(536)
(228)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على أشائر الفضل التي تلألأ في خلال الأزمنة، والأيام والليالي وفي خواص من الأمكنة، وجلَّ الذي تفرَّد سبحانه وتعالى عن أن يحدَّه زمان ومكان، وسبحانه في اختصاصه للأزمنة والأمكنة بما شاء، ثم إطلاق شئون إرادته حتى لا يحكمها شيء، ولا يحكمها أحد، فهو الحاكم سبحانه، ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)، وهو الذي خصَّنا بالسراج المنير، هو الذي خصَّنا بالبشير النذير، وهو الذي خصَّنا بحبيبه المصطفى صاحب القدر الكبير، وهو الذي خصَّنا بحبيبه محمد، سيدنا أحمد، جامع المحامد كلِّها، خير داعٍ إلى الله، وأكرم دالٍ على الله، وأعظم محبوبٍ للمولى تعالى في علاه، هو الذي خصَّنا به وهو الذي جعلنا من أمته، وهو الذي إذا أصغت منّا أسماع القلوب إلى بلاغِه بلغت إلى ذروة القُرب ممن أرسله، وإلى ذروة الدنوِّ ممن أنزل عليه الذكر الحكيم، والقرآن الكريم، والفرقان العظيم، نزّله على قلبه عليه الصلاة والسلام، وتحدث لنا به لسانه فيُسِّر بلسانه عليه الصلاة والسلام، فهيأ الله قلوباً وألسنةً تسمع عنه وتتلقى منه، فبلَّغتنا، فما هي إلا بلاغُه وما هي إلا تلاوته، وما هي إلا أداؤه للأمانة، وما هي إلا رسالته، وما هي إلا قيامه بما كُلّف به عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: ( لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ)، (لِتُبَيِّنَ لَهُمُ)، فهو التالي، وهو القاري وهو المبيِّن، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبالإرثِ عنه يأتي أدوار (خيركم من تعلّم القرآن وعلمه ) تعلُّم القرآن الذي لا ينحصر في معنى الألفاظ ولا حفظِها، ولكن تعلُّم القرآن في الاتصال بأسرار التنزيل، من الملك الجليل جل جلاله وتعالى في علاه، واستجابة القلب لنداء الملك، والملك أرسل سيد أهل مملكته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبه عرفنا الأنبياء والمرسلين وشريف مكانتِهم، وعلوِّ منزلتِهم عليهم صلوات الله وتسليماته، وأحببنا مَن مضى مِن أممهم من الأخيار والأبرار والأطهار، مِن آلهم ومن أصحابهم ومِن مَن اتبعهم وأحبَّهم، وكل قلبٍ صدَق اللهَ تبارك وتعالى في ولائهم، وصدق اللهَ تبارك وتعالى في محبتِهم، وفرض الله علينا محبةَ كل أولئك مِن أجله، ومَن يأتي على هذا القدم إلى أن تقوم الساعة، وذلكم العروة الوثقى في الإيمان، الحب في الله والبغض في الله من أوثق عُرى الإيمان، ومظهر المحبوبين عند الله تبارك وتعالى، أن يحبِّب إليهم ما أحب ويبغِّض إليهم ما بغض، يقول سبحانه وتعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ* فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) اللهم اجعلنا من الراشدين وأرشِدنا يا أكرم الأكرمين، فضلاً منك ونعمة يا خير المنعمين، يا أرحم الراحمين، يا الله.
