(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 29 شوال 1439هـ بعنوان: انتشار آثار دعوة المختار بساطع الأنوار في مختلف الأقطار والأعصار.
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم على مَن به تنظرُ إلى عبادِك فترحَمَهُم، وتُنْزِل عليهم مِن خيرِك ما يَغْمُرُهُم، وتُطَهِّرُهُم وتُنَوِّرهُم..
لَهُ المِنَّة العُظْمَى علينا ببَعثهِ ** إلينا ومِنَّا عالِيَ الذِّكْرِ والْكَعْبِ
نَبِيٌّ عَظِيمٌ خُلقُهُ الخُلُقُ الذي ** لَهُ عَظَّمَ الرَّحْمَن في سَيِّدِ الْكُتْبِ
صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ومَن سَارَ في دَرْبِهِ.
أسرارُ ما أَوْحَى اللهُ إلى ذاكم النبيِّ سيدِنا محمد، وأَنْطَقَ بهِ لسانَه لا تزالُ تَجْمَعُ على الله، ولا تزالُ تَهْدِي إلى الله. ولقد خُوطِبَ مِن قِبَل حَضرةِ الرُّبوبيةِ والألوهية؛ حضرة الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ، قال لِحَبيبِه محمد: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).
فرأينا أثرَ الآثار؛ اِخْتَار الله الهادي عبدَهُ الهادي، فكانَ مَجْلَى الهِدايةِ لِكُلِّ مَهْدِي ولِكُلِّ مُهْتَدِي، مِن العَربِ والعجمِ والإنسِ والجنِّ؛ في زمنهِ وبعد زمنهِ إلى أن تقومَ الساعة، فإذا قامتِ الساعةُ اجتمعَ الذين لبُّوا دعوتَهُ تحتَ لواءِ الحمد -اللهم اجعلنا منهم، واجعلنا فيهم، وأهلينا كلهم، وأولادنا كلهم-، يا ربِّ وأهل مَجْمعِنا ومَن يَسمعُنا، اجعَلنا في الصفوفِ الأولى تحتَ ذاك اللِّواء، يا حيُّ يا قيومُ يا رحمنُ يا رحيمُ يا الله.
كُلُّ ما يجري في العالَم مِن أفكارٍ وأعمالٍ وحركاتٍ وأقوال.. كُلُّ ذلك في ذاك اليومِ حسابُه بمَثاقيلِ الذَّر؛ فيَا فوز مَن عفا اللهُ عنه - اللهم اعفُ عنَّا يا خيرَ عفو، إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنا- . ويا ويل مَن عُومِل بعدلِ الله، ويا ويل لمَن لم يغفرْ له اللهُ في ذلك اليوم.. يقول جل جلاله : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ). احفظنا مِن الغُرورِ والزُّورِ، واجعلنا ممَّنِ استجابُوا لأمرِك ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
لا إله إلا الله، تعالى في علاه؛ بأنوارِها اجتمعتُم. وآثارُ هذا الحبيبِ لا تزالُ ظاهرة، وإن ذَكَرُوا مثلَ كتابٍ للإمام الحدَّادِ يُحرِّك القلوبَ اليومَ في أمريكا وغيرِها، يُحرِّك القلوبَ اليوم لأنَّه أنفاسُ وَارِثٍ لمحمَّد ؛ سَرَت فيه أنوارُ النبيِّ محمد. والحالُ فيه كما قال فيه الحبيب علي الحَبَشي:
قرَّت بهِ عَيْنُ النبيّ مُحَمَّدٍ ** فهو لَهُ مِن أَحْسَنِ الأَوْلَادِ
هُوَ قُدْوَة لِلْمُقْتَدِينَ وَكَعْبَةٌ ** لِلْقَاصِدِينَ وَمَفْخَرٌ لِلْوَادِي
عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
وإن ذَكَرُوا شيئاً بعد ذلك مِن كُتبِ مَن بعدَه أو مَن قبلَه، أو أنفاسهم. ورأيتم أثرَه اليومَ في واقعِكم أمام هذه الظُّلُماتِ في العالَم التي يَنْفَخ في كِيرِهَا إبليسُ الملعون، ومعه مَن معه مِن الإنسِ والجنِّ ملايين وملايين. ومع ذلك هذه الآثارُ تَظْهَرُ في الأمة وتُقرِّب قلوباً، وتُبعِدُ حُجُباً، وتُبعد آفاتٍ؛ ثم إذا بهم ونحنُ في الدنيا يدخلُون إلى دوائر، ما كأنَّهم في العصر ولا كأنَّها في الزمنِ الذي يعيشون فيه.. ما هذا ؟! وكلُّ الذي ذكروه أثرُ دعوته صلى الله عليه وسلم، أثرُ بيانِه، أثرُ بلاغِه عن ربِّه عليه الصلاة والسلام.. جلّ جلالُ الله الذي اختارَ حبيبَه ومصطفاه. فإنِ اغْتَاظَت قلوبٌ أو تَنَكَّبَت أو عاندت، ومَن أراد يُسميَه سِيَاسِي، ومَن أراد أن يقولَ كذا أو كذا فليقولُوا ما شاءُوا.. وسيبقى ذكرُه مرفوعاً (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) وسترتفعُ رايتُه فوق رؤوسِ الكُل.
وأكثرُ المُتطاولينَ في عَصرِنا كمَن قبلَهم أو يتطاولُون فيما بعد على جنابِ الحقِّ ورسولِهِ سيُحشرون على صُورِ الذَّرِّ والنَّملِ يومَ القيامة، ويُوضعون في وادي في القيامة يَطأهمُ الناس بأقدامهم ؛ هذا مصيرٌ مقبلٌ لابدَّ منه. لا تغرُّهم التكنولوجيا، لا يغرُّهم المُلْك، لا يغرهم ظواهرُ الدنيا، لا تغرُّهم السِّيَاسات.. هذا المستقبل سيُقبل علينا وعليهم. وإنا لنرجُو كما أراد الله منا إنقاذَ الجميع وإرشادَ الجميع ؛ ولكن السَّوَابِق مِن عندُه (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ). ومعنى التَسَبُّبَات إيماناً بالله وبرسولِه في القيامِ بالتَّبيينِ أو التَّوضيحِ أو الارشادِ أو إيصالِ هذه الخيرات.
ذَكَرَ لكم تأثره بكُتَيِّب الذخيرة المشرفة.. أيام كُنَّا في البيضاء في رباط الحبيب محمد الهدار، وبدأ بعضُ الشباب يأتُون لحضُور في الدرس بين المغرب والعشاء؛ والمبادئ ليست عندهم والآداب الأولية لا يحفظونها .. فكتبت هذه الأوراق وجيت بها، وكان مما عرضناه على الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى. وندعو اللهَ يكون النفع بهذا.. وكلمات عادية ولكن آثارها تظهر مِن هنا أو مِن هنا؛ إنما يُرينا الله كرمَه أو عزَّتَه أو مكانةَ حبيبِه لديه ؛ كلها متصلة بشؤون -سواء اتَّصلت بهذه الأربطة أو اتصلت بهذه الأسانيد، أو هؤلاء الرجال، أو هؤلاء الشيوخ- لترجعَ كلُّها إلى مرجعِها الواحد، لترجع كلُّها إلى مقرِّها وإلى أصلِها، لترجِع إلى المصطفى، لترجِع إلى حاملِ لواءِ الحمدِ، لِتَرجِع إلى أولِ شافعٍ وأولِ مُشَفَّع، وأول مَن يجوزُ بأمَّتهِ على الصراط،. ونسألُ ربَّ الصراط أن لا يُخَلِّف أحداً مِن أهل مجمعِنا ومَن يسمعُنا عن المُرورِ خلفَ حبيبِه. يا الله لا تُعرِّضنا لكلاليبِ النار، ولا لشَوكِ النار -مثل شوك السّعدان يخطفُ الكلَّابُ في الخَطفة أربعين ألفاً يهوِي بهم في النار- لا تعرِّضنا للنارِ ولا لِحَرِّها، ولا لسَعيرِها ولا لزمهريرِها، ولا لعقاربِها ولا لِحَيَّاتِها؛ وإلى الجنةِ يا رب، في زمرةِ الحبيب المُقَرَّب.. آمين.
فليطَّلِع مِن قلوبِكم على صدقٍ في الوِجهةِ إليه؛ إنما هي ساحات تُعَرُّض، وهو الذي دعاكُم، وهو الذي وفَّقكم، وهو الذي أبقَى هذا الخيرَ وأظهرَه في زمنِكم، ليقولَ لكم: أنا الصادقُ فيما قلتُ لنَبيِّكم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال تبارك وتعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
اِعْلَم عظمةَ خطابِ الله جل جلاله، ولا يغرَّك شيءٌ مما أنتَ فيه، ولا مما يجرِي على ظهرِ هذه الأرض، ولا تُضَيِّع على نفسِك سِرَّ صِلةٍ بالرحمن؛ سيغنَمُها كثيرٌ مِن قلوبِ الإنسِ والجانِّ في عصرِك هذا، وبسبَبِها سيتقدَّمُون في الصُّفوفِ تحتَ اللواء، وعندَ الحَوضِ، ووقتَ المُرورِ على الصِّراط. ووالله لئن فاتكَ هذا لن تُغنيَك عنها شهاداتُ العالم، ولا هيئاتُ العالَم، ولا وزاراتُ العالَم، ولا دولُ العالم.. ولا شيء.. فلا تُضيِّع على نفسِك هذا، وإن انطلقتَ في الحياة في أيِّ عملٍ أوفي أيِّ دراسةٍ فلا تُسَيِّب على نفسِك سِرَّ اتصالٍ قلبيّ روحيّ بالأصلِ والمصدَر؛ بالوحيِ المُنزَّل، بالنبيِّ المرسَل، إيماناً بأنك مخلوقٌ، لك خالقٌ هو خالقُ جميعِ الكائنات مِن حوالَيك؛ هو ربُّ العرش العظيم، وأنَّ المرجعَ إليه لك ولجَميعِ هؤلاء. وأنَّه لن يبقى لعقليَّاتِهم ولا لأفكارِهم ولا لقوانينِهم ولا لأنظِمتِهم ولا لنظراتِهم اعتبارٌ ولا مثقالُ ذرة، ولا يبقى له مكانة، وسيضمحِلُّ ويصبح هباءً منثورا .. إلا ما وافقَ وحيَ الحق، إلا ما وافقَ تنزيلَ الرحمن- وما عدا ذلك سَمُّه حضارة، سَمُّه فِكِر، سَمُّه ثقافة، سَمُّه تنوير، سَمُّه ما تريد مِن أسماء.. واللهِ سيضمحلُّ اضمحلالًا ويَتلاشَى تلاشياً، بل سيَشرَبُ مَن اِغْتَرَّ به وصدَّق به كؤوسَ الحميمِ في النار، هذه نهاياتُ كلِّ ما خالفَ الوحيَ، وكلِّ ما خالفَ هذا الرسول (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
واحمدُوا اللهَ الذي جعلَكم في أمةِ محمد وجعلَكم في المؤمنين المسلمين، واعلمُوا أنَّ اللهَ سينشرُ دينَه، وينصرُ دينَه؛ ولكن بعزِّ عزيزٍ وذلِّ ذليل. إن وفَّق قلبَك واغتنمتَ وارتبطت بسرِّ الخضوعِ للرحمنِ والعُبوديةِ له، وعرفت أنه الإلهُ المَلِكُ الذي يجبُ أن تَخضعَ وتسجدَ له على الحقيقة، ثم لا تجدُ إماماً غير محمد، الأنبياء ومَن تبعَهم والصحابة وآلُ البيت والتابعون مأمومون لهذا بأئمتِهم، كلُّ أئمتهم إذا جاء الإمام الأكبر كانوا مأمومين، القائل: { لو كان موسى حيًّا ما وسعَه إلا اتباعي}.. يا ربِّ صلِّ عليه. الحمد لله الذي أكرمَنا بهذا النبي، الله يربطنا وإياكم به أقوى الرَّبط، ويرزقنا الاستقامةَ والانضباطَ على منهاجهِ أقومَ الضَّبط، إنه أكرمُ الأكرمين.
ما جاءتِ المجالسُ عبث، ولا بُنيت المباني عبث، ولا دُعيت الجُمُوع عبث؛ هذه جُمُوع تَرَوْنَها مِن مختلف أنحاء الأرض، وجموع الجنِّ مِن ورائهم، والملائكة، وجموع الملأ الأعلى، والأرواح الطاهرات.. واللهِ ما هي عبث، ولا هي لعب. في أي مجمع أنتم؟ في شؤونٍ إلهيَّة ربانية، يريد اللهُ بها شيئا في البرية؛ وعدَ به خيرَ البرية ؛ (لِيُظْهِرَهُ) سبحانه وتعالى بقدرتِهِ الغالبةِ للجميعِ. فَنَقُّوُا قلوبَكم وصفُّوها، وكونوا أعضاءَ في نصرةِ الحقِّ ونصرةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، ومَن أنصارُ الحق ورسولُه ؟ (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) هؤلاء سينصرُهم اللهُ (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). كل ما بقيَ في قلبِك مِن إكبارٍ وخوفِ قوةِ جميعِ مَن على ظهرِ الأرضِ نَزِّلْهَا إذا سمعتَ ربَّك يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). ومَن لم يَخضع لهذه الحقيقة مِن كُلِّ مُتَقَوِّل ومُتَطَاوِل ومُغْتَر .. مسلم أو كافر، لم يَخضع لهذه الحقيقة فقريباً ستنكشف هذه الحقيقة، ويرتفعُ الغبارُ(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ ..) عرفوا القوة لِمَن الآن، عرفوا أن اللي ما عندهم الذي كان ما هو قوة ؛ القوة قوة هذا القوي (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ). فيا قوي.. يا قوي احفظ قلوبَنا أن تَنْسِبَ القوةَ إلى غيرِك يا حي يا قيوم، وارزقنا الأدبَ معك، وإنزالَ الأشياء مَنْزلتَها. يا قويُّ اجعل هيبتَك في قلوبِنا فوقَ كُلِّ هيبة، ورَقِّنَا بذلك إلى عَلِيّ الرُّتْبَة.
يا الله نشكُو اليكَ قلوبَ مسلمين هَابَت غيرَك، وعظَّمَت غيرَك، وهَابَت قوةَ غيرِك .. يا الله أنقِذهم وأبعِد الظُّلمةَ عنهم، يا حيُّ يا قيوم. يا رحمنُ يا رحيمُ، انشُر أنوارَ الهدايةِ بين المسلمين، واهدِ مِن غير المسلمين يا ربَّنا ألوفاً وملايين في شرقِ الأرضِ وغربِها، حتى نَرَى صِدْقَ الإقبالِ عليك، يدخلُ فيه الناسُ أفواجا، ونقرأ قراءةَ مُعاينةٍ ومشاهَدةٍ وذَوْقٍ وتَحَقُّقٍ: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) -هذا شُغلنا الأساسي الأعظم- (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). وإن حصل أيُّ تشويش في العالم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ، (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ).
إن الذين ارتضوا لأنفسِهِم أن يُنكروا عظمةَ ربِّهم وأن يُعرضُوا عنه وأن يُكذِّبوا رسولَهُ محمداً صلى الله عليه وسلم -مهما عاشوا في الدنيا- هم متناقضونَ حتى مع الطَّير ومع الحيوانات في البَرِّ والبحرِ، ومع الأرضِ والسماءِ متناقضون مُتَنَافُون معها، ليسوا على انسجامٍ معها (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) فإنما يتَّفق معها المسبِّحُون بحمد الله تبارك وتعالى (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ).
