(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المجلس الثاني للدعوة إلى الله في شعب النبي هود عليه السلام، ضمن محور القواسم المشتركة وحماية أسس الدين، ليلة السبت 7 شعبان 1445هـ بعنوان:
اتساع معاني سمعنا وأطعنا وما يترتب عليها في بذل الوسع ومضادة الكفر وأحوال من لم يصدق في لا إله إلا الله
الحمد لله القوي الذي لا يعجزه شيء، القادر على كل شيء، من بيده ملكوت كل شيء، الواحد القيوم الحي، مُنْزِل الكتاب ومُرسل الأنبياء وخاتمهم بِسَيد الأصفياء، عبده الذي به عرفنا قدر الأنبياء، وآمنَّا بجميع الأنبياء عموماً وتفصيلاً بمن ذكرهم لنا إله الأرض والسماء في الكتاب الذي أنزل على عبده المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومنهم هذا الذي نحن بجواره سيدنا النبي هود، على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
إتصال الأمة بالأنبياء
وكان اتصال الأمة بالأنبياء ما ذكر الرحمن لنا (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[البقرة] هذا وصف المؤمنين الذين هم مع محمدٍ، ومحمد معهم (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) وفاءً بالعهد، أداء للمقدور والمستطاع، (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فقهنا وامتثلنا، تعلَّمنا وعملنا، (سمعنا وأطعنا)، أنصتنا وتلقّينا وأخذنا ودرسنا وتعلمنا (وأطعنا)؛ عملنا ونفذنا وطبقنا
(وسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا) نشهد التقصير مع ما قمنا به، ومع ما عملناه (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلا يأخذ بنا شيء من حوادث الحياة إلى تصوُّر أن غيرك يحكم، أو أن المرجع لِسواك، (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) مصير الأول والآخر، مصير الإنس والجن، مصير المؤمن والكافر، مصير الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، ومصير من عاندهم ومن خالفهم.
عواقب أتباع الأنبياء وعواقب معانديهم
وعلى ظهر الأرض جعل الجبار الأعلى في عجائب عواقب أحوال أتباع الأنبياء، والأنبياء؛ نُصرةً وتأييدًا وتسديدًا، قال عنها (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وإن جندنا لهم الغالبون) [الصافات] ثم جميع معانديهم وجميع مخالفيهم وجميع مُضادِّيهم ومقاتليهم، إلى ماذا انتهى أمرهم؟ إلى أي مدى كان شأنهم؟ وماذا بقي؟ هذا النبي هود كان تحدِّي القوم الكافرين في وقته -من الذين كذبوا به- أنهم أرباب القوة المبسوطة على ظهر الأرض، يقولون نحن جيش لا يُقهر -هم يقولون هكذا -(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت].
ولكن بحكم الإيمان الحاضر في أذهاننا وعقولنا قول الرحمن (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت] وهل هو خلق قوم عاد ولم يخلق المعاندين المتكبرين الذين في زمانكم؟ هو الذي خلقهم وخلق الذي قبلهم ولا خالق سواه -جل جلاله- (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[فصلت:] قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) [الحاقة] كما قال الله جل جلاله: (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أَخْزى وهُمْ لا يُنْصَرُونَ)[فصلت] (وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[النمل] اجعلنا من الذين آمنوا ويتَّقونك يا رب العالمين ويا أكرم الأكرمين.
حمل همِّ الأمة يدل على قوة الإيمان
املأ قلوب الحاضرين أجمعين والسامعين ومن والانا إيمانًا يزداد في كل نفسٍ وفي كل حين، حتى يتوفى كل واحد منا على أقوى الإيمان، وأعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، يا أكرم الأكرمين، نُحِب لقاءك وتُحِب لقاءنا وارزقنا في أعمارنا تقواك في السر والنجوى يا حي يا قيوم.
