(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 1 ربيع الثاني 1446هـ، بعنوان:
حقائق الإيمان وولاء الرحمن ونتيجة شهر ربيع والرغبة في الدخول فيمن يحبهم ويحبونه
لتحميل المحاضرة (نسخة إلكترونية pdf):
الحمد لله.. الواحد الخلَّاق، مُقَسِّم الأرزاق والأخلاق، المُقسِّم الأرزاق الحسية والمعنوية، القاسم لأهل كل فردٍ من أهل السماء قِسمته التي سَبَقَت بها إرادته في الأزل؛ فلا تزيد ولا تنقص.
والقاسم لكل فرد من أهل الأرض؛ من خَلْقِهِ وإيجاده، والنِّعَم الظاهرة أو الباطنة.. ما سَبَق به إرادته في الأزل؛ فلا تزيد ولا تنقص، والقاسم بين أهل البرزخ كُلُّ ما ينتهي إليه أحدهم وكل ما يصله وكل ما يناله من نعيم أو عذاب.. لا يزيد ولا ينقص، والقاسم بين كل فرد من حاضري يوم القيامة؛ ما يناله وما يُنازله في ذاك اليوم.. من أمن أو خوف، ومن قُربٍ أو بُعدٍ، ومن شقاء أو سعادة، ومن عذاب أو نعيم، ومن مرافقة للأنبياء أو بُعد عنهم، ومن مراتب المرافقة للأنبياء -صلوات الله عليهم- فيُعطاه كما قَسَم له هذا الخَلَّاق.. ولا يزيد ولا ينقص، هو الذي قسم درجات الجنة بين المكلفين الداخلين للجنة ودركات النار بين أهل النار المكلفين الداخلين إلى النار.
لا إله إلا الله!
فاعتبِر نحن قسمنا بينهم ** تَلْقَهُ حَقَّا وبالحَقِّ نَزَل
ثم إن الله تبارك وتعالى -وهو المُعطي- أجرى هذه القسمة بإرادة منه -سبحانه وتعالى-؛ على يَدِ نبي الرحمة -صلوات ربي وسلامه عليه-، وجعل درجات جميع المُقرّبين؛ على حسب ما يُجرِي إليهم سبحانه ويعطي؛ بواسطة هذا النور الأصيل، أول مخلوق، وأول مُتجَلَّى عليه من حضرة الخلَّاق -صلوات ربي وسلامه عليه-، وجعل درجاتهم عنده كَقُرب درجاتهم من حضرة عبده هذا ﷺ.
وجعل دركات أهل النار وبُعدهم عنه -سبحانه وتعالى- على قدر بعدهم عن هذا النبي، وعلى قدر مخالفتهم لهذا النبي المصطفى محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله.
ولهذا يقولون من أولهم إلى آخرهم في القيامة: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا).
وهذه نهاية كل ظالم بأنواع الظلم كان.. يتمنى أنه اتخذ مع هذا الرسول سبيلا؛ لأنه يُوقِن أنَّ كُلَّ ما نازله من البؤس والشقاء ببعده عن هذا الرسول ومخالفته لهذا الرسول (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ..) لماذا ينصّ الله على هذا؟ (كفروا) يكفي! قال: (..وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا).
فالحمد لله الذي أكرمنا بهذا الرسول، وقال فيما جاء بخبره: «إنما أنا قاسم والله يُعطي».
فنِعْمَ المعطي الله، ونِعْمَ مَن أجرى على يده القسمة عبده ومصطفاه محمد بن عبد الله ﷺ.
وقد أجرى -سبحانه وتعالى- لنا من القِسمة أن كُنَّا من أمة هذا النبي -كما سمعتم- الأمة الخيرية المُميزة عن الأمم.
وفي كل قرنٍ من قرونها وعصرٍ من عصورها أكابر يُشابِهون النبيين، ويُرافقون سيد النبيين في القيامة، «في كلِّ قرنٍ من أُمَّتي سابقونَ».
