(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 27 ذي القعدة 1444هـ بعنوان:
خطير الفوارق بين ما اتصل بالخالق والمنقطعات من شئون الخلائق، ومكانة مصطفاه ورفع ذكره بدنياه وأخراه
(يمكنكم الاطلاع على الصور في أسفل الصفحة)
اللهم اهدِنا الصِّراط المُستقيم، الحمدُ لله واهب المواهِب الكبيرات، مُعطي العطايا الجزيلات، خاتم الرِّسالات بِبِعثة سيد السادات، سيد أهل الأرض، سيد أهل السماوات، صفوَةِ الله مِن جميع البريات، عبده المُجتبى مُحمد صلى الله وسلّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل محبتهِ والاقتداء به في جميع المقاصد والنيات، والأقوال والأفعال والحركات والسكنات، وعلى آبائهِ وإخوانه المُبشِّرين به من الأنبياء والمرسلين رفيعي الدرجات، ومُختارِ رب العالمين الواحد الأحد عالم الظواهر والخفِيّات، وعلى آلهم وصحبهم وأتباعهم وعلى الملائكة المُقرّبين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
صلِّ يا ربِّ عليهم وعلينا معهم وفيهم، وأصلِح لنا ظواهرنا وخَوافينا وشيِّد بِتقواكَ مبانينا، وأعِزَّنا يا ربِّ بِقُربِك ومحبَّتك ونصرك وتأييدك وتسديدك وقُرَّة عين نبيّك محمد، واربُطنا بهِ ربطاً لا ينحلُّ أبداً، واجعلنا به في الدنيا والبرزخ والآخرة من أسعد السعداء، يا ذا المواهب والجود والنّدى، يا عالم ما خفيَ وما بدا، لا إله إلا أنت.
جمعتنا على الوِجهةِ إليك والتذلُّل بين يديك، مِن فضلك بفضلك، لِنتلقّى عجائب فضلك، ويُكرَم من يُكرم بِوصلِك مِن إنسٍ وجان في قاصٍ ودان، ذلك مَنُّكَ يا منّان وكرمك يا ذا الجود والإحسان، لا إله إلا أنت زِدنا من فضلك ومُنَّ علينا بِوَصلك، وضاعِف لنا واسع طَولك، واقبل حُجّاج بيتك وزائري نبيّك صلى الله عليه وسلم، وافتح بهم أبواب الفرج لهذهِ الأمّة، واكشِف كل غُمّة، وانشُر دين هذا الحبيب في جميع أقطار الأرض مشارقها ومغاربها يا الله، والبلدان التي ذُكِرَت والبلدان التي فيها المتابعون لهذه المجالس، ثم بقيّة بلدان الأرض أرِنا انتشار هذا النور فيها، أرِنا انتشار هذا الدين فيها، أرِنا انتشار وظهور هذه السنة الشريفة فيها، يا مُرسل محمد بالهدى تُظهرهُ على الدين كله ولو كره المشركون.
لا إله إلا أنت، لك الملك ولك الحمد تحيي وتميت وأنت حي لا تموت، بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير، فحقِّق لنا آمالنا وأصلِح لنا أحوالنا وتوَّلى حاضِرنا ومآلنا، وبلِّغنا آمالنا وفوق ما أمّلنا مِمّا أنت أهله، يا رحيماً بِنا، يا غفوراً لذنوبنا، يا مُكفِّراً لسيئاتنا، يا موجِدنا من العدم، يا مُسبغ الفضل والنعم، يا ذا الجود الأكرم، يا رحمن يا رحيم يا أرحم، يا الله.
لك الحمدُ لك المِنّة، فاجمعنا في الجنة، وفي فراديسها العُلا مع خيار الملأ، كل حاضر وكل سامع ومن في ديارهم وأهاليهم وأقاربهم، يا من تَقصُر في جنبي ذرة من كرمه جميع المطامع، ومطامع أهل السماوات والأرض أمام ذرة مِن كرم رب السماوات والأرض تصغُر وتضيع، وما عند اللهِ أكبر وما عند اللهِ أكثر وما عند الله أطيَب، أخبر مرة صلى الله عليه وسلم أن قارئ سورة الإخلاص إحدى عشر مرة يُبنى له قصر في الجنة، قال له بعض الصحابة إذًا تكثُر قصورنا يا رسول الله، قال: الله أكثر وأطيب، الله أكثر وأطيب! قُل ويعطيك ولا يُبالي جلَّ جلاله، بِكثرة القصور التي يُؤتيها الذاكرين له سبحانه وتعالى.
