(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب سنن الوضوء: تخليل اللحية والأصابع
صباح الثلاثاء: 27 صفر 1445هـ
"الرابعة تخليل اللحية والأصابع: قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : كان رسول الله ﷺ إذا توضأ يُخلّل لحيته وعنفقته، فكان يأخذ كفًّا من ماء فيدخله تحت حنكه ويخلل به لحيته ويقول: "هكذا أمرني ربي عز وجل"، وكان ﷺ يعرك عارضه بعض العرك ويشبك لحيته بأصابعه من تحتها، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: رأيت رسول الله يترك تخليل لحيته في بعض الأحيان ويكتفي بغرفة واحدة يُفيضها على رأسه ولحيته، وكان ﷺ يقول: "من لم يخلّل أصابعه بالماء خلّلها الله تعالى بالنار يوم القيامة".
وكان ﷺ يقول: "إذا توضأ أحدكم فليُخلّل أصابع يديه ورجليه"، وكان ﷺ إذا توضأ يدلك ما بين أصابع رجليه بخنصره، وكان لقيط بن صبرة -رضي الله عنه- يقول: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ فقال: "أسبِغ الوضوء وخلّل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: قلَّ كلُّ من يتوضأ إلا ويخطئه الخط الذي تحت الإبهام في الرجل فإن الناس يثنون إبهامهم عند الوضوء فمن تفقد ذلك فقد سَلِم"."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه ورسوله خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حباهم به طُهرا، وعلى أصحابه الذين رفع الله لهم به قدرا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآل كلٍّ منهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يواصل سيدنا الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالوضوء، وقال: "الرابعة" يعني: من سُنن الوضوء "تخليل اللحية والأصابع" وذلك أنّ الله -تبارك وتعالى- أمر على لسان رسوله بإعفاء اللحية، وقد تكون كثيفة وقد تكون خفيفة، فهي على الرجال: ما بين سُنّةٍ مؤكدة وواجبٌ إعفاؤها على قول؛ فحلقها يحرم عند جماهير علماء الشريعة، وقيل يُكره، والجماهير على أنه حرامٌ أن يحلق لحيته هذا بالنسبة للرجل، بخلاف المرأة إذا ظهرت لها لحية فيُسَن لها حلقها؛ لأنه خلاف السُّنة وخلاف العادة والفطرة التي جعلها الله تعالى.
وبعد ذلك لنا عند الوضوء كلامًا عن اللحية وعند الغُسل:
لما جاء أنّ النبي ﷺ كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماءٍ تحت حنكه فخلّل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي، يأخذ غرفة من تحت، من عند الحنك؛ فهذا تخليل اللحية. وجاء أنه يتفقّد العارضين ﷺ، إما قبل تخليل اللحية أو مع تخليل اللحية. بعد ذلك:
هذا ما يتعلق بحكم تخليل اللحية عند الأئمة الأربعة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى. وجاءنا من الأحاديث عند أبي داود والبيهقي يقول سيدنا ابن شداد: "رأيت رسول الله ﷺ إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره" هذا في تخليل الأصابع، وفي تخليل اللحية: جاء عنه ﷺ -نفسه المستورد بن شداد يقول-: رأيت رسول الله ﷺ إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره، وجاء عنه ﷺ أنه إذا توضأ عرك عارضيه، يقول ابن عمر: "كان ﷺ إذا توضأ عَرَك عارضيه بعض العرك ثم شبّك لحيته بأصابعه من تحتها" هكذا في رواية ابن ماجه والدارقطني والبيهقي، والعَرْك هو: الدلك.
وجاء أيضًا عن ابن عباس في تخليل أصابع اليدين والرجلين يقول له ﷺ: "إذا توضأت فخلّل أصابع يديك ورجليك" كما يأتي معنا تخليل أصابع اليدين والرجلين. يقول: "كان رسول الله ﷺ إذا توضأ يُخلّل لحيته وعنفقته،.." في هذه الرواية ذكر العنفقة "كان يأخذ كفًّا من ماءٍ فيدخله تحت حنكه ويخلل به لحيته ويقول: "هكذا أمرني ربي عز وجل"، وكان ﷺ يعرك عارضه بعض العرك" أي: الدلك "ويشبك لحيته بأصابعه من تحتها، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: رأيت رسول الله يترك تخليل لحيته في بعض الأحيان" وهذا ما يعدُّ المستحب والمسنون عند الحنفية؛ أنّه إذا كان تركه بعض الأحيان دخل في جملة المسنون، وإن واظب عليه يقرب إلى الوجوب. "كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: رأيت رسول الله يترك تخليل لحيته في بعض الأحيان ويكتفي بغرفة واحدة يُفيضها على رأسه ولحيته" في بعض الأحيان يبيّن الوضوء مرة واحدة. "وكان ﷺ يقول: "من لم يخلّل أصابعه بالماء خلّلها الله تعالى بالنار يوم القيامة" يعني: إذا لم يصل الماء إليها.
"وكان ﷺ يقول: "إذا توضأ أحدكم فليُخلّل أصابع يديه ورجليه"، وكان ﷺ إذا توضأ يدلك ما بين أصابع رجليه بخنصره" فالتخلِيل في أصابع اليدين يكون بالتشبيك، وإنّما يُكره التشبيك في الصلاة وعند خطبة الجمعة، وأمّا في الوضوء فلا يُكره؛ فيُسنّ أن يُخلّل أصابع يديه بالتشبيك بينهما؛ اليمنى ثم اليسرى. وأما أصابع الرجلين فإنما يُخلّلها بالخنصر، والأفضل أن يكون خنصر اليسرى، ويبدأ من عند خنصر اليمنى إلى إبهامها، ثم من عند إبهام اليسرى إلى خنصرها، على الترتيب.
"وكان لقيط بن صبرة رضي الله عنه يقول: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ فقال: "أسبِغ الوضوء وخلّل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا"، وكان عمر رضي الله عنه يقول: قلَّ كلُّ من يتوضأ إلا ويخطئه الخط الذي تحت الإبهام في الرجل فإن الناس يثنون إبهامهم عند الوضوء فمن تفقّد ذلك فقد سَلِم"، لقوله ﷺ: "ويلٌ للأعقاب من النار"، فينبغي أن يستوعب جميع محل الفرض من أطراف الأصابع إلى الكعبين. وهكذا جاء: "ما أقلّ من يتوضأ إلا ويُحيطه الخط الذي تحت الإبهام في الرجل فإن الناس يثنون" يعني: يعطفون "إِبهامهم عند الوضوء" فيبقى تحت الخط حقه لا يصله الماء، "ومن تفقّد ذلك سلم".
وحديث المستورد بن شداد: "رأيت رسول الله ﷺ إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره"، إذًا: فيُسنّ تخليل الأصابع فهو سُنّة في الوضوء "أسبِغ الوضوء وخلّل بين الأصابع":
قالوا: لأن الغالب في أصابع اليدين تكون مفرَّقة فحُكمها حُكم الظاهر، ولهذا أوجبوا التخليل لليدين، قالوا: والغالب في أصابع الرجلين تكون مُلتصِقة؛ فهي أقرب لحُكمِ الباطن، كما عندهم القول بالكراهة في تخليل اللحية الكثيفة؛ لأنه رأوه مُبالغة، وقيل عندهم: أنه سُنة، وقيل بالوجوب. كذلك في الأصابع؛ المشهور عندهم وجوب تخليل أصابع اليدين، وفي الرجلين قالوا: مُستحب، وقيل: أيضًا بالوجوب فيهما.
ولكن قَصدوا بوجوب التخليل: إيصال الماء إلى البشرة بالدلك؛ لأن الدلك عندهم واجب، وهذه بشرة مِمّا يجب غَسلُه، فيجب دلكه؛ فصار واجب، وخفّفوا في أصابع الرجلين لأنه يغُلب إلتصاقهُما، فكأنه في حُكم الباطن، فلا يلزم دلكه. ولكن في قول عندهم أيضًا أنه يجب حتى في الرجلين، والمشهور عندهم في المذهب: أنه يُستحب في الرجلين التخليل، ويجب في اليدين؛ تخليل أصابع اليدين.
فهذا مُلخص ما عند الأئمة -عليهم رضوان الله تعالى- في القول في تخليل اللحية، وتخليل أصابع اليدين والرجلين. وحَمَل الجمهور أنّ: "مَن لم يُخلّل أصابعه بالماء خُلِلت بالنار" أنّ ذلك في حق مَن لا يصل الماء ولا يبالي، فإنه يُعذب على ذلك، ودليله أيضًا قوله: "ويلٌ للأعقاب مِن النار"، لمّا رأى الأعقاب؛ مُؤخر رَجل بيضاء تَلوح لم يصِلها الماء، قال: "ويلٌ للأعقاب.." ففيه دلالة أنَّ النار تمسك مكان العُضو الذي لم يُغَسَّل في الوضُوء، وقد وجب غسله، فتُمسك به. فكذلك ما بين الأصابع إذا كان لم يصل الماء، أو كان هناك وسخ بينها يمنع وصول الماء إلى البشرة، فيَجب التخليل لإخراج هذا الوسخ.
وعلِمنا قول الجمهور أنّ ذلك سُنّة في تخليل أصابع اليدين والرجلين، وكذلك اللِحية الكثيفة، أما اللحية الخفيفة فيجب إيصال الماء إليها. ولهذا قلنا قال المالكية في المشهور عندهم: يجب تخليل اللحية الخفيفة؛ لأن الدلك عندهم واجب، وغسلها واجب، بخِلاف الكثيفة.
ولا فرق في الحاجبين أن يكُونا كثيفين أو خفيفين، فيجب إيصال الماء إلى الشعر والبشرة في جميع شُعور الوجه، إلا اللحية الكثيفة والعارضين الكثيفين فيجزِئ غَسل ظاهرهما، ويُسنّ التخليل لغسل باطِنهما.
رزقنا الله الاتّباع لنبيّه محمد ﷺ والاقتداء به، والتخلّق بأخلاقه، والتأدب بآدابهِ، ويجعلنا مِن الثابتين على سُنّته والمتُمسكين بطريقته، والمُهتدين بهديه، وجعل هوانا تبعًا لما جاء به، في خير ولُطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
27 صفَر 1445