(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 29 صفر 1437 هـ ضمن دروس إرشادات السلوك، بعنوان: حول أسرار لا إله إلا الله وحقيقتها
الحمد لله على نعمة لا إله إلا الله، نسأله أن يوسِّع حظَّنا منها، وأن يقوِّيَ أقدامنا فيها، وأن يُعمِّقَ أنوارها وأسرارها في قلوبنا، وأن يجعلنا عنده من خواص أهلها الذين شؤون العالم بأمر الحق تبارك وتعالى لهم مُسخَّرة، حتى قال عن شؤونٍ أصعب من شؤون الدنيا وهي شؤون البرازخ إلى يوم الميقات ثم ما هو أصعب منها وأعظم وهو شؤون يوم القيامة ليس على أهل لا إله إلا الله في قبورهم وحشةٌ ولا عذاب ولا يوم نشورهم، ولكن هكذا لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أهلها سخط الله ما يخونوا، كيف يخونوا ؟
ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم، فإذا فعلوا ذلك ثم قالوها قال الله كذبتم، لستم بها بصادقين، اللهم في اجعلنا في الصادقين بلا إله إلا الله محمد رسول الله، وبارك لنا في الصادقين بها من إنسك وجنِّك في الشرق والغرب يا الله، بركةً واسعة تجمع بها قلوبهم على حقائقها وتسقيهم من كؤوسها وترفع بهم راياتها في جميع الأقطار يا كريم يا غفار يا الله
وقد كان يحملها سيِّد أهلها وإمامهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ويقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فلاحُ الدارين في التحقق بحقائق لا إله إلا الله، اللهم حققنا بحقائقها يا الله.
ومن حقائقها أن ينطق بها قلب ولسان صادق على ظهر الأرض فيهتز عمودٌ في العرش، كم المسافة بين العرش والأرض!؟ ولكن الكون كلُّه كَوْنُ واحد، إلهُه واحد، والمتصرف به واحد والخالق له واحد، والمدبر له واحد، هو الواحد الله تعالى في علاه، لا إله إلا الله، اللهم حقِّق هذه القلوب بحقائقها قلوب الحاضرين والسامعين والموالينَ يا الله، واحشرنا جميعاً في زمرةِ أهلها، مع خِيارِ أهلها، تحت لواء سيد أهلها، مَن جعلتَ اسمه مع اسمك عند النطق بها وكتبته على قوائم العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله.
كم من قلبٍ تنوَّرَ حين النطق بها في ساعة فضلٍ إلهيٍ فصفى حالُه، وطاب له سَلْسالُه، وذاق مِن حضرة الحق الوصال، فيا رب انظر إلى هذه القلوب وتذكُّرِها للعهد معك يا علام الغيوب ونقِّها عن العيوب والشوب بسرِّ لا إله إلا الله محمد رسول الله.
أحيِنا عليها، توّفنا عليها، احشرنا عليها في زمرةِ كُمَّلِ أهلها يا الله، يا الله حقِّقْنا أجمعين بحقائق لا إله إلا الله محمد رسول الله، من كأسها كم سقيت مِن قلبٍ فهامَ في حُبك، وقام في مقام قربِك، فظفر منك بما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطَرَ على قلب بشر، فيا مَن أنعمتَ عليهم بذلك ها نحن بين يديك نسألك من ذلك الفيض والعطاء وذلك الفضل والجود، وذلك الإحسان والمَن، وذلك الإسداء والإنعام يا ذا الجلال والإكرام، فحقِّقنا بحقائقها يا الله، يا الله.
واجعل اللهم لرايتها ظهوراً في عالم الحس في جميع الأقطار، كما سقيتَ قلوبَ أهلها الوداد لك وفيك ومن أجلك، فبينهم من الإتحاد ما لا يُشابهه إتحاد شرقٍ ولا غرب، ولا اتحاد أوروبا ولا ما قبلها ولا ما بعدها وحدةً لا تنفكُّ ولا تنحلُّ ولا تنقطع ولا تضعُفُ ولا تهين ولا توهى أبداً سرمداً.
