تراتيب خواص وعاة الوحي الكريم وتنزيله على الواقع وصبغ الحياة به في تحقيق ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 28 رجب الأصب 1445هـ، بعنوان: 

تراتيب خواص وعاة الوحي الكريم وتنزيله على الواقع وصبغ الحياة به في تحقيق ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) 

نص المحاضرة مكتوب:

الحمد لله الذي أكرمنا بِدَاعٍ إليه، وجاهته عُظْمَى في الدنيا والبرزخ والآخرة، ومقاماته كبرى في جميع الشؤون في الحياتين، أكرم خلق الله، أفضل خلق الله، أجمل خلق الله، أكمل خلق الله، أحسن خلق الله، أَرْسَخ خلق الله عِلْمًا بالله، ومعرفةً بالله، وخير أهل الدلالة على الله دلالة على الله، به كُنَّا خير أمة، فلكَ الحمد يا ربَّ الرحمة، وفِّر حظّنا من هذه النعمة، واربطنا به ربطًا لا ينحلُّ أبدا، واجعلنا به في الدنيا والآخرة من أسعد السُّعداء، أسعِدنا بلقائه، وأسعِدنا برؤياه والنظر إلى مُحيّاه، وأسعدنا بسماع خطابه وشريف المناجاة، وأسعِدنا بكريم القُربِ والمُصَافَاة، وأسعِدنا بالمرافقة له، يا الله .. يا الله .. يا الله .. يا الله.

  • ما يُثمر شريف المرافقة :

وكلُّ ما قُبِلَ من إيمانٍ وعمل؛ فمؤدَّاهُ: ارتقاء الدرجة في كريم المرافقة للمصطفى الأجلّ، والحبيب الأكمل ﷺ، وكلُّ ما لا يُثمِرُ رُقيَّاً وقوَّةً في المرافقة له؛ فما هو إلا على صاحبه شؤم يؤدّي إلى الّلوم، وإلى البُعد عن القوم، لا ينفع ولا يرفع، ولا يُفيد صاحبه على الحقيقة، قال تعالى: {‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} فاقسم لنا يا ربِّ بالحظِّ الوافر من العلم النَّافع، وارفعنا في رفيع الدرجات مع أهل القدر الرافع.. يا الله. 

  • بماذا يكون الربح؟

ما خرج عن الإيمان والعمل الصالح فليس له ميزانٌ راجحٌ، وليس أحدٌ من أهله برابح، وإن اغترّوا، وإن افتروا، وإن اجتروا، وإن تكبَّروا؛ فلا رُجْحَ ولا رِبْحَ لهم، في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة؛ فرَبُّ الدنيا والبرزخ والآخرة المَلِكُ الواحد الأحد، ربُّ العالمين، مُنزِل الكتاب، ومُرسِل الأنبياء الأطياب، وخاتمهم بطه سيِّدِ الأحباب.. صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله والأصحاب، ومن سار في منهجه منهج الصواب -جعلنا الله منهم- وكل مَن خرج عن منهجه خاب، كائنًا مَن كان، في الدنيا وفي المآب {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}، {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}.

 

  • الغايات الكبرى لمن أدرك الحقيقة

وما عُقِدَت هذه المجامع ولا المَوْسِمُ الكريم في شِعب النبي هود؛ إلا للزيادة من الإيمان والعمل الصالح؛ لنيلِ النتيجة في ارتقاء الرتبة والدرجة في مرافقة الحبيب المصطفى ﷺ؛ فتلكُم الغايات الكبرى لمن أدرك الحقيقة من خِيَارِ الخليقة، وهم أهل الاهتمام بالإيمان والعمل الصالح، الذي في رأسه العلم والتعليم.

