(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: فصل في حكم الكلب وغيره من الحيوانات
صباح الثلاثاء: 7 محرم 1445هـ
"كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليُرِقْهُ ثم ليغسله سبع مرات إحداهنّ بالتراب، وإذا ولغ الهرّ فاغسلوه مرة واحدة"، وفي رواية: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه السابعة بالتراب"، وفي رواية: "فاغسلوه سبع مرات أولاهنّ أو أخراهنّ"، وفي رواية : "فعفّروه الثامنة بالتراب".
وكان ابن سيرين والحكم وحمّاد يكرهون استعمال شعر الخنزير. قال ابن عمر: وكنت أنام في المسجد في عهد رسول الله وكنت فتى شابًّا عزبًا، وكانت الكلاب تبول وتُقبل وتُدبر في المسجد فلم يكونوا يرشّون شيئاً من ذلك، وكانت ميمونة زوج النبي ﷺتقول: "لما أمر النبي ﷺ بقتل الكلاب كان في بيتي جرو صغير فأخرجه رسول الله ﷺ ثم نضح مكانه بالماء".
قال شيخنا رضي الله عنه: وأما الخنزير فلم يبلغنا فيه شيءٌ عن رسول الله ﷺ إنما نهى عن أكل لحمه لا غير."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات)
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة وبيان أحكامها على لسان ذي الوجَاهات الوسيعة عبده المصطفى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه حائز الفضل جميعه، وعلى آله وصحبه ومن أمسى تبيعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رفع الله مراتبهم فهم أهل المراتب الرفيعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،، فقد عقد الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- هذا الفصل في بيان حكم الحيوانات من طهارةٍ ونجاسة في حياتها وموتها، وقال: "فصلٌ في حكم الكلب وغيره من الحيوانات"، وذكر الحديث المشهور: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليُرِقْهُ.." أي: يُرق الماء الذي فيه، "ثم ليغسله -أي الإناء- سبع مرات إحداهنّ بالتراب، وإذا ولغ الهرّ فاغسلوه مرة واحدة" قال: وفي رواية: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه السابعة بالتراب"، وفي رواية: "فاغسلوه سبع مرات أولاهنّ أو أخراهنّ، وفي رواية : "فعفّروه الثامنة بالتراب" "، وبهذا :
وكذلك جاءت الروايات في الحديث فمنها:
فإذا ولغ الكلب في أي إناء فلا يطهر الإناء حتى يُغسل سبعًا إحدهنّ بالتراب؛ هكذا عند الحنابلة وعند الشافعية.
وأنّ ما نُجّس بملاقاة شيءٍ من كلبٍ أو خنزير؛ جعلوا الكلب والخنزير النجاسة المغلظة، وقال الحنفية: بنجاسة الخنزير دون الكلب؛ لما جاء في الآية: (..أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ..) [الأنعام:145]، فإذا لاقى أي شيءٍ من الكلب أو الخنزير شيئًا من الأواني وغيرها من بدن الإنسان وثوبه فلابد من تغسيله سبع مرات إحداهنّ بالتراب، والأفضل أن تكون الأولى.
وقال المالكية: جميع الحيوانات ما دامت حية فهي طاهرة.
وقال الشافعية والحنابلة: سواءٌ في الكلب والخنزير؛ لعابه أو بوله أو عرقه أو أجزاؤه الجافّة إذا لاقت رطبًا كلها في الحكم سواء، والأولى أن يجعل التراب في الغسلة الأولى، لكن إذا لم يكن عين النجاسة موجودة؛ إذا كانت عين النجاسة موجودة فلابدّ من إزالة عين النجاسة أولًا، والغسْلة التي تزيل عين النجاسة تُعدّ هي الأولى، ولو غسّل عدة مرات ولم تَـزُل عين النجاسة فليس بعدد حتى تزول، فإذا زالت العين فهذه أول غسلة. قالوا: الأفضل أن يكون التراب في الأولى، وللتراب: إمّا أن يضع التراب في محل النجاسة ثم يصبّ الماء عليه فيختلط الماء بالتراب في محل النجاسة، أو -وهو الأفضل- أن يضع في الماء قليلًا من التراب ويخلطه به ثم يصبّه؛ وذلك أولى وأوعَب لمكان النجاسة ومرور التراب عليه كله مختلطًا بالماء. ثمّ أنه في الثانية أولى من الثالثة؛ جعل التراب، في الثالثة كذلك أولى من الرابعة وهكذا… فالأولى أفضل ثم ما قَرُب منها.
