أربح ما يكسبه المكلفون في الحياة على الإطلاق قوة الإيمان والصلة بحبيب الخلاق
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 5 جمادى الآخرة 1446هـ، بعنوان:
أربح ما يكسبه المكلفون في الحياة على الإطلاق قوة الإيمان والصلة بحبيب الخلاق
0:19 نعم الله علينا بحبيبه ﷺ
1:23 أشد ما يفوت على الإنسان!
2:08 أعلى ما يحصل عليه المؤمن
3:15 طريق الفوز بالقرب من حبيب الله
5:08 عظمة عطايا لحظات من هذه المجامع!
5:48 ما هي الدولة العظمى؟!
6:56 أسرار معرفة قدر النبي عند ربه
8:18 مواطن القرب من حبيب الرب
10:35 حاولت أن أصف الحبيب ببعض ما فهم الفؤاد
11:45 الدعاء لأمة النبي محمد
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله الخالق الحق، الحيّ القيوم، الذي أكرمنا بخير داعٍ، وأعظم من للحقيقة واعٍ، السَّاعي في أشرف المساعي، عبده المختار سيدنا محمد.
نعم الله علينا بحبيبه ﷺ
نحمدك اللهم على بعثته وإرساله، نحمدك اللهم على أن خصَّصتنا به، نحمدك اللهم على أن جعلتنا من أمته، نحمدك اللهم على ما قذفتَ في القلوب من محبته. ولو لم تفعل ذلك بنا؛ ما استطاع أحدٌ أن يؤتينا إيَّاها، ولا استطعنا أن نَحصُلَ عليها ونبلغها بشيء مما على ظهر الأرض في شرقها وغربها!
فيَا مُتَفَضِّل لك الحمد، ويا مُنعِم لك الشكر، فصلِّ على هذا الحبيب، صلِّ منك عنَّا عليه في كل لمحة ونفس، عدد ما أحاط به علمك وما وسعه علمك، وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه، واجعلنا من أهل حضرة اقترابه، واجعلنا من أهل حضرة اقترابه، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
أشد ما يفوت على الإنسان !
لن يَفُوتَ أحداً من المكلفين على ظهر الأرض شيء؛ أعظم من أن يفوته الإيمان بالله والصلة بمحمد بن عبد الله! هذا أشد ما يفوت عليهم، هذا أكبر ما يفوت عليهم، هذا الذي يوقعهم في الحسرة! (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ)[النساء:42]. فأين مبانيهم؟ وأين مصانعهم؟ وأين قواهم؟ وأين زمجرتهم؟ (..لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ..) يُمسَخون حتى يكونوا كالأرض سواء (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ)، (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)[الفرقان:27].
فضل الإيمان والصلة بالنبي ﷺ
وأعلى ما يُحَصِّل المؤمنون على ظهر هذه الأرض من جميع المكلفين: إيمانهم بالله وصلتهم بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله. يوم يُنجِي الله المؤمنين من جميع الأُمَم، ويختَصُّ المؤمنون من هذه الأمة بالتَّقْدِمَة والتكريم والتفضيل والتعظيم. وبقول صاحب المنزلة لدى ربّ الكون: "أمتي أمتي"، "أمتي أمتي"، "أمتي أمتي"، في مواقف عظيمة كريمة! "فيُقالُ: يا مُحَمَّدُ أدْخِلْ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسابَ عليهم مِنَ البابِ الأيْمَنِ مِن أبْوابِ الجَنَّةِ، وهُمْ شُرَكاءُ النّاسِ فِيما سِوى ذلكَ مِنَ الأبْوابِ"، "إنا سنرضيك في أمتك ولن نسوءك فيهم" ﷺ.
ويتفاوتون في منزلتهم من الصِّلَةِ بهذا الحبيب ﷺ على مراتب ودرجات.
طريق الفوز بالقرب من حبيب الله
فمَا أعظم الفَوْزَ بالقُربِ من حبيب الله.. صلوات ربي وسلامه عليه! المُسْتَجْلَى في هذه الحياة بــ:
- المحبة،
- والإيمان،
- والاتباع،
- والاقتداء،
- وإحياء السنن،
- وفداه بالأنفس والأموال والأرواح، وبكُلِّ ما أوتينا،
يُستجلَى هذا القرب في هذه الحياة بهذه المعاني. ثم تكون حقائقه ولذائذه وعجائبه من عند الغرغرة فما بعد.. عجيبة، رَحِيبَة، كبيرة، نويرة، شريفة، عالية، غالية، عظيمة..!
يضم أهل الخصوصية من هذه الأمة:
- الورود على حوضه المورود،
- ثم يجتمعون مع جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم ومن تابعهم تحت لواء الحمد وحامله محمد،
- ثم يبدأ الحساب فلا يُقدَّم أحد على أمته،
- والمرور على الصراط فلا تمر أمة قبل أُمَّتِهِ،
- ودخول الجنة فلا تدخل أمة قبل أمته ﷺ،
- ثم يجتمعون مع بقية الأمم.. وإذا هو المُقَدَّم،
- حتى عند الذهاب إلى ساحة النظر إلى وجه الله الكريم!
