(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 15 ربيع الثاني 1438هـ ضمن سلسلة إرشادات السلوك بعنوان: امتياز المؤمنين بعلوِّ أن محياهم ومماتهم لله.
الحمد لله حمداً يُثبتنا به في أهل صدق الوُجهة إليه، وأهل حُسن التَّذلُّل بين يديه، وهل فاز مِن جميع المكلَّفين أوَّلاً وآخراً مِن عهد آدم إلى أن تقوم السَّاعة إلا مَن أحسنَ الوجهةَ إلى الرَّحمن! وإلا مَن أحسنَ التَّذلُّلَ بين يديه سبحانه وتعالى تعظيماً لجلاله ولربوبيَّته واستعداداً للقائه سبحانه وتعالى.
فليس المرجع إلا لمن بدأ ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى )[طه: ٥٥]، وإذا بالمبدأ والمرجع والإخراج الأخير كله لأجل الوقوف بين يديه، ولأجل إجراء حُكمه جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه الذي قد سبق في القدر فيقضي به في يوم يقول الإنسان فيه: ( أين المفر ) [القيامة: ١٠]! وقد كان قد قضـى: «هؤلاء إلى الجنة ولا أُبالي، وهؤلاء إلى النَّار ولا أُبالي»([1])، ثمَّ في يوم القيامة الذين قال عنهم: «هؤلاء إلى الجنة» هُم: فريق الجنة، والذين قال عنهم: «وهؤلاء إلى النَّار» هُم: فريق السَّعير ( فريق في الجنة وفريق في السعير )[الشورى: ٧].
ويوم يأتي ذاك اليوم يعرف الكلُّ قدرَ نفسه، وقدرَ الأرض التي كان عليها، وقدرَ الفرصة التي أُتيحت له، وقدرَ ما شغله وشغل أكثر العقول من التُّراهات والبطالات والمبادئ والاتجاهات والغفلات والزُّخرف الفاني، ويعلم عظمة العظيم الذي ابتدأ وصار المرجع إليه ( يوم يأتِ لا تكلمَّ نفسٌ إلا بإذنه ) [هود: ١٠٥]، ( لا تكلم نفسٌ ) لا أصحاب الثقافات، ولا أصحاب الاختراعات، ولا أصحاب المسلسلات، ولا أصحاب الألعاب، ولا أصحاب الرئاسات.. ( لا تكلَّم نفسٌ ) كلٌّ يعرف قدرَه! كلٌّ يعرف أنه مخلوق، كلٌّ يعرف أنه مصنوع، كلٌّ يعرف أنَّ الصَّانع أفاض نعمتَه عليه وهو أعرض، وهو أدبر، وهو تولَّى، وهو قصَّر، وهو أنكر، وهو استكبر! ( يوم يأتِ لا تكلمَّ نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [هود: ١٠٥].
( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذنَ له الرحمن وقال صوابا )[النبأ: ٣٨]. فلا يتكلم من العالمين في يوم حُكم ربِّ العالمين أمام ربِّ العالمين قبل محمد ﷺ أحد! لا يتكلَّم أحدٌ قبل محمد ﷺ، كما لا يشفع أحد قبل النبي محمد ﷺ .. جعلنا الله في دائرة النبي محمد ﷺ، وفي زمرة النبي سيدنا محمد ﷺ.
وأنتم تُعرض عليكم الدُّخول إلى هذه الدَّائرة الكريمة بما يُبسط لكم من البُسط العظيمة، مجالس فخيمة ما تُقوَّم بقيمة بسطها الرَّحمن لكم ليهتدي مَن يهتدي، ويقتدي مَن يقتدي، ويرتقي مَن يرتقي، ويتَّقي مَن يتَّقي، ويصلح مَن يصلح، ويُفلح مَن يفلح، وينجح مَن ينجح، ويقرب مَن يقرب، ويصفو مَن يصفو، ويُغفر لمن يُغفر له.. ويُحرم مَن يُحرم، ويُبعد مَن يُبعد، ويُطرد مَن يُطرد، ويُحجب مَن يحجب.
أحكام لحاكم عظيم إليه المرجع، ويوم حُكمِه تأتي نتائجُ ما حكم علينا في هذه الحياة، فإن حكمَ عليك بالإقبال الصَّادق عليه؛ يحكُم لك هناك بحُسنِ الوقوف بين يديه، يرحمك ساعة الوقوف بين يديه، ويُلقِّنك حجَّتك، ويقول لكثير ممَّن يقفون بين يديه وقد أحاطت بهم ألطافُه: «أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم»([2])، فيقوم فيدخل الجنة برحمته، يقول هكذا للكثير منهم.. والويل لمن لم يُسامحه الله، والويل لمن لم يعفُ عنه الله!
اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عنا..
اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عنا..
تُعقد لكم مجالس كان لسان النُّبوَّة شهد أنها رياض الجنة وقال عنها: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «حلق الذكر»([3])، وفي لفظ: «مجالس العلم»([4])، وهذه جمعة الذِّكر وجمعة العلم مبسوطة لكم تتنقَّلون فيها بتوفيق ربكم وبعناية إلهكم جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه.
فما ضرَّكم أنكم في زمان متأخر إذا عرفتم معنى هذه الوُصلة، ومعنى هذه الرَّوابط، ومعنى هذه الوُجهات، وتوجَّهتم إلى الله تبارك وتعالى في مأمومية الاقتداء بإمامة من خير مَن قال: «وجَّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشـركين، إنَّ صلاتي ونُسكي ومَحيايَ ومماتي لله ربِّ العالمين»([5]).
إلهنا، مَن أردتَ إسعاده وجَّهتَه إليك، ورزقتَه التذُّللَ بين يديك، فصار محياه لك، ومماتُه لك، وصلاتُه لك، ونُسكُه لك.. ومَن أعرضتَ عنه سلَّطت عليه الشَّهوات، سلَّطت عليه الآفات، سلَّطت عليه شياطين الإنس والجن، سلَّطت عليه نفسَه الأمَّارة، فلا صلاتَه لك، ولا نُسكَه لك، وصار محياه ما بين الألعاب واللَّاعبين، والمسخرة والمتمسخرين، والغفلة والغافلين، واللَّهو واللَّاهين، ومماته في سوء الأحوال! يا ويل مَن أعرضتَ عنه!
يا ربِّ، حياة كلِّ واحد من الحاضرين والسامعين اجعلها لك، والممات اجعله لك، لا نزيغ ولا نحيد ولا نخرج عن ذلك المسلك الذي سلك فيه حبيبك ورسولك ودعانا أن نسلك في ذلك السَّبيل.
فيا ربِّ ثبتنا على الحقِّ والهدى ويا ربِّ اقبضنا على خير ملَّة
اعرفوا قدرَ الدَّواعي العلويَّة السَّماوية الرَّفيعة الشَّريفة..
أحبابَنا: هذه الدَّواعي العُليا الكبرى تدعونا وتدعوكم، وتقول: إذا لبَّيتم النداء ما ضرَّكم أنكم في زمان متأخر، أو زمان مفتون، أو زمان فيه ضاعت القيم وضاعت الأمانات وصار الناس هكذا «وشبَّك بين أصابعه»([6])، فإذا لبَّيتُم هذا النِّداء واشتغلتم بخواص أنفسكم فزكَت نفوسُكم وطابت تحت عناية القدُّوس جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه ذُقتم لذَّة الاتصال وإن كنتم في الزَّمان المفتون، وذُقتم شأن الوصال في مراتب عوال وشؤون مرتفعة يرفع الله إليها مَن يشاء ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) [المجادلة: ١١].
يا عقول دَوت نحو الدَّرجات في المؤسسات، والدَّرجات في المعسكرات، والدَّرجات عند الحكومات هذه الدَّرجات عند ربِّ الأرض والسَّماوات، هذه درجات صاحب الملك الدَّايم والسُّلطان الباقي، أما لها دوي في نفوسكم؟ أما تطلبونها؟
قال أصدق الدَّالين عليه وخير الدَّاعين إليه: «ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدَّرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، فذلكم الرِّباط»([7])، أقوى شؤون الارتباط بالرَّحمن، فاعلُ ذلك كالمرابط في سبيل الله الواقف على ثغرٍ من الثغور يصدُّ المعتدين من الكفار حتى لا يدخلوا ديار الإسلام، الذي يفعل هذا مرابط: «فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط»([8])، فإنه إذا صدق في فِعلِ ذلك ارتفع في همَّته وسموِّه ويقظةِ قلبه ومراداته عن أن يكون تبعاً للفسقة وللكفرة وللبعدة عن الله تعالى، وإذا سما هذا السُّمو صلح قلبُه وقالبُه وبيته وأسرته ومناسبة زواجه وعزوماته وثيابه وخرجاته ودخلاته فصارت خطط إبليس وجنده من حواليه لا يمسُّه منها شيء! هذا مرابط، هذا في الرِّباط في سبيل الله..
