الآثار الإيجابية في حياة المكلفين على ظهر الأرض وارتباطها بالقرآن والذكر
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المجلس الثاني من مجالس الدعوة إلى الله في شعب النبي هود عليه السلام، ضمن محاور (تقويم الإيمان وتقويم السلوك) ، ليلة الخميس 7 شعبان 1446هـ بعنوان:
الآثار الإيجابية في حياة المكلفين على ظهر الأرض وارتباطها بالقرآن والذكر
لتحميل المحاضرة مكتوبة (نسخة إلكترونية pdf):
نص المحاضرة:
الحمد لله، مُكوِّن الأكوان ومُنزِل القرآن، على أكرم مُكوّن أعظم إنسان، الذي جاء بالحق والهدى والبيان، وخُتِمت به النبوة والرسالة، وكانت دلالته على الحق خير دلالة. صلِّ اللهم وسلم وبارك وكرم على القلب الذي أنزلت عليه القرآن، والعبد الذي اصطفيته للقرآن، عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأهل محبته وقربه، وعلى النبي هود وآدم وشيث بن آدم وإدريس ونوح وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ولوط، وداوود وسليمان بن داوود وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم، ومن بينهم من النبيين والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الاجتماع في الرحاب الطاهرة
أما بعد فيا من أُكرموا بهذا القرآن هدية من الرحمن، واصلة على يد سيد الأكوان ﷺ، وكنتم خير أمة، واجتمعت منكم هذه الثُّلَّة في الرحاب الطاهرة في جوار نبوة ورسالة، لمن عرفناه بالقرآن، وأحببناه بالقرآن، وقصدنا زيارته بالقرآن، وجئنا إليه مؤمنين بما أنزل الله فيه على نبينا محمد، وبمقتضى ذلك آمنَّا بما أنزل الله على النبي هود وأوحاه إليه، وما أنزله على النبيين من قبله ومن بعده، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)، وشعارنا شعار أوائلنا ورؤوسنا: (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
القدوات الكبرى على ظهر الأرض
أيها الأحباب المؤمنون، ومن يسمعون أو يشاهدون ومن يبلغهم ذلك:
إننا أمام قضية كبرى، المسعى والمسار والكسب كله للمُكلفين على ظهر الأرض، يقوم خيره وصلاحه ونفعه وفلاحه ونجاحه وما يفيد فيه على أساس الإصغاء لوحي المُكوِّن الفاطر البارئ الموجِد الخلاق، فيُكتسَب من هذا الإصغاء والإنصات والاستماع بالتصديق والإيمان واليقين؛ نتائج وثمرات حسنات طيبات، ويحصل ذلكم التأثر الإيجابي في صلاح هذا الإنسان، ونزوله منزلة الشرف بكرامة الخلافة عن الله في أرضه بالمعنى الذي أراده الله: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
فنجد أن الوحي هو شأن التأثير الإيجابي على القدوات الكبرى على ظهر الأرض وهم الأنبياء. والأنبياء تلا علينا الله من جملة أسمائهم: سيدنا زكريا ويحيى وسيدنا عيسى ابن مريم، وسيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل وإسحاق، وسيدنا موسى وسيدنا إدريس، ثم قال عنهم: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا).
ختم الكلام عن شأن هؤلاء وهم القادة للعالم باختيار مُكوِّن العالم وموجد العالم عليهم الرضوان.
فلا يمكن قط ولا يُعقَل عند مؤمن عنده ذرة من إيمان في قلبه أن يكون هناك صلاح ونهج للأمة ومسلك خير أو أشرف أو مأخوذ من غير ما أنزل الله وأوحى إلى أنبيائه ورسله، بفكر مفكرين أو عبث عابثين، أكثر ما يُضفى عليه كذباً وزوراً أنه تطوُّر وتقدُّم وهداية للخلق، عبث رأيناه بأعيننا ورأينا آثار العبث بأعيننا!
عن ماذا يتحدثون في كل ما خالفوا فيه حكم الله وما أنزل على الآيات، من القدوة لنا في الوجود؟ هؤلاء القادة الذين ذكرهم الله، قال: (إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا).
آثار التعلق الصحيح بالقرآن
ويقول سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ).
هؤلاء مصدر التأثير الإيجابي النافع في واقع المُكلَّفين من الإنس والجن، تأثروا بالقرآن وأثَّروا بالقرآن، فيجب أن نتأثر بالقرآن ونؤثِّر به، أن نقوم بحَقِّ القرآن، وأن ندعو إلى الله به وبمعانيه، نجعله أمامنا يقودنا إلى الجنات بأنواعها، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار.
وكم من مَسوق إلى النار في زمانكم من الذين استهزؤوا بآيات الله أفراداً أو جماعات شعوباً أو دول، والله إنهم يُساقون إلى النار وهم استحقّوا ذلك باختيارهم، جعل كلام خالقهم وراء ظهورهم، وانقيادهم للأهواء والشهوات والملذات الفانيات، والله لا قدوة فيهم! والله لا أسوة بهم!
أيها الأحباب:
قضية أن نعود إلى الصِّلة الصحيحة بالقرآن المُنزَل هي الأمر الفيصل بين الحق والباطل، إن كانت الأمة مُشرِفة على أن تتحوَّل إلى تلكما الفسطاطين اللذين تحدث عنهما سيد الكونين ﷺ، فلن يكون في فسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه إلا أهل القرآن، وإلا أهل الاتصال بالقرآن، وإلا أهل التعظيم للقرآن، وإلا الذين أخذوا نصيبهم من إنزال القرآن منزلة تليق به عندهم.
أما جميع منزلته فلا يستطيعون أن ينتهوا إليها ولا أن يقوموا بحقّها، ولكن إلى ما قَبِل الله منا من إنزال القرآن في منازل تليق بالقرآن على قدرنا وقدر ضعفنا، قَبِل منا ذلك بل ووعدنا عليه هدايات ودرجات وخيرات.
الهداية بالقرآن الكريم
(إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، يهدي للتي هي أقوم، والهادي هو الله، نسب الهداية إلى قرآنه وإلى من أنزل عليه القرآن، وقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).
هذه الهداية التي ائتمن عليها من أشار إليهم بقوله: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)، وقوله: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)، يقول جل جلاله وتعالى في علاه، مع يقيننا أن الهادي هو الله وحده. نعم والله الهادي هو الله وحده، ولكن الهادي وحده جعل وسائل الهداية نبوة ورسالة ووحياً يُنزَل، وقلوباً يصطفيها تتصل بالوحي والمرسلين، ونص على ذلك في كتابه.
وهذا يُبيّن لنا حقائق الفهم فيما بُعِث به الأنبياء، وأنه لا يتأتى أن يُنسب إلى الضلال فضلاً عن الشرك من يقول هداني فلان أو هداني فلان. (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)، (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)، (وَإِنَّكَ لَتَهْدي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
بل في القوم والناس أيضاً من يهدون ويدعون إلى النار والعياذ بالله تعالى، (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ) والعياذ بالله.
إذن فهناك هداية وإضلال، تحت أمر وتقدير الذي يهدي ويضل، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والسبب في الهداية والمُهتدي به تحت إرادته وأمره وقدرته، والسبب في الضلال والذي يضِلّ به تحت أمره وقدرته سبحانه. فتبين أن الحقيقة هو الهادي وحده، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ومع ذلك فالأسباب قائمة كما بيّن في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ، وإننا أمام هداية الحق والهدى والنور التي بها يخرج الناس من هذا الغرور.
لعبوا علينا وعلى عقولنا
لَعبوا علينا وعلى أفكارنا رجالاً ونساء حتى صيَّروا الذين يُنسبون إلى الثقافة بيننا أكثرنا اغتراراً بكذبهم وأكثرنا تورطاً في خديعتهم، صار هذا الميزان لأن يُعد هؤلاء هم المُثقفون بيننا، لعبوا علينا! لعبوا على عقولنا! والسبب ضعف الإصغاء لآيات الحق، والسبب انخداع بالإصغاء إلى أراجيف المبطلين على ظهر الأرض، الذين قال عنهم خالقهم: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ).
(وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ)، قاطعوا هذه المشاريع، قاطعوا هذه الكلمات، قاطعوا هذه الأراجيف، (حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) مما تضطركم الحياة إليه في شيء من المصالح تحت ضوء كتاب الله. (إِنَّكُمْ إِذًا) إذا أهملتم الأمر ورضيتم بهم (إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) منافق وكافر، والمنافق ليس بكافر؟ هو كافر لكن صنف يتظاهر بالإسلام. قال أنتم جميعاً كلكم سأجمعكم في مكان واحد والعياذ بالله تعالى.
وذكر منهم أهل مظهر الذين يتربصون بكم: (فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) ومصالح ولهف ودنيا! هذا صنف ساقط، هذا صنف هابط. إذا لم يؤثِّر القرآن فيك أن تؤثِر الله على ما سواه فما أنت من أهل القرآن.
الرفع والخفض بالقرآن
أحبابنا:
قضية كبرى في الوجود، أن نعود إلى كلام الخالق المبدئ المعيد البر الودود، وننزله المنزلة اللائقة به. "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً" ورفعه مؤبد ومتزايد إلى سرمد، "ويخفض به آخرين" وخفضه مؤبد والعياذ بالله تعالى، حتى إذا جاءت الواقعة والقيامة فكانت خافضة رافعة، والله لا تستطيع القيامة أن تخفض إلا من خفضه القرآن، ولن تستطيع القيامة أن ترفع إلا من رفعه القرآن، خافضة رافعة.
" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"، فنُحب أن نرتفع بالقرآن، وهو الرفع العظيم الأبدي السرمدي، نرتفع بالقرآن بصدق عودتنا إلى تعظيمه وإنزاله مكانه، (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
نتيجة الاستخفاف بوحي الله
نخرج من هذه الورطة الكبيرة التي وقع الناس فيها، من أجل إصلاح بعض شؤون الحياة جاؤوا في ألاعيبهم وعندنا طريق إصلاحها بالقرآن، وجعلوها سُلَّماً وشماعةً لِما يضحكون به أو يخدعون به عقول الضعفاء، وجعلوه مُرتبطاً بالاستخفاف بوحي الله، ويقولون هذه مشاعر وما تتقنون حتى تستخِفّوا بهذا، هذا معنى ما أوحوه، (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ).
وجاؤوا قبل سنين ينادون الناس لا بد من أن نرجع إلى حضارة الغرب، ونأخذها بِعَلّاتها وما إلى ذلك، ويتنبّه مُتنبِّهون منهم يقول أنت بِحُكم أنك مسلم، يقول نأخذ ما وافق القرآن وما وافق الشريعة، ولكن الحقيقة وراء ذلك كله: ما مِن ذرة فيها معنى من معاني الخير المُعجَّل قبل المؤجَّل إلا وهي موافقة لِما جاء في الوحي، وما لم يُوافِق فمهما كانت صورته منفعة فحقيقته مضرَّة وآفة.
بل أهل تلك الحضارات الذين وصلوا اليوم إلى بروز فشل حضاراتهم، وانتهوا إلى أنهم لم يعودوا على قدرة ليقودوا الناس.. كذبوا كذبوا كذبوا، كم هذا الكذب؟ إلى متى الكذب؟ والكذب إلى كم؟
وكان العوام عندنا من باب التجربة الطبيعية البشرية الفطرية: مطية الكاذب زحفة، مهما كذب بعد ذلك يظهر الكذب، يظهر الأمر على غير ما يدَّعي القوم، والأمر كذلك. كذبوا كذبوا حتى انتهى الآن! ويكذبون ويقولون نحن حُماة السلام؟ نحن أهل العدل؟ رأيناه! العيون رأت عدلكم في الأطفال وفي النساء، وعلى مرأى ومسمع! هذه حضاراتهم، انتهوا إلى هذا، انتهوا إلى أن يجعلوا الإنسان أبعد من الحيوان في طبيعته، ويُقنِّنون لذلك، ويفشلون ولكن إلى هذا الهوي من السقوط وصلوا، كفى! كفى لعب وكذب!