وإنَّ من الإيمان والتقوى ما يُنازل القلوب في هذه الساحات من تذكُّرِ أحوال أمة خير البريَّات "ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" قال صاحب الرسالة هكذا، قال صاحب الدعوة هكذا، فإنما قدر إسلامي وإيماني على قدر اهتمامي بأحوال المسلمين والمؤمنين في الشرق والغرب، وبذلي ما أستطيع لخدمتهم ونصرتهم وتعليمهم وهدايتهم وإرشادهم وموالاتهم من أجل الله تعالى، على قدر تحققهم بالإيمان والعمل بمقتضاه (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[المائدة].
وما يُنازِل القلوب من هذا الأثر الذي نرجو -إذا صدقنا فيه مع الله- أن يتأثر به من يحفُّنا من الملائكة والأرواح الطاهرة، ويقرع كلهم باب القوي القادر والعزيز القاهر والإله الفاطر- جل جلاله-
وما بين طرفة عين وانتباهتها ** يُحوِّل الله من حال إلى حال.
طلب التحقق بكلمة (لاإله إلا الله)
وهذا الشعور والإحساس الذي يُنازِل القلوب ويوجب علينا الإلحاح على الله ويوجب علينا تحقيق توبتنا، ويوجب علينا حسن نظرنا في معرفة هذه الأسباب التي أوصلت الأمة إلى هذا، ونحن أمام توجِيهات أيضًا نبوية تُعلِّمنا أن الشدائد والإشكالات والمصائب بين المسلمين لا يُمكِّن الله عدوهم من خارجهم أن يُحدِثها بينهم إلا أن يذيق بعضهم بأس بعض، كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن بعضنا يخرج عن ما سمعتم من صِدق الوجهة والتحقق بحقائق لا إله إلا الله، ويصبح قولها على اللسان في الحال الذي وصفه صلى الله عليه وسلم أنه لا حقيقة له عند الله الذي خلق؛ كيف؟ لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أهلها غضب الله وسخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم، فإذا فعلوا ذلك ثم قالوها قال الله "كذبتم لستم بها بصادقين" والمعنى أن كثيرًا ممن يقولها سيكذب في التحقق بها والعمل بمقتضاها، والمعنى إذن أن على المتحققين بها أن يرحموا وأن يرأفوا وأن يبذلوا الجهد.
وأن على عامة المسلمين أن يطلبوا التحقق بحقائق لا إله إلا الله، ليقيموا بذلك أسوار الأمان وأسباب رفع ما نزل وحل بالأمة، إذا حدثتهم أنفسهم بالتحقق بحقائق لا إله إلا الله، التحقق بحقائق لا إله إلا الله التي كثيراً ما لُقِّنت للناس في هذه المجالس في أيام زيارت النبي هود مِمن يقدم من أكابر المتحققين بها ويُلَقِّنونها في تبعية إلى أصلها ومعدنها صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير من قالها من الخلق -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
لا إله إلا الله كنز وحِرز وحصن وعلم وسُلّم ومعراج، وقوة ونعيم وصفاء ونقاء ووفاء ورضوان، لا إله إلا الله مرافقة لسيد الأكوان، التحقق بها مرافقة للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ما أعظمها وما أكثر القائلين لها وما أقل المتحققين بحقيقتها.
من أعظم مقاصد هذه المجالس
ومن أعظم المقاصد في هذه المجامع أن لا ينصرف مُنصرف منها إلا مُتحققا بحقيقة من حقائقها، وإذا تحقّق بحقيقة من حقائقها؛ عاش مُترقّيا طالعا صاعدا في أنفاسه ولحظاته حتى يلقى الرب، وعند اللقاء يمتلئ قلبه بها وينطق بها لسانه، وإذا نطق اللسان فكانت آخر كلمة كان ممن يدخل الجنة بغير حساب "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة".
حِرْصنا على أن نتحقّق بحقائقها، ونُحقِّق بها أُسرنا وأهلينا وأولادنا، ويخرجوا من هذه الورطات التي تسببت في هذه الأحوال التي نزلت بنا، وعدو الله إبليس ومن معه من الكفار يعلمون أن وصولهم إلى أغراضهم لا يتم عبرهم مباشرة، ولذلك يحبون أن يستخدموا من قَبِلَ ذلك الاستخدام مِن سَقَطة المنتمين لهذا الدين، ومن الذين هلكوا بعدم التحقق بحقائق الإيمان واليقين، فيستخدمونهم لهم ألاعيب يلعبون بها ويلعبون عليهم، ويصير مصير الكل (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ لِلْإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إنِّيَ أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ * فَكانَ عاقِبَتَهُما أنَّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وذَلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ) [الحشر] والعياذ بالله تبارك وتعالى، ولن يظفروا بمرادهم.
