حقائق حفظ الله لكتابه وعجائب امتداد نوره من حبيبه إلى السعداء في الأماكن والأزمان

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 29 ربيع الثاني 1446هـ، بعنوان: 

حقائق حفظ الله لكتابه وعجائب امتداد نوره من حبيبه إلى السعداء في الأماكن والأزمان

 

نص المحاضرة مكتوب:

 

الحمد لله رَبِّ المُلك والملكوت، الحي القيوم القادر الذي لا يموت، لا إله إلا هو وحده لا شريك له.

سراية نور النبي ﷺ في الأمة

أرسل إلينا الصفوة والسيد القدوة والحبيب النَّقْوَة، سيد المرسلين وخاتم النبيين وشفيع المذنبين، موصل الخلق إلى الخالق ربِّ العالمين.

كُنَّا به خير أمة، تمَّت به النعمة، اندفعت به النِّقمة، عظُمت به المِنَن، زاحت به الفتن، جرَت مجريات جود الواحد الأحد -جلَّ جلاله- في السِّر والعلن، من قرنه خير القرون إلى حيث شاء الرحمن الذي يقول للشيء كن فيكون.

ولم يزل بهذا النور يهدي، ونعمه بواسطته يُسدي، ولم يزل يُعيد ويُبدي، حتى قضى بظهور كل مِنَّا على ظهر هذه الأرض؛ ليأخذ نصيبه مما قسَم رب السماء والأرض. ومن حُظي بالقِسم من هذا العطاء نجا وفاز يوم العرض.

 

وشاء الله -جلَّ جلاله- أن نحيا وعلى الأرض من المؤمنين والمسلمين أعداد -ولا ينقطع عنهم الفيض والإمداد- ووجدنا.. بل أوجد الله لنا وبين النور الأكبر والحبيب الأنور والسيد الأطهر؛ سلاسل قوية من الإسناد، فيها خِيَارٌ من خيارٍ من خيارٍ من الأمجاد؛ تسلسل النور فيهم بقوة وسلكوا مسلك الصدق والفتوة، فكانوا محلَّ إرث النبوة.

الحمد لله رب العالمين. 

ورأينا جود الرحمن بما يُفيض من نور سيد الأكوان على قلوب في مختلف الأماكن والبلدان (یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُ)[النور:٣٥]، في حقائق من عزة الخالق اقتضت أن يُعِزَّ خير الخلائق، وأن يُعِزَّ من دخل في دوائره من أهل السوابق من كل منيب صادق، ولله الحمد والمنة.

 

حفظ الله لدينه عبر القرون

ورأينا على ممر هذه القرون -بكل ما فيها- ممن يَكفرون ويَجحدون ويُلحدون ويُفسدون؛ لم يُستطع مَسُّ حصن الأمين المأمون. ولم يزل وعد القوي المتين له قائم، وفيض الجود منسجمٌ على المتصلين من المسلمين والمؤمنين. 

تحقق حفظ الكتاب والسنة

ولله الحمد والمنة؛ في تحقيقٍ لوعد الحي القيوم لنبيه الطاهر المعصوم، في كل ما مضى ومر من الليالي والأيام.. في حفظ الرأس؛ وهو الكتاب:(إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ)[الحجر:٩].

والكتاب في عظمته وجلاله إنما يتحقق حفظه بين الناس.. لا بمجرد حفظ ألفاظه ولا بالأوراق ولا بالحروف؛ ولكن حفظه بإشراق أنواره في صدور قال عنها العزيز الغفور: (بَلۡ هُوَ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ فِی صُدُورِ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ)[العنكبوت:٤٩]. 

فاقتضى هذا الحفظ للكتاب حفظ البيان للكتاب؛ وهي سنة سيد الأحباب ﷺ. وحُفِظت السنة من قبل أهل الفطنة وعصمة الناس من كل فتنة؛ من قلوب أشرق فيها نور القرآن، وعرفت عظمة مُنزله الرحمن، وعظمة مَن أُنزِل عليه سيد الأكوان ﷺ؛ فخدَمت السنة.. 

بل ولم يكن حفظ السنة بمجرد حفظ الألفاظ والكتب؛ ولكنها أنوار أشرقت من نور البيان لتنزيل الرحمن في قلوب أهل ذلك الصدق من خيار الخلق.

إشراق النور المبين

وإذا بالكتاب والسنة في حفظ قويٍّ متين قرنا بعد قرن وزمنا بعد زمن، وبكل ما يفعله إبليس وجنده لا يستطيعون أن يُطفئوا نور الله (وَیَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّاۤ أَن یُتِمَّ نُورَهُۥ)[التوبة:٣٢]. حتى لم يزل يُشرق في قلب بعد قلب، وأسرة بعد أسرة، وبلدة بعد بلدة.

