(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 22 شوال 1444هـ بعنوان:
أنوار عِلم لا إله إلا الله وأخذ الرحمن بيدِ مَن سبقت له السعادة وترتُّب خطر المصير على ذلك
الحمد لله مُواصِل لإفضالاته، وعجائب جودهِ وإحسانهِ لعباده وبرِيّاته، نشهدُ أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وما أمسى بنا من نِعمةٍ أو بأحدٍ من خلقه نشهدُ أنها منه وحده لا شريك له، فله الحمد ولهُ الشكر على ذلك، ونسأله أن يُصلّيَ ويسلّمَ على عبدهِ المُجَتبى المختار سيدنا محمد، بِأفضلِ الصلواتِ وأزكى التسليمات في كلّ نَفَسٍ ولمحةٍ ولحظةٍ من اللحظات، وعلى آله الأطهار وأصحابهِ الأخيار ومن والاهم في الله واتبعهم بإِحْسَانٍ إلى يوم الميقات، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياء والمرسلين معادِن الفضلِ والإحسانِ والكرامات، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقرَّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، ونسأله أن يأخذُ بِأيدينا ونواصينا وقلوبِنا إليه ويدلّنا بِفضله عليه ويُوصلنا بِكرمهِ إليه، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وهو القائل: "يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ" اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ.
ولا عُقِدتْ المجالس إلا طلباً للهِداية من الله للقلوب وللعقول لِتستقيمِ على ما يوجبُ الفوزَ الأكبر، والسعادة بِمُرافقة سيدنا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعلى من والاهُ في الله وجعلنا الله تعالى وإياكم منهم (مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا)، مَن يَهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، اهْدِنَا يا ربنا فِيمَنْ هَدَيْتَ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وقد تكرّمَ الله على عبادهِ المُكلَّفين بِإنزالِ الكتبِ وبعثِ المرسلين حتى خُتِمُوا بِمُحمّد المصطفى الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وجعل أمّتهُ خير أمةٍ أُخرجت للناس في العالمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وجعلنا وإياكم من هذه الأمّة فله الحمد، أتمِمْ علينا النعمة يا رب، وكُلُّ الخلائق من عهد أبينا آدم بالنسبة للناس والآدميِّين إلى يومنا هذا، مَن أخذَ الله بيده وهداه اهتدى وتنوَّر وتصفّى وتطهَّر، وتنقّى وتحرَّر واستقام، ولَقِيَ ربّ السماواتِ والأرض على حالٍ جميل وهو راضٍ عنه سبحانه وتعالى، ومن وَكَلهُم إلى أنفسهم أو إلى أهوائهم أو إلى شهواتهم أو إلى أحدٍ من دونه ضَلّوا وزَلّوا وغفلوا وجهلوا، وانطلقوا في الذنوبِ والسَّيِّئات حتى جاءهم الممات على شرِّ الحالات، ولَقُوا الجبّار الأعلى غضبان عليهم وأعد لهم نيراناً موقدة تَطَّلِع على الأفئِدة، اللهم أجِرنا من النار وخُذ بأيدينا إليك أخْذَ أهل الفضلِ والكرمِ عليك يا الله.
وقد أكرمتنا بأن جعلتنا في خيرِ أُمّة وهديتنا إلى تصديقِ هذا النبي المصطفى، فأتمِم علينا النعمة وزِدنا هدى وزِدنا إيماناً وزِدنا معرفة، وزِدنا تقوى وزِدنا أدباً معك وزِدنا قُربٍاً منكَ وزِدنا محبةً منكَ ومحبةً لك، وزِدنا رضواناً منك ورِضواناً عنكَ برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.
وهكذا كلّ من أخذ الله بِيده ألهمَهُ رُشدَه، ولم يزل يُرَقِّيه ويرفعه ويُعليه، فيستفيد السُّمو والرِّفعَة والعلو والزيادة في أيامه ولياليه، حتى تأتي ساعة لقاءه لمولاه وخالقِهِ وباريه، جلّ جلاله وتعالى في عُلاه (وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ) [محمد:17]
وهل ينتظر جميع المُكلَّفين على ظهر الأرض إلا مجيء ساعة أحدِهم بشخصه؟ أو المُنذِرات بِهلاك الطوائف، أو الساعةُ الكبرى المُقبلة على جميع الخلائق! (فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ) [محمد:18] إذا وصلَ الواحد منهم إلى الغرغرة، وقامت قيامته، أو أتت الساعة فأيُّ مجال له أن يتذكر؟ أيّ مجال له أن يتوب؟ أيّ مجال له أن يهتدي؟ انتهت الفرصة وذهب إلى سوء المصير والعياذ بالله (فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ * فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ).
اللهم إنهُ العِلمُ الأسنى الأعظم الذي ترفع أهله، وعلَّمتَهُ نبيّكَ فبلغَ فيهِ ذُرى وحقائق ما بلغها سِواه، فنسألك أن تخُصَّ كل حاضرٍ فينا وسامعٍ لنا بنصيبٍ من هذا العلم ونوره وحقيقته يا الله (فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ).
ومن عَلِمَ ذلك لم يزلْ في زيادة مُرتَقٍ ذُرى السعادة، ذا أدبٍ مع الرحمن في الغيبِ والشهادة، وهكذا تفعل لا إله إلا الله بأهليها حتى تُرقِّيَهُم في مراقي القرب أعلى مراقيها، وكذلك في المحبّة، وكذلك في المعرفة، وكذلك في رِضوان الرحمن جلّ جلاله وتعالى في عُلاه، أكرمِنا اللهم بهذه الحقائق واجعل في قلوبنا نورَ عِلمِ أن لا إله إلا أنت بِحقائق ما أوحيتَ إلى نبيك (فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ) [محمد:19] فلاحِظنا بعينِ عنايتك في مُتقلَّبنا ومثوانا، وفي صباحنا وممسانا، وفي بُكَرِنا وعشايانا، وفي ظواهرِنا وفي خفايانا، فإنكَ سيدنا ومولانا، وغايةُ رجوانا يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، وثبِّتنا على ما تُحِبّه مِنّا وترضى بهِ عنّا حيثما كُنَّا وأينما كُنَّا يا الله، اللهم إنّا في قبضتكَ حيثما كُنّا فلاحِظنا بِعَينِ عِنايتكََ حيثما كنّا، اللهم إنّا في قبضتكَ أينما كنّا فلاحظنا بعين عنايتكَ أينما كنّا، اللهم إنّا في قبضتكَ حيثما كنّا وأينما كنّا فاجعلنا في رحمتكَ حيث ما كنّا وأين ما كنّا.
وأهلُ العلمِ بِلا إله إلا الله يستقونَ من سرِ الأمرِ بِالاستغفارِ للمؤمنينَ والمؤمنات، وجِهاتٍ وآدابٍ وهَمَّاً يحملونه في شأن التعرُّض لغفران الذنوب فإن شرّ الدنيا والآخرة مُعلَّق بها ومَنوط بها، وليس للبلاء والسوء في الدنيا والآخرة إلا الذنوب ومُخالفة علّام الغيوب جلَّ جلاله، والخروج عن أمرهِ سبحانه وتعالى وعن أمرِ رسوله الذي قال عنه: (فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أجِرنا من الفِتَن والعذاب الأليم يا ربنا يا كريم، واجعلنا و أُسَرنا وأولادنا وأهلينا وطلابنا وأحبابنا مُستقيمين على منهجهِ القويم وصراطهِ المستقيم.
دعانا إلى حقٍ بحقٍّ مُنَزَّلٍ ** عليهِ مِنَ الرحمنِ أفضلَ دعوةِ
أجبنا قبِلنا مذعنين لأمرهِ ** سمعنا أطعنَا عن هدىً وبصيرةِ
فيا ربِّ ثبِّتْنْا على الحَقِّ والهُدى ** ويا ربِّ اقبِضْنا على خَيرِ مِلَّةِ
يا الله، لا تَكِلْنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقك طرفة عين ولا أقلَّ من ذلك ولا أكثر يا حيّ يا قيوم وخذ بأيدِينا، ومن حضر في مثلِ هذا المحضر ينبغي أن يُحسِن التذلُّلَ للعليّ الأكبر، لِيَدوم له سِرّ الأخذ باليد في الغيبِ والمشهد، حتى لا يزال يرقى ويصعد، ويَعظم ويُرشد بعطاءٍ ليس له مِن حصرٍ ولا عددٍ ولا حد، وذلك جودُ الله على مَن أخذ بيده، وكُل ما نازَلَ نفسه وكُل ما طرأ على باله مما يُخالِف المنهاج أو يوقعُ في الاعوجاج، جاء من سِرِّ أخذ الرحمن سبحانه وتعالى بيده ما يُرشد به خير رشاد، وما يُكفى بهِ شر العناد والفساد، وتلبيس المُفسد المُعاند المُتربِّص بالعباد لِيُخرِجهم عن سبيل الرشاد، وقال عن أبينا آدم (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) اللهم اجعلنا منهم (وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَیۡهِم مِّن سُلۡطَـٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یُؤۡمِنُ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِی شَكࣲّ) فأرباب الإيمان بالآخرة -جعلنا الله من خواصّهم- لا ينطوي عليهم تلبيسه ولا تدليسه، ولا خداعه ولا غروره (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ * إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ) [فاطر:5-6] اللهم أجِرنا من السعير.
(ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ * أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗا) هذا حال قادة الكُفر، قادة المعاصي، قادة الفسوق، قادة الفساد على الأرض، زُيِّن لهم سُوءُ عَمَلِهِ (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) يا رب مع وضوح الأمور والأدِلّة والبراهين والتجربة ! وتوالي الأنبياء إلى أن خُتِموا بسيدهم، وقيام حقائق ما بلَّغ وما أرشد صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة، جيلاً بعد جيل، وقرْناً بعد قرن، ومع هذا يتمادون في هذا الغي وفي هذا الضلال وفي هذا الطُغيان ما هي الحقيقة؟ ما الحكمة؟ (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) فمُحاسِبهم على ذلك.
ولا يظنّون أن شيئاً لَوَوْا عليه الحيل والمخادعة، أنهم سينجون من عاقبته أو من مغبَّتِه أو من سوء مصيره، بل لهم في الدنيا أن ينالهم من معرَّةِ هذه الخدائع وهذه التلبيسات وهذه الاضلالات ما يصيبهم ثُمَّ الجزاء الأوفى هناك (وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعۡيَهُۥ سَوۡفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجۡزَىٰهُ ٱلۡجَزَآءَ ٱلۡأَوۡفَىٰ * وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ) [النجم:39-42] وهل يُرجَع إلى غيره؟ إلى من يرجعون؟ المؤمنون والصالحون والأنبياء إليه يرجعون، والكفار والفجار والفساق والملحدون إليه يرجعون، لأنه ماشي مرجع غيره، لكن هؤلاء يرجعون إليه وهو راضٍ عنهم ومُكرِمهم، وهؤلاء يرجعون إليه وهو ساخط عليهم يُهينهم والعياذُ بِالله (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)، (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
والعَجَبْ أن كُلَّ ما يصنعونه بِمكر شديد وكبير (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ) ولكن (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ) يفعلون كل ذلك خطة بعد خطة، ومرة بعد مرة، وقرناً بعد قرن، ليهدموا رُكن الدين والحق فلم يَنهدِم وما قدروا ولن يقدروا.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وانظروا بقيّةُ الأفكار، بقيّة الاتجاهات ما تُعادى فترة إلا وتخلْخَلتْ وتغلْغَلتْ وتضعْضَعَتْ، وهذا دين واحد يعاديه الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر في الوقت الواحد مئات الاتجاهات تعاديه، وفي القرن الثاني وفي القرن الثالث والقرن الرابع وهو يزداد قوة، ما تكفي هذه آية؟ لمن يَعقِل؟ لمن يدّكِر؟ لمن عنده وعي؟ لمن عنده فهم؟ لمن عنده حُسن نظر بِما آتاه الله من عقلٍ وسمعٍ وبصر؟ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
فيا مَن أُكرمت بهذا الدين الحقّ اعرف حقه وقُم بِحقِّه وقُم بواجبك معه، وانصره وكن سبب لِنشره وهدايته "فواللهِ لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمرِ النّعم"، وابتدئ بِحُسن تقويمه وإقامة حَقِّه في نفسك وأسرتك وأولادك، في ملابسكم، في أطعمتكم وأشربتكم، في أزيائكم، في معاملاتكم، في أقوالكم وأفعالكم، في نظراتكم، في سمعكم، حكِّم ربّك ورسوله المصطفى ﷺ، وأقِم أمر الدين وانصر دين الله وانصر شرع الله جلّ جلاله، وإن الله ليهدي لنُورهِ من يشاء سبحانه وتعالى، والحُجَج قائمة بقدرة القادر، مَن يُكَوِّر النهار في الليل والليل في النهار، والليل والنهار وحدها آيات عظيمات، يقول سبحانه وتعالى: (ومِن آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والقَمَرُ) ، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا).
يا مُتقدِّمين تحكَّموا في الليل والنهار يوماً واحداً! تحكّموا! قدِّموا أخِّروا! حَوِّلوا هذا المُراد التكويني من قِبَلِ المُكَوِّن لأن يكونَ طلوعِ الشمسِ في الأقطار الفلانية في الساعة الفلانية وغروبها في الساعة الفلانية إلى شيء يليقُ بكم وبقاراتكم التي يعيشون فيها من شأن يكون متناسب مع مصالحكم لمدة شهر! ما تقدرون! تحكّموا لمدة أسبوع ما تقدرون! تحكّموا لمدة يوم ما تقدرون! آمِنوا بالله! فلمَ وأنتم أمام هذا العجز والآيات أمامكم وأنتم تكفرون وتُلحدون وتَجحدون؟
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ المُلْك) وافتخَرَ بِذا المُلك القاصر وكل شيء حتى المُلك، يقول له اسمع قد كنت مع ناس كثير قبلك وروّحوا وراه وانتُزعِت منهم وأنا بنتزع منك ومع ذلك مُغتَر بِمُلكه؟ (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت) قال هذا الناقص النظر والعقل: أنا أُحيِِي وأُميت، دعا اثنين قتل واحد وخلّ واحد وقال أحييْتُ وأمت (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) يوم واحد طلعها من كذا! هيّا بسم الله هات قوتك (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) والكافرين هُم مبهوتونَ بهذه الآيات، كل يوم تشرق الشمس عليهم وتغرب بتقدير من؟ بتسيير من؟ بتوقيت من؟ بِتدبير من؟ وما تؤمنوا؟ ما هي آية واضحة جَلِيّة كبيرة! لا إله إلا هو جل جلاله وتعالى في عُلاه.
(وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَٰلِكَ النُّشُورُ) ترون قدامكم وأمامَ أعينكم نُحيي الأرض بعد موتها وأنتم ما نقدر نُحييكم بعد موتكم؟ ( كَذَٰلِكَ النُّشُورُ) ، (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) اجعل كَلِمنا مِن الكَلِم الطَّيِّب، وعَمَلنا من العمل الصالح، واجعل كَلِمنا إليك صاعداً، وعملنا إليك مرفوعاً مقبولاً عندك يا رب (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ) والذين يمكرون السيئات كثيرٌ على ظهر الأرض (لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) يَهلَك ويتلاشى (وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ).
فالله يُحيي قلوبنا ويتولّانا في جميع شؤوننا، وأقسَمْنَا عليه أن يأخذ بأيدينا، يا ربّ خذ بأيدينا واهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وأنقِذنا من الظُّلمات وأخرِجنا من الظُّلمات إلى النور، وارزُقنا تَبَعِيّة حبيبك محمد بدر البدور يا عزيز يا غفور في جميع الأمور، يا الله يا الله، رُدَّ عنّا كيد إبليس وجُندِه ظاهراً وباطناً، واجعلنا في حِرزِك وأمانِك الكُلُّ مِنّا فيه صادقاً معكَ مِن كُلِّ خوف آمناً، وأحيِنا مسلمين وتوفَّنا مؤمنين، واحشرنا مع السابقين، برحمتك يا أرحم الراحمين يا الله.
عِلمُ لا إله إلا الله يمتلئ بهِ كُلُّ قَلبٍ مِنّا يا الله، وقلوب أهلينا ومَن في دِيارنا وقراباتنا وجيراننا وأصحابنا وذَوِي الحقوق علينا نسألك أن تملأ قلوبهم بحقيقة علم لا إله إلا الله، وبأنوارِ علمِ لا إله إلا الله، مُحمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، احيِنَا عليها يا حي وأمِتنا عليها يا مُمِيت، وابعثنا عليها يا باعث، واجعلها آخر كلام كلّ واحد منا من حياتهِ الدنيا، يا الله يا الله يا الله ، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
وقد كان في أثر علم لا إله إلا الله ونورِ لا إله إلا الله، هذا السيد الكريم حبيبنا شيخ بن عبد الله بن سالم الحبشي عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وكان في عامةِ مجالسه يختمها بالدعاء: "يا من ختمتَ النُّبُوَّة والرِّسالة بِسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، اختِم يومي بخيرٍ وشهري بخيرٍ وسَنَتي بِخيرٍ وعُمري بخير"، وكانَ أخذَهُ إجازة من بِعضِ مشائخه وداومَ عليهَ في عامةِ المجالس التي يُمكِنهُ أن يُؤدّي فيها عليه رضوان الله تبارك وتعالى، حتى خُتِمت له الأيام بخير والأشهر بخير والسنوات بخير والعمر بخير، عليه رضوان الله وجمعنا به في دار الكرامة ومُستقرّ الرحمة، وتوسّعت حتى كان في آخر عمره إتمام توسعة الجامع في بلدِهم وإقامة عِمارات كثيرة وخِيرات من الله سبحانه وتعالى، وكانت آخر لحظات العمر أن يتطهَّر ويُقبِل على الحق جل جلاله لِيؤدِّي صلاة الظهر وأُخِذَ بِكُلِّه، أُخِذَ إلى الحضرة بِكُلِّه، فالحمد لله، اللهم ارفع له الدرجات واجمعنا به في أعلى الجنات، وأدخِل عليه رَوحاً منك وسلاماً منا في كل لمحة ونفس، وأخلِفه في أهل بلدتنا وفي أهل زمننا بخير خلف، واجمعنا به في الدرجات العُلا والفردوس الأعلى، من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، وعُلماء وصُلَحاء تُوفُّوا علينا في هذه الأيام اخلفهم بخير خلفٍ فينا يا رب وفي الأمة، واعلِ اللهمّ الدرجات عندك واجمعنا بهم في دار الكرامة، وانظر إلى أولادهم وأحفادهم وأسباطهم وقراباتهم واجعل فيهم أنوار علم لا إله إلا الله، برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين والحمد لله رب العالمين.
21 شوّال 1444