(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: فصل في مدة المسح على الخفين.
صباح الأحد: 21 ربيع الآخر 1445هـ
فصل في مدة المسح
قال شريح بن هانئ سألت عائشة -رضي الله عنها- عن المسح على الخفين فقالت: عليك بعلي بن أبي طالب فاسأله فإنه كان يسافر مع رسول الله ﷺ؛ فسألناه فقال: جعل رسول الله ﷺ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم ولو استزدناه لزادنا، وكان يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من بول وغائط ونوم"
وكان ابن أبي عُمارة -رضي الله عنه-، وكان ممن صلى مع رسول الله ﷺ القبلتين يقول: "قلت: يا رسول الله ﷺ أمسح على الخفين؟ قال: نعم قلت يومًا؟ قال: ويومين قلت: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت" وفي رواية "حتى بلغ سبعًا فقال له رسول الله ﷺ: "امسح ما بدا لك".
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يُوقِّت في مسح الخف وقتًا لهذا الحديث، والله أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خير بريته، سيدنا محمّد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرةِ الرحمن من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الراحمين.
وبعد: فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله- هذا الفصل في مدة مسح الخفين، وقد تقدّم معنا أنّ من لبس الخفين على طهارة جاز له إذا أحدث بعد ذلك أن يمسح على الخفين بدل غسل الرجلين، ونُقل الإجماع على جواز ذلك وورد فيه من الأختديث ما يشبه المتواتر؛ وبذلك كان يقول بعض أهل العلم: إنه لا يُنكر المسح على الخفين إلا مبتدع؛ ولكن بما تقدّم معنا من شروط وتنوع اجتهاد الأئمة فيما ورد في النصوص من الشروط، ومن ذلك المدة؛ فإذا أحدث بعد أن لبس الخفين على طهارة كاملة فمن وقت ذلك الحدث تبتدئ المدة عند الجمهور، منهم الأئمة الثلاثة سيّدنا أبو حنيفة وسيّدنا الشافعي وسيّدنا أحمد بن حنبل، فهؤلاء الأئمة الثلاثة يقولون تبتدئ المدة ثم يستمر على المسح إن كان مقيماً يوماً وليلاً من مدة الحدث، وإن كان مسافراً فثلاثة أيام بلياليها لحديث سيّدنا علي هذا الذي أخرجه هنا، وقال المالكية: إذا لبس الخفين على الطهارة فيجوز أن يمسحهما من دون توقيت بوقت، أن يمسح على الخفين إلا من جنابة أو مُبطل كما هو عند غيرهم، أما المدة فلا يعتبرونها واستحبوا أنّه في كل أسبوع -يُبدِّل- ينزع الخفين ويغسل الرجلين.
يقول: "شريح بن هانئ سألت عائشة -رضي الله عنها- عن المسح على الخفين فقالت: عليك بعلي بن أبي طالب فاسأله فإنه كان يسافر مع رسول الله ﷺ.." أي: هو أدرى بأحواله وشؤونه من غيره -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- لقربه منه واختصاصه بالمنزلة لديه، واطلاعه له على كثير من شؤونه وأحواله ما لم يُطلِع عليه غيره. "قالت -سيدتنا عائشة-: عليك بعلي بن أبي طالب فاسأله فإنه كان يسافر مع رسول الله ﷺ،" ويعرف كم يمسحُ في الحضر؟ وكم يمسحُ في السفر؟ "فسألناه فقال: جعل رسول الله ﷺ من ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم ولو استزدناه لزادنا، قال: وكان يأمرنا إذا كنا سفراً -يعني: مسافرين- أن لا ننزع خِفافَنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة؛ ولكن -إنما نمسح للخفين- من بول وغائط ونوم" أي: الحدث الأصغر.
فأجمعوا أنه: إذا أجنب وجب عليه أن ينزع الخفين وأن يغسل القدمين كما يغسل جميع البدن.
وكان ابن أبي عمارة -رضي الله عنه- وكان مِمّن صلّى مع رسول الله ﷺ بالقبلتين؛ -أي: أسلم قديما قبل تحويل القبلة- قلت: يا رسول الله أمسح الخفين؟ قال: نعم، قلت: يوما؟ قال: يوما، قلت: يومين؟ قال: ويومين، قلت: وثلاثة؟ قال: نعم، وماشئت" فهذا على ما ذُكِرَ فيه من ضعف في سنده هو دليل المالكية الذين يقولون بلا توقيت، يجوز أن يمسح ما شاء، "وفي رواية: حتى بلغ سبعًا، فقال ﷺ: "امسح ما بدا لك" وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يوقّتُ في مسح الخف وقتا لهذا الحديث، والله أعلم".
ومن المعلوم أن:
مُبْـطِـلُـهُ خَـلــعٌ ومُـــدَّةُ الـكَـمَـالِ *** فقَدَمَيكَ اغْسِلْ ومُوجِبُ اغتِسَـالِ
يُبطل المسح على الخفين، فإذا انتهت المدة وجب نزعهما وغسل الرجلين فقط كما سمعنا عند الحنفية والشافعية ما دام هو متوضئ؛ لأن الحدث اقتصر على موضع الخف أو القدمان، علمت قول الحنابلة ما يتبعض الحدث، إذا قد في الرجلين حدث فالحدث في الأعضاء كلها، ومثله إذا تخرّق الخفين أو سقط عليه بأي وجه من الوجوه ظهر القدم.
وكذلك يقول الحنفية: إذا أصاب الماء الرجلين معًا أو أكثر إحداهما في الخف، فيعتبرون ذلك ناقضاً للمسح، يقول ما دام وصل الماء إلى الرجل أكثر واحدة أو كلاهما أو أكثر واحدة منهما؛ يقول خلاص أشرفت الآن على غسل القدمين ماعاد له معنى المسح، أكمل الغسل على القدمين ولا يصح أن تبقى مصلياً بذلك المسح، فعند الحنفية يبطل إذا أصاب الماء الرجل وهي في الخف، فعدوه ناقض للمسح ويجب نزعهما وغسل الرجلين، إما أصاب الماء الرجلين معا أو أكثر واحدة من الرجلين الأكثر؛ أما إذا أصاب الأقل مما يجب غسله لا يضر؛ لكن إذا أصاب الماء أكثر خلاص يقول قف من المسح وأكمل غسل القدمين عند الحنفية.
يقول المالكية والشافعية: ما يضر وصول الماء إلى القدم واحد أو الاثنين ما يعد ناقض للمسح ما دام الماء طاهر فالمسح صحيح، "فكان ابن عمر يمسح عليهما ما لم يخلعهما ولم يؤقت لهما وقتا" كما جاء في رواية الإمام أحمد بن عبد الرزاق والبيهقي وهو دليل المالكية.
رزقنا الله الفقه في الدين والمتابعة لنبيه الأمين، والاقتداء به في كل شأن وحال وحين، وفقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وهدانا إلى سواء السبيل وسقانا من أحلى سلسبيل، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأيقظ قلوبنا من كل رقدةٍ ونومة وغفلة وسنة، وجعلنا من الهداة المهتدين …….في كل شأن وحال وحين.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
22 ربيع الثاني 1445