والله يَنشر في قبيلة الزولو نور الإسلام الذي لا يزول.. صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم. والله يُشرق هذا النور في قلوب كثير في شرق الأرض وغربها؛ حتى يدخلوا في دين الله أفواجا. 

يا حي يا قيوم، حقِّق ذلك، واجعلنا من السالكين في أشرف المسالك؛ من الذين تُجري على أيديهم هذه المعطيات وهذه الامتدادات لأنوار خير البريات ﷺ، في شرق الأرض وغربها.

 يا أكرم الأكرمين، يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين: أشرق النور المبين في قلوب العباد في المشارق والمغارب، يا ربَّ المشارق والمغارب، بوجاهة محبوبك أطيب الأطايب ﷺ.

 

مظهر الهداية إلى الصراط المستقيم

وكان من انتشار هذا النور؛ مجمع عُقِدَ لكم في هذه الرِّحاب؛ متصل أقوى الاتصال بذلك الجناب، وبواسطة السند الشريف الكريم المليء بالأنجاب والأقطاب. وصار مجمعا تجتمع عليه قلوب إنس وجان، وتلتف حوله الأعداد المؤلفة من ملائكة الرحمن -جلَّ جلاله-، وصار مظهر هداية من هدايات الإله الهادي؛ بوجاهة نبيه الذي جعله في الخلق أكرم هادي، وناداه في كتابه -نِعم العليم الحكيم- قائلا لنبينا: (وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ)[الشورى:٥٢].

 وما هذا الصراط؟ هذا الذي لم يأتِ متولدا عن فكر بشر، ولا عن تفكير عقل أحد ممن صَغُر أو كَبُر، ولكن قال تعالى: (صِرَ ٰ⁠طِ ٱللَّهِ).

(وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ * صِرَ ٰ⁠طِ ٱللَّهِ ٱلَّذِی لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ)[الشورى:٥٢-٥٣].

فتبَّا لمن يظن أن غير صراط الله ينتصر على صراط الله! أو يقهر صراط الله!

 ماذا عندهم من أنظمة؟ ماذا عندهم من مناهج؟ ماذا عندهم من أفكار؟ ماذا عندهم من خطط؟ 

هذا صراط الله! هذا صراط الله جاء به حبيب الله! وهدانا الله إليه!

ونسأل الرحمن الكريم أن ينظر إلى قلب كل حاضر وسامع ومشاهد ومتعلق، وأن يملأه بأنوار هذا الصراط المستقيم؛ فيُثبِّت قلبه وقدمه! 

يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، لا تدع حاضرا ولا ناظرا ولا سامعا إلى المجمع إلا كتبت تثبيت قلبه وقدمه على الصراط المستقيم! 

يا الله: (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰ⁠طَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ)[الفاتحة:٦-٧].

وأعظِم به من صراط؛ لا زيغ، ولا اختلاط، ولا انحراف، ولا اختباط، ولا شيء مما هو عيب أهل الانحراف وأهل التكذيب بما أنزل الرحمن -جلَّ جلاله- على قلوب أنبيائه النِّظَاف! 

صلوات الله وسلامه عليهم.. من آدم إلى محمد بن عبد الله، ومن محمد بن عبد الله إلى آدم صفي الله، من جميع أنبياء الله ورسله.. صلوات الله وسلامه عليهم، وعلى جميع آلهم، وعلى جميع أصحابهم، وعلى جميع تابعيهم. ونسأله أن يجعلنا وإياكم من خواص تابعيهم في تبعية سيدهم وإمامهم ﷺ.

الارتقاء في مقامات اليقين

وأن يُثبِّتنا على هذا الصراط المستقيم؛ صراط يُخرجك من الأوهام، ويُبعدك من الظلام؛ فتصير في علم اليقين، وإذا صدَقت وثبت ارتقيت إلى عين اليقين. 

 وفي كل هذه الأزمنة التي مرت قلوبا وصلت إلى حق اليقين.. إلى زماننا هذا! 

اللهم لك الحمد، فأتمم علينا النعمة، ووفِّر وكثِّر أهل علم اليقين، وأهل عين اليقين، وأهل حقِّ اليقين، في زمننا وأهل زمننا، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين.. يا أرحم الراحمين.. يا أرحن الراحمين. 

اُخصصنا بأنوار علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.. 

وارزقنا كمال التمكين في كل مقام من مقامات اليقين،

وارزقنا كمال التمكين في كل مقام من مقامات اليقين،

وارزقنا كمال التمكين في كل مقام من مقامات اليقين.

يا الله..

التعرض لنفحات رب الأرض والسماء

هذا من خير ما يُدعى به في الأرض فيرتفع قدره في السماء، ويتصل تأمين أهل الأرض بتأمين أهل السماء؛ تعرضا لنفحات رب الأرض والسماء، استرحاما له، استعطافا له، وتذللا بين يديه، موقنين أن الأمر منه وإليه -جلَّ جلاله-، وأنه لا يعطي شيئا من هذا ولا يمنع إلا هو.