فيَا رَبِّ وفِّر حظَّنا من هذا الحبيب، يا ربِّ وَفِّر حظَّنا من هذا الحبيب، وقرِّبنا مع أهل التقريب، يا قريب يا مجيب..
يا الله..يا الله..
عظمة عطايا لحظات من هذه المجامع!
ولحظات في مثل هذه المجامع تَظْفَر بها بالفوز بحقائق من الصلة به؛ لا يمكن تُحَصِّلها لو عبدت الله في زوايا الأرض من شرقها إلى غربها.. لكن في لحظات من مثل هذه المجامع تحصلها. لِمَ؟ لأن نظرها من فوق، لأنَّ الحق هو الذي يَتَعَرَّف إلى عباده فيها، وهو الذي يَقرُب من عباده فيها -جلَّ جلاله-!
وأين يكون تقرُّبي عند تقربه هو! ولكن إذا جاء تقرب من المولى وتعرُّف من المولى؛ عَظُمَت العطايَا وكانت على قدر عظمته وكرمه -سبحانه وتعالى-!
ما هي الدولة العظمى؟!
فلله الحمد على هذه السِّرَايَات ومظاهر دولة خير البريات. الدولة التي سمعتموها.. لا دولة سلطة ظاهرة، ولا دولة سيوف، ولا دولة صور، ولا دولة حكم ظاهر؛ ولكن دولة صدق مع الرحمن، دولة صِلَة بالقرآن وسِرِّ القرآن، دولة رضوان من رَبِّ العرش، دولة تهيؤ للمراتب العُلا في الجنان؛ هذه دولة محمد ﷺ.
ونِعْمَ الدولة، وهي الدولة العظمى، ووالله لا نعتقد ولا ننظر ولا نُقِر أنَّ دولة أعظم من هذه الدولة! هذه الدولة العظمى، والحمد لله على الانتماء إليها.
والله يُثَبِّت أقدامنا ويُرَسِّخها في هذه التبعية.. لهذا القائد، لهذا الحامد، لهذا السَّاجِد، لهذا الشاكر، لهذا الذاكر، لهذا الطاهر، لهذا الحبيب الأعظم.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أسرار معرفة قدر النبي عند ربه
ويَجِب أن تحيَا في قلوبنا: أسرار معرفة قدره عند ربه، قدره عند ربه! وماذا يُنسَب إلى معرفة القدر -عند الرَّب-؟ معرفة قدر في محاضر سياسية؟ وفي أماكن اجتماعية؟ وفي مظاهر قتالية؟ منزلة عند شيء من هذا أو منزلة عند الرب؟! إيش يساوي هذا عند هذا؟! لا نسبة بينها!
عظيم قدره عند ربه -جلَّ جلاله-؛ أَوْجَبَ علينا أن تقوَى صلتنا به؛ فنحوز من سِرِّ هذه العظمة -من قدره عند الله- نصيبا، فإنَّ ربَّنا إذا عظَّم أحدا وأحبَّه.. كل مَن اتصل به وأحبّه؛ تَسْرِي سِرَايَا من فضل الله على ذاك المحبوب لمن أحبَّه!
ولا محبوب مثل سيدنا المصطفى محمد ﷺ. فالله يُقوّي صلتنا به..
مواطن القرب من حبيب الرب
ونسأل الرحمن أن نَبِيت ليلتنا والله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وأن نزداد محبة، مرتقين إلى أعلى رتبة، حتى نلقى الله؛ فنُحشَر مع المحبوب، ونَقرُب منه.. من عند الغرغرة ويَقرُب مِنَّا، نَقرُب منه عند الّلحد ويَقرُب مِنَّا، ونَقرُب منه عند القيام من القبور ويَقرُب مِنَّا، ونَقرُب منه في ظِلِّ العرش ويَقرُب مِنَّا، ونَقرُب منه تحت لواء الحمد ويَقرُب مِنَّا، ونَقرُب منه على الحوض المورود ويَقرُب مِنَّا، ونقرب منه في المقام المحمود عند السَّجدَةِ المَهِيبَةِ الكبيرة المُخَصَّص بها دون البرية، والفتوحات الإلهيَّة له فيما يُلهِمُه من محامد، ثم قول حضرة الربوبية والألوهية -والناس كلهم تحت هذه العظمة خاضعين، أولهم وآخرهم، مؤمنهم وكافرهم- (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم:93-95]. يقول هذا الإله لحبيبه: "يا محمد، ارفع رأسك، وقُلْ يُسمع لقولك، وسَلْ تُعطه، واشفع تُشفع" صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله..
فتكون الشفاعة العظمى والقرب منها.. ما أعجبه من مجال!
وهكذا.. إلى المرور على الصراط إلى الجنات، وشؤون..! يعجز اللسان عن تصوّرها، بل يعجز الجَنان والذِّهن عن الإحاطة بها! (هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[ص:39]، (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة:17].
فيَا رَبَّ العالمين، انظر إلينا، وارزقنا رِبْحَ هذه المواهب، وجميع أهلينا وأهل ديارنا وأولادنا، لا تحرمنا سِرَّ المحبة الصادقة، والقرب القوي من حضرة حبيبك ﷺ؛ حتى نفوز من هذه الحياة بهذه المِنَنِ الكبيرة والعطايا العظيمة.
حاولت أن أصف الحبيب ببعض ما فهم الفؤاد
وسَمِعتم في كلام الحبيب علي الحبشي فيما أنشدوا عليكم:
حاولتُ أن أصف الحبيب ببعض ما ** فَهِمَ الفؤاد مِن الثَّنَا القرآني
بعض ما فهم فؤادي من ثناء الله في القرآن على عبده محمدِ حاولت أن أصفه..
فوجدتُ قولي لا يَفِي بذرَّةٍ من ** عُشرِ مِعْشَارِ العَطَا الربّاني
من أين يُعرِبُ مِقْوَلِي عن حَضْرَةٍ ** عن مَدحِهَا قد كَلَّ كُلُّ لساني
فسَلْ مِن بعد ما جاء الكتاب به ** فمَا مقدارُ مَدْحِ العالَمِ الإنساني
فطلبت مِن رَبِّ الثبَات على الذي ** قد خصّني والصِّدقَ في إيقاني
وكما أفادَ القلبَ سِرَّ تَعَلُّقٍ ** بحبيبه يملأ بذاك جناني
فأعيشُ في ذكر الحبيب مُنَعَّمًا ** بالذِّكرِ مُنبَسِطًا جميع زماني
-خير حياة في الدنيا-
وأفوز في العقبى برؤية ** وجهه ورضاه عني في أجَلِّ مكاني
اللهم اجمعنا في ذاك المكان، يا رحيم يا رحمن..
اللهم اجمعنا في ذاك المكان، يا رحيم يا رحمن..
اللهم اجمعنا في ذاك المكان، يا رحيم يا رحمن!
وكلُّ قاطع يقطعنا عن الاجتماع فاقطعه عنَّا، وزحزحه عنَّا، وأبعده مِنَّا، يا حيّ يا قيوم، يا عليُّ يا عظيم، يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
الدعاء لأمة النبي محمد
وعجِّل بتفريج كروب الأمة، واكشف الغمة، وارفع البلاء والظلم والظلمة، عنَّا وعن أمة الهادي محمد نبي الرحمة ﷺ. اللهم ارحمنا به رحمة واسعة، وارفعنا مراتب قربك الرافعة، واجعل هذه القلوب في القلوب الخاشعة، لا تحرم حاضرا ولا سامعا ولا مشاهدا ولا متعلقا إلا أدخلته في دائرة القرب منك ومن هذا الحبيب، ووفّرت له الحظَّ والسَّهْمَ والنصيب، يا قريب يا مجيب..
يا الله.. يا الله
اليوم تدعونه وغداً تلقونه، فعسى نلقاه على خير حال، وأنت راضٍ يا رب! رضوانك الأكبر يا رب..
يا الله: ما بقي من لحظات أعمارنا بارك لنا فيها؛ بركة نزداد في كل لحظةٍ حُبًّا، وقُربًا، ومعرفةً، أكثر من التي قبلها.. هكذا حتى نلقاك، وبعد لِقَاك يا رب أدم لنا عطَاك، ووهبك وإسداك، يا مَلِك الأملاك، يا حيُّ يا قيُّوم، يا مُدِير الأفلاك، احفظنا من كُلِّ زَيْغٍ وضلال وهلاك..
ثبِّتنا على قدم الهدى، وكن لنا فيما خَفِيَ وما بدا، يا حيُّ يا قيوم..
يا الله: ثُلَّة من أمة حبيبك مَدَدْتَ لهم حبال الاتصال بالجَنَابِ الأشرف، وأبقيتَ لهم القرآن، وأعطيتهم الأمان، ومكَّنتهم من الاجتماعات والتوجهات إليك، على قدم الاقتداء والاهتداء.. لك الحمد يا مُنعِم؛ فأتمم النِّعمة على كُلِّ حاضر وسامع ومشاهد.. يا حي يا قيوم، يا كريم يا واحد، يا الله.. يا الله..
ونِعمَ الدعاء لهذا الإله (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)[الفرقان:77].
اللهم ثبِّتنا على الاستقامة، وأتحفنا بأنواع الكرامة، وأَرِنا ظهور راية حبيبك محمد في جميع الأقطار، واجعلنا من خواصِّ ناصريها، وخواص ناشريها، وخواص القائمين بحقِّها.. في لطف وعافية، والحمد لله رب العالمين.
04 جمادى الآخر 1446