ورأى الحنفية في الروايات: رواية أولاهنّ، ورواية أخراهنّ ورواية عفّروه الثامنة بالتراب، ورواية إحداهنّ… فرأوا فيه اضطراب فلم يُوجبوا استعمال التراب، وقالوا: يطهر بغسله ثلاثًا إذا غُسل ثلاثًا، وأخذوا برواية: "إذا ولغ الكلب فاغسلوه ثلاثًا". والشافعية والحنابلة قالوا: بِغلظ نجاسة الكلب والخنزير وما تفرّع منهما، وجاء في رواية عند الإمام أحمد: "ثمان مرّات" يُغسل ثمان للرواية التي عند مسلم، "..فعفّروه الثامنة بالتراب"؛ فيُستحبّ إذا غسل نجاسة الكلب والخنزير أن يزيد ثامنة للخروج من الخلاف.
وكون التراب في الأولى أولى كما ذكرنا:
في رواية عند الحنابلة: أنّ أيّ شيء يساعد على الإزالة يكفي بدل التراب، ولكن التراب أولى. والرواية الثانية مثل الشافعية: لا يُجزئ إلا التراب؛ لا يُجزئ إلا التراب في إزالة غسل النجاسة.
فعلمنا أنه يُندب غسل الإناء عند المالكية بسبب ولوغ الكلب فيه، يُندب أن يغسل الإناء سبعًا، وقالوا هذا التعدد في الغسلات تعبّد، وعلمنا أنه عند الحنفية يُغسل ثلاثًا، يُغسل الإناء ثلاثًا إذا ولغ فيه الكلب، أخذوا برواية عند الدارقطني، يقول: "يُغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثًا" أخذوا بها. وجاء أيضًا أنه: ذكروا الكلب يلغ في الإناء أنه يغسله ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا…؛ إذًا فالحنفية والمالكية يرون الاكتفاء بغسل ما ولغ فيه من الأواني من غير استعمال التراب من غير تترِيب؛ لما رأوا في روايات التترِيب من الاضطراب؛ ما بين أولاهنّ وأخراهنّ وإحداهنّ والثامنة.
فإذا تعدد ولوغ الكلب، ولغ في الإناء أول مرّة، جاء ثاني مرة جاء ثالث مرة.. أو جاء كلب ثاني، ثم جاء كلب ثالث… قال الشافعية وغيرهم: يكفي سبع وخلاص يكفي سبع مرات! وقيل بتعّدد الولغَات، وقيل إن كان من الكلب نفسه فيكفي سبع، وإن كان كلب آخر فلكل واحد سبع؛ والمعتمد: أنه يكفي هذا سبع إحداهن بتراب ولو عشرين كلب ولغوا في الإناء فيكفي هذا مرة واحدة: سبع مرات إحداهن بتراب.
فإذا غسل عدّة غسلات حتى زالت العين فالمعتمد أيضًا عند الشافعية: أن هذه غسلة واحدة، لو كان غسل ست غَسلات حتى زالت عين النجاسة؛ هذه واحدة الآن زد ست فوقها حتى تصير غسلتها سبع مرات إحداهن بتراب، فلا تُحسب ثانية ولا ثالثة إلا بعد زوال عين النجاسة.
أمّا الخنزير فقد قال الحنفية والشافعية والحنابلة: أنه نجس العين. وقال المالكية: إنما حُرّم أكل لحمه فقط، حرم الله في القرآن أكل لحم الخنزير قال: (..أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ..) أي: أكل لحم الخنزير رجس، وما قالوا بنجاسته ما دام حيًّا؛ لأن الأصل في كل حيّ الطهارة. وهكذا قال الأئمة أيضًا الآخرون الثلاثة: أن الحيوانات غير الكلب والخنزير ما دامت حية فهي طاهرة؛ كل حي فو طاهر غير الكلب والخنزير.
وجميع الحيوانات إذا صارت ميتة؛ ماتت؛ تصير نجسة، قالوا: إلا الآدمي والسمك والجراد؛ لتكريم ابن آدم، ولقوله ﷺ: "أُحلّت لنا ميتتان ودَمَان؛ أما الميتتان: فالسمك والجراد.." ومعلومٌ أن الحيوانات التي هي حية وطاهرة، وهي جميع الحيوانات عند المالكية، واستثنى الحنفية: الخنزير، واستثنى الشافعية والحنابلة: الكلب والخنزير، أنها ما دامت طاهرة فلُعابها مثله، وكذلك لبنها وكذلك عرقها فهو طاهر ما دامت حية.
ويقول المالكية أيضًا في شعر الخنزير: أنه إذا قُصّ بمقصٍ جاز استعماله؛ لأن الشعر ممّا لا تحلّه الحياة؛ فلا ينجس بالموت إذا قصّ بخلاف إذا نُتف؛ إذا نُتف من خنزيرٍ قد مات؛ فهو نجس، وأما إن قُصّ فهو طاهر. وهكذا قال الفقهاء: أن الدبغ يؤثر في مختلف جلود الحيوانات إلا الخنزير؛ فجلد الخنزير لا يطهر بالدباغ ولا يجوز الانتفاع به؛ لأنه نجس العين. فكما أن الحياة لا تدفع النجاسة عن الخنزير، فكذلك دبغ جلده لا يزيل النجاسة عنه. قال أيضًا المالكية: لأن الخنزير ليس محلًّا للتذكية إجماعًا؛ فلا تعمل فيه الدباغ شيء، فميتته لا يطهرها الدباغ ولا يجوز الانتفاع به. فجلد الخنزير متفقين على أنه لا يطهر بالدباغ.
مع أنّ مذهب الحنابلة أيضًا والمالكية: أن جلد الميتات من أي حيوان لا يطهر بالدباغ، إلا أنّهم قالوا إذا دبغ يجوز الانتفاع به بعد الدباغ في غير المائعات عند الحنابلة، وكذلك يجوز استعماله والانتفاع به مع كونه نجس لا يطهر بالدباغ عند المالكية غير جلد الخنزير، إلا أنه يجوز استعمال الجامدات والمائعات فيه؛ يُعفى عنه وهو نجس، إلا الخنزير هذا لا تتناوله الرخصة باتفاق.
وكذلك جاء في رواية عند أبي يوسف من الحنفية: أن جلد الخنزير يطهر بالدباغ، ولكن هذا ضعيف عندهم، وعلمنا أن المعتمد في مذهبهم كمذهب الآخرين: أنّ الخنزير لا يطهر جلده ولو دُبغ. على أنّ غير الكلب والخنزير إذا دُبغ؛ وهو نزع الفضلات من الجلد بحرّيف لاذعٍ، فأنّ غير الكلب والخنزير إذا دُبغ طَهُر عند الشافعية والحنفية إلا الكلب والخنزير. ولكن الحنابلة والمالكية قالوا: لا يطهر شيء بالدباغ وإنما يجوز الانتفاع به واستعماله إذا دُبغ جلد الميتة غير الخنزير.
فعلمنا كيفية التطهير إذا ولغ الكلب في إناء:
إذا علمنا ذلك فما رأى وقيل بنجاسته فلا يجوز التداوي بأجزائه، فلا يُتداوى بالنجس والمحرّم.
وذكر: "وكان ابن سيرين والحكم وحمّاد يكرهون استعمال شعر الخنزير." وتقدّم معنا فيه حكمه عند المالكية. "قال ابن عمر: وكنت أنام في المسجد في عهد رسول الله وكنت فتى شابًّا عزبًا، وكانت الكلاب تبول وتُقبل وتُدبر في المسجد فلم يكونوا يرشّون شيئاً من ذلك" وعلى هذا:
وهكذا يقول المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية: أن الأرض لا تطهر بالجفاف ولا يجوز الصلاة على مكانها إذا تنجّس ولا التيمم بها؛ لأن النجاسة حصلت في المكان والمزيل إنما هو الماء.
ثم إنه جاء عن ابن عباس عن خالته ميمونة: "أن رسول اللهﷺ أصبح يومًا واجمًا، فقالت: يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم! قال رسول الله: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني" ما جاء! "أما والله ما أخلفني" ما يخلف الوعد جبريل! فاشتغب -قَلِقَ- لذلك، قال: فظلّ رسول الله ﷺ يومه على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاطٍ لنا، فأمر به؛ فأُخرج، ثم أخذ بيده ماءً فنضح مكانه، فلما أمسى لقيَه جبريل فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة! فقال: "أجل ولكنّا لا ندخل بيتًا" يعني: غرفة "فيه كلب ولا صورة". وبعدها لم يأذن النبي ﷺ في استعمال الكلاب إلا كلب صيدٍ أو حراسة، وأنه لغير الحراسة ولغير الصيد لا يجوز اتخاذ الكلاب، و"من اتخذ كلبًا لغير صيدٍ أو حراسة نقص من أجره كل يومٍ قيراط" مثل جبل أحد. وفي هذا الحديث أيضًا: أنه أمر بالمكان الذي كان فيه الجرو فنُضح، أخذ بيده ماء ونضَح به المكان، أرادوا به الغسل، فيَحمله من قال بطهارة الكلب: أن ذلك لاحتمال أن يكون هناك بول أو روث له؛ فاستعمل ذلك. وقال الحنابلة والشافعية: أنه ليُطهّر المكان من أثر الكلب فيه أو لعلّه يكون عرق فيه.
ثم إن الكلب إذا كان عقورًا ضارًّا؛ فهو من الحيوانات التي يُندب قتلها ويُستحب.
فالذي اعتمد من بعده ابن حجر والرملي أن كلب السوق لا يجوز قتله، وقال زكريا الأنصاري: يجوز قتله، بخلاف الضارّ الذي يضر؛ فقتله يُندب وعند الحنفية يجب؛ لأنه ﷺ أمر بقتل هذه الضارّات حتى ولو في الحرم، الكلب العقور أمر بقتله ولو في الحرم، فعُلم أنه كأنه للوجوب.
وهكذا يقول الحنابلة: الكلب المعلّم يحرُم قتله، وكل كلب مباح إمساكه وهو كلب الصيد والحراسة فيحرُم قتله، ثم لا غُرم على قاتله كذلك، مع أنه يحرم قتله. لكن قال بعض الحنابلة: الكلب الأسود يُقتل مثل العقور؛ لأنه أمر أولًا بقتل الكلاب، ثم قال ما بالهم وبال الكلاب، فبقيَ القتل للعقُور، وقال بعض الحنابلة: الأسود؛ الأسود يُقتل لما جاء في رواية: "فإن الكلب الأسود شيطان"،
إذًا ما آذى الناس وضرّهم في أنفسهم وأموالهم يُباح قتله؛ لأنه يؤذي بلا نفع أشبه الذئب،
وما لا مضرّة فيه لا يُباح قتله على قول الجمهور،
وقيل يجوز قتل الكلاب عمومًا،
أما الكلب العقور فاتفقوا على قتله ولو في الحرم؛ لأنه من الفواسق الخمسة التي ذكرهنّ ﷺ فيما جاء في الصحيحين. كذلك يقول الحنابلة مثل المالكية بوجوب قتل العقور، الكلب العقور يجب قتله عملاً بالنص: "..خمسٌ من الدوابّ كلهنّ فاسق يُقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" فقال بوجوب قتلها المالكية والحنابلة، وقال الآخرون: إنما هو للجواز.
"قال شيخنا رضي الله عنه: وأما الخنزير فلم يبلغنا فيه شيءٌ عن رسول الله ﷺ إنما نهى عن أكل لحمه لا غير" وعلى هذا القول بطهارة الخنزير، وإنما المحرَّم أكل لحمه، وعلمنا أن الأئمة الثلاثة قالوا بنجاسة الخنزير، والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة وكمال التطهير والنقاء عن الشوائب، وارتقاء المراتب العليّة، والدخول في دائرة خير البرية، وصلاح كل ظاهرة وخفيّة، والثبات على السيرة السوية والمسالك النقيّة، ونظَمنا في سلك أهل الخصوصية والمزيّة من خيار البريّة، وأَعاذنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين.
بسِرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم.
الفاتحة
08 مُحرَّم 1445