(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 20 شعبان 1445هـ، بعنوان:
التقوى والإيمان بالرسول ركيزتا الانقاذ والفوز للأمة وشرف إرادة وجه الرحمن وآثار أهلها وحيازة كرامة نظر الحق أول ليلة من رمضان
الحمد لله رب العالمين، رَبّ الأرضين والسماوات، رَبُّ جميع الكائنات، خالق كل شيء {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} إليه يرجع كل شيء، سبحان القيوم الحي، نشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، فاز الخاضعون لجلاله، وسَعِدَ المشاهدون لبهاء جماله، وأدرك غاية الفوز الذين لاح لهم أنوارُ كمالِه؛ فهم في العبودية بالعبوديَّة مُتحقِّقون، له وحده راجون، ومنه وحده خائفون؛ فكانوا له لا لسواه، فكان لهم -سبحانه وتعالى- بما لا يُكَيَّفُ ولا يُحصَرُ ولا يُعَبِّرُ عنه فَمٌ من عظمة عنايته بمن اصطفاه!
ونشهد أنَّ عبده المصطفى محمداً بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ختم الله به النبوة، وجعله سيِّدَ أهل الفُتُوَّة، وجعل أمته خير أمة، وجعله أكرم قدوة وأسوة. فصلِّ اللهم على عبدك الصفوة سيدنا محمد، وعلى آله المطهرين، وأصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى من والاهم فيك واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وعلينا معهم وفيهم يا أرحم الراحمين، يا أجود الأجودين، يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين يا أرحم الراحمين..
هيِّء قلوب الحاضرين والسامعين والمشاهدين والمتعلقين لأن تتنَوَّر بنور اليقين، وأن ترقى مراقي المقربين، وأن تَسْعَد بأعلى السعادة في الدنيا والآخرة مع المسعودين، يا مُسعِدَ السُّعداء، يا عالم ما خَفِي وما بدا، يا من بيده الأمر وله المُلك والحكم هاهنا وغدا، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فانظر إلينا نظرة تليق بجودك تَقِينَا بها الأسواء والأدواء وكل بلوى، في السر والنجوى، يا عالم السر والنجوى..
يا حي يا قيوم، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين: بفضلك جمعتنا، وعلى أبوابك أوقفتنا، وفي رحاب كرمك أوقفتنا؛ فلك الحمد شكرا، فأتمِم النعمة يا مُنعِم، وزِدْنَا من فضلك وأتم، لا إله إلا أنت فانظر إلينا، لا إله إلا أنت فأقبِل علينا، لا إله إلا أنت فَخُذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا إليك، خُذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا إليك، خُذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا إليك، أخذ أهل الفضل والكرم عليك.
يا الله.. يا الله.. يا الله..
فإنَّ حكمتك البالغة اقتضت في خلال مرور الأيام والليالي والأسابيع والأشهر والسنوات بعبادك على ظهر الأرض: أن تُقرِّبَ مَن شئت، وأن تُسعِد مَن شئت، وأن تَهدي مَن شئت، وأن تُوفِّق مَن شئت، وأن تُبعِد مَن شئت، وأن تطرُد مَن شئت، وأن تُشقِيَ من شئت.. فسبحانك يا مالك المُلك، يا مُكَوِّرَ النهار في الليل والليل في النهار، لا إله إلا أنت.. فاجعلنا مِمّن سبقت لهم منك الحسنى.
ووفِّر حظَّنا من الأيام والليالي والأسابيع والأشهر والسنوات، ولا تحرمنا خير يوم، ولا خير ليلة، ولا خير أسبوع، ولا خير شهر، ولا خير عام من الأعوام نعيشها على ظهر الأرض، وأَعِد علينا بركات الأعوام التي مرَّت من قبلنا، واقسم لنا بنصيب من كل خير تقسمه في أعوام من يأتي بعدنا، فإنك رَبُّ الكل، وإليك مرجع الكل، وبيدك إثَابَةُ مَن شئت مِن الطائعين وعقاب مَن شئت مِن المُسيئين، لا إله إلا أنت، تغفر لمن تشاء وتُعذّب من تشاء، فاغفر لنا وارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذّبنا فإنك علينا قادر.. يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين: اعفُ عنَّا ما كان مِنَّا.
وإذ أوصلتنا إلى النصف الأخير من شهر شعبان فارزقنا حُسنَ الاستعداد لرمضان، وبلِّغنا رمضان، على خير الأحوال، وعلى خير الوجوه، وعلى خير الشؤون في الظهور وفي البطون؛ حتى نَسْعَدَ بالنصيب الوافي الأكبر السامي العظيم الجليل من نظرتك في أول ليلة من رمضان إلى أمة حبيبك محمد، ومَن نظرتَ إليه لم تعذبه أبدا؛ فانظر إلينا يا ربَّنا، ووفِّر حظَّنا من ليلة النظرة، ووفِّر حظَّنا من ليلة القدر، ووَفِّر حظَّنا من كل ليلة من ليالي رمضان، واقسم لنا بالنصيب الوافي فيما بقي من ليالي شعبان، وارزقنا حُسنَ الاستعداد لذاك الشهر وما فيه، وما تجود به على أهله، واجعلنا عندك في خواصِّ أهليه؛ فيمن تُحبه وتَرتَضِيه، وتُقَربِّه وتُدنيه، وترفعه وتُعليه، وتَنْتَقِيهِ وتَصْطَفِيهِ.
يا الله: أيدي فقرائك إليك امتدت يا غني، أيدي عبيدك إليك امتدت يا إله يا سيِّد، أيدي سؤّالك إليك امتدت يا مُعطي، أيدي مساكينك إليك امتدت يا راحم المساكين، لا تجعل في مجمعنا ولا من يَسمعنا ويُشاهدنا إلا منظوراً برحمة من عندك مُوَفّراً له الحَظُّ في بقيَّة أيامه ولياليه، موفَّر الحظِّ من نظرتك إلى أمة حبيبك في أول ليلة من ليالي رمضان، ولا تجعل فينا ولا في بيوتنا إلا مَن يُنادَى بــ: "يا باغي الخير أقبل،يا باغي الخير أقبل، يا باغي الخير أقبل" ولا تجعل فينا ممن يُنادَى عليه بالقُصْرَان والخُسران! ممن يُنادى: يا باغي الشر أقصر! يا باغي الشر أقصر! فلا تترك اللهم إرادة لشر في قلب أحد مِنَّا.
واملأ هذه القلوب بإرادتك يا ربَّنا، وألحِقنا بمن يُريدون وجهك، إن صاموا فلا يريدون إلا وجهك، وإن قاموا فلا يُريدون إلا وجهك، وإن زَكَّوا فلا يريدون إلا وجهك، وإن قرأوا القرآن لم يريدوا إلا وجهك، وإن ذكروك لم يريدوا إلا وجهك، وإن ذكروا نبيك لم يريدوا إلا وجهك، وإن تعلَّموا لم يريدوا إلا وجهك، وإن عَلَّموا لم يريدوا إلا وجهك، فاجعلنا اللهم منهم وفيهم ومعهم، وهم الذين أمرت سيِّد أهل حضرتك وأحب أحبتك؛ خاتم رسلك سيدنا محمد أن يَصبِرَ نفسه معهم، وقلت له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} يا كريم حقِّق قلوبنا بهذه الإرادة، وأخرِج من قلوبنا كُلَّ ذَرَّةِ إرادة تُناقِضُها، وكل ذَرَّةٍ من إرادةٍ تخرج عنها وعن حقيقتها.