تكبُّر فرعون وعاقبته
وما بعد النبي هود بقرون كثيرة، جاء فرعون وكان يسفك من الدماء من أجل غرض أن لا يبتعث من بين هؤلاء من يكون زوال ملكه على يده، وراح كل ما سفك من الدماء آثام على رقبته وسببا لقوة عقابه بعد أن جاءته الدعوة ورفضها، ولم يتحقق مراده بل قيل له الذي تخافه سنُربّيه وسط دارك ومن نفقتك الخاصة ولتسلِّم الأجرة لأمِّهِ ليجد النفقة من وسط قصرك يا قاصر العقل، يا من تبجّحتَ بقوتك (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)[الزخرف] ثم (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) [النازعات] ثم (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) [القصص].
تدور أفكار الكفار والفجار في الأزمنة حول هذه المقالة -إن صرَّحوا بها أو لم يصرِّحوا- لكن هذا الذي ينتاب أفكارهم وينتاب مشاعرهم (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت]، كما قال قوم عاد (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الزخرف] هم يقولون، و (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات] ، بل وأيضاً كم الآن من الموجودين على ظهر الأرض ينازل أفكارهم تماما (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) [القصص] من أمامي؟ ما أحد في الوجود أمامي، هم يظنون هكذا وهم يقولون هكذا وهم يعتقدون هذا، أفٍّ لهم وتبّا، عامتهم سيصبحون عِبراً عما قريب للمعتبرين، بقوة قوي وقدرة قادر.
ما نخاف قواهم
نحن اليوم في عالم الأسباب ما نملك شيء من هذه الأسباب الظاهرة في مواجهة ومقابلة أولئك الفَجرة والكَفرة، ولكنّا في نفس الوقت ما نخاف قواهم، ولا نخاف ما بأيديهم، ولا نخاف ماعندهم، ونوقن أن رضانا بأدنى خوف من ذلك خيانة بيننا وبين الجبار الذي خلقنا، وأنه مُناقَضَة لحقيقة لا إله إلا الله.
قال تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين * ونُمَكِّنَ لَهُمْ في الأَرْضِ) [القصص].
غرائب من قصة موسى
والعجب في عالم الحِس (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا) [القصص]، القوة الكبيرة هذه، منهم ما كانوا يخافونه على يد المستضعفين هؤلاء يتِم، فماذا فعل المستضعفين؟ قال لهم استولوا على أسلحتهم؟ ما قال لهم، قال ادخلوا على معسكراتهم لتقودونها وتنتصرون بها؟ ما قال لهم، قال فقُل له- (فقُل هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فتخشى) [النازعات] ، هذا منطقنا وهذا منطق الأنبياء على ظهر الأرض هذه، دع الأفكار تعج بما شاءت من متع الدنيا، عندنا هذا الدعاء: هل لك إلى أن تزكّى؟ وأهدِيك إلى ربك فتخشى؟ (اذهب إلى فرعون إنه طغى) ومادام طغى؟! هل سنسلِّحك بجيش لكي تقابل طغيانه، ايش من جيش؟ ما معه إلا زوجته بنت النبي شعيب واثنين -بسم الله الرحمن الرحيم- وصلوا، قال دع أخي هارون معي، (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) [القصص]. والثلاثة ماذا سيعملون؟ ثلاثة أمام طغيان كبيرعلى ظهر الأرض، ذهب و بمجرد ما طرق الباب رعب امتلأ به فرعون، واجهه، فقابل حُجة وكلام عظيم (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [الشعراء] ، أنت كنت وأنت صغير تربيت هناك عندهم! ها. (وفعلت فعلتك ..) قال (فعلتها وأنا من الظالمين)، (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء] تتمنّن علينا اليوم! وبتقتِّلنا؟! (تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء]، تتمنّن علينا تقتلنا؟ تقتل الأبناء وتستحيي النساء وتتمنن علينا اليوم وإلا ماذا معك؟ ما القوة هذه؟ يقول له (وتلك نعمةٌ تمنها عليّ أن عبّدت بني اسرائيل) يريد أن يشكّك؛ (ومن رب العالمين؟) (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [الشعراء]، (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْكُمْ لِمَجْنُونٍ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ) [الشعراء]، وتعبوا وانزعجوا، راح يستغيث بالسحرة، وجاء بالسحرة وقال (أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الشعراء: ]، (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) [الشعراء]، راحوا هم وفرعون راح! (قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * أُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) [طه]، والعجب أن الإيمان هذا والقوة من سر لا إله إلا الله انتقل إلى قلوب السحرة مباشرة، فصاروا نوع ثاني، قبل قليل.. (أئِن لنا لأجراً) ؟ تزلُّف إلى فرعون! وبعد ما جاء الإيمان هذا واليقين؛ (لَن نُّؤۡثِرَكَ) تهديد فرعون ما عاد ينفع، إغراءه لا ينفع، لا يريدون شيء منه ولا هم فزعين منه ولا خائفين! كيف بسرعة تحوّل الحال وتحوّل المنطق؟!
يقولون (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ) قالوا (لَن نُّؤۡثِرَكَ) أنت غير مرغوب فيك أصلاً، نحن ما عاد نُحِبك ولا نريد شيء من عندك، ولا نخافك، اوه؟ ما الذي حصل؟ ما لكم تحولتم هذا التحول العجيب؟ (لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا) خالقنا ومُنشئنا نؤثرك عليه؟! أنت مثلنا من نطفةٍ أتيت (فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ) وقد صار تحدِّي؟! وسنقول لك وسنحلِّل لك حكمك (إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ) وقت مُعيَّن في ساعات معيَّنة من خلال الدنيا فقط، عاد وراء الدنيا قضاء ما لك شيء فيه أصلاً! (إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ) ما الذي حصل عندكم؟ (إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِ) والحقيقة خلاص تجلَّت (وَٱللَّهُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ).
(إِنَّهُۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمٗا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ) نحن سنُعلِّمك المستقبل الكبير فإنك على خطر، تنقذ نفسك أحسن لك، لو تستمر في طغيانك هذا أنت فاشل، أنت خاسر، أنت معذَّب (إِنَّهُ مَنْ يَاتِ رَبَّهُ مُجِرٌّا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمٌ لَا يَمُوتُ بِهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَن يَأۡتِهِ مُؤۡمِنٗا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَٰتُ ٱلۡعُلَىٰ * جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ)
وبعد اشتد الأمر، قبل كان يقول (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ)
(قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ)
(قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ) ما لنا نحن غرض بالوقوف على ظهر الأرض ولا بالملك فيها إلا بيختبرنا الله، ما الذي نعمل؟ نُحسِن العمل من شأن نلقاه ويرضى عنه (فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ)
وهكذا كان ما كان، وانتهت القوة كل الطاغية والآن جاء وقت الشدة، ماذا نعمل؟ (فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا) يسرون في الليل، الحكمة البديعة هذه، اسروا في الليل، وربي يعلم أنه أمامهم بحر ولا توجد سُفُن هنا، ويقول: اسروا في الليل، يعني: عباد أقيموا السبب وأنا الرب أتصرّف لكم، لكن أنتم تحركوا، أخذ موسى قومه وسَرَوا في الليل، وصلوا الى البحر لا توجد سفن ولا مراكب وجلسوا.
عاقبة فرعون وقومه
وجاء الخبر ومخابرات فرعون أن الجماعة هربوا وقال وراءهم نمشي، ما عاد أشرقت الشمس إلا وهو مُقبل عليهم، تحرك من آخر الليل، وخرج هو وجنوده، الجنود معهم أسلحة، و من جهة مادية تماماً سيتأصلون موسى ومن معه ولا يتركون واحدًا، لكن مِن جهة حقية، من جهة إيمانية، من جهة لا إله إلا الله، سيتدمَّر هو وقومه ويبقى موسى ومن معه، وما كان إلا ذلك (فَأَتۡبَعُوهُم مُّشۡرِقِينَ) عند طلوع الشمس (فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ) -جماعة سيدنا موسى وقوم فرعون، أقبلوا- قالوا الجماعة الذين مع سيدنا موسى: (إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ). انتهت المسألة -الآن سيقع لنا اليوم قتل ولن يسلم منّا أحد-. قال سيدنا موسى: (كلا)! ما معنى (كلّا) هذه؟ ذا البحر وذا العدو، قال: (قَالَ كَلَّآ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ) (فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَ) العُصي ماذا تفعل في البحار؟! لكن أنت عبد نفِّذْ فقط ووراءك الرب (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ) جاء سيدنا الموسى يضرب البحر (فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ) جبل وجبل وجبل واذا هي صارت اثنى عشر جبل، يمرون بينها (قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡ) إثنا عشر قبيلة مع موسى قال: هيا كل جماعة يأخذون في طريق، وعادهم يتحكَّمون مساكين ويقولون الآن لا نرى بعضنا بعضًا -صاحوا- فتَّح الله لهم فتحات بين هذا وهذا، كل واحد يرى الشق الثاني والشق الثاني وينظرون، ما التحكم هذا؟! سيولة الماء تتحول إلى صلابة! وشي فتحات.. سبحان الله!
ومضوا ووصل فرعون والجماعة مشوا وموسى معهم، ما هذا الجبل؟ وما خبره هذا؟ بقدرتي وأنا شققتُ لهم، وأنا وراءهم، هيا ادخل.. ودخل، فلما توسَّط ردّ الله الماء إلى سيولته، فلما (أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) [يونس] وأولئك الذين هناك شبعت تقتل فيهم والحق عندهم! أين (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) [النازعات] أين (ما علمتُ لكم من إله غيري)! أين (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف] ولا عاد شي، كل هذا باطل! رَوّح، انتهى، بقي كلام موسى، (إلا الذي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس] قال (الآن).. (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ) [يونس] (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) [غافر].
فلتأخذوا زادكم من هذه المجامع، جمعية على هذا الرب وثِقَة به، وبذل ما تستطيعون وهو الذي سيُدَبِّر، أمام القوّات هذه كلها ما أعطى شيء موسى ولا سلاح واحد من الأسلحة المادية، قال له اسروا بالليل سروا بالليل، قالوا اضرب بعصاك البحر، وانتهت المسألة.
سبب هلاك الأمم وسبب نجاتهم
قال سبحانه وتعالى: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) [الأعراف] (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الأعراف] وما السبب؟ قال (بِمَا صَبَرُوا) الله أكبر.. (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) وما هو سبب هلاك فرعون؟ قال سبحانه وتعالى: (إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) [الأعراف] هذا السبب، (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف] هذا سبب الهلكة للأمم، هذا سبب هلكة الدول سابقاً وحديثاً (كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) وتدمر أمرهم، سبب النجاة (بِمَا صَبَرُوا) (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) [الأعراف].
سمعنا وأطعنا
فلنأخُذ الصبر والإيمان والعمل الصالح، ونقول للجبار الأعلى: سمعنا وأطعنا، (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[البقرة] وقال لكم بصراحة أنا ما أكلِّف أي مخلوق من مخلوقاتي شيء فوق ما أعطيه من القدرة (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة] لكن في الوسع هذا في حساب بعدها دقيق، (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة].
وأقوالكم أنتم بما علّمكم نبيكم؛ أريد أن أتفضل عليكم بعطاء عظيم فاسألوني، يقول سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة] قال الذي أُنزلت عليه لما قرأنا (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله قد فعلتُ، (رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قال الله: قد فعلتُ، (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) قال: قد فعلت (وَاعْفُ عَنَّا) قال: قد فعلت (وَاغْفِرْ لَنَا) قال: قد فعلت (وَارْحَمْنَا) قال: قد فعلت (أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) قال: قد فعلت، فنحن من أيامه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأيام منصورون على القوم الكافرين.
قُل لأفكارهم القاصرة لا يظنون أنهم بشيء من هذه الأسلحة وما قادوه من حروب سابقة، وما عملوه مما سموه استعمار أنهم انتصروا علينا لا لا لا! النصرة لمحمد وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، لهم الخيبة في كل ما قاموا به، ولهم الفشل فيما هم قائمون عليه، وسيفشلون ولن ينقذ شعوبهم إلا هذا الدين، ولا يُنقذ أحوال الناس في أراضيهم إلا هذا الدين، (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ) [الصافات:].
ولن يبقَ بيت من البيوت في شرق الأرض وغربها إلا ودخله دين رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بِذُل ذليل أو عز عزيز، أعِزنا بطاعتك يا رب.
وهؤلاء الذين استؤجروا من بيننا ليُحدثوا الفتن بيننا؛ ربِّ من لم تسبق عليه الشقاوة عجِّل بهدايته، ومن سبقت عليه الشقاوة عجّل بهلاكه، سيدنا مولانا اقطع الطريق على هؤلاء الكفرة والفجرة لا يبلُغوا مرادهم فينا ولا في أهل لا إله إلا الله، سيدنا ومولانا لجأنا إليك توجّهنا إليك، مُتذللين بين يديك موقنين أنك القوي القادر والإله الفاطر، اللهم اهزم وزلزل فئات الكفر والعدوان، والاعتداء والظلم والخداع والأذى للمسلمين بغير حق.
اللهم فرِّق بين كلماتهم وقلوبهم وخُذهم أخذ عزيز مقتدر، اجعل أعداءك أعداء الدين كعصفٍ مأكول، يا قوي يا متين يا رحمن يا رحيم، يا عزيز يا قادر، يا من بيده أمر الباطن والظاهر، لا تصرِف مِن مجمعنا أحداً إلا وهو لك ناصر، ولحبيبك الطاهر، بجميع ما آتيته، واجعل حقيقة (سمعنا وأطعنا) قائمة فيه، مُتحققاً بها بقلبه وقالبه، وزِدنا طاعة وزدنا إيماناً وزدنا سماعاً لما أوحيتَ إلى نبيك المصطفى محمد، ولا تصرفنا إلا في الموفقين المقبولين والهداة المهتدين، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
الدعاء للمسلمين
يا حي يا قيوم، قلت (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [الأنفال] نستغيثك يا الله لأهل السودان، نستغيثك يا الله لأهل غزّة، نستغيثك يا الله لأهل رفح، نستغيثك يا الله لأهل الضفّة الغربية، نستغيثك يا الله لأهل أكناف بيت المقدس، نستغيثك يا الله لأهل العراق، نستغيثك يا الله للمسلمين في ليبيا، نستغيثك يا الله للمسلمين في الصومال، نستغيثك يا الله للمسلمين في الشام، نستغيثك يا الله للمسلمين في اليمن، نستغيثك يا الله للمسلمين في شرق الأرض وغربها، فأغِثنا واستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد، يا الله.
توجهوا إليه متذللين بين يديه، ونادوه بما ناداه به إمامكم ونبيكم وهاديكم، وقولوا: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم، دعاك بها نبيك وألحَّ بها عليك في ليلة بدر، فأرْضيتهُ يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، وأنزلتَ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [الأنفال] فنسألك بِسِرّ دعائه وتوجّهه إليك؛ بـ "يا حي يا قيوم" فما عرفناها إلا منه ولا أخذناها إلا عنه، فصلِّ عليه واقبلنا فيما توجهنا به إليك على طريقه يا حي يا قيوم، وأرضهِ فيما تُحدِثه فينا وفي أرض السودان وفي هذه الأراضي التي ذكرناها وفي واقع هذه الأمة، أرضهِ بما تُحدثه فينا وفي هذه الآمة وفي هذه الأزمنة.
يا حي يا قيوم بالنبي المعصوم والنبي هود وأرباب الشهود تداركنا وأغثنا، برحمتك نستغيث ومن عذابك نستجير أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
(يمكنكم الاطلاع على الصور أسفل الصفحة)
08 شَعبان 1445