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)، فبما أحبوا من الإيمان، شعب الإيمان، من تزاوُر في الله، ومنه يندرج ما أن يتزاور للأحياء والتزاور للمنتقلين إلى البرزخ، وبعض الذين في البرزخ أكرم حياةً من أحياء أهل الدنيا، وأوسع وأرفع وأجلّ وأعلى وأعظم، وتلك الحياة الكريمة التي يحيونها، وعن معنى من معانيها عبّر صاحب الرسالة، وقال لنا (الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلّون)، صلوات الله وسلامه عليهم، وحشرنا الله في زمرة أولئك الأنبياء، مع سيدهم سيد الأصفياء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ويتحبَّب بمحبة الإيمان مِن شعَب الإيمان الاجتماع على الذكر، والاجتماع على التلاوة، والاجتماع على الدّعاء، والاجتماع على العلم، والاجتماع على التذكُّر، (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) فتغدون وتروحون في تنقُّل ما بين ذكر للرحمن، وما بين تعاون على طاعته ومرضاته من صلةِ أرحامه ومن إقامة صلاة أو من مساعدة فقراء ومساكين، أو من تفقُّد محتاجين أو من عيادة مرضى أو من تنبُّه من جيران أو من خلوةٍ مع الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه.
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) فكلما جاء العارضون للكفر والفسوق والعصيان، وجدوا فيكم كراهةً لذلك لا تقبلونه ولا ترتضونه، ووجدوا عندكم حصناً حصيناً مما حبب إليكم الرحمن، (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ ) ظاهره وباطنه، (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ) كل الذنوب والمعاصي (وَالْعِصْيَانَ) صغيرها وكبيرها (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) فإذا وجدتَ داعيةً من النفس أو من صديق أو مِن أخ أو من جهة من الجهات، تدعوك إلى النظر الحرام وجدت قلباً قد كُرِّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، فلا يستجيب له، يقول ما عليك ساعة بنروح إلى المكان كذا او عرض او خذ هذا البرنامج أو أُرسل إليك هذه صورة في جوالك تصادف قلباً كُرِّه إليه الكفر والفسوق والعصيان يقول لا أقبل لو طلعت مسحة في لحظة، لأن صاحب هذا القلب لو حصلت منه الزلَّة مُسحت هكذا كما حالته عندما يُعرض عليه شر يمسحه بسرعة، فيقابل هذا هذا، والخلق على طوائف .
( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) فيرتضون المجالس الذكرية، يرتضون المجالس القرآنية، يرتضون مجالس العلم النافع، يرتضون التعاون على زيارة الأنبياء، يرتضون التعاون على إحياء ليلة النصف من شعبان، وعلى إحياء جميع الليالي بما يستطيعون فُرادى وجماعات.
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ)، فشُعَب الإيمان كلها من عند "لا إله إلا الله" إلى إماطة الأذى عن الطريق، محبَّبة لهذا الصِّنف، المحبوب الصنف المهيأ للقرب، الصنف المهيأ للمرافقة، مرافقة النبيين، مرافقة الصدِّيقين، مرافقة المرسلين، مرافقة الصالحين، مرافقة أصلح الصالحين، مرافقة أطيب الطيِّبين، مرافقة سيِّد المرسلين، مرافقة خاتم النبيين، مرافقة حبيب رب العالمين، يا رب صلِّ عليه.. ما أغلاها، ما أغلاها، فهل حُبِّب إليك الإيمان وزُيِّن في قلبك؟ وصرت لا تعشق إلا سناه؟ وما من طاعة إلا وهي من نور سناه، ما من طاعة إلا وهي من نور سناه، قولية أو عملية، مالية أو نفسية، ما من طاعة إلا وهي من نور سناه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