يا مُقَلِّبَ القلوب والأبصار، يا من يحولُ بين المرء وقلبه: هذه قلوبنا فانظر إليها، وأكرمها بسرِّ إرادة وجهك الكريم.. يا كريم، وكُل ذرة من إرادة غيرك فانزعها عن قلوبنا، وأبعِدها عن أفئدتنا، وطهِّرنا منها.
يا الله.. يا الله
فإنَّ أهل القلوب التي لا تريد سِواه؛ هم الذين يَجرِي على أيديهم الهداية والنفع لعباد الله، والرَّبْط لهم بالمولى تعالى في علاه، ونشر الهدى والنور، وربطهم بقافلة بَدْرِ البُدُور. وأهل القلوب التي لا تريد غير الله -جَلَّ جلاله- هم الذين يُنصَر بهم الدين، ويُعَزُّ بهم الإسلام، ويَرقَى بهم أهل الإسلام إلى أماكن العِزِّ الأشرف الأعلى؛ أهل القلوب الذين لا يريدون إلا وجه الرَّبِّ -جَلَّ جلاله- هم الذين يُخزَى بهم ويُهزَم جيوش الكافرين، وإن كَثُرَت وإن كَبُرَت -ولا كبير فيها مهما كانت، ولا كثير على الحقيقة فيها مهما تعدَّدَت- وهم وأعمالهم كما قال مَن بيده الحُكْمُ: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا * أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} اجعلنا من أهل الجنة يا ربَّنا.
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ..} فهل عندهم ما يُواجهون به تَشَقُّق السماء بالغمام؟ {..وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} إنهم في عَجْزٍ أمام المحاولات، وأرباب الدول الكبرى في حياتكم يقولون: نريد كذا ويعملون كذا؛ ما تحصل إرادة.. يقولون نريد كذا ويعملون كذا ما تحصل إرادة كذا.. يُدَرْبِجُون ويعملون! ما بيدهم الأمر، والله ما بيدهم الأمر؛ الأمر بيد واحد اسمه "الله" اسمه الله -تعالى في علاه-!
معهم ومع مَن صدَّقهم الغرور، معهم ومع مَن صدّقهم الزور، معهم ومع مَن صدّقهم الكذب والبهتان! {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ..} تظن الآية نزلت هباء؟ أو ضحك؟ تظن الآية نزلت بلا معنى؟! {..أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
ولا غَرَب أنهم يَتمادون مع ذلك في استعجال أسباب الهلاك والدمار والسوء والشر؛ من الظلم والعدوان، والطغيان والبغي! وقتل الأطفال وقتل النساء وقتل العُزَّل! وفي عدم مبالاة لا بدين ولا بإنسانية ولا بأيِّ معنى! {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} -جَلَّ جلاله-
قال سبحانه وتعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا}، وقال جل جلاله-: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
فلا فائز إلَّا مَن أدرك أنه عَبْدٌ له رَبٌّ يَجِبُ أن يَعبده، وقام بحق العبادة لهذا الإله -جَلَّ جلاله- غيرهم لا يفوز؛ لأن هؤلاء وحدهم هم الذين إذا ماتوا على هذا الحال كان مآلهم الجنة {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
فَإِن كُنْتُمْ ذَوُوا عُقُولٍ {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ..} فَيَا فَوْزَ الْمُرْسَلِينَ وَيَا فَوْزُ مَنْ آمَن بهم {..أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
وأمَّا المجريات للأحداث -بكل ما فيها-: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا..} من قبل أن نُظهرها، من قبل أن نوجدها وهي مرتبة، بحدود مُحَدَّدة ما تتجاوزها أبداً {إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} تقدير، تقديم وتأخير، وإظهار وإخفاء، وإحياء وإماتة، وإسعاد وإشقاء: {إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ..} وإذا أدركتم: {..لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ..}
يقول الله هذه الحركات حقّكم التي تتعلَّق -خصوصا في أزمنتنا هذه- بأسلحة الدمار الشامل؛ مصدرها الحديد ومرجعها إلى الحديد {..وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..} لمن عرَف يستعمل مادة الحديد وما تعلَّق بها في النفع وفي الخير وفي الهدى وفي الرشاد، وفيها البلايا لمن استعملها في الظلم وفي العدوان وفي أخذ حقوق الغير.. وما إلى ذلك من الأعمال القبيحة السيئة {..وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} وهذه مرحلة كبيرة من بعد عهد آدم؛ مرحلة النبي نوح عليه السلام، وبينه قرون كثيرة كثيرة كثيرة وأخبار وعجائب في الأرض، ثم مرحلة بروز إبراهيم الخليل، الذي مرَّت عليه أيام في الأرض لا يوجد فيها موحَّد إلا هو، ولا يوجد فيها مؤمن إلا هو، قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وأجرى الله على يده الخير وصَبَر! وحوادث استهزاء به، وحوادث إيقاد النار وصناعة المنجنيق وطرحه فيه ليُرمَى به {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ} على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم.
وجاء مَن بعده فكان أبو الأنبياء فظهر الكثير من الأنبياء، أولهم ابناه الكريمان اسماعيل وإسحاق عليهم صلوات الله وتسليماته، وانتشرت الخيور والنور على أيديهم، و: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ}، {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} فكان له جهاد على ظهر الأرض، وقام بواجب البلاغ وإقامة الحُجّة، وأبى القوم وأصروا واستكبروا فنجَّاه الله تعالى وبناته، وبقيت زوجته مع الهالكين والغابرين -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وأدَّى الرسالة.
وعجائب ظهرت في الوجود إلى وقت بعثة زين الوجود صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يقول تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا…} رسول بعد رسول {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} آخر المرسلين قبل نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم {..وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً..} وهكذا أتباع الأنبياء، قال: {..وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا..} يعني تعلّقوا بعبادتنا وقاموا بالتولُّع بفعل الخيرات التي أحببناها منهم وشرعناها لهم، {فَمَا رَعَوْهَا..} ثم تكاسلوا وتناقصوا عنها وتأخروا {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا..} يعني يُحذِّر أمة محمد: ما سلَك عليه خياركم وصلحاؤكم من الفضائل لا تنقصوا عنها ولا ترغبوا عنه ولا تزهدوا فيه؛ فإنَّ هؤلاء أعتب عليهم {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} -والعياذ بالله-
ثم الخلاصة فيما علَّمنا ربنا ودلّنا وهدانا وأرشدنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ..}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ..} لا تغرّكم دعاوي وبَهْرَجَة لأنظمة وترتيبات ومن يقول إنَّ عندي وعندي وعندي وعندي {اتَّقُوا اللَّهَ}، وإن أردتوا قدوة ومرجعية انظروا الحبيب أمامكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ..} لا يكلكم إلى أنفسكم ولا إلى أحد من الخلق؛ هو يتولاكم {..يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ..}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ..} فمن يقدر عليكم؟ ومَن يهزمكم؟ ومَن يقدر يذلّكم؟ {..يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ..} لا خرابيط ولا خبابيط من البرامج الكذّابة هذه، الأنظمة الساقطة التافهة، قال: {نُورًا تَمْشُونَ بِهِ..} على الهدى وعلى الطريق القويم والصراط المستقيم، الحق حق والباطل باطل، والمعروف معروف، والمنكر منكر؛ بِلا دَجَل ولا كذب ولا ضحك على العقول، ولا تبعية لإبليس ولا جنده {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
يا ذا الفضل العظيم: هذا سؤالنا، وهذا طلبنا، وهذا دعاؤنا، وأيدينا إليك: أن تجعلنا من أهل الفضل العظيم، وأن توتينا الفضل العظيم، وأن تُثبِّتنا على الصراط المستقيم.
ربنا: اجعل كل حاضر معنا وسامعٍ لنا ومُتَّصِلٍ بمجلسنا؛ منظورا إليه بعين رحمة من عندك تؤتيه التقوى والإيمان بالرسول، يا الله.. فتُكرمه بنور يمشي به، وتُكرمه بكفلين من رحمتك؛ فلا يضل ولا يشقى ولا يهلك ولا يخسر، يا أكرم الأكرمين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أكرمنا بذلك يا غفور يا رحيم.
وبصدق وجهتكم؛ في تصحيح الإيمان والرابطة بسيد الأكوان: ودِّعوا شعبان واستقبلوا رمضان. والله يجعله شهر فرج لأهل الإسلام والإيمان، وظهور للحق والهدى في جميع الأكوان، وخَذْلٍ وإبعادٍ وطرد للسوء والشر وأهل السوء والشر في جميع البلدان.
يا حيُّ يا قيوم أخذل المعتدين، يا حي يا قيوم اهزم المجرمين، يا حي يا قيوم اهزم المجرمين يا حي يا قيوم أنقذ المسلمين، يا حي يا قيوم أنشر الهدى والدين، يا حي يا قيوم لا تُبَلِّغ أعداء الدين والشريعة مرادا فينا ولا في أحد من المسلمين، اخزهم وإبليس.
يا حيُّ يا قيُّوم: كما تكرم الأمة بسلسلة المردة من الشياطين في ليالي رمضان فأكرمنا اللهم برَدِّ كيد الكافرين والفاجرين والمجرمين والمعتدين في نحورهم، وادفع عنَّا جميع شرورهم.
يا قويُّ يا متين: إليك الملجأ، ومنك النجاة، وبك الاعتصام، وبك الثقة، وعليك التكلان.
اللهم إن لجأ مَن لجأ إلى غيره من الخلق ظاهراً أو باطناً فنحن نلتجي إليك، ونُعَوِّل عليك، وندعوك لنا ولأمة محمد وأهل "لا إله إلا الله" أن تُسرِعَ بالغياث والدَّرَك وأن تدفع عنَّا شر مَن أفسد ومَن أشرك
يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم: اكشف عنَّا الهموم والغموم، وبلِّغنا ما نروم وفوق ما نروم.
يا الله.. ارزقنا كمال الإيمان بك وتقواك واتباع رسولك المصطفى، يا الله.. ارزقنا كمال تقواك واتباع رسولك المصطفى، ووَفِّر بذلك حظَّنا من خاتمة شعبان، ومن نظرتك في أول ليلة من رمضان إلى هذه الأُمَّة، فاجعل الحَظَّ وافراً لكل فَردٍ مِنَّا وأهلينا ومن في ديارنا، يا معطي يا وهاب، يا رَبَّ الأرباب، يا كريم يا توَّاب، يا مُسَبِّب الأسباب، يا حي يا قيوم يا الله.
وتدارك إخواننا في غزة والضفة الغربية، وفي رفح وأكناف بيت المقدس، وفي السودان، وبقية أقطار الأرض؛ بدَرَكٍ وغياث عاجل كامل ولطف شامل، يا لطيف يا مُغيث غياثك الحثيث تردّ به شر كل خبيث، يا حيُّ يا قيُّوم يا مُغيث غياثك الحَثِيث تَردُّ به شر كل خبيث، يا حي يا قيوم يا مغيث غياثك الحثيث تردُّ به شر كل خبيث، وتُصلِح به شأننا وشأن أهل "لا إله إلا الله" وتجمع قلوبهم وتؤلف ذات بينهم، وتدفع شَرَّ إبليس وجنده عنهم والأنفس الأمارة، وشَرَّ الدنيا الغرارة، وخُذ بنواصينا وقلوبنا وأيدينا إليك.. إليك يا ربِّ أخذ أهل الفضل والكرم عليك، وأثبتنا في ديوان مَن يريدون وجهك ولا يريدون سواك.
يا الله.. يا الله.. يا الله.. هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على المصطفى الأمين سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
20 شَعبان 1445