الحمد لله على مجالسِ التَّسبيحِ والذكرِ والحمد للربِّ سبحانه وتعالى. وآثارُها ترونَها إن شاء الله تعالى فيكم وفي أهليكم، وفي أهلِ بلدانِكم، وفي زمنِكم، وترونَها عند وفاتِكم، وفي قُبورِكم، ويوم بَرزخِكُم ونشورِكم. ولابدَّ أن يجتمعَ مجتمعون في الجِنَانِ ويذْكُرُونَها، ومعنى يذكرونها: يَستثمرُون خيرَها الذي تجلَّى الله به فيها؛ الخير الذي تجلَّى الله به فيها سيستثمرونَه، يذوقونَ حلاوتَه هناك في جناتِه، فيكون مِن نعيمِ الجِنَان ؛ فتعرف معنى قوله: [إذا مررتُم برياضِ الجنةِ فارتعُوا] هذه الرياض .. ؛ رياض الجنة هناك تُذَاق ثمرتُها وحلاوتُها. فكونوا هنا على علمِ اليقين، كونوا على عينِ اليقين، وستكونون غداً على حَقِّ اليقين ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) فترونَ فيها مَن خالفَ محمداً، ترونَ فيها مَن خرجَ عن هدي محمد.. نار الجحيم والعياذ بالله تبارك وتعالى. ولا يدخل الجنةَ إلا مَن أحبَّه، لا والله لا يدخل الجنة إلا مَن أحبَّه. ولا تتصوَّروا أنَّ لو كان عابد عَبَدَ الله العباداتِ كلَّها طولَ العمر وتَعَمَّر مِن أيام آدم إلى أن تقومَ الساعة، وما في قلبِهِ حُبُّ محمد.. واللهِ لن يشمَّ رائحةَ الجنة .. لأن الله ليس هزوا ولا لعب. صورة عبادة وأنت تَبغض حبيبه ؟! الله ما هو ضحكة ولا لعبة يا هذا ! [والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه مِن والده وولده والناس أجمعين].
والعبادات هذه لو رَفَّعت صوتك عليه حبطت كلها.. هَتْ مِلْئ الارض صلاة وصوم وزكاة وحج وجهاد وارفع صوتك فوق النبي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ..) هات الصلوات حقك هذه تروِّح .. هات الحج حقك، هات الصوم هات الزكاة رَوَّحَت (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) اِخفض صوتَك في حضرتِهِ (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ..) قال مع بعضكم تكلَّموا، لكن إن وصلتم إلى حبيبي اِعْرفوا مَن هذا؛ اِعْرفوا أني ميَّزتُه، أني خَصَّصته (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) قال حتى النداء إذا ناديتُم بالأسماء بينكم البَين مَيِّزُوا نداءَ حبيبي (لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا) مُمَيَّز ، مُعَزَّز ، مُخَصَّص .. يا فُوزَ مَن عَرَف عِزَّه وعَظَّمَه وبَجَّلَه (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) ما أعظم رُسُلَ الله ؛ وأعظمُهم محمد بن عبد الله. الحمد لله على هذه النعمة،
ساعة مِن ساعاتِ الجُودِ الرَّبَّانِي، الله ينوِّر قلوبَ الحاضرين والسامعين بنورٍ نرتبطُ به بمحمدٍ في القيامة، ونكونُ في أوائلِ الواردينَ على حوضِهِ المورود، والمُستظِّلينَ بِظِلِّ لوائهِ المعقودِ.. آمين يا بَرّ يا ودود يا الله. وبه تنكشفُ جميعُ الآفات إن شاء الله، والعاهات والحُجُب.