 وخِيَارُ النَّاسِ هُدَاتُهُمُ ** وسواهم مِن هَمَجِ الهَمَجِ

 لا وزن لهم عند الجبار ولا قيمة، وإن ادّعوا العلوم، وإن ادّعوا الاطّلاع على أيِّ شيء من الأشياء، وقد جَهِلُوا رب كل شيء وخالق كل شيء، وخالقهم ومُكوّن أسماعهم وأبصارهم، بل والمحيط بهم والذي مرجعهم إليه.. فما أشدَّ جهلهم! وما أعظم خَيْبَتهم في مآلهم ومرجعهم! وما أَشْأَم حياتهم التي يعيشونها، وإن عاش أحدهم رئيسا، وإن عاش أحدهم مَلِكَا، وإن عاش أحدهم ثريّا، ما أشأم حياته تلك! وما أقبحها! وما أعظم ما فيها مِن همٍّ وغمٍّ وكَدَرٍ وسوءٍ، لا ينفكّ عنهم في الحياة الدنيا في دائرة المعيشة الضنك {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} -والعياذ بالله جَلَّ جلاله-

  • سيد أهل التفضيل

فالحمد لله على دواعي الخير، جعلنا الله من المستجيبينَ لها والمُلَبّينَ لندائها. ودواعي الخير: ما أنزل الله وأرسل؛ وكلُّها بفضله وإحسانه وامتنانه، وكُلّها مرتّبة تحت ما قال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} ويرجع التفضيل إلى التفضيل إلى التفضيل إلى سيد أهل التفضيل، إلى الرسول الجليل صلوات ربي وسلامه عليه.

فإنه شمسُ فَضْلٍ هم كواكبها ** يُظْهِرنَ أنوارها للنَّاسِ في الظُّلَمِ

فاقَ النبيين في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ** ولم يُدَانُوهُ في حِلْمٍ ولا كَرَمِ

وكلهم من رسول الله مُلتَمِسٌ ** غَرْفًا من البَحرِ أو رَشْفَاً من الدِّيَمِ

وواقفونَ لديه عند حَدِّهِمِ ** من نُقطَةِ العلم أو من شَكْلَةِ الحِكَمِ

فهو الذي تَمَّ معناه وصورته ** ثم اصطفاه حبيباً بارئ النَّسَمِ

مُنَزَّهٌ عن شريكٍ في مَحَاسِنِه ** فجَوْهَرُ الحُسنِ فيه غيرُ مُنقَسِمِ

دَعْ ما ادّعته النَّصارى في نبيِّهمِ **

 من الكذب، مما قالوا أنه ابن الله ومما قالوا أنه إله..

دَعْ ما ادّعته النَّصارى في نبيِّهمِ ** واَحْكُم بما شِئتَ مَدْحَاً فيه واحتَكِمِ

وانْسُب إلى ذَاتِهِ ما شئتَ من شَرَفٍ ** وانسب إلى قَدْرِهِ ما شئتَ من عِظَمِ

فإنَّ فضلَ رسول الله ليس له ** حَدٌّ فيُعرِبَ عنه نَاطِقٌ بِفَمِ

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله 

لو نَاسَبَت قَدْرَهُ آياته عِظَمَاً ** أحيَا اسمه حين يُدعى دَارِسَ الرِّمَمِ

بُشرَى لنا مَعْشَرَ الإسلام ** إنَّ لنا مِن العنايةِ رُكْنَاً غير مُنْهَدِمِ

لمَّا دَعَا اللهُ داعينا لطاعته ** بأكرم الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ

فلك الحمد يا مُولِي النِّعَم، يا ذا الجود والكرم، يا ربنا الأكرم

  • الاجتماع والاتباع لسيد الأكوان ﷺ

يا الله.. لك الحمد شكرا ولك المَنُّ فضلا، فاغمُر مَن في مجلسنا ومَن يسمعنا ويشاهدنا ويتعلَّق بنا بنُور صدق معك، يقوى به الإيمان، ويُوفَّق به للعمل الصالح في كُلِّ آنٍ، فيما يبقى لنا من الأعمار؛ حتى تَعظُم مرافقتُنا لسيد الأكوان.

في رحابه نجتمع، على حوضه نجتمع، تحت لواء الحمد نجتمع، معه في دار الكرامة نجتمع، في ساحة النظر إلى وجهك معه نجتمع، وله طول الحياة نتَّبِع، ولِمَا أوحيت إليه وإلى ما بلَّغ عنك بالقلوب والآذان نستمع، واجعلنا يا مولانا راسخي القَدم في الاتباع له، ظاهرا وباطنا؛ حتى ننالَ مِن حُبِّكَ الكنز الثمين ونرقى أعلى مراتب المحبوبين {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}

{يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ما أحلاها من الله، جاءت على لسان رسوله ومصطفاه {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وهل شيء أعظم من هذا؟ وهل شيء أكبر من هذا؟! {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الأمر قائم على اتباعه فارزقنا حُسنَ اتباعه يا الله.

وفي حُسنِ اتباعه قامت دواعي الاجتماع على: تعظيم شعائره وما عظّم -جَلَّ جلاله-، وعلى اتباع حبيبه ﷺ في ظاهر الأمر وباطنه، وعلى ترك الآثام، والتعرض للمغفرة، والاجتماع في مجامع الخير، وعَقْد مجالس الذكر وحِلَق الذكر التي هي رياض الجنة بشهادة سيِّدِ أهل النفوس المطمئنة ﷺ، مَن اختصّه الله تعالى واختاره وائتمنه، ذاكم الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} قال: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) وما الرَّتْع؟ قال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ما رياض الجنة؟ قال: (حِلَقُ الذكر)

  • من عجائب إقامة مجامع الذكر

حِلق الذكر هي رياض الجنة، تُعقدُ حلق الذكر في تلك المجامع، والتذكير، والتّنوير، والتبصير، وطَرق أبواب كرم العليّ الكبير، بأيادي كم من مُقرَّب، وكم من عارف، وكم من صِدّيق، وكم من قُطب، وكم من إمام، وكم من وارث، وكم من نبيّ، وكم من رسول، ما يُسَلِّمون على الأنبياء والرسل إلا ويُشاركهم الأنبياء والرُّسُل في طرق باب كرم الله لهم، وأبواب جود الله عليهم وعلى الأمة وعلى العالم والأكوان.

فالذين أقاموا تلكم المجامع والتراتيب وُرَّاثُ مَن أُرسِل رحمةً للعالمين؛ فوجْهَاتُهم ونيّاتهم وأفكارهم تَعُمّ العالم، ويتجاوزون ذلك في حقائق إخلاصٍ للإله المَالِك، وعجائب فيما بينه وبينهم لا يُحيط بها إلا هو -جَلَّ جلاله- وهو القائل في حديثه القدسيّ -جَلَّ جلاله-: (أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)

فلله الحمد، يا ربنا لك الحمد شكرا، ألحِقنا بالصالحين، واجعلنا في الصالحين، وأدخلنا في الصالحين {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} توفّنا مسلمين وألحِقنا بالصالحين، توفّنا مسلمين وألحِقنا بالصالحين.

  • ما أحسن أن تكون الحياة كلها لله

وفي دوائر التَّحَقُّق: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} جعلوا ما تحتاجُ إليه نفس الإنسان؛ مِن طرب، أو استبشار، أو حركة، أو غناء: ذِكرًا في ذكرٍ في شكرٍ في حضور في أدبٍ، في توسُّلٍ إلى الرحمن، في ذكر مصطفاه والأنبياء والصالحين بعد ذكر الرحمن -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-

كما تشاهدونه في هذه الأراجيز، وكما تشاهدونه في هذه الأهازيج، وكما تشاهدونه في هذه الترتيبات السَّلَفِيَّة، وتابعهم ذلك -إن كانت المناسبة زيارة، وإن كانت المناسبة عيد وإن كانت المناسبة زواج، وإن كانت المناسبة قدوم مسافر، وإن كانت المناسبة بناء بيت وإن كانت المناسبة تلاقي إخوان- وكلها معمورة بالذكر. وما يحتاجه نفس الإنسان من طرب أو حركة؛ رُبِطَت وصُبِغَت بـ: الذكر، والفكر، والشكر، وحسن العبادة.

فيَا ما أحسنها مِن تراتيب؛ لتكون الحياة كلها لله، ولا يجد الشيطان مدخل، من باب الطرب ولا من باب الغناء، ولا من باب اللعب ولا من باب القفز ولا من باب الحركة، ويُغفلك ويغفل قلبك عن الرَّب، أو يُزَيّن لك شيء مما حرم عليك الإله! كما يفعل في بني آدم كثير، فرتّبوا السَّلَف لأتباعهم.. قالوا فرحكم وغِناكم ولعبكم مربوط مصبوغ مَطوي بالنور، في طريق الهدى والخيور، ما عليكم من الشرور ولا من الداعي إلى الشرور عدو الله، وكل ما يُزَيِّن للغافلين والفاسقين.. فجزاهم الله خير الجزاء

  • منهج نفع العباد لنيل رضوان الله

وما أحسن ما قدَّموا من نَفعٍ للعباد والبلاد؛ لأنهم أخذوا منهج عن خير العباد يقول لهم: (الخلق كلهم عيال الله وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله) فخدموا العباد والبلاد بالقلوب والأرواح والعقول والوِجهات والنيَّات. وكل ما رفع الله أحد منهم مقام خدم بهذا المقام أهل بلاده، وخدم بهذا المقام أهل زمانه، وخدم بهذا المكان أمة محمد بما قدر عليه، وكل مَن رفعه منهم درجة خدم بهذه الدرجة من أهل زمانه وأهل بلاده والمؤمنين والأمة المحمدية، يطلبون نفع الأمة؛ لِنَيل رضوان الرَّبّ الذي يُحِبُّ من عباده نَفْعَ عِبَادِهِ -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- فما أعظمها من مسالك سلوكها، ومناهج انتهجوها…

وأنتم على أبواب تلكم المسالك، لمن أراد أن يسلك مع كل سالك، لمن أراد أن ينجو من المهالك.. فيَا ربِّ ما قطعنا عنها من الأوهام والخيالات والضلالات والظلمات والانحرافات.. اقطعها عنَّا، وأبعدها مِنَّا، وزحزحها عن قلوبنا وعن أفكارنا، حتى يَثبُت القدم على القدم في السبيل الأقوم، ونمشي في تلك الطريقة مع خيار الخليقة مستمسكين بالعروة الوثيقة مع مَن:

ثَبَتُوا عَلَى قَدَمَ الرَّسُولِ وَصَحْبِهِ ** وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ فَسَلْ وتَتَبَّعِ

ومضوا عَلَى قَصْدِ السَّبِيلِ إلى العُلا ** قَدَمًا عَلَى قَدَمٍ بِجِدٍّ أوزعِ

رجال إلى الرحمن ساروا بهِمَّةٍ ** على الصدق والإخلاص من غير عائقِ

فَنَالُوا الَّذِي كُلُّ الْمَطَالِبِ دُونَهُ ** فَلِلَّهِ مِنْ عَيْشٍ كَرِيمٍ وَرَايْقٍ

صِفهُ لنا.. هو وظيفة؟ أو مُرَتَّب؟ وإلا دولارات؟ ما الذي عندهم؟

دُنُوٌّ وتقريبٌ وأنسٌ بحضرةٍ ** مُقَدَّسَةٍ في منتهى كُلِّ سَابقِ

نعيم أبدي، وإفضال سَرْمَدِيّ، وسعادة دائمة، جود من جود البر الودود -سبحانه وتعالى-

على نفسه فليبكِ مَن ضَاعَ عمرهُ ** وليس له منها نَصيبٌ ولا سَهْمُ

فالله يقبلنا في هذه الخاتمة لهذا الشهر، والذكرى لإسراء ومعراج نبينا محمد ﷺ ..

  • لقد رأى من آيات ربه الكبرى

من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى السماوات العُلا، إلى ما قال -جل جلاله-: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ} قال: (ورُفِعتُ إلى مستوى سمعتُ فيه صريف الأقلام) تكتب في اللوح المحفوظ، ودون هذا ما قدر يتقدم سيدنا جبريل الأمين، وجبريل وحده؟ ملايين الملائكة ما يقدرون يتجاوزون هذا المقام، بل قال له تنتهي علم الخلائق إلى هنا يا حبيب الله.. وأنا ما أستطيع أتقدم بعد هذا، لو تقدَّمت احترقت وأنت أُذِن لك، إن تقدمت اخترقت فاصعد كما دعاك ربك -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-

وقال سبحانه وتعالى بعد ذلك في ذكر السِّدْرَة: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ} وهذه الأنوار والغشيان للتجلّيات قال ثبَّتت حبيبي.. قلبه وبصره {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ}، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ} يا خير فؤاد ويا خير بصر لزين الوجود {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، {لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ} قال سيدنا ابن عباس: يعني من جملة آيات ربه رأى الكبرى، أي: أكبر واحدة في آياته هو اللي رآها {لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ} أكبر واحدة هو رآها ﷺ وغيره ما رآها 

فسَمِعتَ ما لا يُستَطَاعُ سماعه ** وعَقَلْتَ ما عنه الورى قد ناموا

من حضرةٍ قُدْسِيَّةٍ علوية ** قد واجهتك تحيَّةٌ وسَلَامُ

ودنوتَ منه دنو حقٍّ أمره ** فينا على أفكارنا الإبهامُ

ما للعقول تصوُّرٌ لحقيقةٍ ** يأتيك منها الوحي والإلهامُ

الله أكبر ما بلغتَ لرُتبَةٍ ** إلا ونادتك المرام أمامُ

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. 

أسرى به الحق -جَلَّ جلاله- وقدَّمه على رَكبِ النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، وقال:

وأنت تخترق السبع الطباق بهم ** في موكب كنت فيه صاحبَ العَلَمِ

حتى إذا لم تَدَعْ شأواً لمُسْتَبِقٍ ** من الدُّنُوِّ ولا مرقى لمُستَنِمِ

خفضتَ كُلَّ مقام بالإضافة إذ ** نُودِيتَ بالرَّفعِ مثل المُفردِ العَلَمِ

وبِتَّ ترقى إلى أن نلت منزلةً ** من قَابَ قوسين لم تُدرَك ولم تُرِمِ

 وقدَّمتك جميع الأنبياء بها ** والرُّسل تقديم مَخْدُومٍ على خَدَمِ

صلوات الله على سادتنا الأنبياء والمرسلين، وارزقنا موالاتهم فيك ومحبتهم فيك ومن أجلك، واجعلنا من خواصِّ أتباعهم، وأهل حسن اتباعهم، واعمر بحسن اتباعهم ديارنا ومَن في ديارنا، واعمر بهم أطوارنا كلها وأحوالنا، وأقوالنا وأفعالنا، ومقاصدنا ونيّاتنا.

  • طلب الاجتماع في دائرة الحبيب الأعظم ﷺ

يا فاتح أبواب الجود أيدي الفقراء امتدت إليك يا ودود، تسألك بزين الوجود والنبي هود، والأنبياء الملائكة وأهل الشهود، من المُقرّبين الركع السجود، الموفين بالعهود: أن تدخلنا في دوائر المحبوبين من أهل الشهود الأسنى، وأن تتولانا بما أنت أهله في الحسِّ والمعنى، وأن لا تجعل فينا ولا معنا ولا بيننا إلا مقبولا، مُعطىً من الفضل عطاءً جزيلا، مُتّصلا بحبيبك اتصالًا جليلًا، يقوى على كل لمحةٍ ونفسٍ سِرُّ ارتقائه وارتقائه والمرافقة لسيد المرسلين وخاتم النبيين.

يا أكرم الأكرمين: اجمعنا ومَن أحبنا فيك ومن أحببناه فيك في دائرة الحبيب الأعظم، اللهم اجمعنا وإيَّاهم أجمعين في مرافقة النبي الأكرم، اللهم وفِّر حظَّنا من الحضور في حضرته، والنّظر إلى طلعته، ومشاهدة جمالك الأسنى في غُرَّتِهِ، اللهم أتحِفنا بقربه ومودَّتِهِ، وبحقائق محبَّتِهِ، وأكرمنا بشريف مواصلاته، وكريم مناجاته، وقوِّنا بذلك على الرُّقي في مراتب لذة المناجاة لك، ولذة الشهود لك، وأسعدنا بما أسعدتَ به المحبوبين يا رب العالمين.

  • نستنصرك يا الله !