فما أعظم مِنّتهُ بِجمعنا وإياكم عليه، وعلى أبوابه وفي رِحاب كرمه وإحسانه، في تبعيّة مُطلقة تامّة من جميع الجوانب من جميع الوجوه لعبدهِ المُرتضى المجتبى المصطفى المختار محمد، من جاءنا بِلا إله إلا الله، من جاءنا بالصلاة، من جاءنا بالزكاة، من جاءنا بالصوم، من جاءنا بالحج، من جاءنا بالفضائل، من جاءنا بالهُدى، من جاءنا بالنور، من جاءنا بالصدق (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 33] يَا كَافِي تَكْفِي منْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَكْفِ مِنْكَ شَيْءٍ، يا رَبِّ يا خَيْرَ كَافِي أَحْللْ عَلَيْنَا الْعَوَافِي، عافِ العقول وعافِ القلوب وعافِ الأرواح وعافِ الأبدان.
يا ربِّ يا خير كافي ** أحلل علينا العوافي
فليس شيء ثَمَّ خافي ** عليك تفصيل واجمال
يا رب عبدك ببابك ** يخشى أليم عذابك
ويرتجي لثوابك ** وغيث رحمتك هطّال
ولولا هطولُ هذا الغيث من رحمتك ما عُقِدَت هذه المجامع، ولا رتّبتَ فيها المنافع، ولا نفعتَ بها كُلَّ قريب وشاسع، فلك الحمدُ يا خير مُجيبٍ ويا خير سامع، يا الله! بأكرم شافع اجمع لنا المنافع، وما جعلتَ في موسم الحج وقُلتَ (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج: 28] وسِّع لهم ولنا من تلك المنافع ما أنت أهلهُ يا واسع، يا الله يا الله يا الله.
أقبِل بهذه القلوب عليك، شرِّفها بهذا الشرف الأفخر، وأعطها هذا العطاء الكبير الأنور يا الله، يا مُقلِّب القلوب والأبصار، يا من يحولُ بين المرء وقلبه، سبقت منك السابقة في الأزل لِقلوب تعيش على ظهر الأرض مُدةً من الزمان تُقبِلُ فيها عليك وتُقبل أنت بوجهك عليها، فتُسعِد أصحابها سعادة الأبد، وترزقهم مُرافقة النبي محمد، فبذاتك وأسمائك وصِفاتك والقرآن والكعبة المُشرّفة وكلّ ذي وجاهةٍ لديك وسيّدهم عبدك المصطفى محمد اجعلنا وجميع الحاضرين والسامعين مِمّن ترتضيهم لهذا العطاء، وتغفر لهم جميع الذنب والخطأ، وتُثبِّت منهم على صدق الوِجهة إليك والإقبال عليك الخُطا، يا مُقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك، يا الله يا الله يا الله.
قال لنا نبيّك يُخاطِب ابنته فاطمة أنه "لا يبقى على ظهر هذه الأرض بيت مدر ولا وبر ولا حجر إلا ودخلهُ دين أبيك، بِذلِّ ذليل أوعزّ عزيز" (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) [النجم: 3-4] ومرّت بين هذه الكلمة وهذا اليوم أحداث كثيرات وأمور مُتكاثرات غريبات هنا وهناك، وكلام نبيّك ثابت لا يتزلزل ولا يتغيّر، وكلما مرت الأحداث أثبتت التحقيق لما قال.