كما أنَّ في كُل قرنٍ مِن هذه القرون مَن يَبعُد عن هذا الجَناب، ومَن يُحرَم هذا الاقتراب، ومَن يُهيَّأ لشديد العذاب، مِن المخالفين والمنكرين والجاحدين والمضادين والمعاندين، ودركاتهم على قدر ما يحصل منهم في هذا الشأن وفي هذا المضمار.
فيَا من أُكرِمتم بالإسلام والإيمان وجُعِلتم في خير أمة، وشُرِّفتم بسيد الأكوان أن يكون نبيكم وإمامكم ﷺ: وصلتم إلى خير عظيم مما يخصُّ الله به عباده، وواجبكم نحوه:
أن تقوموا بشكره وبالعمل به،
وأن تُبَلِّغُوا،
وأن تحرِصوا على البلاغ والإيصال إلى هذا وذاك.
و: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ)، سُبحانهُ مجري الأفلاك ومَلِك الأملاك.. لا إله إلا هو.
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير مِلَّةِ
وتعلمون هذا الحظَّ الذي آتاكم الله، وكان في خطابهِ لنا وفيما يُلقي علينا من خالِصِ مشاعرِ عطفه ولُطفه وحنان روحه: "أَنْتُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ" ، "أنا حظُّكم من الأنبياءِ وأنتم حظِّي من الأمم" ﷺ، أي: نصيبي وقِسمي الذي قسمه الله -جَلَّ جلاله وتعالى علاه-
فنِعمَ ما قَسَم الله لنا !
لمَّا دعا الله داعينا لطاعتهِ ** بأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّا أكرم الأُمَمِ
وأكرم الأمم خيارهم في كل زمان، وأهل المراتب العُلا فيهم يكون همّهم بدينه وشريعته ومنهاجه والدعوة إليها أقوى، سواء كانوا في عالم الحِسِّ والظاهر أو بتأثيراتهم القوية الباطنية السرية.. والهَم نفس الهَم، والوجهة نفس الوجهة، وحمل الأمانة هي الأمانة، يحملها أهل الظاهر وأهل الباطن؛ في عرض أنفسهم على الرحمن للتسَبُّبِ في هداية العباد إليه، ودلالة الخلق عليه -جَلَّ جلاله- مُستجيبين لنداء خير هادٍ وداعٍ.
يقول لسيدنا علي: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النّعَم».
فخِيَارُ الناس هؤلاء: الهُدَاة الدعاة؛ الذين يَخلِفُون رسول الله ﷺ، يقومون على أساس من العلم مُسنَدٍ إليه، وأساس من الفهم قامت عليه مفاهيم القرون الأولى، وسلسلة الأخذ والتلقي قرناً بعد قرن -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.
وفيهم في كل ما يظهر: ارتداد وإلحاد وبعد وإبعاد وفساد وإفساد؛ يأتي من الحق -تبارك وتعالى- كريم إعداد؛ يُعِدُّ به من خِيَارِ العباد للمحبة والوداد؛ مَن يَرْقونَ مراقي عَزَّت وجلَّت وشَرُفَت في الدنيا والبرزخ ودار المعاد (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
وليكُن من حصيلة شهر ربيع الأول، وما تحركت به مشاعر المؤمنين بالله ورسوله؛ من ذكر النبي الأفضل، وما جاء به عن الحق عَزَّ وجل، فليكُن من حصيلة ذلك ونتيجته: تشوُّف قلوبهم بالصدق: أن يصطفيهم الحق الذي يُعِدُّ مَن أحَبَّ مِن العباد هذا الإعداد (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
وتأمَّل (يَأْتِي اللَّهُ)! مَن سيأتي بهم! مَن سيُعِدّهم؟! من سيُهيأهم؟!
الله الله الله !
ما ترغب أن تكون منهم؟!
(فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ..) وهذه صفاتهم: (..يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
(يُحِبُّهُمْ)! فازوا! فازوا! فازوا! فازوا !
وعُجِّلَ لهم من شريف الفوز ما أُعطُوا ومُكِّنوا فيه من محبته (وَیُحِبُّونَهُ)! وما حبهم إلا لاحق؛ وحبُّه هو السابق! وهو نعمة من النِّعم أنعم بها عليهم -جَلَّ جلاله-
وهذا وصفُهُم:
(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ..) ما يضرون مؤمن، ما يغتابون مؤمن، ما يغشون مؤمن، ما يسعون في شر لمؤمن! (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ..) يخدمون المؤمنين، ينصحون المؤمنين، يساعدون المؤمنين، ويرحمون المؤمنين.
(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ..) يُهدّدهم الكافر بقوته وما عنده فما يخافونه (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ..).
(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
نقولها يا رب كما قالها أوائلنا، نقولها عنَّا وعن أهلينا وعن المؤمنين في زماننا:
(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
ومن النتائج المُعَجَّلة لطوائف من هذه الأمة في مواقف مُحددة ومعينة، أن تكون النتيجة: (..فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ..).
وانظر إلى توصيات من قِبَل العليم الخبير بكل شيء يوصينا ويُعلِّمنا: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ..) والمسلك الصحيح الجميل الذي فيه العزّ لكم: (..وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
(إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ..)، وبعد ما يقول لك (فَلَا تَخَافُوهُمْ) تعصيه وتخافهم؟! تُخالفه وتخافهم!
(فَلَا تَخَافُوهُمْ..) لكن قُم بالمقابل الصحيح؛ اترك الباطل وخذ الحق (..وَخَافُونِ)، خف من مرجعك إليه، وأنه المُطَّلِع إليك، صلِّح قلبك، صلِّح وجهتك إلي، واصدق معي، (..وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وحينئذٍ أُذِلّهم لكم (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ).
(وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ..) نؤخّرهم أوقات ومُدَد معينة (..خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)؛ لتأتي ساعة هذا الظالم الغاشم الفاجر وفي صحيفته مِن قتل النفوس عدد أكبر؛ لو أُخِذ قبل ذلك لكان عدد أقل يُعَذَّب بهم، لكن يكبر عذابه.. ما عاد يجيء ساعته -التي لابد منها أن تجيء- إلا وقد امتلأ بذنوب من اليمين والشمال والفوق والتحت.. وأُعِدّ له من العذاب ما لا طاقة له به! (..إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)!
(مُّهِينٌ)! (مُّهِينٌ)! (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).
وهكذا تكون النهايات يا أهل الإيمان!
وليكُن من حصيلة الشهر: أن تتشوَّف نفوسنا لــ: قوم (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ؛ أن يتخذنا الله، وأن يصطفينا ويأتي بنا! يأتي بنا في وضع الأمة هذه وحال الأمة هذه بهذه الأوصاف: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
يغرونهم بالسُّلطات، يغرونهم بالأموال، يغرونهم بإعطاء الوظائف، يغرونهم بـ أنَّا سنُسَخِّر لكم وسنعمل لكم.. فيجدونهم أَعِزَّة؛ لا يقبلون منهم الإغراء، ولايخافون من تخويفهم بالتهديد، (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) يريدون يغيّروا رأي من آرائهم -وهو رأي قائم على منهج رباني وعلى سُنن نبوية- ما يقدرون ولا يستطيعون.
وهكذا.. قالوا لسيدنا خالد: لماذا لمَّا سقطت اللقمة وأنت مع كبار الكفار أخذتها من الأرض؟! قال: سُنَّة رسول الله! أأتركها لهؤلاء الحمقى!
الجماعة كانوا يفكرون يقولون سيستهينون بنا تأخذ اللقمة من الأرض سقطت! قال يقول رسول الله: «إذا سقَطَتْ لُقمةُ أحَدِكم، فلْيُمِطْ ما كان بها من أذًى، وليأكلْها..».
