خديعة الحس والخيال والمادة المنقضيات والزائلات وحقيقة الحق والروح والمعنى الأبديات
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 4 ذو القعدة 1446هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
خديعة الحس والخيال والمادة المنقضيات والزائلات وحقيقة الحق والروح والمعنى الأبديات
لتحميل المحاضرة (نسخة إلكترونية pdf):
فوائد من المحاضرة:
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله ربِّ السماوات والأرضين، وجامع الأولين والآخرين، فحاكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا هو، عالم كل شيء، وخالق كل شيء، بيده ملكوت كل شيء، وإليه مرجع كل شيء، (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65]، أنزل الكتب وأرسل الرسل ليسعد من سبقت لهم سوابق السعادة في الغيب والشهادة من جميع المكلفين من الإنس والجن.
الاستضاءة بنور النبي محمد ﷺ
وختَم المرسلين بسيدهم إمامنا المصطفى محمد، وبه جعلنا خير أُمَّة، ونحن من ضِمن هذه الأمة بأنوار بعثة هذا المصطفى ورسالته؛ إرساله من قِبَل الخلَّاق الأعلى -جل جلاله-؛ نستضيء بأنوار هُدَاه ودلالته على الله، وبيان ما إليه أوحاه، وما دعانا إليه:
-
أن نستمسك به من صالح النيات والمقاصد، والأقوال والأفعال، والحركات والسكنات، والمعاملات، والخِلَالِ والصفات،
-
وأن نتنزَّه ونتطهَّر ونُبعِد عن كل ما يكرهه الجبَّار الأعلى، من النيات والمقاصد، والإرادات، والأقوال والأفعال، والحركات والسكنات، والمعاملات، والصفات والخِلَال.
كيف تترجم حقيقة "لا إله إلا الله"؟
وبقيامِنا بهذا:
-
تُتَرجَم حقيقة معرفتنا أننا عبيد، وأنه الإله السَّيِّد -جل جلاله-،
-
بل تُترجَم حقيقة "لا إله إلا الله".
وأنَّى تُترجَم حقيقة "لا إله إلا الله" فيمن هواه يأسرُه ويلعب به؟ وشهواته تأسرُه وتلعب به، ومرادات نفسه تأسرُه وتلعب به! وما يَنشُر الفُسَّاق والفُجّار في الأرض تأسرُ فكره وتلعب به، وأينَ "لا إله إلا الله" عند هذا؟! أين "لا إله إلا الله" من هذا؟! هذا اتخذ آلهة من اليمين والشمال والخلف والأمام..!
مَن شَهِد أنْ لا إله إلا الله عَلِمَ أَنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ، و (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19]، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
فتَترجَم حقيقة "لا إله إلا الله":
-
بهذا الامتثال وصدق الإقبال،
-
والتخلي في الأقوال والأفعال والحركات والسكنات والمعاملة والخِلال والخصال؛ عمَّا يكرهه الرَّب، عمَّا لا يحبه الإله، عما نهانا عنه، عما نهانا عنه رسوله ومصطفاه محمد صلى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه.
مراتب النجاة والفوز الأخروي
والنَّاجون من النار، ثم الفائزون منهم بالدرجات العُلى، على مراتب في هذا الوعي لأسرار هذا الوحي، والعمل والتطبيق لهذه الخصال، في مقاصدهم ونياتهم وأقوالهم وأفعالهم، وحركاتهم وسكناتهم، ومعاملاتهم وخصالهم، وأحوالهم.. على مراتب وعلى درجات،
-
فأقلها: مَن مات مستمسكًا بأن "لا إله إلا الله" -ولو بمعناها العام- موقِنًا بها من قلبه، فهو ناجٍ؛ ولكن قد يتعرض لعذاب ويتعرض لدخول النار مدةً من المُدَد، وكل ذلك لا يطاق، وكل ذلك أمر عظيم، ولكن بالنسبة للخلود في النار أمر أقل وأيسر، وإلا فهو شديد.