والذي يَطرأ لأحدكم -اختباراً له مِن الله- عند الصلاة أو عند غيرها مِن ذا أو مِن ذاك : اُصْدُق أصْدُق مع الله، وأقبِل؛ وسينزاح وسيذهب. ويكون الأمر إذا قمتَ بحقِّ بذلِ الروحِ والتشميرِ الذي به ذبحُ النفس، والانطراح بين يدي الرحمن: يقول سيدنا الشيخ أبوبكر بن سالم:
بَاب مَا يدْخُلُه وَاحِد سِوَى بَاذِل الرُّوُح ** أو مُشَمِّر ذَبَح نَفسُه مَعَ كُلِّ مَذْبُوُح
وَاَنْطَرَح فِي حِمَى لَيْلَى مَعَ كُلِّ مَطْرُوُح ** شَاهَدَ الْبَيْت والْأَرْكَان والسِّرّ والّلوُح
والْبَصِيرَة تَجَلَّت وَاَنْعَزَل كُلُّ مَقْبُوح
نحن ننطقُ بالكلام وبعض قلوب الإنس والجن يَنْعَزِل عنها القبائح وينزاحُ عنها بفضل الله.
الله يتمُّ النعمةَ علينا وعليكم، الله يبسطُ الفضلَ لنا ولكم، الله ينوِّر قلوبَنا وقلوبَكم، الله يرزُقنا صدقَ الاقبال عليه.
يا رب يا رب رجوكَ فجاءُوا، وطَمِعُوا فيما عندك فَاجْتَمَعُوا، ودَعوُا وذَكَرُوُا؛ يا ربّ ولولا توفيقُك ما اشتاقُوا إلى مغفرتِكَ ولا إلى عفوِكَ ولا طلبوكَ ولا قصدوكَ، يا ربِّ وفّقتَهم وأعطيتَ قلوبَهُم هذه الدَّواعِي حتى أحضرتَهم.. فَيَا جامعَ القلوبِ اجمَع قلوبَنا عليك، وارزقنا صدقَ الإقبالِ والتَذَلُّلَ بين يديك. لا انصرفَ أحدٌ مِن المَجْمَعِ إلا مَنْظُورَاً بِعَيْنِ العناية، مَكْسُوَّاً بِبُرْدِ الهداية، لا اَنْصَرَفَ أحدٌ مِن المجمَع، ولا قام أحدٌ مِمَّن يَسْمَع إلا منظوراً بعينِ العنايةِ.. يا الله، مكسُوَّاً بِبُرْدِ الهدايةِ. يا سميعَ الدعاء، يا مَن لا يُخيِّبِ الرجاء، لا اَنْصَرَفْنَا مِن مَجْمَعِنا إلا ونحن ومَن يسمعُنا كُلٌّ مَكْسُوٌّ مِن عندك يا مولانا بِبُرْدِ الهدايةِ ومنظورٌ منك بعينِ العِنَايَةِ يا الله..
يا ما أحلاها وفي القيامة تنظر عُلاها.. يا الله .. يا ربَّ السماء والأرض، يا ربَّ الدنيا والبرزخ والآخرة أسعِدنا مع السُّعداء، ثبِّتنا على الهدى، وعجِّل بكَشفِ كُروبِ المسلمين، وانظُر إلى صغارِنا وكبارِنا، رجالِنا ونسائنا. وآل السياسات، وآل الغفلات، وآل الاغترارات، وآل إيثار الدنيا.. ردَّهم إليك يا رب، مَرَدًّا جميل يا رب، وبسرِّ نطقهم بـ "لا اله إلا الله محمد رسول الله" حَقِّقهُم بحقائقِها.. وادفع عنهم شرَّ الشيطانِ وجنده يا حيُّ. وانشر الهداية، وانشر الدينَ والنورَ في بقاعِ الأرض.
يا إلهي والبلدان التي منها أحدٌ يحضرُ معنا أو يسمعُنا انشُر فيها نورَ الهداية، وبقية بقاعِ الأرض. يا حيُّ يا قيوم وعدَك الذي وعدتَ به حبيبَك، أن نستنجزَك وعدَك؛ اللهم أنجِز وعدَك يا حيُّ يا قيوم، ولا تخيِّب لنا رجاء، وسُرَّ قلبَ سيدِ الانبياء، وأصلِح شؤونَنا بما أصلحتَ به شؤونَ الصالحين، والحمد لله رب العالمين.
01 ذو القِعدة 1439