قال أأترك سُنَّته لهؤلاء الحمقى! ما عرفوا ربهم ولا عرفوا آخرتهم.. حمقى!
من أجلهم أترك سُنَّة مَن؟! العظيم! الكبير! السراج المنير! الجليل عند الجليل! أترك سُنَّته لأجل مَن؟! شرقي ولّا غربي ولّا صغير ولّا كبير ولّا هيئة ولّا جماعة؟! مَن هم هؤلاء؟! من يُساوون؟ وماذا يُساوون أمام سُنَّة الأمين المأمون!
وبتعظيمهم لسنة رسول الله عظَّمهم الله، وعظَّم شأنهم في الدارين -عليهم الرضوان-، وأخذوا من آثار هذه العظمة ولبسوا تيجانها في برازخهم، وسيُحشرون بها في القيامة (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
بذلوا جهود كثيرة ليصرفوا قلوب أبناءكم وبناتكم وقلوبكم، إلى تعظيم وظائفهم أو شهاداتهم أو دنياهم! فبالله عليكم ابعثوا في القلوب:
تعظيم ما عظَّمه الله،
وأن تدخلوا في دوائر مَن يتخذهم ويصطفيهم ويأتي بهم رب العرش (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
وحوّلوا رغباتكم ورغبات أولادكم أن تطمع في أن تدخل في دائرة مَن يتخذهم الله، ويُهيئهم ويُعدِّهم، ويُصبغ عليهم صبغة محبته -جَلَّ جلاله-، ويجعلهم أنصار دينه وأنصار نبيه محمد ﷺ.
(فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) وإن لم تدخل فيهم في خلال عمرك؛ فأمامك مستقبلك في البرزخ وفي القيامة خطير وشديد! وما أدري مع مَن تكون!
فلتكن اهتماماتنا ورغباتنا إلى ما رغَّبنا فيه ربُّ العرش مُنزِل الكتاب، وبلَّغه لنا على لسان سيد الأحباب: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
تريد تكون منهم؟ إذا عَلِم الله منك الإرادة الصادقة فتح لك الباب، و "مَنْ فتح على نفسه باب نيَّة حسنة فتح الله عليه سبعين بابًا من التوفيق"، ولا تدري إلا قلبك مُعلَّق بمحبته وبمحبة أحبابه (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، ولا تدري بنفسك إلا مُهَذَّب، ذليل على المومنين بكل معاني التواضع والاحترام والمحبة، وعزيز على إبليس وجنده من أولهم إلى آخرهم.. كل مَن يحمل راية من راياته في الإغواء والإضلال عزيز عليهم (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ..)، لأنه ما عاد بقي ميزان لهم لكلام الناس غير كلام الله، يعلمون أن القول قول الله (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ)، ولا عزيز إلا مَن أعزَّه الله -تبارك وتعالى- (..وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فتبيّنوا أمركم واستقيموا.
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا..) وقاعد مدة من الدَّرْبَكة في أفكار بعض المسلمين! حتى في مقابلة الظالم المعتدي الكافر.. تقول يمكن المسلم هذا هو تسبَّب أو أحد من جماعته! يعني بغيت تبرّر للكافر وإلا تواليه يعني؟! عقلك أين راح؟! إيمانك أين راح؟! (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ) عادك تُدافع عن ظالم منهم؟ تدافع عن معتدي منهم؟! ايش الذي لعب بعقلك وفكرك؟! وأين وصلت؟ من أين جئت؟! وأين تعلمت؟ حتى مُجرّد إنسانية وحدها! نترك الدين كله.. الإنسانية وحدها أين تروح؟! وتقف مع ظالم عنيد مجرم فاسد عدو لله ولرسوله يظلم الصغار والكبار .. تقف معه؟! تقدر تقف معه؟!