فسيد الطائعين هو، وإمام الطائعين هو، صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ومقدّم الطائعين هو، صلوات ربي وسلامه عليه، رزقنا الله حسن طاعته، (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم ) خذ خبر المرافقة، نشره لك ربك في القرآن، لتشتاق، لترغب، ليَحن قلبك وفؤادك، ما كفاك عبرة بحنين الجذع؟ قلبك متى يحِن؟ قلبك أقرب، أولى بالحنين من جذوع، جذوع النخل وأخشاب، يرحم الله الحسن البصري إذا ذكر حنين الجذع بكى قال: "يا قوم، أخشاب تحنّ إلى رسول الله، ألسنا أولى بالحنين إليه؟" لو لمحتَ لمحة من ساعة حنين الجذع والحبيب نازل من المنبر وماسك الجذع بيديه الشريفتين وضمّه إليه، لو لمحت لك لمحة من هذا والصّحب في المسجد ما ملك أحدهم نفسه إلا ورأسه بين رجليه، يحنّون، يبكون من على يمنة ويسرة، يقول بعض اللي حضروا "فجعلتُ لا أنظر يمنة ولا يسرة إلا وكل واحد من الصحابة مُكبٌّ برأسه بين رجليه يبكون ورسول الله يخاطب الجذع ويسكّن حنينه"، وأي عيشة لحقائق الإيمان إذا ما وجدنا هذا الحنين؟ وإذا ما وجدته في مثل ذا الأشهر المباركة، وما استفدتم من رجب ولا من شعبان فأي موت في قلبك هذا يحتاج إلى نقلة إلى الحياة، ولو أصغيت وأسمعت لحَيِي قلبك، وإن كان ميِّت، (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ)، والذين نزلت فيهم مثل سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا حمزة بن عبد المطلب، نزلت الآية فيهم، (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) من أين جاءت هذه الحياة؟ هذا سمع إلى قرآن نزل عليه، وهذا أخذته الغَيرة عليه، وجاء إلى عند أبي جهل "أتسب محمداً وتؤذيه وأنا على دينه؟" بعد ما حرَّك قلبه وضميره نساء بني عبد المطلب يقولون له "ينال هكذا، ينال هكذا من ابن أخيك وينال منكم ومنكم وأنتم ما فيكم حياة؟" بدأ قلبه يحيا، خرج بغَيْرته، لِم يتعرض هذا الخبيث لمحمد بهذا الأذى وهذا السوء؟ قال لا أرضى وأنا على دينه! ما كان على دين ولكن جاءته الغيرة ومنها دخل وجاء إلى الحبيب صلى الله عليه وسلن، قال "علّمني" بدأ يأخذ منه، وراح يبيت في أفكار كثيرة من هنا ومن هناك، غدا عليه في اليوم الثاني وقرأ عليه القرآن وذهب كل شيء وصار أسد الله، وما هي إلا سنوات حتى كان سيّد الشهداء، سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وما هي إلا أيام وليالي حتى صار (إيهٍ يا ابن الخطاب ما رآك شيطان سالكا فجاً إلا سلك فجاً غير فجك) هل من خبر من أخبارهم وصلوها من غير ذا الباب!؟ من أين دخلوا من أين وصلوا إلى ذي الرُّتب؟ ما تحن قلوبكم؟ الذي وصلوا به والذي أُكرِموا به خيراته فائضة ووجاهاته واسعة، وعزّة رب الأرض والسماء ما نقص من جاهه عند المولى من تلك الأيام إلى هذه الساعة ذرّة، ولا عشر معشار ذرّة إلا ما زاد إلا ما زاد إلا ما زاد..