أَرانا الهُدى بَعدَ العَمى فَقُلوبُنا ** بِهِ موقِناتٌ أَنَّ ما قالَ واقِعُ
وَفينا رَسولُ اللَهِ يَتلو كِتابَهُ ** إِذا اِنشَقَّ مَعروفٌ مِنَ الفجر ساطِعُ
يَبيتُ يُجافي جَنبَهُ عَن فِراشِهِ ** إِذا اِستثقلَت بِالمشركين المَضاجِعُ
أَرانا الهُدى بَعدَ العَمى فَقُلوبُنا ** بِهِ موقِناتٌ أَنَّ ما قالَ واقِعُ
يا ربِّ آمنا به وصدّقناه، فلا تجعل في الحاضرين ولا السامعين قلباً إلا مددتهُ بصدقِ الرابطة به والاهتداء بِهُداه، حتى تُشرِّفَ الجميع مِنا بِرؤيةِ مُحيّاه ومُطالعة جمالهِ وسناه، في الحياة وعند الوفاة وفي يوم المُوافاة، وفي دار الكرامةِ والمُلاقاة، وفي ساحة النظرِ إلى وجهك الكريم يا الله يا الله يا الله!
أعدادٌ كثيرة مِمّن عَدُّوا أنفسهم وعدَّهُم غيرهم مُفكّرين، وأعداد مِمّن تَبَوَّؤُوا في ظاهر هذه الحياة ما يُسمّى بِصُنع القرار، هذه الأعداد الكثيرة من أهل الأفكار وأهل صُنع القرار ظنّوا قبل سنين طويلة أن لا يُعقَد جمع مثل هذا قط، وخاب ظنهم وأنت تنصر نبيك وتُظهِر دينك وتُعلي مكانته وترفع ذِكره، وأنت مَلك الممالك قُلتَ لحبيبك وتُخاطبه في تنزيلك: (أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ * وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ * ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ * وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ) [ الشرح : 1-4 ]
فيا كُلّ عاقل من الإنسِ والجن على ظهر الأرض، بالله عليكم ما عجائب ذكر هذا النبي المرفوع، الذي استنزلَ كثيراً من الدموع، وحرّكَ كثيراً من القلوب، وما سِرُّ بقاءِ قوة ذكرهِ مع كثرةٍ فيمن يُعاديه، وكثرةٍ فيمن يسب، وكثرةٍ فيمن يُشكِّك، ولم يزل الذكر مرفوع، وكلُّ ما ظهر في الدنيا لا يساوي شيء مِما يبرز للواحد الفرد ولو كان كافراً عند الغرغرة والموت! الواحد ولو كان كافر عند الغرغرة والموت يبرُز له من رفع ذكر المصطفى وعلوّه ما يُساويه هذا الذي تسمعونه في الشرق والغرب! يعرف أنه أكبر من ذلك، يعرف أنه أكبر من الجموع التي تُعقَد لمولده، يعرف أنه أكبر من القصائد التي قيلت في مدحه، يعلم أنه أعظم من كُلِّ ثناء أثنى عليه الخلق بعد ما أثنى عليه الخلاق، هذا الذي يُدركه الواحد عند الموت ولو كان ذلك الواحد كافراً، أما في البرزخ فذكرهُ مرفوع، أما في القيامة فذكرهُ أرفع! وكلٌّ يتمنى القرب منه، مِن أولهم إلى آخرهم، ملائكة أنبياء صديقين أولياء صالحين، كُفار ملحدين فاجرين مفسدين ظالمين، كلهم يتمنّوا القرب منه، ذكره مرفوع، ذكره مرفوع، وشأنه علي، ومقامه سني، عبدٌ اختاره الإله على كُل من سواه، وقدّمهُ على كل من عَداه، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن اهتدى بِهداه.
وقضى وقدَّر بفضله أن تكونوا من أمته، وأن تُكرَموا بمحبته، والله يُحقِّقنا بحقائق محبته ويزيدنا منها، وأن تجتمعوا في مجامع شريعته وسُنته وتَرِكته وخِلافته ووراثته، وسلاسل الإسناد القوية إلى حضرتهِ تجتمعون فيها، من الذي قدر لكم هذا؟ من الذي أعطانا وإياكم هذا؟ لك الحمد يا من رفعت قدره ورفعت ذكره، لا تُفرِّق بيننا وبينه، بجاه عليك بمنزلته لديك، لا تُباعِد بيننا وبينه، لا تحرمنا رؤيته، في الحياة وعند الوفاة، وفي البرزخ ويوم القيامة وفي دار الكرامة، آمين آمين، يا سامع الدعاء يا من لا يُخيِّب الرجاء (وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ) [الشرح: 4].
في يوم كلٌّ بذكرك يا محمد يصيح
نوره تقدّم على آدم وعيسى المسيح
سيد مُنسَّب من إبراهيم هو والذبيح
صلِّ وسلِّم وبارك وكرّم عليه.
يقول ﷺ: "أتاني آت من عند ربي وقال: إن ربك يقول لك إن لك ثلاث دعوات كبيرات مستجابات فسل، قيل لي فما الأولى؟ قلت اللهم اغفر لأمتي، قيل لي فما الثانية؟ قلت اللهم اغفر لأمتي، فقيل لي ما الثالثة؟ قال فاختبأتها شفاعةً لأمتي في يوم يلوذُ بي فيه الناس حتى إبراهيم وموسى"
(وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ) [الشرح: 4]، وإذا وصلتَ عند الجنة كُل باب من أبوابها مكتوب فوقه اسمين: الله ومحمد! لا إله إلا الله مُحمدٌ رسول الله، وان طلعت إلى سقف الجنان وفوق السماوات السبع تحصِّل قوائم العرش الاسمان مكتوبان على كُل قائمة من قوائم العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، مَن مثله؟ ما هذا الرفع للذكر! ما هذه المكانة العلِّيّة! عسى ما هي للمُفكر وإلا الفيلسوف وإلا رئيس دولة تُسمونها كُبرى، تأتي أيام تتحطّم وتتدهور! تفرض عُملتها بقوة السلاح والسياسة وبعدين هي والعملة تسقط وتروح، وكم شاهدتم وستشاهدون في هذا العالم وفي هذا الوجود، لكن عُملة سيدنا قوية "مَن صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرة" إيش تشوف هذه العملة! أي سياسة تقدر تُقلِّبها تُنقصها تُنزلها تحط منها شيء؟ مرجعيته رب، ملاذه رب، الذي أقامه بارِئ السماء والأرض رب العرش العظيم، فمن مثله؟ سبحان الذي خصصه! والحمد لله الذي جعلنا وإياكم من أُمّته.
وفي أمته الأشهر الحرم وفضلها، تمر الأشهر الحرم على الأمم كلها، ولكن لهذه الأمة فضلها زائد، والنفحات فيها زائدة، والخيرات فيها مُتكاثرة، والليالي العشر (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1-2] على أبوابنا تدخل! يا مرحبا بها، بلياليها وأيامها وساعاتها كلها، ساعات مُواصلات وساعات تجلّيات وساعات تفضُّلات، وساعات تطهيرات وساعات إسعادات، وساعات مُواصلات من حضرة الرحمن الرحيم، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، يعدل قيام كل ليلة بِقيام ليلة القدر، أكثروا فيهنّ - قال لنا - من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، يخرج كان سيدنا عبد الله بن عمر وأبو هريرة إلى السوق أيام العشر، كل يوم يخرجون للسوق ولا يبيعون ولا يشترون، يدخلون السوق يُكبرون: الله أكبر الله أكبر ويرجعون، هذا نصيبهم! (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنَ بَهِيمَةِ الأنْعامِ).
وهكذا وتأتي هذه الأعياد بِما فيها من الخيرات وبما فيها من البركات، والعالم يعقدونَ لهم أعياد، هؤلاء عندهم عيد الاستقلال وهؤلاء عندهم عيد الجلوس على العرش، وهؤلاء عندهم عيد اليوم الوطني، وهؤلاء عندهم عيد شجرة أو أسبوع المرور أو كذا وكذا وفي الدول كلها، لكن ما شيء منها أثر يبقى للإنسان، لا يصل إلى قلبه وروحه في الدنيا، ولا يبقى له أثر من عند الغرغرة، لكن هذه أعياد محمد! مجالس ذكره وعيد الأضحى وعيد الفطر، ومجالس ذِكرى نزول القرآن عليه، وليالي رمضان وأيامه، ومجالس ذكرى الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، خيرها يتغلغل إلى القلوب وإلى الأرواح، وتُشرح به صدور ويرفع له الشأن فوق السماوات العُلا، وينفع من عند الغرغرة وما بعدها يستمر نفعه ودوامه، وكل من جاء يعمل عيد أو ماذا؟ لا الملك ملكهم ولا الأمر أمرهم، ولا الأرض أرضهم ولا السما سماهم (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [المائدة: 120] هو الذي رتّب هذه، فالأعياد غير الأعياد والاحتفالات غير الاحتفالات.
