أسعفت الدنيا، أنا أقول أسعفت الآخرة، الليلة كل الحِمل الذي وصلت يتقسم على المحتاجين، أسعفت الآخرة ، هذا هو المضعف ، كيف عاش بقية حياته ومن يوم مات إلى الآن وهو يتنعم في هذا الإنفاق، سنين طويلة ، ونعيمها مقبل والثانين ماذا حصلوا؟ وأصحاب الربا ماذا حصلوا؟ أرباب الافتخار بالأموال ماذا حصلوا؟ افهموا الحقيقة اخرجوا من الغرور (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)، وستضمحل هذه الأفكار وأهلها كلهم، وسترجعون لهذا الميزان الوحيد، ميزان الله فقط، ويبطل كل ما سواه فاعقلوا وقوموا بذي الأمانة وبهذا الواجب، الله يُنهِض عزائمنا ويقوي دعائمنا ويرزقنا الصدق والإخلاص معه.
يارب حرِّك هذه القلوب وحدها إلى مراتب القرب منك يا علام الغيوب، ونزِّهنا عن جميع الزلل والعيوب، واغفر لنا جميع الذنوب وتب علينا لنتوب، وارحم موتانا وأحيانا بالرحمة الواسعة يا عالم ظواهرنا وخفايانا، اللهم ومَن أنعمتَ عليه بنعمة فارزقه شكرَها والقيام بواجب حقها وما أوسع نعمك علينا، ومن ابتليته بحبس أو شدة أو قتل أو أذىً فاجعله له شهادة ورفعةً في الدرجات ونيلاً في السعادة وارتقاء في مراتبها في الغيب والشهادة، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اجعلنا في أهل الإيمان الذين حالُ أحدهم كل خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن، فأكرِمنا بحقائق الإيمان، وكمال الإيمان، وتمام الإيمان، يارب جمعاً صُبَّ عليه سحائب رضوانك، واملأ قلوبَ أهله بحقائق الإيمان بك، وبما أنزلته، وبمن أرسلته، وبملائكتك، وبقضائك وقدرك وباليوم الآخر، أنت الحق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيّون حق، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم حق، فاجعلنا مع النبي محمد، واسلك بنا سبيلَ النبي محمد، وادفع السوءَ عنا بنبيك سيدنا محمد، واكشف الشدائد عن المؤمنين، وأشغلهم بما توجب به سعادة الدارين، وتكشف به الشدائد والبلايا ظاهراً وباطناً يا رب العالمين، يا أقدر القادرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين، يا الله.
يا الله، يا الله، ندعوك يا الله، نرجوك يا الله، نسألك يا الله، نؤمّل ما عندك يا الله، خذ بأيدينا إليك يا الله، قوِّم اعوجاجنا يا الله، خذ بأيدينا يا الله، أسعِدنا بأعظم السعادة يا الله، اربطنا بنبيّك محمد في كل شان يا الله، ربطاً لا ينحل أبدا، واجعلنا بذلك من أسعد السعداء، يا الله، أنت المدعو، وأنت المرجو، وأنت الكريم العفو، وأنت الذي لك الوجوه تعنُو، فيا حي يا قيوم، قرِّبنا إليك زلفى يا الله، شرفتنا بندائك، فأسعِدنا بالإجابة، وأثبتنا في المحبوبين، من أهل الإنابة، يا حي يا قيوم يا الله، يا الله، يا الله، يا الله يا الله، ندعوك ونرجوك، ونؤمّلك لكل أحوالنا، في دنيانا ومآلنا، فتولَّنا بما أنت أهلُه يا الله، يا الله، يا الله، يا ما أحسنَ نداءَ المؤمنين لرب العالمين، وأن ترتفع أصواتُهم من الأرض تُسمَع في السماء أكثر من سماعها في الأرض يختلط فيها الأجسام والأرواح والملائكة والمقربون ويقولون لرب كل شيء: يا الله، هذه أبواب الغياث، وهذه أبواب الفرج، وهذه أبواب النصرة، وهذه أبواب الكرامة، فنقول جميعاً يا الله، يا الله، يا الله، أذنتَ لهم فقالوها، ووفقتَهم فقالوها، وأكرمتَهم فقالوها، فأتمِم الكرامة، واءذن بالإجابة، وصفّ هذه القلوب، اشحنها بالإيمان، يا الله، يزداد لنا في كل آن يا الله، نبيت الليلة على قوة إيمان ويقوى في غدِنا وليلتنا المقبلة وكل ساعة تقبل علينا، لا تعرض إيماننا ولا إلى نقص، احفظ علينا الإيمان، وزدنا إيمان، ومكّنا في الإيمان، وانشر لنا راية الإيمان، والإحسان والرضوان، والإيقان يا منّان، يا كريم يا حنّان، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا الله.
أتمِم لنا ولهم السعادة، وكن لنا ولهم في الغيب والشهادة، وبلّغ الكل منا مرادَه وفوق ما أراده، مما أنت أهله يا الله، يا الله، يا الله، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلِّ وسلم على من به هديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وأسعدتنا، وشرفتنا وكرمتنا عبدك المختار المجتبى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وآبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وملائكتك المقربين وآل الأنبياء وأصحابهم خصوصاً آل المصطفى وصحبه وجميع أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
13 صفَر 1436