وبه إن أقبلتم تُكرَمون، وبه إن توجهتم تُرحمون، وبه إن توجهتم تخرجوا من مصائب هذا الأمر الدائر من الشر بين الناس ، في الالتفات إلى الوسواس الخناس، وما أتاهم به من الوسوسة في تفضيل الفانيات وإيثارها والسَّعي والركض وراءها والتقاتل عليها والتنازع عليها والتخاصم عليها، وصاحب الرسالة يحذر قال (ولو قمنا نجاهد أعداء الله المضادين لدين الله وأحدكم خرج وفي قلبه ذرّة من قصد غيرِ الله فما له من الجهاد شيء)، ( من غزا وهو ينوي عقالاً فله ما نوى)، يحذر من هذه الحركات على غير بصيرة على غير بيِّنة، ويأمر كل واحد منّا أن يضع قدمَه حيث الهُدى، حيث الصِّدق، حيث الإخلاص، حيث إرادة وجهِ الرحمن، وقُدِّم إليه السؤال "يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل حميّة، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، أيّهم في سبيل الله؟" نفاهم كلهم، وأثبت صنفاً واحداً ( من قاتل لتكون كلمةُ الله هي العُليا فهو في سبيل الله)، فأنزل الله تصديقَ ذلك في القرآن (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
محتاجين إلى الجلسات التي نجلسها صافية عن إرادةِ غير الله من قريب ومن بعيد، محتاجين إلى أنواع العبادات نقوم بها مخلصين لوجه المعبود جل جلاله لا نريد إلا هو، محرَّرين من هذه الأطماع وهذا الأسر، حبس حبس حبس، ما عرف الناس إلا حبس الدول والحكومات ولا حد قفل على حد في مكان ضيّق، محبوسين أكثرهم، في التبعية للسفليات وللأهوية ولمن لا خلاقَ له، وأمامهم المنفذ ليتبعوا حبيب الخلّاق، (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به)، أن يتخلص من الحبس تمام، يتخلص تمام من الحبس، أحدكم ما يتخلص منه لأن غير المؤمن محبوس، محبوس عن الحق محبوس عن الحقيقة، محبوس عن الرِّفعة محبوس عن العزة، محبوس عن الكرامة، محبوس عن الجنة، محبوس عن حسن الخاتمة، محبوس عن حسن العرض على الله، محبوس عن ذوق لذة العبادة وهو في الدنيا يُحرمها، محبوس، ولا يخرج من الحبس (حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)
فيذهب كل ما كان في ذهنِه من شئون هذه الحياة والدنيا ومن علم ومن عمل فداءً لتبعيةِ هذا المصطفى، في نصرة هذا المصطفى، في تعظيم هذا المصطفى، لأن ربَّ السماوات والأرض ما عظَّم مثلَه، ولا قدَّم أحدا عليه، حبيبُ ربنا كيف ما يكون حبيبَنا؟ كيف ما يكون حبيبنا وحبيب مولانا، حبيب خالقنا، حبيب رب السماوات والأرض، يارب صل عليه، واملأ قلوبَنا بمحبته.
هذه كؤوس تُدار في ذا المجامع، حضر منكم من حضر في شعب النبي هود، والله يقسم بالنصيب لكل حاضر ان شاء الله، ونستثمر أثر الزيارة في أحوالنا وأحوال الأمة ان شاء الله، يارب اكتب القبول،يا رب أنلنا غايات السول، وتسيل السيول تعم القريب والبعيد والجبل والسهول، يا حي يا قيوم.
(وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ) يعلمون ويشتكي بعضهم من كثير من بلاء الدنيا الواقع، قل له (وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ) ستعلم الحل لو قد فُقدت ذي الجموع وفُقدوا أهلها في الأمة، سترى كيف يكون حال الأمة، وسترى الشدائد اللي ستنزل بالأمة، (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ)، (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، يا كم من شر مدفوع ببركة تلك الجموع، وببركة دموع في الخلوات، لأهلها ولأصحابها، صلتهم به قوية، وسرائرهم له صافية نقية، وأحوالهم معه شريفة عليّة، بسرّ ما أودع في قلوبهم إذا قالوا يا الله رحم عباده، إذا قالوا يا الله تجاوز عن عباده، إذا قالوا يا الله رفع البلاء عن عباده، والحق تعالى يثبت هذا المعنى كما سمعنا في الآية هذه والآية الأخرى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) وأي دعاء أحقّ أن ينظر إليه قبل دعاء أهل القلوب الصافية الحاضرة بين يديه؟ فلولا دعاؤهم ولولا جموعهم ولولا وجهاتهم ما يعبأ بنا ربنا، (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) فإذا فُقد أهل هذه الحقائق، وصار ما بقي من الناس إلا حثالة، كان الحال ما قال صاحب الرسالة (لا يبالي بهم الله بالا)، فمن لهم إذا لم يبالي اللهم بهم؟ جل جلاله وتعالى في علاه.
اعلموا قدرَ المنَّة والنعمة وتوجهوا وارتبطوا بنبيِّ الرحمة، واغنموا الأيام والليالي، فإن فائضاتِ جودِ الله يصبُّها عليكم عبر الأيام وعبر الليالي المباركة، احضروا فيها بالقلوب، وادعوه في كشف ما حلّ بكم وبالأمة المحمدية، للفرد منكم في ما بينه وبينه تعالى، وللأسر والأهلين وللأمة في ما داهمها ونازلها، خيوط يقودها بها أعداءها يمنة ويسرة ويمين وشمال، شيء برز للعيان وشيء لا يزال مخفيا إلا على ذوي البصيرة، وما هناك من سبب إلا ما قال حبيب الرب (غثاء كغثاء السيل قد دبَّ في قلوبكم الوهن) ما الوهن؟ (حب الدنيا)، زخارفها، مظاهرها، صورها هذه التي ابتثت، اغراءاتها هذه التي يلعبوا بها على خلق الله، حب الدنيا، وكراهية الموت في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولابد من الرجعة حتى نحبّ الله.
(وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) يارب اهتدوا إلى هذا الخير كله، وأصبحوا في حصون من دعوات النفوس والأهواء وشياطين الإنس والجن، من أين جاؤوا به؟ قال لك (فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
يا عليم يا حكيم بفضلك ونعمتك ألحِقنا بالراشدين، وأدخِلنا في الراشدين، أرشِدنا في أقوالنا أرشدنا في أفعالنا، التبست علينا واختلطت، كثير منا أخذوا نور واختلط عليهم بالظلام، فيارب خلّصهم من الظلمة حبب إلينا الإيمان، زيِّنه في قلوبنا، كرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، واجعلنا من الراشدين، واجعلنا من الراشدين.
نستقبل ليلة النصف من شعبان برُشدٍ مع الراشدين، ويمضي باقي شعبان في رشادٍ مع الراشدين، ونستقبل رمضان برُشد، ومن استقبل رمضان برشد ما فاتته النظرة، ينظر الله إلى عباده أول ليلة، من استقبل رمضان برُشد قيل له (يا باغي الخير أقبل)، اجعلنا من الراشدين، اجعلنا من الراشدين، ومفتاح باب الرُّشد، تعلُّق القلب بحبيبِ الله، الله يعلِّق قلوبكم به تعليقاً تامّاً ويجعل لكم به رابطة لا تنحل آمين يارب، وكل الذين يسمعون يارب عطاياك بالأمين المأمون لأمَّته هنا وهناك، في الظهور وفي البطون أكرِمهم بهذه الكرامة يا مُكرم، يا أرحم الراحمين.. يا الله.
في مثل هذا الشهر نزلت الآية الكريمة، شهر شعبان ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) ما هذا الخبر!؟ هذا ليس خبر دول، الدول ما تساوي شيء، هذا خبر كبير، من عند الكبير، ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) من هو ذا النبي ذا؟ هذا الذي يدعوك للطريق هذا، هو الذي به أُرشِدت وأهدِيت هذا الذي قلت افتح قلبك له ليمتلئ بالنور، ولتدخل مداخل الراشدين، هو محمد بن عبد الله، أبو فاطمة الزهراء، صلوات ربي وسلامه عليه، أبو القاسم، أبو عبد الله الطيّب الطاهر وأبو إبراهيم، وأبو زينب ورقية وأم كلثوم، وأبو البتول الباهية بالجمال، يارب صلّ عليه..