اللهم فبارِك لهم في هذه الصلة، وكما خفيت حقائقُها في أفكارِ وأعمالِ كثير ممن ينطق بها، حتى تباعدوا وتقاطعوا وتدابروا وتسابوا وتشاتموا وتقاتلوا بغير حق بغير صدق معك، ولعب فيهم عدوُّك لعباً جرَّاء ما نسوك ونسوا أمرَك وارتكبوا زجرَك، وأدخلوا معاصيك ديارَهم وبيوتَهم ومنازلَهم ومناسباتِهم، وبارزوك بمخالفة الشريعة المطهرة شريعتك التي بعثت بها خيرَ خلقِك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فغيَّبوا أحكامَها في كثيرٍ من معاملاتهم وشؤون حياتهم، فجرَّ علينا هذا ما وقعنا فيه وما حلَّ بنا هنا وهناك، وليس له من دواء إلا أن نستغفرك ونتوب إليك، ونسألك إنقاذَ هذه القلوب التي اغترَّت والتي أُخذت بخيوط أهل الفجور والكفر والزيغ والضلال، فيا مقلِّب القلوب والأبصار احفظ قلوبَ المسلمين، خلِّص قلوبَ المسلمين، خلِّص قلوب المسلمين، خلِّص قلوب المسلمين، أنه لما سمع بعضهم داعياً يدعو بالسلامة قال ادعُ بالخلاص، إنما يدعو بالسلامة مَن لم يقع، أما مَن وقع فيحتاج إلى خلاص، إنقاذ من هذا، يا رب خلِّص قلوب المسلمين، يا رب أنقِذ قلوب المسلمين، يا رب انزع من قلوب المسلمين ظلماتِ الوهم والضلال والكفر وظلمات الخيال الإبليسي الذي يلعب بهم، وأثبِت في قلوبهم اليقينَ بك وبما جاء عنك، وبرسولك وما جاء به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
يا من شُرِّفتَ وجُعِلت من أهلها وجئت لتستقي كأسها في مثل هذا المجلس ولتقوى حقيقتك فيها وحقيقتها فيك، ولتَّتصف بها اصدق مع الله، وأقبل بالكلية على هذا الإله، وودِّع بذلك شهر ظفر الخير واستقبل شهر سيِّد أهلها وإمام حامليها، ونورها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
استقبله بالوفاء بعهد الله، ابعد عن الخيانة، لا تخُن بعينيك، لا تخن بأذنيك، لا تخُن بلسانك، لا تخُن ببطنِك، لا تخُن بفرجِك، لا تخُن بيدك، لا تخُن برجلك، احفظ حقَّ الأمانة، احفظ حقَّ لا إله إلا الله، كُن تبعاً لمحمد بن عبد الله، في كل معاملة، في كل مقابلة، في كل مواصلة، لا توالِ إلا على أساس لا إله إلا الله، ولا تعادِ إلا على أساس لا إله إلا الله
استقبل الشهرَ المبارك الربيع بحالٍ طيبٍ مبارك زهيٍّ بديع، من الإقبال الصادق على البصير السميع، وإذا قلنا البصير السميع تهافتت كلما ما ترقُبُهُ وتخافه من أجهزةٍ ودول وحكوماتٍ ومخابراتٍ ومؤسساتٍ وصغارٍ وكبار، السميع الله، البصير الله، وأمام بصرِه وسمعِه لا قوة لجهاز، لا قوة لمخابرات،لا قوة لدول، لا قوة لشعوب وما يكونون وما يصيرون وإلى أين يصيرون، لكن هو يسمع، ولكن هو يبصر ويرى جل جلاله وتعالى في علاه، وإذا قابل الضلال بأصنافه وأنواعه أهل الصدق من أهل لا إله إلا الله، فالوحي قد نزل عندما أرسل الحق سبحانه وتعالى موسى وهارون إلى فرعون في مظهر طغيانٍ كبيرٍ على ظهر الأرض ( قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ) بما آتيت من قوىً ظاهريةٍ وجعلت من أسبابٍ تفتن بها عبادك وتعرف بها الصادق من الكاذب، فإن سلَّطَّهُ علينا تسلّط ( قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ )
ما فيها لا تخافا وأقدِّم قبلكم جواسيس، لا تخافا أجعل عندكم حرّاس، لا تخافا أُنزل أسلحة ليست عند فرعون، ( لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا ) بوحي صدقٍ ما استوحيناه من فكرٍ بشري ولا من ملابسات ونظر في شؤون الأحداث المجردة،
( إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ )
يقول إذاً إذا خرجتم عن الاستناد إلينا وإلى هذه القوى إلى من تستندون ( قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ ) الإفتتنان بمظاهر الحياة الدنيا وما يجري فيها ( قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ) هم يرجعون إلى هذا الإله وهو لي يحكم بينهم ( فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى )
فإن رأيتَ شيئاً من مظاهر المادة والرزق وتسيير الحياة فبيدِه وحده تبارك وتعالى ( الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ )
قال أنتم وحيواناتكم أنا أرزقكم ( مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) كما يقول في الآية الأخرى، والمعنى ما أنسى الحيوانات التي تنتفعون بها فكيف أنسى واحداً من بني آدم، رزقهُم علي وبيدي إذا صدقوا معي ووثقوا بي، وسأعطي كلَّ واحدٍ نصيبه من الرزق إلا من عرف من أين مصدر الرزق وآمن به وعظّم هذا الرزاق ولم يعصِه بالرزق، فله فوق هذا الرزق رزقٌ لا ينفد ولا يفنى، رزق عطاء وجود يتأبَّد ويبقى، ومن ظنّ أنّ الرزقَ من عند غيره وظنَّ أن الأسباب فيه فعّالة واستعمله بالجهالة في مخالفة منهج الرزاق جل جلاله، كان وبالاً عليه وسُوءاً ولم يأته منه إلا ما كُتِب له قليل أو كثير، لم يأته إلا ما كُتِبَ له، وليس هو بميزانٍ في الفضل ولا في الإحسان أبداً قط .. يؤتي الكثير منه مؤمناً وصالحاً ونبياً ورسولاً ووليّاً، ويؤتي الكثير منه فاجراً وفاسقاً وخبيثاً، يؤتي القليل منه مؤمناً وصالحاً ونبياً وتقيّا، ويؤتي القليل منه كافراً شقياً وعاصياً ومجرماً، يوسِّع لمن يشاء، قال، ولولا أن تفتن العقول البشرية في ضعفها لجعلت كل السعة في العالم المادي لهؤلاء الكفار لهوانها عندي، ولعظمة ما أعددت للمؤمنين ( وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )
لكن، من أين يهون الإنسان وتتسلّط عليه القواطع ؟ قال من الغفلة عني ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) وإذا تقيَّضَ الشيطان هناك مشاريع وخطط طويلة عريضة كأنها حق وصدق وهي اللي المؤثرة في الحياة (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ.. ) يقولون نحن الذين أدركنا، ماذا أدركتم !؟ سر الحياة ولعبة الأرض،، أدركتم !! هيا امشوا فيما أدركتم، إلى أين تمشون ؟ يجدون الهلكة بعد قليل .. سبحان الله ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا ) رجعوا إلى الحق يقول الواحد منهم للثاني ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ).. ما كنت تصفق له، ما كنت تمجِّده وتعظِّمه في الدنيا، قال على غير أساس كله هوس كلام فارغ ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )
اللهم اجعلنا منهم، وهم الذين قاموا بحق لا إله إلا الله، وإنا لنرجوا إهلال الشهر المبارك شهر ذكرى ميلاد نبينا أن تحيا أنوارُ لا إله إلا الله في قلوب أهل لا إله إلا الله ويردُّ بها كيد الكفار والفجار والأشرار في جميع الأقطار.
اللهم اجعل هذا الشهر المقبل علينا شهر ربيع الأول من هذا العام وشهر فرج لأهل الإسلام والإيمان ونظرٍ منك لأهل اليمن والشام والشرق والغرب يا ذا الجلال والإكرام بحق سيد أهل لا إله إلا الله ارحم أهل لا إله إلا الله، خلِّص أهل لا إله إلا الله، أنقذ أهل لا إله إلا الله، ثبِّت أهل لا إله إلا الله، تدارك أهل لا إله إلا الله يا الله، يا الله، يا الله، أريتنا آثارَ الذنوب كثيره هنا وهناك ونستغفرك لنا وللمؤمنين والمؤمنات ونسألك المعاملة بالفضل والإحسان وأنجز لنا ما وعدتنا على رُسلك، وآتنا ما وعدتنا على رُسلك، وأنجِز لنا ما وعدتنا على لسان خاتم رُسلك وسيد رُسلك يا رب أنجز، يا رب نستنجِزُكَ الموعد الكريم، يا رب وأذن بظهوره وأذن بحلول وقته، وأذن بظهور خيراته في هذا العالم يا رب العالم يا قوي يا متين يا الله، تبنا إليك، ندمنا على ما كان منا، ارحم هذه العيون فلا تعصي، وارحم هذه الآذان فلا تعصي، وارحم أعضاءنا فلا تعصي، وارحم قلوبنا فلا تعصي، ونثبت على القدم القويم والصراط المستقيم ..
اهدنا لصراط المستقيم.. اهدنا الصراط المستقيم.. اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين يا رب العالمين.. كلنا نقول لهذا الإله: آمين.
ولو علم دعاءً أفضلَ لنا وأحظى وأبرك من هذا الدعاء لجعله في الفاتحة بدل هذا الدعاء، لكن هذا أحظى دعاء وأبرك دعاء وأشرف دعاء، اهدنا الصراط المستقيم، يا ربنا اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .. آمين يا الله
فكونوا جنوداً لهذا الإله، نفِّذوا أمره، واصدقوا في العمل بطاعته، وانشروا ذلك في دياركم وعاداتكم ومعاملاتكم ومنازلكم وأصدقائكم وحيث تعملون، لا ترضوا بمعصية الرب، فإنه لا يطيق غضبه أحدٌ منكم، ولا أنتم ولا دياركم ولا ظاهركم ولا باطنكم، ما أحد يُطيق غضبة هذا الرب، فاسترضوه.. لك العتبى حتى ترضى، استرضوه بالتوبة، واسترضوه بالإنابة، واسترضوه بكثرة ذكره جل جلاله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا )... ترون الجزاء مباشرة ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)
وللرب وصف بكل مَن حلَّ نورُ الإيمان في قلبه ما وصفك يا رب ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) ما هذا الوصف للإله ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) على قدر إيمانك خذ رحمة في كل لحظة، وفي كل نفس، في المجلس هذا وبعد المجلس هذا.. خذ رحمة على قدر إيمانك من وصفه تعالى ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) أتريد مظهراً من مظاهر رحمته يلاقيك إذا رحمك ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ) سلام من أين يجيك؟ من أي جماعة؟ من أي طائفة؟ من أي ملِك؟ من أي رئيس؟ من أي حكومة؟ من أي إنسي؟ من أي جِنِّي؟ من أي ملَك؟ فوق فوق فوق فوق فوق ذلك كله، سلامٌ من... الله
أنت بنفسك يجيك منه.. سيعطيك هذا النعيم ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ ) هو الذي أعد وما هذا الإعداد ( وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ).
قال الله تبارك وتعالى لواسطة الوصول إلى هذا الإعداد ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) .. امدد حبال الوصول إلى هذا الإعداد الشريف الكريم ( وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ )
فوصِّل الناس بهذا الخبر، وبهذا الإعداد ليصلوا إلى ما أعددتُ لهم، ولذا نادانا وقال: كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال من أطاعني دخل الجنة، أنا أوصلكم إلى هذا المكان، من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.. فمعه اجعلنا أجمعين في الدنيا والبرزخ والآخرة يا رب العالمين..
جئنا نجدد إيماننا، ونقبل عليك بقلوبنا، ونرتجي رحمتك لنا، ونستنصرك للأمة، ونسترحمك للأمة، ونرجو منك كشف الغمة .. فيا خير ملجأ يا أكرم ملاذ شرعتَ لنا الاجتماع على التضرُّع إليك لترحمنا إذا أظهرنا لك ضعفَنا وعجزَنا وفاقتَنا وفقرَنا ..يا إلهي لاغني أغنى منك عنا ولا فقير أفقر منا إليك، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا تصرف أحداً من أهل المجمع ولا ممن لمجلسنا يسمع إلا ونورت قلبه يا منور القلوب وغفرت ذنبه يا غافر الذنوب، وكشفت كربه يا كاشف الكروب ونزهته عن جميع المثالب والعيوب يا الله..
أرنا في الشهر المقبل علينا خيرات كثيرة وهبات وفيرة، وأيادي ربانية رحمانية في أمة حبيبك محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تضحى بها كل عين للصالحين قريرة آمين
أزكى سناه هلال الشهر شهر** ربيع الذي ببروز الطهر فيه حُبي
أكرم بشهرٍ إذا ما هلَّ ذكرنا ** ميلاد طه وما في ذاك من عجبِ
يا مرحبا بك يا شهر السعادة إذ** ذكَّرتَنا المصطفى من عبد مطلبِ
وكل ما جاء يوم الاثنين ذكرنا ميلاد سيد الكونين، وقد قال في مشروعية هذا التذكر: ذاك يوم ولدت فيه.. ذاك يوم ولدت فيه ولنعم الصوم فيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكلنا تبنا إليك يا رب وندمنا على ما كان منا فاقبل منا تجديد التوبة، واجعلها توبة نصوحة. لا ننكث عهدها لا ننقض عقدها يا الله، لا نخلف وعدها، نثبت عليها حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا يا الله.. دفعاً للبلايا والرزايا أصلِح مَن في صلاحِه صلاحُ المسلمين، واجعلنا منهم، وأهلك من في هلاكه صلاح المسلمين ولا تجعل فينا أحد منهم يا الله.
كلنا نلحُّ على الله، ونطلب الله، ونسأل الله، ونرجو الله، وندعو الله، وننادي الله، ونناجي الله، ونقول يا الله.. أغثنا يا مغيث يا الله بالغياث الحثيث يا الله.. تدفع به شرَّ كلِّ خبيث يا الله .. فرجاً عاجلا يا الله .. لطفاً شاملا
واطرقوا باب الكريم الأكرم وقولوا للرحيم الأرحم يا الله.. يا ربي بك ومنك اجعلها قلوبا صادقة معك تناجيك بالتعظيم والإجلال لهيبتك وجلالك وطلب الرغبة فيما عندك والخوف من عذابك .. فتقول بما تعطيها من الإيمان واليقين والوجهة يا الله..
ربما لاقتك عند الوفاة فقلها بصدق يرحمك الله يا الله..
ربما أضاء نورها لك في القبر فقُلها بصدق يرحمك الله يا الله.. نعوذ بجلال وجهك أن تجعل قبر أحد منا وممن يسمعنا حفرة من حفر النار نعوذ بجلالك.. نعوذ بقدسك.. نعوذ بكرمك.. نعوذ بإحسانك.. نعوذ بأسمائك وصفاتك أن تجعل قبر أحدٍ منا حفرة من حفر النار نعوذ بك من ذلك نستكفيك ذلك
اللهم اجعل قبر كل منا ومن أهلينا وممن ودعناهم في هذه الأيام وممن نصلي عليهم ونسترحم اجعل قبر كل واحد منا ومنهم روضة من رياض الجنة يا الله.. روضة من رياض الجنة يا الله روضة من رياض الجنة يا الله.. ونلح عليك قائلين يا الله..
يا الله في شهر ربيع المقبل علينا أرنا آثار محبتك لهذا الحبيب في صنيعك بأمته يا قريب، يا مجيب، يا سميع، يا بصير، يا عليم، يا محيط، يا كبير، يا قدير، يا وهاب، يا رب الأرباب يا فاتح الأبواب، يا مسبِّب الأسباب، يا دافع الأوصاب، يا حي يا قيوم يا الله برحمتك يا أرحم الرحمين، ووجاهة حبيبك الأمين.. صل وسلم عليه في كل حال وحين وعلى آله وصحبه أجمعين والأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وعبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة
لمشاهدة المحاضرة
29 صفَر 1437