فلنعد إلى القرآن، ونقول شؤون دنيانا سنقيمها بنور كتاب الله، وإذا قامت على وجهها فستتحوَّلون مُتّبعين مُنقادين، لتنالوا نصيبكم من الحظ في الدنيا، وإن لم تؤمنوا بالآخرة، مهما أراد الشيطان أن يُغطي الحقائق، (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
العزة بنصرة هذا الحبيب
يظهر الحقيقة الرب الخالق، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ)، محمد ما جاء من فكر بشر، محمد ما جاء من صناعة جن، محمد ما جاء من ولادة حضارة، محمد ربُّ العرش تولاه، محمد أرسله القيوم الحي الذي لا يموت، محمد مُقدَّم جيش المقربين عند رب الملك والملكوت، محمد أعظم مُكوّن كوَّنهُ المُكوِّن في الأرض والسماء، محمد قائد ركب النبيين يوم القيامة، محمد أكبر مما يتصوّر المتصوّرون، محمد بشر لا كالبشر، محمد عبد فاق كل العبيد، محمد عبدٌ أحبه السيد الملك محبة لم يشرك فيها سواه، ولم يوصل إلى مداها أحداً عداه، مِن حملة عرشه ولا ملائكته ولا رسله ولا من سواهم.
محمد الذي قال بلسان الصدق والحق: "وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله يوم القيامة ولا فخر"، لكم الشرف، لكم العزة أن تقوموا بالنصرة لهذا الحبيب بكل قواكم وبأرواحكم وبقوتكم وبكل ما أوتيتم، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
لا تنقطعوا عن القرآن
انظروا هذا الرأس في الهداية، يقول الرحمن: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، إرشاد للرأس أعظم هادٍ، فلن نهتدي ولا نهدي غيرنا بغير القرآن وبغير الذكر، الذي يقول: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) قال تأتيتكم ظروف وأحوال لكن لا تنقطعوا، (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ) يحتاجون لقمة العيش وترتيب وشئون، كلكم بظروفكم: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)
(عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)، لا تنقطعوا، هذا مصدر عِزّتكم وشرفكم وتنويركم.
(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم) يعني ادخلوا الشركة التي ربحها مضمون، حتمي عظيم!
(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ) وأين تجدونه؟ قال عندي، قال لكم عندي، إلهكم قال لكم عندي، (تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
القرآن والذكر علاج الفتن
القرآن والذكر يا جماعة، القرآن والذكر، كانت بيوت الصالحين عليه، "البيت الذي يُقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض"، حذّر في وقت بيوتنا تتعرض لكارثة،؛"إني أرى الفتن تتخلل بيوتكم كمواقع القطر (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، يا رب صل عليه، أحسن البيان.
وتخللت كمواقع القطر، وجاؤوا لها بِشاشاتها، وجاؤوا لها بالأجهزة وتدخل كمواقع القطر، يا رب صل عليه.
"وتُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلبٍ كرهها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، وأيُّما قلب رضيها نكتت في قلبه نكتة سوداء"، "تعرض الفتن على القلوب كالحصير" ، يا رب صل عليه، ورأينا الكلام هذا، كان يتكلم عنه قبل 1400 سنة، نراه أمام العيون، وكأنك حاضر معنا، كأنك بيننا تصف لنا الأمر!
خير هادٍ، خير دالٍ، خير معلم، خير مرشد، به ارتبطوا، وبه افتخروا واغتبطوا، ونعم الملاذ لكم في القيامة،"في يوم يلوذ بي فيه الناس حتى إبراهيم وموسى" يلوذون بمحمد ﷺ، "آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة"، فلا تبيعوه برخيص! وعظِّموا ما عظّم الله، وارجعوا إلى الذكر الذي معنا كانت تضج به بيوتنا وبيوت المسلمين، تضج بذكر الله وتضج بالقرآن، حتى عوامهم، حتى من لم يكن يعرف يقرأ ويكتب، يكررون: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت،" سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر" - خير الكلام - "سبحان الله وبحمده"، "ربنا اغفر لنا وتب علينا.." ، يضِجّون كلهم بهذا؛ فارتبطوا.
