للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  فصل في أحكام الجُنُب.

 صباح الثلاثاء: 30 ربيع الآخر 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  من هو الجنب؟
  •  تحريم قراءة القرآن على الجنب والحائض
  •  قراءة القرآن بغير وضوء
  •  ثلاثة لا تقربهم الملائكة
  •  ماذا يحصل بحضور الملائكة عند الموت
  •  يستحب للجنب الوضوء
    إذا أراد الأكل أو النوم

نص الدرس مكتوب:

فصل في أحكام الجنب 

 

كان علي -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن"، وكان -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله ﷺ يخرج من الخلاء فيقرئنَا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة"، وفي رواية: "كان رسول الله ﷺ يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا". 

وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- لا يرى للجنب بأسًا بقراءة الآية والآيتين، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: لا يقرأ الجنب شيئًا من القرآن ولو حرفًا، وكان ابن عمر لا يقرأ القرآن إلا متوضئًا، وكان إبراهيم التيمي -رضي الله عنه- يقول: لا بأس بكتب الرسائل على غير وضوء. 

وكان ﷺ إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يقول: ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ"، وفي رواية: "ما أحب للرجل أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ ويحسن وضوءه، فإني أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل"، قالت عائشة -رضي الله عنها-: وكان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يغتسل قبل أن ينام وكثيرًا ما كان يتوضأ ثم ينام من غير غسل، وكثيرًا ما كان يغسل يديه فقط وينام ورأيته غير مرة ينام وهو جنب ولا يمس ماء، وكان ﷺ إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم أكل وشرب

 وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "قلت: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا غسل فرجه وتوضأ"

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمدلله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل محبته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 ويذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تعالى/ في هذا الفصل ما ورد فيما يتعلق بأحكام الجُنُب: وهو الذي أتى أهله أو أخرج له المني، فمأخوذ من الجنابة كما تقدَّم معنا وهي البُعد لأنه ممنوع من تلاوة القرآن ومن الصلاة وغيرها من المحرمات عليه؛ فسمي بذلك جُنُبًا. 

وذكر لنا قول سيدنا علي: "كان رسول الله ﷺ يقول: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن".

 وفيه تحريم قراءة القرآن على الجُنُب، وعلى ذلك:

 اتفق الائمة الأربعةأنه لا يجوز للجُنُب أن يقرأ شيئا من القرآن ولا آية واحدة بنية التلاوة للقرآن. 

  • ثم قالواإن كان هناك دعاء فقصد الدعاء أو التحصين فقصد التحصين بقراءة مثل المعوذتين ونحوها؛ فإن هذا القصد يخرج عن قصد التلاوة فيُباح له أن يقرأ ذلك. 
  • يقول الحنفية: إذا قرأ مثل الفاتحة للدعاء، قال: فأما لو قرأ مثل سورة المسد وما يؤثر فيه أن يقول نويت الدعاء أو غيره لأنه لا دعاء فيها مثلا. 
  • يقول الشافعية: القراءة للدعاء أو للتحصين أو للذكر ونحو ذلك يجوز من دون قصد التلاوة.

والحديث عندنا: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن". قال الأئمة الثلاثة في الحائض الحنفية والشافعية والحنابلة: أنه يُحرم عليها قراءة القرآن.

"لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن" 

وهكذا يقول الحنفية: ولو دون آية من المركبات للمفردات إذا قصدت القراءة فهو حرام عليها، كذلك أجازوا لها الدعاء والتحصن بالقرآن كالقول في الجنب، وكذلك أجازوا للمعلمة الحائض تعليم القرآن، تقطع بين كل كلمتين كلمة كلمة لا تقرأ آية؛ ولكن كلمة كلمة بنيَّة التلقين فقط والتعليم، وهكذا عندهم التهجي حرفًا حرفًا أو كلمة كلمة مع القطع يقولون أنه جائزعند الحنفية، وكرهوا للحائض قراءة ما نُسِخَت تلاوته من القرآن بخلاف بقية الأذكار والدعوات، فبالاتفاق لا ينقطع الجنب ولا الحائض عن الدعاء وعن الذكر للرحمن جلَّ جلاله وتعالى في علاه، 

يقول الشافعية: يحرم قراءة القرآن بنية التلاوة ولو بعض آية بحيث تكون جملة مفيدة، 

وهكذا يقول الحنابلة: يحرم قراءة آية فصاعدًا، بعض الآية ما يضر عندهم، فلا يحرم عليها قراءة بعض آية؛ يقولون: لأنه لا إعجاز فيه، قالوا: ما لم تكن طويلة، وكذلك قالوا الحنابلة: يحرم عليها تكرير بعض الآية، لا تقرأ آية كاملة ولا تكرر بعض الآية، أما التهجئة -التهجِّي- لآي القرآن يقول: ليس بقراءة تبيين كيفية النطق بالكلمات.

أما المالكية يقولون: أن الحائض يجوز لها قراءة القرآن في حال استرسال الدم مطلقًا، يعني: كان سواء كانت جُنُبًا أم لا، خافت اللسان، أما إذا انقطع حيضها فلا تجوز القراءة حتى تغتسل، في حالة الاسترسال يجوز، فإذا انقطع الحيض لا يجوز أن تقرأ حتى تغتسل أولًا؛ قالوا: إلا أن تخاف النسيان، نسيان ليش؟! مدة ما تروح تغتسل بتنساه! إلا إذا كان الغسل غير متأتي الآن وعندها آيات تحفظها وخاف أنها تهجرها وتنساها، ولكن هذا يكفي عنه تلاوة الآيات من دون نطق -بالقلب- هذا ممكن تبقى محفوظة من دون أن تنطق بلسانها، وما يغني عنه أيضًا سماع الآيات من الشريط ونحوه، تتسمع من دون ما تنطق فتخرج من الحرج ومن الخلاف كله. 

فالمستحبأن لا يقرأ القرآن إلا وهو على طهارة؛ فذلك أفضللكن قراءة المُحدث دون الجُنبُُ جائزة بالإجماع؛ ووردت فيها أحاديث، "كان رسول الله ﷺ يخرج من الخلاء فيقرئنَا القرآن" يقول سيدنا علي عن النبي ﷺ: "ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة" أي: فالحدث الأصغر لا يمنع من قراءة القرآن؛ فبالاتفاق يجوز أن يقرأ للمحدث حدث أصغر أن يقرأ القرآن دون أن يحمله أو يمسه. 

 

"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- لا يرى الجُنب باسًا بقراءة الآية والآيتين"، وسمعنا قول مذهب الإمام أحمد أنه يحرُم قراءة الآية فما فوق، أو تكرير بعض آية، "وكان علي -رضي الله عنه- يقول: لا يقرأ الجنب شيئًا من القرآن ولو حرفًا".

وهكذا قال الشافعية: إذا كان جملة يفهم منها معنىً ممنوع، "وكان ابن عمر لا يقرأ القرآن إلا متوضئًا" ذلك أكمل وأفضل "وكان إبراهيم التيمي -رضي الله عنه- يقول: لا بأس بكتب الرسائل على غير وضوء" والرسائل قد يأتي فيها استشهاد بآياتٍ ونحوه. 

"وكان ﷺ إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يقول: ثلاثة لا تقربهم الملائكة.." أي ملائكة الرحمة "..جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ"، تتجنب الملائكة القرب من الجنب إلا أن يتوضأ؛ فلا يمنع الملائكة القرب منه إذا توضأ، وفي رواية: "ما أحب للرجل أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ ويحسن وضوءه، فإني أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل"، هكذا جاء في رواية ابن حبان، وفيه أن حضور الملائكة والأرواح الطاهرة يُترجّى به حسن الخاتمة، يُترجّى به نزول الرحمة، وحصول الثبات وما إلى ذلك من الخيرات، ولهذا يتأكد أن لا يدعوا في غرفة المحتضر الذي يشرف على الموت صورة مجسمة ولا يكون عنده امرأة مكشوفة الرأس ولا جنب؛ ما يكون عنده في الغرفة فإنه يمنع دخول الملائكة الرحمة؛ وإذا امتنعت ملائكة الرحمة كثرت الشياطين؛ أقبلت وتزاحمت؛ وبمزاحمة الشياطين يخشى من الزيغ ومن الانحراف عند الموت -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. ولهذا عندك في الحديث الذي رواه بن حبان في صحيحه "فإني أخاف أن يتوفى.." يحضر أجله وتخرج روحه "فلا يحضره جبريل" فإنه لا يدخل مكان فيه جنب، ولا يقرب من الرجل الجنب.

"قالت عائشة -رضي الله عنها-: وكان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يغتسل قبل أن ينام وكثيرًا ما كان يتوضأ ثم ينام من غير غسل، وكثيرًا ما كان يغسل يديه فقط وينام ورأيته غير مرة ينام وهو جنب ولا يمس ماء، -فيه بيان الجواز- وكان ﷺ إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم أكل وشرب" صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وجعلنا الله وإياكم منهم.

إذن فكما قال الشافعية والحنابلة يستحب للجنب الوضوء عند إرادة الأكل والشرب والنوم؛ لحديث عائشة كما تقدم معنا "إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة" كما قرأنا، " إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة" في صحيح مسلم، وهكذا أتى أيضا في صحيح مسلم "إذا أتى أحدكم امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ". 

وذكر الحنفية الجواز، الجواز إذا أراد النوم أو أراد معاودة أهله ونحوه فيقولون يجوز؛ والجواز بمعنى عدم الحرمة المتفق عليه؛ لكن الكراهة؛ المختلف بالكراهة وأنه خلاف الأولى. والقول الثاني من الحنفية لا بأس للجنب أن يتوضأ وضوءه للصلاة وينام ويعاود أهله، وهذا هو الذي يوافق المذاهب الأخرى. 

وأورد لنا الحديث الذي عند البخاري أن سيدنا عمر سأل النبي  ﷺ: "أينام أحدنا وهو جنب؟  قال: نعم إذا غسل فرجه وتوضأ" تكون فترقد وهو جنوب. سواء. و ذكرت لنا السيدة عائشة يختلف أحواله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "قلت: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا غسل فرجه وتوضأ" إذا توضأ يأكل ويرقد وهو جُنُب.

وذكرت لنا السيدة عائشة اختلاف أحواله . ولكن كما تقدم معنا أن الحنفية استحبوا لمن أراد أن يأكل ويشرب وهو جنب أن يتمضمض ويغسل يديه، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.

ولم يرى المالكية استحباب الوضوء عند إرادة الأكل والشرب؛ ولكن قالوا يستحب غسل يديه من الأذى إذا أراد أن يأكل كما يستحب له غسل فرجه ومواضع النجاسة إذا أراد أن يعاود أهله. وإذا أراد النوم تقدم معنا أن عندهم ثلاثة أقوال عند المالكية قول أنه يندب له الوضوء، وقيل أنه يسن، وقيل أنه يجب  قبل أن ينام أن يتوضأ؟ الله أعلم.

رزقنا الله الاستقامة  واتحفنا بالكرامة، ومنحنا الرضوان وأصلح لنا كل شأن، ورفعنا أعلى مكان، نظمنا في سلك الصالحين وأثبتنا في حزبهم مفلحين ووقانا كل صعب بعلمه في الدنيا والآخرة.

 

بسِرِّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه.. 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

02 جمادى الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

14 نوفمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام