(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ التي ألقاها عبر الزوم ضمن سلسلة إرشادات السلوك بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ليلة الجمعة 2 ذي القعدة 1445هـ بعنوان:
اغتنام مواسم الخير في تحقيق الوجهة إلى الله والقرب منه والتوكل عليه
(يمكنكم الاطلاع على الصور في أسفل الصفحة)
الحمدلله جامعكم على الوِجهة إليه سبحانه وتعالى، والتذلُّل بين يديه، واستمطار رحمات جوده الواسع، لِتنالوا النصيب الوافي من حضرة هذا الحقِّ سبحانه وتعالى، وفضلهِ المتتابع، وغيثهِ الهامع، بالفضل والإحسان تجتمعون هذا الاجتماع، في ليلة الجمعة مجتمعة قلوبكم على الرّحمن -جل جلاله- وعلى الوِجهة إليه سبحانه وتعالى، وعلى الاقتفاء لحبيبه محمد ﷺ، والصلاة والسلام عليه ﷺ.
ويتابعكم في تتبُّع هذا المَجمع وما ينزل فيه من شرق الأرض وغربها أعدادٌ كثيرة، يتلقّون عطايا الله الوفيرة -جلّ جلاله وتعالى في علاه-، فاحمدوا الذي هيّأ لكم هذه الخيرات، ويسّر لكم هذه المِنَن الزاهيات العاليات الغاليات، خرجتم من شهر رمضان شهر الصيام ومرَّ بكم شهر شوال، وإن شاء الله ظهرت آثار قبول الصيام عليكم، وآثار قبول القيام وآثار قبول التلاوة للقرآن، وما وُفِّقتُم له من الخيرات في خلال ذاك الشهر الكريم، قبله الله منّا وأعادنا إلى أمثاله في عافية.
وكمل شهر شوال واستقبلكم شهر ذو القعدة، (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)[البقرة:197] انتهى أولها وأنتم في ثانيها، و(مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)[التوبة:36] هذا أولها من المُتتابعة، شهر ذو القعدة وذو الحجة وشهر الله المُحرم، والفرد شهر رجب، فهي مواسم عمر هذا الإنسان للقُرب من ربه -جلّ جلاله-، ولإدراك المَزيّة والمِنّة والعطيّة في خلال بقائه على ظهر هذه الأرض، كيف وهو من خير أمة، مِن أمة الحبيب الأعظم ﷺ، خيرهم كبير وعطاؤهم وفير، وجود الله عليهم غزير -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
وأنتم في هذه الساعة نائبون عن بقيّة الأمة في التضرُّع إلى الله، ومشاركون للمتضرعين والمُبتهلين سواء من كان في الحرمين الشريفين أو في بيت المقدس، أو في غيرها من بقاع الأرض، من كان في هذه الساعة على توجّه وعلى ذِكر أنتم مشاركون لهم، ومن كان على غفلة أو على انقطاع فأنتم نائبون عن بقيّة الأمة المحمدية، تسألون لهم الله وتتوجهون إلى الله وتتذللون بين يديه -جلّ جلاله - ليرحم، لِيحوِّل الأحوال إلى أحسنها.
فإن الأرض كما تشاهدون امتلأت بأنواع الغفلات، وبأنواع الفساد وبأنواع الضر، وبأنواع اعتداء الناس على بعضهم البعض، والتعدي على الحقوق إلى غير ذلك، ولكن مالك الأرض ومالك السماء واحد، وهو مالك المُلك -جلّ جلاله-، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26]، بعظمته وجلاله يُولجِ الليل في النهار ويُولج النهار في الليل، فهل من قوة غيره تتصرّف في الليل والنهار؟ أحد من أهل التقدم، أحد من أهل التطور، أحد من أهل أسلحة الدمار التي يفتخر بها من يُحِب الدمار والعياذ بالله -تبارك وتعالى-، أحد منهم يُكور النهار في الليل أو الليل في النهار؟ لا إله إلا هو -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
فَثِقُوا به واعتمدوا عليه، وخذوا نصيبكم من هذه المجالس والمجامع، وقد سمعتم القصائد المباركة وسمعتم التوجه إلى الله تعالى، وسمعتم الكلمة من الولد حامد ومن السيد محمد في ارتباطنا بالنبي ﷺ وأموره وأحواله، وفي تعليمه لنا التوكُّل عليه والاعتماد عليه - جلّ جلاله وتعالى في علاه -، والاستناد إليه وطرح الحَمل بين يديه، (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق: 3]، وفي القراءة الأخرى (بَالِغٌ أَمْرَهِ)، (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 3] -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
فاغنموا سِرّ هذه المجالس وما آتاكم الله من هذه الخيرات، وأنتم في هذه البلدة المباركة كثيرة الأنوار، كثيرة الخيرات، كثيرة البركات، كثيرة الرحمات بالفضل الرباني والجود الامتناني، جعل فيها من الصحابة، وجعل فيها من التابعين، وجعل فيها من تابعي التابعين، وجعل فيها من آل بيت النبي الأمين، وتريم تزهو وتفخر، بآل النبي المطهر، وأهل الفريط وأكدر، وكم وكم، في جرب زنبل كم ولي، كم عارفٍ صوفي ملان، وفي جرب أكدر، وكذلك ما جعل الله في زنبل وفريط وأكدر، وما جعل الله عليكم من واجب تدركون به أن هذه الحياة منقضية، وإن كان من خير فهو الذي يبقى للإنسان في برزخه ثم يُحشر به يوم القيامة، ويكون به في ذلك اليوم سعيد مع أهل الكرامة ومع المحفوفين بالعناية والرعاية من حضرة الله تعالى ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، في ذاكم اليوم العظيم وفي ذاكم اليوم الذي فيه حُكم الحاكم الحكيم الذي لا مُعقّب لحكمه -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
فاصدقوا في التوجه إلى الله، واصدقوا في الإقبال على الله، واصدقوا في الأدب مع الله سبحانه وتعالى، وأخذ نصيبكم من المَجمع وما فيه، وهِمّتكم في إقامة أمرِ الرحمن في أنفسكم وفي أهلكم وفي أولادكم وفي دياركم، لتكون ديار المؤمنين، ديار الموقنين، ديار الصالحين، ديار المُوفّقين ديار الذين ترعاهم عناية الرحمن -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
شرح الله لكم الصدور، يسَّر الله لكم الأمور، دفع الله عنكم جميع الشرور، ربطكم ربطًا لا ينحل بالنبي المصطفى محمد ﷺ بدر البدور، وأحيا فينا سُنته وأحيانا بِسُنته، وجعلنا مِمن يُحيي بهم سُنته، وأحيا فينا أخلاقه وأحيانا بأخلاقه، وجعلنا ممن يُحيي وينشر أخلاقه في مشارق الأرض ومغاربها.
الله ينظر إليكم في المَجمع الكريم نظرة رحمة ومِنة وعطية، ونظرة تقريب ونظرة تنقية للقلوب عن الشوائب، ونظرة حشو للبواطن بالإيمان واليقين والإخلاص والحضور مع الرحمن -جلّ جلاله وتعالى في علاه-، اللهم انظر إلى هذه القلوب قلوب جميع الحاضرين في هذا المحضر، في دار المصطفى ومن يسمعهم ومن يشاهدهم والقلوب المتعلقة بهم، وقلوب أمة حبيبك محمد ﷺ، انظر إلينا وإليهم يا ناظر، وهب لنا من جودك المتواتر ومَنّك الغامر ما تُصلح لنا به كل باطن وظاهر، وتكتب لنا به كمال السعادة في الدنيا والبرزخ واليوم الآخر، يا حي يا قيوم.
أصلِح أحوال المسلمين وأصلِح أحوال أهل الدين وأصلِح أحوال المؤمنين وأصلِح أحوال أهل لا إله إلا الله أجمعين، وحوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، اللهم اجعلها ساعة إجابة، واجعل الدعوات مستجابة، وأمطِر من صَيّب الإفضال على ساحات قلوبنا سحابة نرقى بها مع أهل الإنابة، ونستجيب مع أهل الاستجابة وتُصلح بها شؤوننا في ظهورنا وبطوننا، في دنيانا وآخرتنا، يا حي يا قيوم، جودك الواسع ومَنّك المتتابع وغيثك الهامع بالحبيب الشافع، ذي القدر الرافع والجاه الواسع ﷺ ومن له مُتابع، وعلى الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى المقربين وجميع عبادك الصالحين، ويسِّر لنا الوصول إلى تريم في عافية وسرور وأنس وحبور، وصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين في المشارق والمغارب.
اللهم انظر إلينا في ساعتنا هذه، في لحظتنا هذه، نظرة ربانّية، نظرة رحمانيّة، نظرة أحديّة، نظرة رحمة ونظرة صمدانيّة نرقى بها إلى المراتب العليّة، ونتنقّى بها عن كل دَرن التفات إلى ما سواك وتعلّق بمن عداك، واغمر واشمل وجميع الحاضرين والمتصلين بهم بواسع العطايا والمِنح والمزايا، يا عالم الظواهر والخفايا، وأصلِح شؤوننا كلها بما أصلحتَ به شؤون الصالحين، واختم لنا بالحسنى واليقين، وبارك في حضور الحاضرين من شيباننا حبيبنا علي الهدّار وحبيبنا عبد الرحمن بن مصطفى، والأخ سالم، وحبيبنا الجنيد وحبيبنا العيدروس ومن في هذا الصف من الشيابة والأرواح والملائكة الحاضرين معكم، الله يجعل لنا ولكم بذلك عطايا ومنح ومزايا تصلح بها الظواهر والخفايا، وتُغفر بها الذنوب والخطايا، ويعجّل الله بالفرج، ويفتح كل باب مُرتَج، ويثبّتنا على الاستقامة، ويتحفنا بالكرامة، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
03 ذو القِعدة 1445