إذا كانت هذه الوسائل السلبية انتشرت وأثَّرت، أترون أننا إذا اهتممنا بالوسائل العلوية لا تؤثِّر؟ والله ستؤثِّر وستنفع - الله أكبر - وستُقرِّب، وسيظهر أثرها الإيجابي فينا وفيما حوالينا، فلنعُد إلى تعظيم القرآن.
وكان الحبيب علوي بن شهاب عليه رحمة الله، يذكر في الذين يجيئون لزيارة هود من السلف، قال بعضهم لديه أربعين ختمة، بعضهم ثلاثين، بعضهم عشر ختمات، أيام الزيارة يكملها في الشعب، مرتبطين بالقرآن القوم، مرتبطين بالقرآن!
فهم القوم الذين هدوا ** وبفضل الله قد سعدوا ** ولغير الله ما قصدوا ** ومع القرآن في قرنِ
كفوا شركم عنا!
ونقول: كفى كذب علينا من شأن شؤوننا الدنيا واتركونا، خلّوا ثرواتنا لنا، وما عليكم نعرف نُصرِّفها، كفوا شركم عنا فقط! وخلّونا مع ديننا، ونحن الذين سنأخذ مما جعله الله في أرضنا؛ زراعة أو صناعة أو تجارة أو معادن، وبنور الله سنُصرِّفها فيما ينفع. أخذتموها ولعبتم بها، ومليتم لنا الأرض تهديداً بأسلحة الدمار الشامل، هذا شغلكم، اتركونا من هذا، عندنا شغل آخر، سنأملها لكم نور، سنملأها لكم خير، سنملأها لكم أمان.
فالله يوقظ قلوب المسلمين، شعوباً وحكاماً، صغاراً وكبارا، وما هي إلا أقضية قُضيَت من فوق، وقلوب ستستجيب من صغير أو كبير، عجمي أو عربي، حضري أو بدوي، حاكم أو محكوم، من استجاب منهم فله الخير وله حسن المصير، ومن لم يستجب يكون من كان، لا فرق بين أمير ولا مأمور، لا صغير ولا كبير، لا عربي ولا عجمي، من لم يستجب فله الشر وسوء المصير، والحمد لله رب العالمين، لا شيء غير ذلك، حكمه وحده، وأمره وحده، والمرجع إليه وحده، سبحانه وتعالى، (وَإِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
الشاهدين بالقرآن
فلنعد إلى هذه الأوصاف مع القرآن: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
من الشاهدين؟ الشاهدين خيار هذه الأمة، يُكذِّب الأمم بأنبيائها، أمم السابقين يقولون هم ما بلغونا يا رب، يقول الأنبياء: يا ربنا تعلم أننا بلغنا، يقول: من يشهد لكم؟ يقولون: أمة محمد، فيأتي الشاهدون من هذه الأمة، وما هم إلا أهل القرآن وأهل الاتصال بمن أُنزل عليه القرآن، يتقدمون ويقولون: نعم.
من هذا؟ هود؟ صالح؟ نوح؟ 950 سنة وهو يُبلِّغ، كذابين هؤلاء قومه، هم ما رضوا! دعاهم ليل ونهار وكانوا يستغشون ثيابهم، يقولون: أنتم حضرتم وقتنا؟ أنتم جئتم بعدنا؟ كيف تشهدون؟
يقول هؤلاء الشاهدون: الله بعث إلينا محمداً وأنزل عليه الكتاب، وأخبرنا هذا الذي بيده الأمر له الحكم اليوم، أنه قال فيكم كذا وفعل فيكم كذا، ولبث فيكم كذا ودعاكم إلى كذا، وليشهدون للأنبياء كلهم بشهادته سبحانه.
