(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب سنن الفطرة والنظافة
صباح الأحد: 26 محرم 1445هـ
"وكان ﷺ ينهى عن نتف الشيب ويقول : "إنه نور المسلم يوم القيامة ومن نتف شعرة بيضاء مثلت له يوم القيامة رمحًا تطعنه في وجهه". وكان ﷺ تارةً يرجّل شعره بنفسه وتارةً يرجّله له بعض نسائه، وكان ينهى عن حلقِ شعور رؤوس النساء.
وكان ﷺ ينهى عن الجمّة للحرة والعقِيصة للأمة، والجمّة من شعر الرأس: ما سقط من المنكبين، والعقِيصة: الضفيرة. وكان ﷺ يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، وكان ﷺ يقول: "إنّ الله تعالى نظيف يحبّ النظافة".
وكان ﷺ ينهى النساء عن التعطّر عند الخروج، ويقول: "كل عينٍ زانية، وإن المرأة إذا استعطرت ثم مرّت بالمجلس فهي زانية"، وكان ﷺ يأمر من شابَ بتغييره بالخضاب وينهى عن خضبه بالسواد".
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات)
الحمد لله مُكرمنا بشريعته الغرّاء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه طُرَّا، وعلى من اتبعهم بإحسانٍ وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات الكبراء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالفطرة، وذَكَر نتف ض: وهو ما يبيضُّ من شعر الإنسان. ويُقال أن أول من شاب وظهر فيه الشيب: سيدنا الخليل إبراهيم، وقال: يا ربي ما هذا؟ فقال: نور. فقال: ربي زدني من نورك. وكرِه نتف الشيب جماهير علماء الإسلام، كما قال: "وكان ﷺ ينهى عن نتف الشيب ويقول: إنه نور المسلم يوم القيامة ومن نتف شعرةً بيضاء مثلت له يوم القيامة رمحًا تطعنه في وجهه" وهذا محمولٌ على من فعل ذلك لمحض التزيّن أو لقصدٍ سيء.
ما أوردوا كذلك فيما رواه الخلّال: "أن حجامًا أخذ من شارب النبي ﷺ فرأى شيبةً في لحيته-أي شعرةً واحدة- فأهوى إليها ليأخذها فأمسك النبي ﷺ يده، وقال: "من شابَ شيبةً في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة"، وكانت لم تتجاوز الشعرات البيض فيما بين لحيته وعنفقته وعارضيه ورأسه: سبعة عشر إلى عشرين شعرة، لم تتجاوز ذلك، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولكن كان لكثرة ما يستعمل من الطيب يُظنّ أنه صبغ، واختلفت الرواية أصبغ أم لا؟ فهذا ما يتعلّق بنتف الشيب.
قال: "وكان ﷺ تارةً يرجّل" أي: يمشط "شعره بنفسه وتارةً يرجّل له بعض نسائه" فجاءت سنيّته ترجيل الشعر، كما جاءت أيضًا كراهته أو حرمته -على حسب اجتهاد العلماء واختلافهم- في حلق رأس المرأة؛ حلق رأس المرأة لغير ضرورة ما بين كراهته وحرمته. وقال: "وکان ینهی عن حلق شعور رؤوس النساء" فترجيل الشعر بمعنى: تمشيطه؛ مستحبٌ على وجه الوسط أي: بلا مبالغة؛ ويكون القصد فيه التزيّن للصلاة والقراءة والذكر والمناجاة واتباع سنتهﷺ، وهكذا جاءنا في الحديث "من كان له شعرٌ فليكرمه" أي: بتفقّده وترجيله.
وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان يُصغي إليّ رأسه وهو مجاور-يعني معتكف بالمسجد وهي في خارج المسجد عند الجدار الذي في المسجد إلى الممر الذي بين المسجد وحجرته ﷺ قالت: فأرجّله وأنا حائض". وهكذا يستحبُّ في الترجيل -أي: التمشيط- التيامن؛ أن يبدأ بالجانب الأيمن، كما يُسنّ أن يكون غِبًّا، فإن الإكثار منه مكروه؛ لأنه مبالغة تقتضي تعلّق القلب وإفناء العمر فيما لا طائل تحته أو فيما لا فائدة فيه أو فيما يُمكن أن تتدخل فيه المقاصد السيئة، فكيف بتجاوز الأمر إلى التشبّه بالفساق والفجار! وأن يُقال حلاقة فلان؛ وقصة فلان ممن لا خَلاقَ له، ثم يُحْرَص عليها ثم يُجَعل لها أسعار في أماكن حلاقة المسلمين إلى غير ذلك من الكلام الفارغ التافه البذيء الذي لا معنى له.
يُكره للمؤمن أن يبالغ هو فيه ويكرّر الترجيل في شعر نفسه بنفسه، أما يتشبّه بواحد ما يصلي أو واحد كافر ما أدري من أين جاء؛ هذا من أين خُلِق! ما عاد له هوية ولا إنسانية ولا سُنّة ولا طريقة حتى أصبح تابع للسقطة -والعياذ بالله- ويقول لك موضة! وهو يفتخر بها..غاية في السقاطة والبلاهة والتفاهة! الترجيل مثل الدهن غباً، ثم رخّص فيه ﷺ في كل يوم، لكن كل ذلك على سبيل الوسط والحاجة والتزيّن للمناجَاة وللصلاة وللذكر ولاتّباع المصطفى ﷺ. وكان "يعجبه التيمّن أو التيامن" أي: يبدأ باليمين "في تنعّله وترجّله وطهوره وفي شأنه كله ﷺ". قال أهل الفقه في الدين: فالاستكثَار من الترجِيل والمداومة عليه مكروه إلا لحاجة. فيه حديث أبي داود والترمذي قال حسنٌ صحيح: "أنّ النبي ﷺ نهى عن الترجّل إلا غِبًّا" وقتًا بعد وقت للحاجة، لا أن يقضي نهاره يصفصف على شعره ويقعد أمام المرآة من ربع ساعة ونصف ساعة… وبعدين؟! هل معك شغل في الحياة؟ هل معك مهام، هل معك أمور تقضيها؟ معك واجبات تنطلق فيها؟ أم أصبحت عبد الشعر؟! وهكذا جاء: "نهى النبي ﷺ أن يمتشط أحدنا كل يوم" ثم رخّص فيه كما سمعنا.
"وكان ينهى عن حلقِ شعور رؤوس النساء"، المرأة اختلف العلماء يقول الحنفية والمالكية: لا يجوز لها حلق رأسها من غير ضرورة، وأخذوا فيه عموم حديث: "..الحالقة والصالقة.." وحمله وغيرهم على أن هذا عند وقوع مصيبة؛ عند موت أحد تحلق شعر رأسها جزعًا هذا المحرّم، والذي برِأَ منها ﷺ، "الصالقة والحالقة والشاقّة" التي إذا مات أحد من أقاربها جزعت فحلقت رأسها هذه الحالِقة، أو صلقَت بصوتها، أوالشّاقة تشق ثيابها؛ فهذه الذي برئ منها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وجاء عند الترمذي عن سيدنا علي بن أبي طالب: "أن النبي ﷺ نهى أن تحلق المرأة رأسها" أمّا لعذر أو وجع فلا بأس به،
"وكان ﷺ ينهى عن الجُمة للحرّة والعقِيصة للأمة، والجمّة من شعر الرأس: ما سقط من المنكبين، والعقيصة" أي: الضفيرة العقدة هذه التي يعقدونها من الشعر، "وكان ﷺ يأخذ من لحيته من عرضها وطولها ويقول ﷺ: إن الله تعالى نظيفٌ يحب النظافة"، والحديث عند الترمذي وأبي يعلى والبزّار، قال الترمذي: حسن، "إن الله تعالى نظيفٌ يحب النظافة".
فيشتدّ الخلاف فيما كان دون القبضة والأخذ منه إذا لم يكن هناك تشويه، أمّا حلقها نهائيًا اللحية:
وهكذا تُتجنَّب بعض خصال في اللحية منها:
فيسنّ إذًا إكرامها لقوله ﷺ: "من كان له شعرٌ فليُكرمه"، حتى قال الإمام الغزالي والإمام النووي: يُكره للرجل ترك لحيته شعثةً إيهامًا للزهد. وجاء عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتانا رسول الله ﷺ فرأى رجلاً شعثًا قد تفرّق شعره قال: أما كان يجد هذا ما يُسكّن به شعره؟" رواه أبو داود والحاكم صحّحه ووافّقه الذهبي. "أما كان يجد هذا ما يسكّن به شعره؟" وترجيلها كما سمعتم هو من النظافة المندوب إليها ومن التزيّن للعبادة (..خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد..) [الأعراف:31].
وكان قد ينظر في المرآة إذا سرّح لحيته ﷺ، كما أنه يُسنّ تطييبها كما قالت السيدة عائشة فيما رواه البخاري: "كنت أطيّب النبي ﷺ بأطيب ما يجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته" ﷺ.
"وكان ينهى النساء عن التعطّر عند الخروج" أي: من بيوتهن؛ فلا يجوز للمرأة أن تتعرّض أن يشم الرجل الأجنبي منها عطرًا ولا رائحةً طيبة.
ويقول: "كل عينٍ زانية وإن المرأة إذا استعطرت ثم مرّت في المجلس -أي من الرجال الأجانب- فهي زانية" أي: عليها إثم الزنا والعياذ بالله تبارك وتعالى، فلا يجوز أن تتطيّب المرأة حيث يشم طيبها الرجال الأجانب، إنما تتطيّب لصلاتها وتتطيّب بين النساء ومن السُنّة تطيّبها لزوجها فذلك مما تُثاب عليه.
"وكان يأمر من شاب بتغييره بالخضاب وينهى عن خضبِه بالسواد إلا للجهاد" والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة على منهاج نبيّنا، والاستنان بسنّته، والتخلّق بأخلاقه، والتأدّب بآدابه، وجعل هوانا تبعًا لما جاء به.
فياربّ ثبّتنا على الحق والهدى *** و يا ربّ اقبضنا على خير مِلّةِ
وارعنا بعنايتك حيثما كنّا وأينما كنّا في خير ولطف وعافية
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة
الفاتحة.
27 مُحرَّم 1445