ولكن الخلود في النار أشد منه، والبقاء في النار أشد منه، وهو الذي ينال:
-
كل مَن بلغته دعوة الله التي حملها الرسل وخاتمهم سيد الأنبياء فأبى وصَدَّ وأعرض وتولى -والعياذ بالله تبارك وتعالى-،
-
واتخذ إلهه هواه،
-
واتخذ له آلهة من الناس يقبل أن يُحلّوا ما حرم الله أو أن يُحرّموا ما أحلَّ الله -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، ويحب ما أحبوا وإن كرهه الله، ويكره ما كرهوا وإن أحبه الله، فهذا اتخذهم آلهة -والعياذ بالله تعالى-: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ) [التوبة:31]. قال سيدنا عدي بن حاتم: يا رسول الله، إنهم لم يكونوا يعبدونهم؟! -ما عبدوا الأحبار والرهبان-، قال له النبي ﷺ: «أَلَيْسَ كَانُوا إذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ، وَإِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا أَحَلُّوهُ»؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ إيَّاهُمْ». تركوا أمر الله جانبًا واتبعوا هؤلاء، هذه عبادتهم إياهم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ فكان هذا هو التولِّي عن الله -سبحانه وتعالى-.
عجائب شؤون الهداية
-
ومن سَعِد بوصول الدعوة إليه فلبَّى واهتدى وأجاب، فله درجته في مستوى هذه الإجابة، ومستوى هذه التلبية، والاستسلام، والانقياد، والاتباع (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران:31]
كلٌّ على قدر الصفاء والاقتداء ** نال الهدى في أحسن استقبالِ
-
والهدى أوله شهادةُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، ظواهر معناها ومبادئ مضمونها هو أول الهداية، وللهداية بحورٌ متلاطمة ومراقي عالية لا غاية لها (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد:17].
-
وهذه الهدايات عجيبة بديعة في معرفة الحقائق، بل في معرفة المعاني بوجهٍ خاص: لصفات الخالق وأفعال الخالق وذات الخالق -جل جلاله-، من دون إحاطة؛ فالإحاطة مستحيلة وممتنعة.
-
والملائكة والأنبياء عَلِموا من عظمة الله ومن صفاته وأسمائه وأفعاله وذاته ما علموا، وما لم يعلموا أكثر مما علموا، ولا يزالون يزدادون من هذا العلم الذي قال الله عنه لأعلمِ الخلقِ به: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114].
-
وكان يقول في دعائه: "اللهم أعطني نورًا، وزدني نورًا، واجعل لي نورًا، واجعلني نورًا"، وهو نور الأنوار في البرية -صلوات الله وسلامه عليه-، ومع ذلك يزداد نورًا على المدى من غير حد ولا غاية ولا نهاية -صلوات ربي وسلامه عليه- (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) [المائدة:15]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) [النساء:174].
نوَّرنا الله بهذا النور.
طائفة يصطفيهم الله من الأمة
وكانت المراتب لصحابات الأنبياء وآلهم رفيعة، ثم لأهل الاتباع والاقتداء، وهم في ذلك درجات (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [آل عمران:163].
-
ومن الدرجات الرفيعة:
-
ما ترقَاهُ هذه الأمة وطائفة منهم على مدى القرون "ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق".
-
وأفراد منهم على مدى القرون "في كل قرن من أمتي سابقون".
-
وسُرُجٌ يصطفيهم الله في هذه الأمة على مدى القرون: "يحمل هذا العلمَ من كل خَلَفٍ عُدُولُهُ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
وينال كلهم وممن استجاب لهم مرتبةً ودرجةً، ويرتقي فيها إلى ما قُسِم له إلى ما قبل موته أو حين موته، إذ ما قُسِمَ له.
فرصة اغتنام الدرجات العالية
فالفرصة والغنيمة والإمكانية لارتقاء الدرجات في هذه المعرفة الخاصة والمدارك -التي شأنُ أصحابها علوُّ الدرجاتِ والمراتب الرفيعة في الجنات، والنعيم الذي لا يُحد ولا يوصف- الفرصة لإدراكها هي مدة المَهَلِ لنا ومدة مهلة التكليف، من حين وجود الإنسان على ظهر هذه الأرض إلى لحظة وفاته. وتنتهي هذه الفرصة الكبيرة.. للارتقاء، للاعتلاء، للاستنارة، للتزوُّد بالزادِ، تنتهي عند الموت! وما تبقى إلا تلك الآثار.
وكما سمعتم، فيه مَن تربى تربية قوية وصافية، من الأمم السابقة وفي هذه الأمة، رجالًا ونساءً..