وتنظرون إلى عامة رؤساء الأرض، وزعمائها الذين في وقتهم والذين من قبل ومَن يأتي من غير المسلمين، كل واحد منهم وعِزة ربكم في القيامة عند انكشاف الغطاء يتمنّى من رأسه إلى قدمه أنه تشَّرف بلحظة من مثل هذا المجلس، ما يحصلها! ما يحصلها فاتت عليه! عُرِض عليه الإسلام أبى، رأى الآيات وأعرض، اغترّ بالكرسي وبالسلطنة وبأخذ حقوق الغير وباللهف وبالشهوات، وكان عبدها خان العهد مع الرب واستُعبِد لهذه الشهوات والسياسات الخبيثة، إلى أين المصير؟ يتمنّى لو حمل مكنسة في هذه الأماكن! والله هكذا يكون حالهم ما يقدرون عليه (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان: 27] ويقول العلاقات هذه حقكم والتراتيب والخطط والمواثيق والتحالفات أين ذهبت (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) ما نفعت أين ذهبت؟! (لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) [الفرقان] والعياذ بالله تعالى.
فاستقبلوا الأيام العشر، موسم إن شاء الله مُبارك علينا وعليكم وعلى الأمة، تنفتح فيه أبواب من جود الوهاب وعطاء ينساب بغير حساب، يدفع الله به البلايا والأوصاب، يا رب أصلِح أحوال المسلمين، يا رب اجمع شمل المسلمين، يا رب انشُر الهداية في المؤمنين وانشر الهداية في العالمين.
وقد كان يقول سيدنا: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، إليكم هذا التذكير الذي يذكرونه أهل الصلاح وأرباب المعارف في مِثل نية الهداية للعالَم إذا قلت (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 6] ملاحِظ حسنة يُرسلها الله لكم على يد هذا ويد هذا، قد كان يتكلم عنها رجال الحقائق وخيار الخلائق، وكانوا يبيتون في تضرُّع لرب العالمين في نشر الهداية ونشر الخير في هذه الأمة مقتدين بسيدهم ﷺ، تجري دموعه في كل ليلة ويدعو لأمته، وكيف يكون حالهم من بعده، وكيف يكون حالهم في القيامة، حتى أرضاه الرب سبحانه وتعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) [الشرح: 5] "أما إنّا سنُرضيك في أمتك ولن نسوءك فيهم" وقال له، انظر كم من مُقرَّب كم من صِدِّيق كم من عارف أجعله في أمّتك في كل قرن من قرون أمتك، انظر ما من قرن من قرون أمتك ما دام القرآن بينهم موجود إلا وفيهم من أهل الرُّتَب العُليا من السابقين، "في كل قرن من أمتي سابقون" وأرضاه ﷺ بما يُعطي وبما وهب هذه الأمة فلله الحمد.
والله يجعلنا مِمّن أرضى نبيه فيهم وأرضى نبيه بهم، وأرضى نبيهم عنهم، وأرضاهم عنه وعن نبيه، ويرضى عن رضوانَهُ الأكبر، يا الله رضا يا الله رضا والعفو عمّا قد مضى، اجعل لنا يا رب في خاتمة هذا الشهر صدق إقبال عليك نستقبل به ليالي العشر، في حال جميل في السر والجهر، ترضى به عنا، ترضى به عنا ترضى به عنا، وتزداد عنا رًضا، وتلطُف بنا وبالأمة فيما يجري به القضاء، يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين، وتوجهوا إليه أجمعين وقولوا:
يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** فرِّج على المسلمين
27 ذو القِعدة 1444