والثاني يقول: الوقت تغير، والناس ثانيين ما نقدر في الأولاد الآن، ولابد نصلِّح هذا وإن كان في الشرع ما هو طيِّب! أووه! مَن قال لك لابد؟ ما هذه الأوهام!؟ ما هذا الظلام؟ ما هذا الانحطاط؟ ما هذا الخروج؟
والدَّاعي الفَّوقي تتصامَم عنه وأنت ريِّض مع نفسك! والداعي الخبيث السُّفلي مِن تحت فتَّحت له آذانك وريِّض من نفسك!
مَن الذي قال لك: لابد؟ لابد مِن طاعة الله، لابد مِن الأدب مع الله، لابد من تعظيم الشريعة، لابد مِن معرفة قدر صاحب الرِّسالة، هذا الذي لابد لنا منه. أما لابد نجيب مغنيات، ولابد نجيب أوتار، ولابد ندخل الزَّوج على الحريم والنِّساء!
مَن قال: لابد؟ من أين جاء الوجوب هذا؟ من أين جاء؟ كيف طلع؟
هذا الضلال، هذا الوهم، هذا الخيال، هذا نسيان الحق، هذا تجاهل قدر محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لما سمع صوت يقول: يا للأنصار، يا للمهاجرين، قال: «دعُوها فإنها منتنة»([9])، ثم يقول: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلالاً، فهداكم الله بي؟ وعالة، فأغناكم الله بي؟ ومتفرِّقين، فجمعكم الله بي؟» فيقولون: الله ورسوله أمن([10]).
يا مَن أصابه ظلامٌ في وهم دخل إلى قلبه أنَّ شيئاً من المَنِّ عليه في حياته هذه التي يعيشها لصانعٍ أو فاجرٍ أو كافرٍ أو هيئةٍ أو مؤسسة صحِّح اعتقادك ووجهتك وابعد من وهمك إلى حقيقة فأنت وما في الأرض فعل واحد اسمه: الله الله الله.
أم في الأرض مؤسسة لمسلم أو كافر تقوم بغير خلقه، بغير إيجاده، بغير تدبيره، بغير رزقه، بغير تصرُّفه، بغير تسييره؟ لو اعتقدنا ذلك كفرنا! لا تنسوا ربَّكم بهؤلاء، لا تنسوا ربَّكم بهذه الأشياء المُلقاة التافهة المنقضية التي يجب أن تكون دلالة لكم على الإله فكيف تحجبكم!
كان أئمة الدِّين ومنهم مَن في هذا الوادي يُنادون مَن حواليهم ويقولون كأمثال الشيخ أبي بكر بن سالم من مقتبل عمره في أيام شبابه وهو ابن ثمانية عشر سنة: متى كانت الأكوان حتى تحجبك عن المكوِّن! كانوا يصيحون على أرواح النَّاس بهذا، يصيحون على قلوب النَّاس: متى كانت الأكوان حتى تحجبك عن المكوِّن! تنسى العظمة لربِّ العرش الموجد المنشئ لكلِّ شيئ! ( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ) [فاطر: ٣] جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ما ذا خلقوا من الأرض ) [الأحقاف: ٤] نريد نعرف الجزيرة التي خلقوها! نريد نعرف البحر الذي خلقته المؤسَّسات والحكومات هذه؟ نريد نعرف أين المدينة التي خلقوها؟ أين الجبل الذي خلقوه؟ أين مقدار شبر من الأرض كوَّنوه؟
( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شِركٌ في السماوات ) [الأحقاف: 4] هل كوَّنوا واحد من الكواكب؟ نصف واحد؟ ربع كوكب؟ أصغر كوكب؟ عُشر أصغر كوكب؟ هل كوَّنوا شيء؟ المكوِّن الله، الخالق الله، الفاطر الله، المنشئ الله، الموجد الله، كيف ما أمتلي بحبه! كيف يُنسيني هؤلاء هذا الإله! مَن هُم؟ وماذا عندهم؟
متى كانت الأكوان حتى تحجبك عن المكوِّن!
اضمحلَّت الأكوان إذا ذُكر المكوِّن جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه.
جاء المشرك من رأس الجبل رأى الصَّحابة تفرَّقوا وتركوا شجرة كبيرة لرسول الله ﷺ ليستظلَّ بها، ورآهم وهو في أعلى الجبل، وخفَّف ثيابه وعلَّق سيفه على الشجرة واضطجع تحت الشجرة ﷺ، فخرج الكافر وتناول السَّيف ورفعه على رسول الله ففتح النبي عينيه فقال له بلسان المتحدِّي المتعدِّي الذي ظنَّ أنَّ الأسباب هي الفعَّالة، وأنَّ الفرصة واتَته، وأنَّ أصحابه هؤلاء بعيدون عنه، وما درى أنَّ الذي أرسله معه، فقال: مَن يمنعك مني؟ لسان المفتون بالأسباب، لسان المأخوذ بالأكوان، يا محمد مَن يمنعك مني؟ فقال: الله، ما نطق بها إلا وهذا يرتعد ويسقط السَّيف ويحمله النبي ويقوم، ويقول له: مَن يمنعك مني؟ أنت مقطوع الحبل بهذا الإله! بعيد عن هذا الإله! مَن يمنعك مني؟ فيقول: لا أحد، كُن خير آخذ. فردَّ السَّيف ﷺ وعفا عنه ونادى الصَّحابة فقاموا لما سمعوا صوت النبي ﷺ وأقبلوا من تحت الأشجار الأخرى البعيدة حتى اجتمعوا من حواليه، فقال لهم: «إنَّ هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتاً فقال لي: مَن يمنعك مني؟ قلت: الله. فسقط السَّيف من يده فَأَخذته منه: فقلت: مَن يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، كُن خير آخذ. فعفا عنه وأعطاه هدية ﷺ. جاء يقتله فأعطاه هدية! فذهب الأعرابي إلى قومه وقال لهم: جئتكم من عند خير الناس([11])، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حبيب الرحمن.
من الذي يضحك على العقول وبيصلِّح حقوق الإنسان، ويصلِّح عدل، ما عرفنا هذا لا في عصرنا ولا عند المتبجِّحين به ولا عرفناه إلا في محمدٍ كاملاً، وعرفنا آثاره في أحباب محمدٍ الذين اتَّبعوه، مَن تولَّى منهم ولاية صغيرة أو كبيرة شفناه فيهم عند غيرهم ما وجدناه! رأيناها في أبي بكر، رأيناها في عمر، رأيناها في عثمان، رأيناها في علي، رأيناها في الحسن، رأيناها في عمر بن عبد العزيز، وعند غيرهم ماشي وجدنا! إلى يومنا هذا، في وقت التحضُّر والتَّرقي والتَّقدم عندكم (غوانتانامو) تعرفونه؟ هذا حضارتكم! هذا تقدُّمكم! هذا تفتيت لكلِّ قدر للإنسان، لكلِّ مكانة للإنسان، ما عرفنا العدل ولا الرَّحمة ولا الرأفة إلا عند محمد ﷺ، نستبدل به هؤلاء؟ وما يساوون؟
أين سنته في ديارنا؟ أين سنته في أزيائنا؟ أين سنته في أقوالنا وأفعالنا؟ نستبدل بالعلي القدر العظيم الجاه عند ربِّ العرش مَن؟ نستبدل به مَن؟
يدخلون إلى ساحات قلوبنا مَن لم ينظر الرَّب إليهم منذ خلقهم! ونترك نور واحد الله يُخاطبه في القرآن فيقول له: ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) [الطور: ٤٨]، تعرف قدر الكلمة هذه؟ على قدر ما تعرف من عظمة الله وعظمة محمدرتعرف عظمة هذه الكلمة، (فإنك بأعيننا ) صلى الله على محمد، إيش هذه المنزلة؟ وإذا واحد بأعين ربِّك دخل قلبك صَلُح قلبك، نُظر قلبك، تطهَّر قلبك، وإذا دخَّل قلبك واحد تافه، واحد ما صلَّى، واحد مُنكر للإله ودخل إلى قلبك فسد قلبك، أظلم قلبك..
فاتركوا ولاء الفجَّار والكفار ووالوا المختار، ووالوا الأنبياء، ووالوا الرُّسل، ووالوا الصَّالحين فيكم، وإذا عملتم ذلك الغلبة لكم، خلُّوا يمتلك أسلحة الدَّمار الشَّامل غيركم لكن الغلبة لكم،( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) [المائدة: ٥٦] هذا قرار ما تقدر قرارات الدُّول كلَّها أن تمحو منه ذرَّة، ولا تُقدِّم ولا تُأخِّر منه شيء، هذا قرار مَن نواصيهم بيده، هذا قرار مَن يُسيِّر خواطرهم وعقولهم وقلوبهم، هذا قرار الذي إذا شاء أهلكهم في لحظة.
آياته سبحانه إذا أُرسلت عليهم كَمُلت قواهم، وكَمُلت تكنولوجياهم، وكَمُلت أسلحتهم، (ريح) ما قدروا فيه! (زلزلة) ما قدروا فيها! (فيضان) ما قدروا فيه! وعطَّل عليهم شؤونهم، فكيف إذا اقتضى جبروته وعدله أن يُرسل عليهم عذاباً من عنده! مَن يصـرفه؟
( أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور * أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور * أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم * قل هو الذي أنشأكم ) اذكروا أنكم عدم، والذين يُخوِّفونكم كان أصلهم عدم، والذين يُرجُّونكم ويُرغِّبونكم بما عندهم أصلهم عدم، ما كانوا شيء ( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون * قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون * ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين * فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون قُل لهم يا محمد: أنتم بحكمة الخالق الفاطر المنشئ في أزمنة اختبارٍ على ظهر الأرض والمرجع إليه، ( قل إنما العلم عند الله ) أُبيِّن لكم الحقائق وأدلُّكم على مسلك النَّجاة، ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين )
( أفرأيتم ما تمنون .. ) إيش كنتم؟ وكيف بدأتم؟ أنتم الآن أسماع وأبصار وعقول وأفكار وحركات وعروق وخلايا ما كان هذا كلُّه نُطفة؟ مَن يجهل هذا؟ كيف النُّطفة تحوَّلت عظم؟ هات لي وسط النُّطفة المخ كان فين؟ والشَّعر فين؟ والظفر فين وسط النُّطفة؟ وعظام ولحم وشعر وبشر وبصر وسمع وسط النُّطفة؟!
وأنتم بين يديه، تتلقُّون فائضات رحمته في هذه المجالس، هو الذي ساقكم إليها وساقها لكم، وبسط لكم بساطها وإلا ما قدرنا عليها، ومن أين جاءتنا رحمة من الله سرَت بأسرار تنزيل ووحي حملها الحبيب الكريم ﷺ وتفرَّعت في الصَّحابة وآل البيت الطَّاهر وتسلسلت وتسلسلت حتى جاءتكم.
يا رب، اجعل محياهم لك، ومماتهم لك، وصلاتهم لك، ونُسكهم لك، لا يَشرَك في ذلك أحد غيرك، يا الله، يا الله، رُدَّ عنَّا وعنهم وعن رجالنا ونساءنا وجميع السَّامعين كيد الكائدين، ووسوسة الموسوسين، وضلال الضَّالين، واجعلنا في هداية في حصن حصين، وحرز متين، يا حافظ مَن يشاء، يا حارس مَن يشاء، يا كفيل مَن تشاء، يا وكيل مَن تشاء، يا مَن يكلُ توكَّل عليه، ولا يردُّ مَن توجَّه إليه اجعلنا ممن أقبل بالكليَّة عليك، وتذلَّل بين يديك..
يا ربِّ في مجمعنا هذا نتوجَّه إليك بمن جعلتَ محياهم ومماتهم ونُسكهم وصلاتهم لك أن تسلك بنافي مسلكهم أشرف مسلك، يا الله، يا الله، وارزقنا من عندك في نفوسنا ذلَّة لك تُعزُّنا بها في الدُّنيا والآخرة، يا عزيز، فإنه لا يذلُّ مَن واليتَ، ولا يعزُّ مَن عاديت، تباركت ربَّنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، ارزق الحاضرين والسَّامعين نور المجلس وبركته، وخِلَعه وفائض رحمتك فيه..
يا الله، يا الله، يتذاكرون هذا المجلس غداً، على حوض محمد، وفي ظلِّ العرش، وتحت لواء الحمد، وفي الجنَّة يا الله، يا الله، يا الله، لا تحرمنا خير ما عندك لشرِّ ما عندنا يا ربَّنا، ياربَّنا، يا ربَّنا، يا ربَّنا، ياربَّنا، دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تُخلف الميعاد، برحمتك يا أرحم الرَّاحمين، يا أرحم الرَّاحمين، يا أرحم الرَّاحمين، صلِّ وسلم على عبدك المصطفى محمد وآله وصحبه وسلِّم، وارزقنا كمال المتابعة له ظاهراً وباطناً في عافية وسلامة، والحمد لله ربِّ العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة
http://www.alhabibomar.com/Lecture.aspx?SectionID=8&RefID=12474
([1]) «مسند الشاميين»، للطبراني، (2213).
([4]) «المعجم الكبير»، للطبراني، (11158).
([11]) انظر:«بهجة المحافل وبغية الأماثل»، للعامري، (1: 237).
15 ربيع الثاني 1438