فإنَّ فيض فضله في الناسِ ** جلَّ عن التقييد والقياسِ
طُرُقُهُ بعدد الأنفاس ** وجودُهُ جارٍ بكل حالِ
-جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-
زوال وانقضاء ظاهر الحياة الدنيا
وهذا الفضل الرباني، الذي فيه ارتقى من ارتقى من نساء ورجال، وفي أمثالهم قال الحق في قرآنه عن من كان بمكة من هؤلاء السابقين للإسلام، ومنهم مَن عجَزَ عن الهجرة.. رجال ونساء، استُضعِفوا بحكم الحِسِّ والظاهر الذي حكمه يَنفَد وينتهي ويَنقَضي -الحس والظاهر جميع أحكامه تنتهي وتنفد وتَنقَض، ولا يبقى لها بقية، إلا ما اتصل منها بحكم المعنى والباطن والروح، فهذا الذي يدوم ويستمر. وكل ما انفصل عن ذلك من جميع الأحكام الظاهرة الحسية فهي زائلة وهي باطلة وهي فانية وهي منقضية. جميع الأحكام الحسية المادية الظاهرة المنفصلة عن حقيقة الباطن والروح والمعنى: باطلة، زائلة، ضائعة، فانية، لا بقاء لها. يغتَرُّ بها مَن فقد حقيقة العقل، يغتَرُّ بها من كُتِبَ عليه الشقاء، يغتَرُّ بها من حُرِم السعادة الأبدية، يغتَرُّ بها مَن استجاب لوسوسة وتلبيس وتدليس إبليس وجنده من الإنس والجن، ويقفون عندها-، وهو الظاهر من الحياة الدنيا، الذي سمَّى الله العلمَ به: لا عِلْمَ! سمَّى الله العِلمَ به: لا عِلْمَ! وقال عن أهله: (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..) فهم في ميزان: لا يعلمون (..لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:6-7]. فلا علم عندهم! أي: فهذا الذي تمسكوا به من هذا العلم: كله منهار، منحط، زائل، منقضٍ، لا حكم له؛ إلا ما أورث من ندامة، إلا ما أورث من حسرة، إلا ما أورث من عذاب -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
نتيجة التهرب من الحقيقة!
وعندها يقولون في كل ما اغتروا به من حكم الظاهر والمادية والحِسِّ الذي سطا عليهم في الدنيا: (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة:27-29]. هذا الحكم الظاهر الذي كان متمسكا به؛ المال والسلطان..ذهب! (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ..) يتهرّب من الحقيقة؟ يتهرّب من الواقع؟ ما يُمكن الهروب (..مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة:25-29].
وأنت كنتَ وراء المال سكران والآن تقول كذا؟ أنت من أجل المال تركتَ الصلاة، أنت من أجل المال قطعتَ الرَّحِم، أنت من أجل المال سبَبْتَ الأولياء، واليوم تقول هلك عني ماليَه! (مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ)! أنت من أجل السلطان أزهقتَ النفوس، أنت من أجل السلطان استعملتَ الخديعة وخنتَ المواثيق، واليوم تقول هلك عني سلطانيَه! وبعد ماذا نعمل لك؟ (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ..) هذا يهرب من الحقيقة، هذا يهرب من الواقع! (..كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) [الحاقة:30-32].
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ..)! مَن خلقكم غيري؟ (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ..)! وتأملوا واقع الأمر! : (..أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ..) مَن رتَّبَ هذا كله؟ أمنظماتُكم؟ أم مؤسساتُكم؟ أم مجالاتُكم؟ أم أسلحتُكم؟ أم قوانينُكم؟ مَن نظّم هذا في واقع الحياة؟! (..نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ..)؟ وإذا جئتم إلى البقعة التي كنتم تعتادون فيها الرخاء وتعتادون فيها المطر وتعتادون فيها الخصب: حوَّلناها صحراء، إيش تعملون؟ من منكم يتصرَّف؟ من منكم يقدر يُحَوِّل؟ (..أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ..) تقولون إيش؟! إنا لمغرمون! بل نحن محرومون؟! (..أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ..)! -بل أنت يا رب- (..لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)! تأكلون رزقي وتشربون مائي وتخالفون أمري وتعصون رسلي وتُقَدِّمون بعضكم البعض عليَّ وعلى منهجي ووحيي!! (..أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة:57-74].
يقول الله لحبيبه: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ونقول: سبحان ربنا العظيم وبحمده، ونسأله أن يرزقنا كمال الإيمان واليقين وإدراك هذه الحقيقة.