 آمنّا به وبما جاء عنه على مراده تعالى، وآمنا برسوله وما جاء عن رسوله على مراده ﷺ. اللهم فثبِّت هذا الإيمان في قلوبنا، وامنن علينا بالارتقاء في علم اليقين وعين اليقين وحَقِّ اليقين.

يا أرحم الراحمين.. يا الله

فيَا حاضر ويا سامع ويا ناظر: خذ نصيبك من جود مولاك وعطاء إلهك -سبحانه وتعالى- الذي عنده فوق رجاك ومبتغاك.. إنه الله ملك الأملاك، ومدير الأفلاك، هو المُنجِي من الهلاك كل من صدق معه من السُّلَّاك! 

اللهم ثبتنا على ما تحب مِنَّا وترضى به عنَّا، في جميع شؤوننا في ظهورنا وبطوننا.. يا الله..

طائفة ظاهرين على الحق

وكان من مظاهر حفظ الكتاب والسنة مجلى: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق…". 

ولهم مظاهر في شرق الأرض وغربها، ومنها ما أشارت إليه يد النبوة في احدى مظاهرها؛ ممن يُثبِّت الله قلوبهم: "... في أكناف بيت المقدس". 

قوَّاهم الله وكثّرهم، وعمَّم هذا النور في المسلمين الموجودين في تلك المنطقة خاصة وفي جميع المناطق عامة.

دعاء وتضرع إلى الله

يا الله.. يا الله..

تعلَّقت وتولَّعت وتشوّفت والتفتت قلوب كثير من خلقك إلى خلقك، وقلوبنا -بفضلك- متشوّفة إليك، وملتفتة إليك، ومعتمدة عليك، ومعولة عليك؛ فيّا ملك الملوك انظر إلينا، وعجل بالفكاك، ورد كيد كل كذاب أفَّاك. يا حي يا قيوم يا قوي يا متين، واجعل الحاضرين والسامعين من أنصارك وأنصار رسولك والصادقين معك في الوفاء بعهدك..

يا الله.. لا يدخل فيهم ولا في مسارهم بعد اليوم كذب، ولا كِبر، ولا غرور، ولا عُجُب، ولا غِش، ولا خيانة، ولا سوء.. يا حي يا قيوم، يا خير مسؤول وأكرم مأمول، بوجاهة سيدنا الرسول أجبنا وبلغنا ما نطلب ونقول، وفوق ما نقول.. يا بَرُّ يا وصول..

يا الله.. يا الله

أنتم العبيد المخلوقون السعيدون بهذا السيد الإله؛ فقولوا: يا الله! بتذلُّل للإله، بخضوع للإله، بخشوع للإله، بأدب مع الإله، الذي هو أقرب إلى كل واحد مِنَّا من حبل وريده! 

فقل له: يا الله.. أكرمنا في هذه الساعة بنبي الشفاعة: أن تُطهر قلوبنا تطهيرا، وتنورها تنويرا، وترزقنا كمال الإيمان واليقين.

امتداد سر حفظ الكتاب والسنة

 وكان في مظاهر هذا الحفظ من الله للكتاب والسنة وما جاء به العصمة من كل فتنة ﷺ: "يحمل هذا العلم من كل خلَفٍ عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".

وكان من امتداد سر هذا الحفظ ما قال: "ليجدن ابن مريم في أمتي قوما مثل حوارييه".

الحمد لله على هذه المِنَن.

فانظر كيف تُعامل عالم السر والعلن، وبأي خلعة تخرج من المجلس؟ أو من سماع هذا المجلس؟ حيثما كنت!

فإن فيه نفائس الخِلَع والجود الواسع من حضرة الرَّب -سبحانه وتعالى- الذي إذا تكرّم بالمغفرة لم يغادر ذنبا ولم يدع! 

إنه الله! إنه الله!

اسم مَن يُتلى عليك؟ اسم من هذا؟!

فَوْزُنا بالله!

ارزقنا صدق الالتجاء إليك، وحسن التذلل إليك، ونظرة منك يا ربنا، ونظرة منك يا ربنا.. تشمل الحاضرين والسامعين والمشاهدين والمتعلقين، ومن في ديارهم ومن في بيوتهم ومن في أصلابهم؛ حتى تُسعِد الكل وتربط كلا بسيد الرسل.. 

يا الله.. يا الله

وعجل بالفرج وارفع الضيق والحرج، وحول الأحوال إلى أحسنها يا حي يا قيوم..

ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة ** تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة

تاريخ النشر الهجري

29 ربيع الثاني 1446

تاريخ النشر الميلادي

31 أكتوبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية