(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 24 صفر الخير 1443هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
تجلِّي الرحمن بحبيبه وعبده وسراية آثار رحمته في الأكوان ونتائجها يوم الحُكمِ من الدَّيَّان
الحمدُ للهِ نورِ السَّماواتِ والأرض؛ مُظهِر انجلاء هذا النُّور وتجلِّيه في سيِّدِ أهلِ السماوات والأرض يومَ العرض، يوم يكون فيه الأوَّلون والآخَرون مجتمعون، والحَكَمُ الحيُّ القيُّوم الذي يعلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعلِنُونَ، والشفيعُ الأعظمُ الأمينُ المأمون، لواؤه يعلو على كُلِّ لواء، ورايتُه فوق كلِّ راية، وغايتُه ليس لها نهاية.. صلوات ربي وسلامه عليه..
من بداية حركة يوم الحُكم أوَّل مَن تنشَقُّ عنه الأرض، مِن بدايةِ حركة يوم الحُكم هو المُقَدَّم، هو الأوَّل، هو المُعَظَّم، هو المُفَضَّل، هو المُخَصَّص، هو المُمَيَّز، هو الذي أحبَّته حضرةُ الإله، هو مُجتَبَاه ومُصطَفَاه.. صلوات ربي وسلامه عليه، ثم يُنشَرُ له (لواء الحمد) ويَستَظِلُّ به كلُّ نبي وكل صِدِّيقٍ وكل شهيد وكل صالح من الأولين والآخرين (ولواء الحمد بيدي يوم القيامة آدم فمَن دونه تحت لوائي) صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
عبدٌ السَّيِّدُ مَيَّزَهُ وكرَّمَهُ وأَعَزَّهُ وعَظَّمَهُ على مَن سواه؛ فهو الشفيع والحبيب للإله.. صلوات ربي وسلامُه عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى ساداتنا آبائه وإخوانه مِن أنبياء الله ورسله الذين هم أعرَفُ الخَلْقِ به؛ فلا يعرفه في البرية مثل أهل النبوَّة ويليهم الصِّدِّيقون من الصَّحبِ وآل البيت الطَّاهر ومَن تبعهم بإحسان، فمعهم ذرَّاتٌ من معرفة خير البريات، أمَّا حقيقته فلا يحيط بها إلا مَن اصطفاه، إلَّا مَن اختاره، إلَّا مَن انتخبه، إلَّا مَن قدَّمه، إلَّا مَن عظَّمه، إلَّا مَن كرَّمه، إلَّا الإلهُ الحقُّ -جلَّ جلاله- صلوات ربي وسلامه عليه.
وأنتم في سِرَايَةِ أنوارِه وهدايته ومَنزِلَتِهِ عند ربِّه تتنعَّمون بــ "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وتتنعَّمون بالجلوس بين يدي ربِّه وإلهه، ويقبلكم به وبمتابعتِه، بل ويفتح لكم خزائنَ محبَّته، وهو "الله"! وهو "الله"! وهو "الله"! محبَّته! ويَا فوز مَن أحبَّه "الله" -جلَّ جلاله-، وهو القائل فيما أوحاه إليه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ..}
هل شعُرَ قلبُك وروحُك وسرُّك بـمعنى {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}؟! هل سمعت أذنُ قلبِك هذا؟ والله لو سمعت لَطَرِبَت وسَكِرَت {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}، كُلُّ المتولِّين عن طاعةِ الله والرسول بما فيهم من مفكرين وعباقرة ومخترعين بكل ما خالفَ الله ورسولَه وهم في هذا المسلك لا يحبهم وهم الكافرون {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} هذا صنف كفر لا يحبهم فاطرُ السماوات والأرض، لا يحبهم ربُّ العرش، لا يُحبُّهم حاكمُ يوم القيامة.. فمن لهم؟! أتغني عنهم صواريخُهم؟ أم تغني عنهم طائراتُهم؟ أم تغني عنهم أسلحتُهم؟ لا يحبهم "الله" {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فمن لهم؟ لهم النار، لهم الغضب، لهم الخزي، لهم الهُون..
وهذه نتيجة حتميَّة لكل مَن خالفَ اللهَ ورسولَه -كائنا مَن كان- إنسي أو جني، قريب أو بعيد، في القرن الحادي والعشرين ولا في القرن الأول ولا ما قبله وما بعده، كُلُّ مَن خالف اللهَ والرسولَ هيِّن ذليل حقير ساقط لا يحبهم الله.. فمَن لهم إن لم يحبهم الله؟ -جَلَّ جلاله-
لكن أتباع "محمد" قال لهم: {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}.
ومِن سِرِّ محبَّتِهِ عطرهم شَذِي في الوجود، كل الذين آمنوا بالحبيب واتَّبعوه.. من صحابته والتابعين وتابع التابعين إلى شيوخنا الذين أدركناهم.. عطرهم شَذِيّ في الوجود، وذكرهم مرفوع على رغم كُلِّ جحود، على رغم كُلِّ كابر عنود؛ ذكرهم مرفوع، وبهم تستضيء القلوبُ ويشع ويُشرِق فيها النورُ فضلًا مِن العزيزِ الغفور.
هذا الشأن ونحن في عالمِ الحجاب من وراء الأستار فكيف إذا جاءت الغرغرة أو وصلنا البرازخُ أو رُفِعَ السِّتار في يومِ العرضِ على الكريم الجبَّار؟! – جَلَّ جلاله-
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} كُلُّ العلائق التي بينهم -على وصفٍ تقوم بأيِّ صورة- مَردُّها ومآلُها: {يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي..} ما نزَّل الله على محمد {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} {لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي..} ولا ينفع تبَرِّي بعضهم من بعض ولا بعضهم بعض..!
إنَّنا أتباعُ محمد؛ كلُّ متبوعٍ يعتني بشأن أتباعِه ويحبهم ويحبونه، وكُلُّ ذي وجاهةٍ منهم عند الله يسأل عمَّن اتصلَ به ويتشفَّع فيهم، ولكن أتباع إبليس يتبرَّأُ بعضُهم من بعض، ويلعنُ بعضُهم بعضا {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} قالوا تعاهَدنا، قالوا تآخَينا، قالوا تعارَفنا، قالوا مواثيقنا {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا..} كانوا أتباعاً يُقَدِّسون هؤلاء ويمشون تحتَ أوامرهم {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} هل من رجعة لنا للدنيا فسنرفسهم، ونمحقهم، هؤلاء كذَّابين كذبوا علينا.. عادَينا ربَّنا ونبيَّنا والصالحين مِن شأنهم.. كذابين! خرَّبوا علينا حياتَنا وآخرتَنا الدائمة {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ..} هل تشكُّ أنَّ كلَّ ما يعملونه في تلك الدائرة الكفرية ترجعُ حسرةً عليهم؟ {كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}
كما لا يستطيعون في عالم الدنيا أن يخرجُوا من تحت سقفِ السماء ولا مِن فوقِ أديمِ الأرض أيقدرون يخرجون؟ {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}
"محمد" نَفَذ حتى جاوزَ السَّبعَ الطِّباق ووصلَ إلى حضرة الإطلاق؛ صار الكلُّ تحت، الأرض تحت، الكواكب تحت، الفضاء تحت، السماوات تحت، سدرة المنتهى تحت، العرش تحت، الكرسي تحت، كل العوالم تحت؛ صَعَد فوق الكل..
خفضتَ كلَّ مقامٍ بالإضافة إذ ** نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَم
فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشْتَرَكٍ ** وجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ
وَجَلَّ مِقْدارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ ** وعزَّ إدْراكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ
صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله..
وقدَّمتكَ جميعُ الأنبياءِ بها ** والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَم
وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ ** في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَمِ
حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْواً لمُسْتَبِقٍ ** من الدنوِّ ولا مرقىً لمُسْتَنِمِ
خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بالإضافة إذ ** نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَم
صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله..
صاحبُ هذا المقام سَيَهِلُّ علينا ذكرى ولادته في الأرض وبروزه على ظهر الأرض.. فيَا سَعدَ الأرض ويا سَعدَ السماء. لِمَ؟ لأنه حبيبُ ربِّ الأرض والسماء، مختارُ ربِّ الأرض والسماء، صفوةُ ربِّ الأرض والسماء: محمد الأسمى..
وإنَّا لفَرِحُون بذكرى شهرِ ميلاده، ونُوقِنُ أنَّ هذا الفرحَ مِن خالصِ توحيدِ ربِّه، ومِن خالصِ الإيمانِ بإلهِه، ومِن أقوى الصِّلاتِ التي إذا قال ( أنا لها) كُنَّا قريبين منه، ومِن أقوى أسبابِ أن ننالَ مَنزِلاً تحت (لواء الحمد)؛ فرحُنا به، وبذكراه، وبأخبارِه، الدائمُ المستمر وعند الدَّواعي المخصوصة بشأنٍ وشكلٍ ومظهرٍ وقالبٍ مخصوص، إن جاء ذكرُ هِجرتِه فرِحنا، وإن جاء ذكرُ ميلادِه فرحنا، وإن جاء ذكرُ إسرائه ومعراجِه فرحنا، وإن جاء ذكر بعثتِه ونزول الوحي عليه فرِحنا، وإن جاء ذكرُ خصوصيَّاته في حجَّةِ الوداع فرِحنا، وسنعيشُ على الفرح به؛ موقنين أنَّه مِن عينِ توحيدِ الله، ومِن عينِ الإيمانِ بالله، ومِن حقيقةِ الصدقِ مع الله، ومِن أعظمِ الزَّادِ للقاء الرحمن -تعالى في علاه-؛
وبذلك أعلَنَ أهلُ القلوب الحَاضَرَةِ في حضرة علَّام الغيوب:
مَعْنَا فَرَح بالنَّبيِّ عسى علينا يَدُوم
يَا مَرحَبَاً شهر رحماته علينا عُمُوم
شهر العَطَايَا الجزيلة والمِنَن والعلوم
نحن في أسبوعنا لا يأتي أسبوعنا الآتي إلا ونحن داخل شهر ميلادِه في ربيع الأول..
يا رب افتح لنا فيه أبوابَ النصرِ والتأييدِ والصلاحِ والفلاحِ وإنقاذِ الأمة ممَّا حلَّ بها مِن البلايا والآفات والرَّزايا يا رب، فإنك عقدتَ لنا بواسطته مجامعَ ندعوك فيها ونسألكَ فيها ونرتجيك فيها، وأنت الذي أوحيتَ إليه يُبَلِّغُنا فضلاً منك وكرَما {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} ودعوتموه؟ وقلتم له:
عَجِّل برفعِ ما نَزَل أنت رحيمٌ لم تَزَلْ ** مَن غيرُك عزَّ وجل ولَاطِفٌ بالعالمين
وسألتموه ودعوتموه؛ وحاشى أن يخيِّبكم وهو الذي وفَّقكم..
اقبلنا يا رب بأعلى وأسنى وأوسعِ قبولٍ قَبِلتَ به مَن دعاك..
يا مجيبَ الدَّعوات، يا قاضي الحاجات: نوِّر قلوبَ الحاضرين والسامعين نوراً يزدادُ إشراقُه، وينفتح به في كُلِّ خيرٍ إغلاقه، وتعدّنا فيه فيمَن يكونون في رِفَاقه..
يا الله .. يا الله
أنت الذي أرسلتَه بالهدى ودينِ الحق وأرسيتَ لنا أنوارَ دلالتِه عليك طبقةً بعد طبقة وحلقةً بحلقة في سلسلةٍ نورانيَّةٍ مباركةٍ قُدسِيَّةٍ حتى نَعِمنَا بشهادةِ أن "لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله"؛ فحَقِّقنا بحقائقِها، واجعلنا مِن خواصِّ أهلها، واسقِنا كؤوسَ حقائقِها ومعانيها، وشيِّد لنا مبانيها في كُلِّ قولٍ نقولُه وفعلٍ نفعله ووِجهةٍ نتوجَّه بها إليك؛ حتى لا تختمَ عُمرَ حاضرٍ ولا سامعٍ إلَّا بـــ "لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله"..
يا الله.. سألناك، رجوناك، أمَّلناك، يا مَن لا يخيِّب مَن رجاه، ولا يَرُدُّ دعاءَ داعٍ دعاه..
يا الله.. يا الله
لولا سِرُّ تجلِّي اللهِ عليه وتخصيصُه بهذه الخصائصِ التي بَقِيَت بها في هذه الأمة هذه الخيرات لمَا غبطَتنا ملائكةُ السماوات على هذه المجالس، ولَمَا ما تداعَت إليها تحفُّهم بأجنِحتِها إلى السماوات، ولمَا قال الله لهم: (ماذا يسألوني؟ ومِمَّ يستعيذون بي؟ وممَّا يطلبوني؟ وهل رأوني؟) ينشرُ اللهُ لنا الفضل -لولا عنايتُه ولولا بعثتُه لهذا الحبيب- ما أدركنا مِن هذا شيء، ولا ذرَّة؛ لكنكم في دائرةِ كرمِه، في دائرةِ جودِه تجتمعون بين يديه في دائرةِ حبيبِه ومصطفاه وتقولون " يا الله "..
أيُّ المجامِع يساوي هذه المجامع؟ مجامِع مَن! إنس أو جن في غرب أو في شرق!
وإذا انكشفتِ الستارةُ عرفتم قدرَها، وعَظُمَ أمرُها وشأنُها عند ربِّها -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-!
يا رب في الذاكرين احشُرنا، في المتحابِّين فيك احشُرنا..
سيدي ومولاي: عبدُك الصادقُ خيرُ الخلائق قال: (ليبعثنَّ اللهُ أقوامًا على وجوهِهم النور على منابرِ النور على منابرِ اللؤلؤ يغبطُهم الأنبياءُ والشهداءُ، ليسوا بأنبياءَ ولا شهداء، قالوا يا رسول الله حلِّهم لنا نعرفُهم؟ قال لهم: المتحابُّون في الله مِن بلادٍ شتَّى وقبائلَ شتَّى يجتمعونَ على ذكرِ الله فيذكرونه) فنسألكَ بِك وبرسولِك وبإرسالِه إلينا وبمحبَّتك له ومحبَّته لك أن تجعلَنا ممَّن أرادَهم وأردتَهم بهذا النبأ والخبرِ يا حيُّ يا بر، يا ذا العطاءِ الأكبر، ومعهم في القيامة نُحشَر..
يا الله.. يا الله.. يا الله
فقد رتَّبتَ في عجيبِ قدرتِك أن تجمعَ مِن أهلِ الحِسِّ والظاهر مَن يكونون مِن القاراتِ السَّبع كلها في منزلٍ يقولون لك فيه "يا الله" ويتوجَّهون إليك ويتذلَّلون بينَ يديك.. أَعمِلتَ هذا عبَثَاً؟ حاشاك! هذا ظنُّ الذين كفروا؛ آمنَّا بك وبرسولك؛ عملتَه كَرَمَاً، عملتَه رحمةً، عملتَه فضلاً، عملتَه إحساناً، عملت كلَّ هذا جوداً، عملتَ كلَّ هذا امتِنَانَاً، عَمِلتَ كلَّ هذا لتُرَتِّب عليه ما لا يخطرُ على بالٍ..!
اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد..
بضعفِنا وعجزِنا نرفعُ أيديَنا إليك نقول: زِدنا مِن نوالِك يا رب، وعامِلنا بإفضالِك يا رب، وأصلِح جميعَ أحوالنا يا رب، وفرِّج كروبَ أمَّةِ نبيِّك محمد يا رب، واجعل شهرَ ربيعِ الأول في عامِنا هذا مِن أعظمِ شهورِ ذكرى ميلادِ نبيِّك محمد؛ رحمةً لأمتِه، وتفريجاً لكروباتهم، ودفعًا للبلايا عنهم، وجمعًا لشملهم، وتأليفًا بينهم، ونصرًا لهم على عدوِّك وعدوِّهم..
يا الله .. يا الله .. يا الله بفضلِك إن توجَّهت ألوف وملايين قلوب إلى غيرِك تطلبُ شيئا فهذه القلوبُ بفضلِك إليكَ وحدَك توجَّهت؛ موقنةً أنَّ الأمرَ لك، وأنَّ الأمرَ بيدك، ولا مؤخِّرَ لِمَا قدَّمتَ، ولا مُقَدِّمَ لِمَا أخَّرتَ، ولا رافعَ لِمَا خفضتَ، ولا خافضَ لِمَا رفعتَ، ولا مُعِزَّ لِمَا أذللتَ، ولا مُذِلَّ لِمَا أعززتَ، وأنه لا يَذِلُّ مَن واليت، ولا يَعِزُّ مَن عاديت، لا إله إلا أنت؛ بأسرار ألوهيتك وربوبيَّتك اقبَل جمعَنا ومَن يسمعُنا قبولاً تـــامَّـــــاً حَسَنَـــــا..
يا الله.. يا الله.. يا الله
وينصرف عنَّا شهرُ صفر بصرفِك عنَّا كُلَّ بلاءٍ وشرٍّ، وكُلَّ آفةٍ وضر، فيما بطَن وفيما ظهَر، ونجني في ربيعٍ الثَّمَر مِن عطائك الأكبر، ومَنِّكَ الأغمَر، وجودِك الأوفر، ومِن فضلك الذي لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ ولا يُحصَر.. يا اللــه أنت الأكبر.. فكَبِّروا رب العرش وقولوا: "الله أكبر"، تُكَبِّر معكم ملائكتُه في السماوات والأرضين وما بينهما وقولوا: "الله أكبر"، اجعلِ اللهمَّ بسرِّها كيدَ كلِّ عدوٍّ لك ولرسولك يُدحَر، فقولوا جميعًا للعليِّ الأكبر: "الله أكبر"..
سُمِعَت ورُفِعَت.. الله ينظر إلينا، الله يُقبِل علينا..
يا مَن هو أكبر وليس غيرك كبير، يا حيُّ يا قدير، يا سميع يا بصير، يا لطيف يا خبير: بحِماكَ نستَجير مِن عذابك وغضبِك ومِن كلِّ سوءٍ في الدنيا والمصير، اربطنا بالبشيرِ النذير والسِّراج المنير ربطَاً لا انحلالَ له أبدا، واجعلنا بقُربِه وقربِكَ مِن أسعدِ السعداء..
يا الله .. يا الله .. يا الله .. برحمتك يا أرحم الراحمين..
وعبدُك هذا طلبَ لوالديه أن تهديَهم للإسلامِ اللهم فاهدِهم، اللهم فاهدِهم، اللهم فاهدِهم، وانشر دينَك في شرقِ الأرض وغربِها على رغمِ كُلِّ كابرٍ ومعاندٍ وفاجرٍ وكافرٍ يا حيُّ يا قيُّوم...
يا الله .. يا الله .. يا الله
سبحان الذي أباحَ لكم أن تذكروا اسمَه! ووفَّقكم أن تُخاطبوه باسمٍ تهتزُّ له السماوات العُلا ومَن فيهنّ! "الله" "الله" "الله"
"الله" "الله" "الله"!
أقربُ إليكم مِن حبلِ الوريد، وهو المبدئ المعيد، الفعَّال لِمَا يريد، ذو العرشِ المجيد..
بصدقٍ توجَّهوا إليك قولوا: "يا الله"
لا تسِّود وجهًا مِن هذه الوجوه يومَ لقائك.. يا الله..
يا الله: لا تختم لمَن قالها معنا إلا بأكملِ الحسنى..
يا اللـه .. يا اللـه.. يا اللـه..
اسم ربي! اسم ربي! اسم ربي! وربُّ كلِّ شيء، نادوه، واطلبوه، وادعوه، وارتجُوه..
نِعم الرّب ربُّنا، نعم الحَسْبُ حسبنا..
يا الله .. يا الله
أنت لقلبي ولقلوبِهم فأصلِحها، طهِّرها، نوِّرها، وصفِّها، ونقِّها عن جميع شوائبها وجميع معائبها.. يا الله
أنت لأُسَرِنا، وأهلينا وأولادِنا، أصلِحهم، أهدِهم، خلِّصهم مِن ظلماتِ الشرِّ وأهلِ الشرِّ والوقوعِ في خدائعِ أهلِ الضرر مِن كلِّ مَن كابرَ وجحدَ وأنكر..
يا الله.. يا الله.. يا الله
أنت لخاتمة كُلّ واحدٍ مِنَّا ومنهم، يا الله أنت لخاتمةِ كُلِّ واحدٍ مِنَّا ومنهم، يا الله أنت لخاتمةِ كُلِّ واحدٍ مِنَّا ومنهم.. فاختِم لنا بأكملِ حسنِ الخاتمة.. يا الله.. يا الله.. يا الله
وتوجَّهوا إليه جميعا، وهو الذي يُغيثُ ويُدرِكُ بالغَوث سريعا، لا إله إلا هو.. وقولوا:
يا الله بها يا الله بها ** يا الله بحُسنِ الخاتمة
24 صفَر 1443