الذي هو أولى بي وبك من نفسي ومن نفسك، اللي نحن قاعدين ما نعرف الحقيقة وما نعطيها حقّها، أولى بي وبك من نفسي ومن نفسك، (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)، بالله عليك حقق معنى الآية، أولى بك من نفسك تقدم غيره عليه؟ تهمل سنن أنت قادر على القيام بها من سننه؟ تفضّل أمرَ غيره على أمره، إي إي إي أولى بك من نفسك خير لك، ارفع نفسك واتبع هذا الحبيب، وادخل في الدائرة، ونسأل الرحمن منزل القرآن على هذا القلب الطاهر عن الأدران، قلب المصطفى من عدنان، ان نبيت الليلة مثبتين في من حبَّب الله إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم من الراشدين، آمين يارب، واشمل بهذا الخير أهالينا، اشمل بهذا الخير ذوينا، اشمل بهذا الخير أبناءنا وبناتنا، اشمل بهذا الخير من له حق علينا، اشمل بهذا الخير طلابنا وأصحابنا، يا الله، يا الله، يا الله.
وحُقَّ لنا أن نقول يا الله، ونبتهل إلى الله، ونسأل الله، ونتضرع إلى الله، ونرجو الله، وندعو الله، ونتوجه إلى الله، ونتذلل لله، ونقول: يا الله، يا الله، يا الله، نبيت الليلة وقد حبَّبتَ إلينا الإيمان، وزيّنتَه في قلوبنا، وكرَّهت إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلتَنا من الراشدين، آمين يا الله، آمين يا الله، إذا بدت استجابةُ الدعوة فيك وكرهتَ الكفر والفسوق والعصيان ذُقت الحلاوة في المجلس قبل القيام..
ما أحلى من ربك؟ فلو كرهت الفسوق والعصيان ذُقت حلاوة القرب منه، ذقت حلاوة العبادة له، ذقت حلاوة التوجه إليه، وأنت في مجلس هو رخيص؟ أنت ما عرفتَ قدرَه بعد، الحلاوة فيه، والخير فيه، وقائم إلى صلاة، هل هي يسيرة؟ هل هي حقيرة؟ كل ركعة من ركعاتها، كل ركن من أركان هذه الصلاة محل الحلاوة، محل الحلاوة، العالية الغالية، الدائمة، ولذا عرَفتها القلوب دامت عليها ما سمعت ربك يقول (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ)، يذوقوا محله في الصلاة حتى وإن خرج جسمه من الصلاة، على صلاتهم دائمون، الله يرزقنا حقيقة الصلاة، يا الله يا الله، كلما دعوته أحسن لك، ناس مر عليهم من أعمارهم 80 سنة ما حصّلوا مثل ذي الدعوة، لا هم دعوا ولا حضروا أهل الدعاء بها ، وأنت ربك ساقك وجابك ما بشطارة منك ولا بمهارة، بسابقة من الفضل وها نحن نقرع باب الوهاب جل جلاله، في ساعات فضل صبَّاب، من خيرِه المنساب لا يدخله حصر ولا حساب، قال ربنا (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) يا معطي بغير حساب، يا من يرزق من يشاء بغير حساب، يا رب الأرباب، يا مسبِّب الأسباب، يا كريم يا توّاب، يا وهّاب يا وهاب، بسيد الأحباب، ومن أنزلتَ عليه الكتاب اكشف عنا الحجاب، وحلِّنا بحلية الآداب واسقِنا من أحلى شراب، حبِّب إلينا الإيمان، زيِّنه في قلوبنا، كرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، بوجاهة الحبيب الأمين، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين، ارحم عبادَك الضعفاء المساكين، ارحم عبادك الضعفاء المساكين، ارحم عبادك الضعفاء المساكين، كن لنا بما أنت أهله، يا أكرم الأكرمين، فرِّج كروبَ الأمة أجمعين، اختم لنا بالحسنى وأنت راضٍ عنا وأكمل اليقين، يا رب العالمين..
والحمد لله رب العالمين.
12 شَعبان 1434