تقول الملائكة: ونحن نُزكِّي شهادة أمة محمد، نشهد أنك أنزلت عليهم وأن هؤلاء بلغوا، يقول الله: من يشهد لكم أنتم الأمة؟ يقولون: نبيك، يأتي سيدنا محمد يقول: نعم يا رب، أنزلت عليَّ الوحي بما قالت هذه الأمة، فشهادتهم حق، وتُزكي الملائكة، يقول: وأنا أزكي شهادتكم، رب العالمين جل جلاله.
(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا).
(فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ)، أيش نطمع؟ هذا تهذيب الرغبات، تهذيب الأمنيات، تهذيب الهوايات، (وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ).
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ).
اجعلنا من أهل القرآن
اهدنا يا رب واجعلنا من أهل القرآن، ربنا لا تجعل في مجمعنا ولا من يسمعنا أحداً إلا انتخبتهُ واصطفيته لسر القرآن، ونور القرآن، وتعظيم القرآن، والعمل بما في القرآن، وذكرك آناء الليل وأطراف النهار.
أعِنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وانشر ذلك في أمة حبيبك محمد، وأرنا الذين ترفعهم بالقرآن عرباً وعجماً، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، تُعِز بهم الدين وتنصر بهم الحق، وترد بهم كيد الفجار الكفار المعتدين الظالمين من الكافرين والفاسقين والمفسدين، يا حي يا قيوم.
وعدتنا خيراً على لسان نبيك، (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
أسعِدنا بالقرآن وارفعنا بالقرآن، واجعلنا من خواصّ أهله عندك يا رحمن، يا الله، اجعله قائداً لكل منا في ظواهرنا وبواطننا يا الله.
كم استجبت لعبد في هذا المكان على ممر القرون السابقة؟ هذه أيدي ضعفاء وأنت القوي، وأيدي فقراء وأنت الغني، وأيدي عاجزين وأنت القادر، سألناك وأمّلناك ورجوناك وطلبناك، وتضرعنا إليك، وابتهلنا إليك؛ أن تجعلنا عندك من أهل القرآن، وأن ترفعنا بالقرآن، وأن تُشفِّع القرآن فينا يا رحمن، وأن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، بفضلك وجودك ورحمتك.
وعُمَّ بهذا الخير مَن في ديارنا وأهلينا وأولادنا وطلابنا وأحبابنا وأصحابنا، والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، ومن سيُسلمون في هذه الأوقات وفي هذه السنوات، بارك في إسلامهم ودخولهم إلى دين الحق، وثبِّتهم واربطهم بالقرآن، وارفعهم بالقرآن يا كريم يا منان.
وأرِنا راية هذا الحبيب منشورة في جميع الأقطار، وأدِم راية الدين القويم في جميع الأقطار منشورة، ومعالم الإسلام والإيمان بأهلها معمورة معنى وصورة، يا الله. ابسط العدل بولاة الحق في جميع النواحي والأقطار، وأيِّدهم بتأييد من عندك و نصرٍ على المعاندين من المنافقين و الكفار، يا الله!
و اجعلنا يا رب في الحصن الحصين من جميع البلايا، وفي الحرز المكين من الذنوب والخطايا، و اجعلنا يا رب في الحصن الحصين من جميع البلايا، وفي الحرز المكين من الذنوب والخطايا، و اجعلنا يا رب في الحصن الحصين من جميع البلايا، وفي الحرز المكين من الذنوب والخطايا، وأدِمنا في العمل بطاعتك والصدق في خدمتك قائمين، وإذا توفيتنا فتوفَّنا مسلمين مؤمنين، واختم لنا منك بخير أجمعين.
وصل وسلم على هذا الحبيب المحبوب، للأجسام والأرواح والقلوب، وآله وصحبه ومن إليه منسوب، ونبيك هود وأنبيائك ورسلك الذين جعلتهم قادة خير الحزوب، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
08 شَعبان 1446