يا ربنا وفي هذه الذِّكرى انظر إلى بيت المقدس، وأحواله وما فيه، انظر إلى ما حوله من غزة والضفة الغربية، وبقيَّة الأراضي في عسقلان وما حواليها، نظرة رحمة يا رحيم، نظرةَ غِيَاثٍ يا مُغيث، نظرة كرم يا كريم، نظرة إحسانٍ يا مُحسِن، نظرة نصر للحق والهدى يا خير الناصرين، نستنصرك يا الله، نستنصرك يا الله، نستنصرك يا الله، فانصرنا وأهل الحق والهدى في جميع مشارق الأرض ومغاربها، وزِدْ إنعاما على المجاهدين في أكناف بيت المقدس وما حواليه، فلا تجعل في قلب أحدٍ منهم قصدًا سوى أن تكون كلمتك هي العليا، سوى أن تكون كلمتك هي العليا.

يا الله: وجميع القلوب المخلصة لوجهك في شرق الأرض وغربها قوِّها إيمانًا، وزدها إحسانا، وأمِدّها بالتوفيق للعمل الصالح، سرًا وإعلانا، واجمعها بعد التفرق والشَّتَات على رغم عدوّك إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن.

يا حيُّ يا قيوم، يا قوي يا كريم: اجعل لنا في خاتمة هذا الشهر وفي مجامع تلك الزيارة وفي وجهة المتوجهين من القلوب الطاهرة من أهل أرضك وسمائك إليك نصرًا لأهل "لا إله إلا الله"، غياثًا لأهل "لا إله إلا الله"، جَمْعًا لشمل أهل "لا إله إلا الله"، دَفْعًا للبلاء عن أهل "لا إله إلا الله"، نَصْرًا عزيزًا مؤزَّرًا، من نصرك الذي بيَّنته لنا في كتابك وخاطبتَ به سيد أحبابك وقلت له: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}

{وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}

{وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}

نصرك هذا يا الله، نصرك لهذا الحبيب يا الله، أبرِزه فينا، أبرِزه في المسلمين في غزة، أبرزه وأظهره في المسلمين في الضفة الغربية، وفي أكناف بيت المقدس، وفي شرق الأرض وغربها، يا خير النَّاصرين، فإنا نستغيثك فأغِثنا، وأنت القائل لأوائلنا: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} وها نحن من بعدهم نستغيثك فاستجِب لنا، نستغيثك فاستجِب لنا، نستغيثك فاستجِب لنا، أدِم الحفظ لحضرموت من سلطة الكفار والفجار والأشرار، ورُدَّ كيدهم عنها وعن أهلها في السرِّ والإجهار، يا قوي يا عزيز يا غفار، ويمننا وشامنا، وشرقنا وغربنا، يا قهَّار.. يا قهَّار، يا شديد البطش ابطش بأعدائك وأعدائنا، يا الله اجعل أعداءنا أعداء الدين كعصفٍ مأكول، اجعل أعداءنا أعداء الدين كعصفٍ مأكول، اجعل أعداءنا أعداء الدين كعصفٍ مأكول، يا حيُّ يا قيُّوم، يا بَرُّ يا وصول، بوجاهة سيدنا الرسول يا الله.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}

{رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}

{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}

يا الله.. يا الله..

واحفظ جميع الزائرين في ذهابهم والعود، في الغيب والشهود، واكتب لهم القبول ونيل القصود وفوق القصود، ممَّا أنت أهله يا بَرُّ يا ودود..

يا الله .. وحاجاتنا وحاجات الأمة نرفعها إليك، متذللين بين يديك، متوجهين بالمحبوبين عندك إليك، يا الله.. سائلينك بوجهك الكريم، وأسمائك وصفاتك وذاتك، وكتبك ورسلك والصالحين من عبادك، فأغثنا وانصرنا، وانظر إلينا يا قريب يا مجيب

يا الله.. نتوجه جميعا إليك بكُلّياتنا، ونُناجيك ونُخاطبك موقنين أن أمرنا وأمر الأكوان كلها والعوالم كلها بيدك وحدك، مُستغيثين، مُستنصرين، راجين، طامعين، خائفين، مؤملين فضلك وإحسانك، قائلين:

 يا الله يا الله.. يا الله يا الله.. يا الله يا الله.. يا الله يا الله.. يا الله يا الله

ارحم هذه الأمة، خلِّص هذه الأمة، أغِث هذه الأمة، أنقِذ هذه الأمة، اكشف الكرب عن هذه الأمة، بنبيها نبي الرحمة، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.. والحمد لله رب العالمين.

 

 

العربية