اعْقل! عاد شي عقل أو ما عاد شي عقل؟! عاد في إنسانية أو ما في إنسانية؟!
أمَّا الإيمان..! أين الإيمان من هذه المواقف! (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ..)
(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ..) هل من تهديد أكبر من هذا؟! (..وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ..) شي من مصالحه تفوت عليه أو ما أدري ايش؟! (... فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ..) يعني ناس يدّعون الإيمان .. ما عندهم إيمان، يدّعون الدين.. ما عندهم دين (أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ..) وتوجَّه الخطاب إلينا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..) كلام صدق، ما عاد فيه لف ولا دوران -على ما يقولون- ولا فيه غش ولا … (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
وفي وقت من أوقات هذا الوعد يتحوَّل فيه الأمة وفي واقعها إلى الفسطاطين كما ذكر سيد الكونين: «فُسْطاطُ إِيمانٍ لا نِفاقَ فيهِ، وفُسْطاطُ نِفاقٍ لا إِيمانَ فيهِ».
ويا رب اجعلنا في المؤمنين وفي الصادقين، وفيمن تحبهم ويحبونك، آمين، آمين، آمين.
ثبِّتنا على الحق فيما نقول، ثبِّتنا على الحق فيما نفعل، ثبِّتنا على الحق فيما نفعل، ثبِّتنا على الحق فيما نعتقد.
يا ربنا اجعل شهر ربيع الأول الذي رحل علينا شاهداً لنا لا شاهدا على أحد مِنَّا، وحُجّة لكل مِنَّا لا حجة على أحدٍ مِنَّا، يا الله.. واجعل له نتائج في أحوالنا وأحوال أمة نبيك محمد ظاهراً وباطناً، مباركات صالحات، عظيمات كبيرات، مُتناميات مُتكاثرات.. يا الله، يا الله، ولا تجعلهُ آخر العهد به، وأعِدنا إلى أمثاله في صلاح أحوال المسلمين، ودفع البلاء عن المؤمنين.
إلهنا ومن توفَّيته أو تتوفاه في عامنا فنسألك اللهم لهم حُسن المآب، وحُسن العاقبة، وحُسن الختام، وكريم العفو، وجليل المسامحة، وبرد الرضا.
يا الله.. بارك لنا في أعمارِنا، بارك لنا في وجهاتنا، بارك لنا في نيّاتِنا، بارك في أهلِنَا وأولادنا، بارك في حركاتنا وسكناتنا، اجعل رغبات القلوب أن تجعلنا فيمن تحبهم ويحبونك، ونزِّه قلوبنا عن التعلُّق بمن دونك.
يا الله .. يا الله
يا الله.. إياكَ ندعو، وإياك نرجو، وإياك نطلب، وإيَّاك نعبد، وإيَّاك نستعين، وبك نَثِق، وعليك نتوكل، وإليك نتوجه، وأنت حسبُنَا ونعم الوكيل، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ).
فخُذ بأيدينا، وأصلح ظاهرنا وخوافينا (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، يا خير الناصرين.
يا الله .. يا الله .. يا الله
وبفضلك ما وجدتَ في قلب حاضر معنا أو سامع لنا أو مشاهد لنا من انحرافٍ ومُقتضى حرمان من هذه الخيرات؛ أن تنظر إليه وتَحرِف قلبه وتَصرِف قلبه إلى الخير، وتُقوِّمه على الهُدى.
يا مُقَلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك.. بفضلٍ منك يا الله، بكرمٍ منك يا الله، بإحسانٍ منك يا الله يا الله، لا تخذلنا لأنفسنا، ولا لشهواتنا، ولقاطعٍ يقطعنا عنك.
يا حي يا قيوم بلِّغنا ما نروم وفوق ما نروم بالسيد المعصوم، وزدنا من نوالك ما أنت أهله ظاهراً وباطناً، والحمد لله رب العالمين.
30 ربيع الأول 1446