ما هو السعي المشكور؟
-
والناس على مراتبهم في هذه الحقيقة؛ قامت السِّيَرِ الفاضلة والمساعي المشكورة المحمودة؛ كلها تحت أصلِ: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء:19]؛
-
لأنهم بنوا سعيهم على حقيقة لا على خيال،
-
بنوا سعيهم على روح ومعنى وحَقٍّ، لا على حس ومادة ووهم، هؤلاء سعيهم مشكورٌ.
-
وأما باني أمورهم على الأوهام هم الذين قال الله عنهم: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ..) هؤلاء المحصورون، هؤلاء المقصورون، هؤلاء المحبوسون في الحِسِّ الذي يتلاشى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) [الإسراء:18]. فما في سعيهم شيء مشكور، ولا في مناهجهم شيء محمود، ولا عاقبةٌ لقوانينهم ولا اتجاهاتهم في الحياة! إلا المصير إلى النار!
-
(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء:19]. ينفعهم ويدوم نفعه لهم؛ لأنه يشكرهم به الخالق المُوجِد! (فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا).
(وللآخرة أكبر درجات)
-
وكل ما جرى لهم في الحياة من إعطاء الله تعالى للراشد والغوي، للضال والسوي: (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ..) فلا يظنوا أنهم جلبوا شيئًا بأنفسهم، لا فراعنتهم ولا ملوكهم ولا الجاحدون، نحن نعطيهم وهم يغترّون ويفترون ثم ينتهون (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء:20].
-
قال في الحياة القصيرة التي جعلناها لكم زادًا وتزوُّدًا للاستعداد، جعلنا لكم فيها صورًا من الحياة المقبلة، ومن حياة الأبد؛ فاعتبروا (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ..) في الدنيا هذا. والحياة الثانية؟ : (..وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) [الإسراء:21].
-
قال أنتم ما كنتم سواء في حياتكم الدنيا في تحصيل المرادات وفي نيل المقاصد التي تقصدونها وفي مواتاة الأسباب، ومنكم الغني والفقير والصحيح والمريض. قال: وفي الآخرة كذلك (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا).
فانظروا في الحياة القصيرة ما تَفضُلُون به في الآخرة وما ترتقون به في الآخرة، فاكسبوه من خلال هذه الحياة.
من عندهم خير الدنيا؟!
وإلا فماذا استفدتم من الحياة الدنيا؟ والله خيرُ الدنيا مع:
-
من استغلها لتعظيم أمر الله،
-
للوفاء بعهد الله،
-
لتطبيق شرع الله فقط.
ومن لم يُسيّرها كذلك، فما عنده من خير الدنيا شيء.
إن أردتَ خيرها هذا الذي هو شأنُ البهائم المنقضي الزائل.. فماذا أغنى فرعون مُلكه؟ وماذا أغنى قارون ماله؟ وماذا أغنى عاد قوم سيدنا هود قوتهم؟ ماذا أغنتهم قوتهم وهم في عذاب من حين ماتوا إلى الليلة ومن بعد الليلة إلى يوم القيامة! قال الله في قوم فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46]. فماذا حصَّلوا من خير الدنيا هؤلاء؟ حصَّلوا شرَّها! ما شرَّها؟ ما أوصلهم إلى هذا العذاب، هذا شر الدنيا؛ شرُّها الذي أوصلهم إلى هذا المصير القبيح، هذا هو شر الدنيا أوصلهم إلى هذا المصير.
-
خيرُ الدنيا مع من أطاع،
-
خيرُ الدنيا مع من اتقى،
-
خيرُ الدنيا مع من تزود منها موجبات سعادة الأبد.
هؤلاء أهل الخير.
فنسأل الله حقائق الخيرات في الدنيا وفي الآخرة، إنه مالك الدنيا والآخرة، وإنه رَبُّ الدنيا والآخرة. يقول -جلَّ جلاله-: (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء:134]. قال الاثنتين حقي.. لا تذهبوا مكانا ثانيا، إن أردتها تعال إلى عندي، أنا عندي ليس فقط الدنيا وحدها، أنا ربّها وأنا رب الحياة الأخطر..الأبدية، تعال لعندي هنا، واتَّقِني.
أمَّا تريد ثوابها من عند غيري؟ اذهب هناك لغيري، ولا عاد تجد حقيقة خير الدنيا ولا خير الآخرة -والعياذ بالله تعالى- (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) قال كلها حقّي.
راحة الدنيا مع أهل الكمال
ولذا كان يقول بعض العارفين:
طلبُ الراحةِ في الدنيا مُحَال
وأرى الأُنسَ بها عينَ النَّكال
راحةُ الدنيا مع أهلِ الكَمال
-
بلال وصبره على التعذيب في مكة.. كَسَبَ به خيرَ الدنيا والآخرة، ربح به خير الدنيا والآخرة، سَعِد به في الدنيا وفي الآخرة.
-
وتغطرس أُُميَّةُ الذي كان يُعَذِّبه، كَسَبَ به شرَّ الدنيا والآخرة. في الدنيا لا نال حقيقة النعيم، وعاقبته القتل على يد بلال نفسه، ثم جحيم مؤبد! -والعياذ بالله تعالى-.
وهم ممن خاطبهم ﷺ يوم بدر: "يا فلان، يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقًا"، ﷺ "فقد وجدتُ ما وعدني ربي حقًا".
جمعنا الله به في الدنيا والآخرة، وحشرنا في زمرته، ولا خلَّفنا عنه ولا عن ركبه، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
فلنأخذ نصيبنا من هذه المواريث النبوية ومن حقائق الإيمان والعمل الصالح، ولْنسعَ السعي المشكور.
-
السعي المشكور: ما كان خالصًا لوجه الله -تبارك وتعالى-، قائمًا على حقيقة الإيمان، يُراد به وجه الله والدار الآخرة.
خطاب الله لأمهات المؤمنين
قال الله تعالى لرؤوسٍ من هذه الأمة؛ وهُم أمهات المؤمنين:
-
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا..) تتعلّقن بوهم الحسِّ والخيالات؟ فهذا شأنٌ لا يليقُ بمن نقيمه بجانب صاحب الرفعة والمقام لدينا،
-
(إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا..) لستُنَّ أهلا للمكان ولا للمكين، لستُنَّ أهلا لهذا القدر ولا لجوار هذا البدر.. اذهبنَ (..فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)،
-
وإن اتصلتُنَّ بالمعنى والحقيقة والروح وإدراك الحق: (وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:28-29].
قال أنا الذي أعددتُه لكُنَّ، تعالين اقصدنني، ورسولي معي، والمصير إليَّ، وأنا الذي أعدُّ لكم (وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:29].
لمّا تلا النبي ﷺ الآية، قال للسيدة عائشة: هذا تخييرٌ من الله أنزله عليكِ "إنِّي ذاكِرٌ لكِ أمرًا، ما أُحِبُّ أنْ تَعجَلي فيه، حتى تَستَأْمِري أبويْكِ" وتنظري أمركِ، قالت عائشة: أفيكَ يا رسول الله! أتل عليَّ قول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)"، قالت عائشةُ: أفيكَ أَستَأمِرُ أبوَيَّ؟ بل أختارُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ"! لا شور لأحد ولا رأي لنفسي ولا لغيري!
والتِّسعُ كلُّهن، كلما تلا الآية على واحدة منهن تقول له: أفيك أستأمر أبويّ؟! ما أشاور فيك أحدًا! أريد الله ورسوله والدار الآخرة!، كلُّهن التّسع مرَّ عليهنّ يقول لهنّ هذا الكلام.
لذا قال المرزوقي -عليه رحمة الله-:
عن تسعِ نسوةٍ وفاة المصطفى ** خُيِّرنَ فاخترنَ النبيَ المُقتفى
-
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ..) أنتن في مقامٍ مرموقٍ سامٍ عالٍ، يجب أن تُعطينَه حقَّه.
-
فمن أخلَّت منكنّ فعليها مؤاخذة من حضرة الربوبية أشدّ من مؤاخذة الغير! (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ..) وفي قراءة: (يُضَعَّفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) (..وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا..)
-
(..وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) [الأحزاب:30-31]. هذا من عندنا، غير أجرها مرتين، هذا أنا أعطيه من عندي. الله أكبر! أين يعطيهن؟ يعطيهن مرافقة محمد، ويدخلهنّ مساكن فوق مساكن الأنبياء، فمن دونهم! دونها مساكن سيدنا الخليل، دونها مساكن سيدنا الكليم.. من أجل الحبيب! الله أكبر! (وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)!
قواعد لارتقاء بيوت الأمة
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب:32]. وبهذا يرتب الله الأمور..
-
الأمر الأول: أنَّ للمؤمنة به مرجعيات، وقدوات، وأماكن، يجب أن يتجهوا إليها ويعلموا قدرها وحقها.
-
والثاني: أنَّ أهل هذه الأماكن عليهم أن يتأدبوا بأعلى الآداب وخيرها.
-
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ..) لا يأتي منكنّ رِقَّة الصوت عند كلام الأجانب (..فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ..)،
-
(..وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [الأحزاب:32]. اضبطن ألفاظكنّ ولا تتلفَّظنَ إلا بأمر طيِّب،
-
(وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)، لا يُفسَّر بسوء ولا يُستغَل من قِبَل سيء.
-
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ..).
-
والمَسْلَك الذي أُحِبُّه لأنبيائي وأصفيائي ومن تبعهم بإحسان هو مسلكُكُنَّ (..وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..).
-
وفوق ذلك لهُنّ ولعموم آل بيته ﷺ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب:33].
-
والمسلك لعموم الأمة؛ للارتقاء ونيل النصيب والدرجات: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ..)، بيوتكن ليست محل كلام الفجار ولا الأشرار ولا الكفار ولا الغافلين، بيوتكن يُتلى فيها كلام الله، ويُتلى فيها سنة محمد بن عبد الله.
-
(وَاذْكُرْنَ): تشبَّثنَ بهذا واعملنَ به وتفكرنَّ فيه (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) [الأحزاب:34].
-
ولعموم الأمة: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35].
ضلال واضح مبين
-
والاتجاه الصحيح والمسلك الرجيح: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وفي قراءة أخرى: (أَن تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..)،
-
(..وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب:36]. كل الضلال في مخالفة أمر الله ورسوله.. في نظام، في قانون، في اتجاه، في معاملة، في وصف، في قول، في فعل، في لباس، في أخذ، في عطاء: مخالفة أمره هي الضلال.
-
(وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) واضحٌ، إن لم يتضح لك اليوم فسترى اتضاح هذا الضلال على مستوى الأشهاد في الأولين والآخرين، وتعلَم أن لا حَقَّ إلا منهج خير المرسلين ﷺ.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا..)، يعني الصاعقة التي بين النفختين (مَّرْقَدِنَا)، فيقول الملائكة: (..هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:51-52].
-
ما معنى (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)؟ أي كل ما خالفهم من أفكار.. للهيئات، للجماعات، للدول، للشعوب: باطلٌ، الصدق مع المرسلين فقط (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب:36]. (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52]. صلوات الله وسلامه عليهم..
نماذج رجالنا ونساءنا الصالحين
رزقنا الله اتباع المرسلين، والدخول في دوائر المرسلين، وخصَّنا بخصوصية في الاتصال بسيِّدهم وإمامهم مَن به شُرِّفنا وكُرِّمنا.
وبه قامت آثار التربية في الأخيار، إلى مَن سمعتم في مثل هذه المرأة التي شيّعناها اليوم، حُشِيَ باطنها من نور "لا إله إلا الله" وسِرِّها؛ بضياء من القرآن؛ أورث لها محبة قوية لله ولرسوله وآل بيته وصحابته والصالحين، مُتَحَكِّمَة فيها.. تَحكُم أقوالها وأفعالها وتحكم سلوكها في الحياة. حكَم سلوكها في الحياة: هذا الشعور بهذه المحبة. وهكذا كانت النماذج من رجالنا ونسائنا الصالحين.
فالله يحفظ لنا هذه البضائع الغالية، وهذه الخِصال الراقية، وهذه الصِّلة بالحقيقة والحق والمعنى. ويحفظنا من الاغترار بزخرف القول والحس والمادة التي تُفَوِّت أصحابها إلى بئس المصير -والعياذ بالله-.
دعوات مباركة
اللهم اجعلنا ممن أراد وجهك الكريم، واستمسك بحبلك المتين، واعتصم بالعروة الوثقى، واتبع مصطفاكَ حِسًّا ومعنى، واجعل هوانا تبعًا لما جاء به، واحشرنا في زمرته، واملأ قلوبنا بمحبته، ولا تُفَرِّق بيننا وبينه، وأحيِي فينا سنته، وأحيِ بنا شريعته، وانشرها في مشارق الأرض ومغاربها، وأنقذ بها يا حيُّ يا قيوم أمته، وكل مَن سبقتْ لهم منك السابقة بالسعادة، أسعدنا وأكثر فينا السعداء، وانشر فينا أنوار الهدى، وأصلح ما خفِيَ وما بدا، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
04 ذو القِعدة 1446